مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 15

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 15/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الحج

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ختام في الصدّ و الإحصار

اشارة

و هما يشتركان في عدم التمكن من إتمام النسك إلّا أن الأوّل ما يكون لأجل العدوّ، و الثاني لأجل المرض (1)،

______________________________

ختام في الصدّ و الإحصار

(1) نصا، و إجماعا، قال الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «المحصور غير المصدود فإن المحصور هو المريض و المصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليس من مرض، و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء» (1).

فما نسب إلى جمع من اللغويين من ترادفهما و إلى آخرين من أن الحصر لأجل منع العدو لا وجه له في مقابل النص و الاتفاق. نعم يظهر عن بعض أن الحصر في الآية الشريفة استعمل في الأعم من الصد فالمورد و إن كان من الصد إلّا أن الاستعمال أعم منه و يمكن أن يراد بما قاله جمع من اللغويين من ترادفهما أي: في الجملة لا من تمام الجهات و هو حسن لا إشكال فيه، و قد فرق بينهما بوجوه:

الأول: تحلل المصدود بالصد عن جميع ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، بخلاف المحصور الذي يتوقف حلهن له على إتيان طواف النساء.

الثاني: اشتراط الهدي في المحصور إجماعا بخلاف المصدود فان فيه خلاف.

ص: 5


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.

و لو اجتمعا يجوز له الأخذ بالأخف (2).

أما الصد ففيه مسائل

اشارة

أما الصد ففيه مسائل:

مسألة 1: المصدود إذا تلبّس بإحرام الحج ثمَّ صدّ تحلل في محله

(مسألة 1): المصدود إذا تلبّس بإحرام الحج ثمَّ صدّ تحلل في محله من كل ما أحرم منه، حتى النساء (3) إن لم يتمكن من إتمام نسكه من غير

______________________________

الثالث: تعيين محل ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة و بمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود فيذبح حيث وجد المانع إن وجب الهدي عليه.

الرابع: احتياج المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي إجماعا، بخلاف المصدود ففيه خلاف.

الخامس: تحلل المصدود في محل الصد، بخلاف المحصور الذي يكون بالمواعدة فقد يتحد و قد يتخلف.

السادس: فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعيين تعجيل التحلل، بخلاف المصدود ففيه خلاف.

هذا ما قالوا في وجه الفرق بينهما و تأتي الإشارة إلى وجه ذلك كله في المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

(2) لصدق الوصفين عليه، و مقتضى إطلاق الدليلين شمولهما لهذه الصورة أيضا، مع أن التحلل عند الإحصار أو الصد جائز لا أن يكون واجبا، فله أن يختار كل ما شاء و أراد.

(3) إجماعا، و نصوصا، منهما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين صده المشركون يوم الحديبية نحر و أحلّ و رجع إلى المدينة» (1)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية زرارة: «المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه، و يأتي النساء» (2).

ص: 6


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 5.

طريق الصدّ أو تمكن و قصر ماله عن ذلك (4)، و لو كان متمكنا منه استمر على إحرامه، و لا يجوز له التحلل منه حتى لو خشي الفوات (5)، فلا يتحلل إلّا بعد تحقق الفوت، فيتحلل حينئذ بعمرة كغيرة ممن فاته الحج بعد الإحرام له (6)، و كذا لا يتحلل بالعلم بالفوات، بل لا بد من تحققه خارجا (7).

مسألة 2: يجب عليه بعد التحلل إتيان الحج في القابل

(مسألة 2): يجب عليه بعد التحلل إتيان الحج في القابل إن كان واجبا عليه، أو صار مستطيعا في السنة القابلة، و إلا فيستحب (8).

مسألة 3: لا يتحلل المصدود إلّا بعد ذبح الهدي أو نحره

(مسألة 3): لا يتحلل المصدود إلّا بعد ذبح الهدي أو نحره (9) في

______________________________

(4) لأن إتمام النسك بالتلبس بالإحرام واجب بالأدلة الثلاثة فتجب مقدماته مع القدرة عليها بأي وجه أمكن، لوجوب مقدمة الواجب المطلق باتفاق الفقهاء بل العقلاء.

(5) لإطلاق الأمر بالإتمام، و لأن مقتضى أصالة بقاء حكم الإحرام عدم جواز التحلل منه، و أصالة عدم انطباق عنوان الصد عليه.

(6) لعدم صدق عنوان الصد عليه حينئذ فيختلف الموضوع و يتغير الحكم لا محالة

(7) لظهور الأدلة في انحصار التحلل بتحقق الصد خارجا أو الفوت كذلك و مع عدمه فإطلاق الأمر بالإتمام، و الأصول المذكورة تقتضي بعدم التحلل.

(8) أما وجوبه مع كونه مستقرا عليه فلإطلاق دليل فوريته كل ما أمكن، و كذا في ما إذا لم يكن مستطيعا و صار مستطيعا إلى السنة القابلة. و أما الاستحباب في غيرهما، فلعموم ما دل على استحبابه في كل سنة خصوصا في مثل المورد الذي يشهد له التأسّي أيضا.

(9) البحث في هذه المسألة من جهات:

ص: 7

.....

______________________________

الأولى: في أصل وجوب الذبح أو النحر و استدل عليه بأمور:

منها: دعوى إجماع أكثر العلماء إلا مالك كما عن المنتهى.

و منها: استصحاب حكم الإحرام إلا مع العلم بحصول المحلل.

و منها: النصوص التي تقدّم بعضها، و كالمرسل عن الصادق عليه السّلام:

«المحصور و المضطر يذبحان بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه» (1).

و منها: فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله له.

و نوقش في الكل. أما الأول: فلما ثبت في محله من عدم الاعتماد على مثل هذه الإجماعات ما لم يوجب الاطمئنان برأي المعصوم عليه السّلام.

و أما الثاني: فلإمكان أن يقال إن الشك في أصل الموضوع لأن بقاء الإحرام إنما هو في ما إذا لم يتحقق الصد و مع تحققه يحصل التحلل قهرا فلا مجرى للاستصحاب حينئذ.

و أما الأخبار: فبين ما هو قاصر سندا و بين ما هو حكاية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و لا ريب في أصل رجحانه، و أما استفادة الوجوب منه فمشكل.

و لكن الكلام في اعتبار إجماعهم، مع أنه على فرض الاعتبار فاستفادة الوجوب منها أول الكلام، و لذا ذهب ابن إدريس إلى عدم الوجوب في المصدود، للأصل بعد المناقشة فيما مر من الأدلة.

الثانية: في مكان الذبح أو النحر: و المعروف أنه في مكان الصدر، لظاهر النصوص و الفتاوى بحيث يظهر منهم التسالم عليه فتكون الجملة الخبرية الواردة في النصوص المتقدمة في مقام الإنشاء المستفاد منها الوجوب كما ثبت في محله و إطلاقها يشمل الحرم و خارجه.

الثالثة: هل يتعين عليه الذبح أو النحر في مكان الصد بالوجوب التعييني أو يتخير بينه و بين البعث؟ نسب إلى ظاهر النصوص و الفتاوى الأول، لما ثبت في الأصول من أن إطلاق الأمر يقتضي الوجوب العيني التعييني النفسي، لأن غيره يحتاج إلى عناية زائدة و الأصل عدمها بعد فقد الدليل عليها.

ص: 8


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2.

محل صدّه، أو يبعثه (10) فليس للذبح أو النحر مكان مخصوص (11)، و إنما يكون مكانه فعلا أو بعثا محلّ الصدّ، و يدور مداره أينما تتحقق و لو كان في بلده (12).

مسألة 4: لا تجب نية التحلل عند الذبح أو النحر

(مسألة 4): لا تجب نية التحلل عند الذبح أو النحر (13) و إن كان

______________________________

و لكن نسب إلى أبي الصلاح و الأحمدي وجوب البعث و إلى الإسكافي التفصيل في البدنة بين إمكان الإرسال فيجب و بين عدمه فينحر في محل الصد، و عن الخلاف، و التحرير، و التذكرة التخيير و أولوية البعث، و اختار التخيير و أولوية البعث، و اختار التخيير في الجواهر و النجاة و هو الأوجه، لأن الأصل في محل ذبح الهدي أن يكون في منى إن كان للحج، و في مكة إن كان للعمرة، و ما ورد في المقام لا يستفاد منها أزيد من الترخيص، لأنه من الأمر الوارد في مقام توهّم الحظر، و يشهد له ما ورد في المحصور من البعث و الإنفاذ فيصير كل ذلك قرينة على سقوط الأمر عن الظهور في الوجوب التعييني.

(10) لما تقدم من التخيير.

(11) للأصل، و ظواهر الأدلة التي علق فيها الهدي على الصد، فأين ما تحقق يترتب الحكم.

(12) كما صرح به الشهيد فقال: «يجوز التحلل في الحل و الحرم بل في بلده إذ لا زمان و لا مكان مخصوصين فيه» و صرح به في النجاة أيضا.

فرع: لو صدّ في محل خاص و لم يذبح في ذلك المحل و لم يبعث هديا إلى منى و لكن أخبر- بالتلفون مثلا- إلى بلده لأن يذبحوا عنه فأخبروا بوقوع الذبح هل يجزي ذلك في جواز التحليل أو لا؟ الظاهر هو الأول بعد عدم اعتبار مكان خاص له و ان كان خلاف الاحتياط، لإمكان أن يراد بعدم تعيين المكان بالنسبة إلى الأمكنة اللاحقة على مكان الصد لا السابقة عليه.

(13) للأصل، و إطلاق الأدلة. و نسب إلى جمع منهم الشيخ و الفاضل

ص: 9

الأحوط ذلك (14)، و كذا لا يحتاج التحلل إلى الحلق أو التقصير (15)،

______________________________

الاحتياج إلى النية، لأن «الأعمال بالنيات» (1)، و لأن الذبح يقع على وجوه فلا بد من التعيين بالنية، و لأن التحلل من الإحرام قصدي.

و الكل مردود: لأن الحديث الأعمال بالنيات معناه أنه إن قصد العامل بعمله الزخارف الدنيوية فله ما قصد و إن قصد الآخرة فله ما قصد راجع مقدمات العبادات في الوسائل و الأخيران عين المدعي فلا وجه لأن يجعل دليلا مع أن ثانيهما باطل من أصله.

(14) خروجا عن خلاف من ذهب إلى الاعتبار.

(15) لإطلاقات الأدلة، و أصالة البراءة و نسب إلى العلامة تعين التقصير، و إلى آخر التخيير بينه و بين الحلق، و إلى آخر تعين الحلق و الكل بلا دليل إلا استصحاب بقاء الإحرام، و الرواية العامية الدالة على أنه صلّى اللّه عليه و آله حلق يوم الحديبية (2)، و في رواية أخرى أنه صلّى اللّه عليه و آله قصّر فيها (3)، و لكن الاستصحاب محكوم بإطلاق الأدلة كتابا- كما يأتي- و سنة، و الخبران قاصران سندا.

و أما خبر فضل بن يونس قال: «سأل أبا الحسن عليه السّلام عن رجل حبسه سلطان يوم عرفة بمكة فلما كان يوم النحر خلّى سبيله كيف يصنع؟ قال عليه السّلام:

يلحق فيقف بجمع ثمَّ ينصرف إلى منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر قال عليه السّلام: هذا مصدود عن الحج إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا ثمَّ يسعى أسبوعا و يحلق رأسه و يذبح شاة و إن كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه» (4) فلا دلالة

ص: 10


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمات العبادات حديث: 6.
2- راجع المغني لابن قدامة ج: 3 صفحة 371- 375 طبعة بيروت 1392- 1972.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 5 و 2.

و إن كان الأحوط ذلك (16).

مسألة 5: لو كان قد ساق هديا ثمَّ صدّ أو أحصر كفاه ما ساقه عن هدي التحلل

(مسألة 5): لو كان قد ساق هديا ثمَّ صدّ أو أحصر كفاه ما ساقه عن هدي التحلل (17) و إن كان الجمع أحوط (18).

مسألة 6: لا بدل لهدي التحلل لا اختيارا، و لا اضطرارا

(مسألة 6): لا بدل لهدي التحلل لا اختيارا، و لا اضطرارا فيبقى على

______________________________

له على شي ء في المقام لا على اعتبار الحلق أو التقصير و لا على عدم الاعتبار.

(16) خروجا عن خلاف من اعتبر ذلك.

(17) على المشهور، بل ادعى عليه الإجماع، لإطلاق قوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1)، و أصالة البراءة عن وجوب هدي آخر، و صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني قال عليه السّلام: يبعث بهديه قلت: هل يتمتع في قابل؟ قال عليه السّلام: لا و لكن يدخل في مثل ما خرج منه» (2)، و صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «خرج الحسين معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فلحق شعر رأسه و نحرها ثمَّ أقبل حتى جاء فضرب الباب- الحديث-» (3) و مثله صحيحه الآخر و المناقشة فيها بأنها في المحصور دون المصدود مع أن بعضها في مورد الاشتراط لا وجه لها، للاتفاق على عدم الفرق بينهما من هذه الجهة.

(18) خروجا عن خلاف الصدوق رحمه اللّه و غيره حيث ذهبوا إلى التعدد، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب، و للفقه الرضوي: «فإذا قرن الرجل الحج و العمرة فأحصر بعث هديا مع هديه، و لا يحل حتى يبلغ الهدي محله فإذا بلغ محله أحل و انصرف إلى منزله و عليه الحج من قابل» (4).

ص: 11


1- سورة البقرة: 196.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2.
4- راجع فقه الرضا صفحة: 26 و في مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار.

إحرامه حينئذ مع العجز إلى أن يقدر عليه أو على إتمام النسك و لو بعمرة (19).

مسألة 7: كل عمل يبطل الحج بتركه يكون الممنوع منه مصدودا

(مسألة 7): كل عمل يبطل الحج بتركه يكون الممنوع منه مصدودا،

______________________________

و فيه: أن مقتضى إطلاق الآية الشريفة و الأخبار كفاية مطلق الهدي و كل ما استيسر منه فلا تعدد في السبب حتى يتمسك بقاعدة تعدد المسبب بتعدده، و الفقه الرضوي لم يثبت اعتباره.

(19) للأصل، و ظواهر الأدلة و إجماع الغنية، و استصحاب بقاء الإحرام إلى أن يأتي بتمام النسك و يحصل التحلل و عن العلامة في القواعد الإشكال فيه، للعسر و الحرج، و خبر زرارة: «إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستّة مساكين و الصوم ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين» (1)، و في خبر ابن عمار في المحصور: «فان لم يجد ثمن هدي صام» (2) و في صحيحه: «قيل له: فان لم يجد هديا؟ قال عليه السّلام: يصوم» (3) و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر زرارة: «يذبح في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يطعم ستة مساكين» (4) و في خبر ابن جذاعة- على ما في الجواهر- عن الصادق عليه السّلام: «في المحصور فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما»، فإذا ثبت ذلك في المحصور يثبت في المصدود بالأولى، لأن الحرج منه أشد غالبا.

و فيه: أن الحرج غير مسلم، و على فرض تحققه فقد تقدم حكمه في تروك الإحرام، و الأخبار المذكورة مضافا إلى قصور السند في جملة منها و اختلاف المتن معرض عنها عند الأصحاب، و صحيح ابن عمار مجمل متنه

ص: 12


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2 و 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2 و 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.

و إن أتى بغيره مما تقدم عليه أو تأخر عنه (20)، كالمنع عن وقوف الموقفين بأقسامهما التي تقدمت (21)، و لا يجب عليه الصبر حتى يفوته الحج (22).

مسألة 8: لو صد بعد إدراك الموقفين عن نزول منى خاصّة

(مسألة 8:) لو صد بعد إدراك الموقفين عن نزول منى خاصّة استناب في الرمي و الذبح كما في المريض (23)، ثمَّ حلق و تحلل (24)، و أتمّ باقي الأفعال (25)، و لو لم يتمكن من الاستنابة لإعمال منى يتحلل بالهدي في مكانه (26)، و لو كان الصد من اعمال منى و مكة فهو كالصد من منى بل

______________________________

كما لا يخفى على من راجع تمامه، و أولوية المصدود من المحصور أيضا ممنوعة، فلا مجال إلّا الاستصحاب بقاء الإحرام.

(20) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و قضية صد الحديبية. و يصدق الصد على غيره أيضا كما يأتي.

(21) بلا ريب و لا إشكال فيه من أحد.

(22) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و ما فعله صلّى اللّه عليه و آله في صد الحديبية فلا وجه لتوهم أنّه لا صد عن الشي ء قبل وقته، و لا صد عن الكل بالصد عن بعضه، لأنه كالاجتهاد في مقابل النص و الإجماع فالمناط كله صدق وقوع الصد خارجا كما تقدم.

(23) لقبولهما للنيابة عند الضرورة نصا- كما تقدم- و فتوى و المقام من أفرادها.

(24) لتمامية نسكه بعضها بالمباشرة و بعضها بالاستنابة فيصح له التحلل بالحلق.

(25) لفرض تمكنه من إتيانها مباشرة فيجب عليه الإتمام.

(26) لصدق الصد عليه، فيشمله إطلاق ما دل على التحلل بالهدي لأجله، و تشهد له قاعدة نفي الحرج، و أولوية البعض بالإحلال من الكل.

ص: 13

أولى (27).

مسألة 9: لو صدّ عن مكة خاصّة بعد الإتيان بأعمال منى

(مسألة 9): لو صدّ عن مكة خاصّة بعد الإتيان بأعمال منى، فإن أتى بالطواف و السعي في تمام ذي الحجة و لو بالاستنابة صح حجه (28)، و إلّا

______________________________

و عن المسالك، و المدارك احتمال البقاء على إحرامه، للأصل، و ظهور الأدلة في أن الصد عبارة عما يفوت به تمام الحج بالكلية لا بعضه، و لأن من لوازمه الحج في القابل وجوبا أو ندبا و في المقام لا وجه لهذا اللازم.

و الكل مردود: إذ لا وجه للأصل مع ظهور الإطلاق و كون الصد عبارة عما يفوت به تمام الحج من مجرد الدعوى مع أنه عين المدعي، و مخالف لإطلاق الأدلة و المنساق منه أنه كل ما يفوت به الوظيفة لجهة خاصة، و الأخير من لوازم بعض أقسامه لإتمامها. نعم من لوازمه جواز الإحلال من الإحرام و الهدي و هما ثابتان في المقام، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «و ظاهر الأدلة كتابا و سنة و فتوى ثبوت الهدي بتحقق موضوع الصد لا أقل من الشك و الأصل البقاء على الإحرام فإيجابه الشرطي حينئذ للأصل لا للفحوى و هو كاف في ذلك و حينئذ يكون الحاصل تحقق الصد الموجب للتحلل و الهدي في عامه إلّا ما يقبل النيابة فيجب و لا ثمرة للصد فيه إلا جواز التحلل فيما لا تحلل إلا بفعله أو بالصد».

(27) لما تقدم من إطلاق الأدلة و لم يخالف فيه في المسالك، و المدارك بل جعله أجود الوجهين في الأول، و استحسنه في الأخير، و جزم به الفاضل في التذكرة و المنتهى.

(28) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فلا وجه إلا للإجزاء، مع أن بناء الشارع في الحج على التسهيل و الاستنابة في الأعذار مهما أمكن.

و دعوى: قصور أدلة الاستنابة عن ذلك كما عن بعض، مخدوشة بأن من راجع أخبار الحج يطمئن بأن غرض الشارع هو تحقق هذا العمل من المكلف

ص: 14

فيجوز له التحلل بالهدي (29)، و لكن الأحوط البقاء على إحرامه بالنسبة للنساء، و الطيب، و الصيد حتى يأتي بباقي المناسك (30) و لو صدّ عن أعمال مكة خاصة بعد ورودها فيجزي ما قلناه بالأولى.

مسألة 10: لا يتحقق الصدّ بالمنع عن العود إلى منى لرمي الجمار

(مسألة 10): لا يتحقق الصدّ بالمنع عن العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث و المبيت بها، بل الحج صحيح و يستنيب للرمي في تلك السنة مع الإمكان، و مع عدمه ففي القابل (31).

مسألة 11: يتحقق الصدّ من العمرة- تمتعية كانت أو مفردة بالمنع عن دخول مكة

(مسألة 11): يتحقق الصدّ من العمرة- تمتعية كانت أو مفردة بالمنع عن دخول مكة، أو إتمام الأعمال بعد الدخول و لو طواف النساء في العمرة

______________________________

و ترتيب الأثر عليه خصوصا في الأعصار القديمة مع تحمل المشاق مباشرة أو تسبيبا، فالقول بأن أدلة الاستنابة مختصة بمن دخل مكة أو ما ذكر فيها بالخصوص من المرض و الكسر و الهم و نحو ذلك باطل، بعد إمكان كون هذه المذكورات من باب الغالب و المثال.

(29) لإطلاق أدلة الصد، و نفي الحرج، و الأولوية خصوصا بعد مضي ذي الحجة.

(30) و قد جزم به جمع منهم الشيخ في المبسوط، و الفاضل، و الشهيد في الدروس، لأن المحلل للإحرام إما الهدي للمصدود و المحصور أو الإتيان بأعمال يوم النحر و الطوافين و السعي، فإذا شرع في الثاني و أتى بمناسك منى يوم النحر تعين عليه الإكمال، و لا دليل على الخلاف.

و فيه: أن إطلاق أدلة الصد، و قاعدة نفي الحرج دليل على الخلاف فلا موجب لتعين الإكمال.

(31) للإجماع، و لما دل على جواز الاستنابة للرمي مع العذر إن أمكن في العام و إلا ففي القابل، و قد تقدم في أحكام الرمي فراجع.

ص: 15

المفردة (32) و إن كان الأحوط البقاء على إحرامه بالنسبة إليهن (33).

مسألة 12: التحلل بالهدي للمصدود رخصة لا أن يكون واجبا عليه

(مسألة 12): التحلل بالهدي للمصدود رخصة لا أن يكون واجبا عليه (34)، فيصح له التحلل بالعمرة في كل مورد يجوز له ذلك، كما يجوز التحلل بالهدي لأجل الصدّ و لا دم عليه حينئذ لفوات الحج (35)، و إن كان أحوط (36).

مسألة 13: يتحقق الصد بالحبس ظلما على مال أو عن الحج

(مسألة 13): يتحقق الصد بالحبس ظلما على مال أو عن الحج

______________________________

(32) كل ذلك لإطلاق أدلة الصد بعد صدقه عرفا مؤيدا بقاعدة نفي الحرج و سهولة الشريعة.

(33) خروجا عن مخالفة المسالك حيث قال: «يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن».

و فيه: أن مقتضى إطلاق أدلة الصد، و قاعدة نفي الحرج عدم التمكن عرفا من إتيان تمام النسك أو بعضها ما هو المتعارف و إن تمكن بما هو خلاف المتعارف.

(34) للأصل، و ظهور الاتفاق، و الأمر بإحلال و إن أفاد الوجوب إلا أنه حيث ورد في مقام توهم الحظر لا يستفاد منه إلا الإباحة.

(35) أما جواز التحلل بالعمرة في كل مورد يجوز ذلك: فلما تقدم في مسائل الوقوفين و من فاته الحج، و أما عدم وجوب الدم عليه لفوت الحج:

فللأصل بعد عدم دليل معتبر عليه.

(36) لخبر داود الرقي قال: «كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام بمنى إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج، فقال عليه السّلام: نسأل اللّه العافية، ثمَّ قال عليه السّلام: أرى عليهم أن يهرق كل واحد منهم دم شاة و يحلق- الحديث-» (1).

ص: 16


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 5.

نفسه (37)، و لو حبس بدين فإن تمكن من الأداء، فليس من الصد، و إلّا يكون منه (38) و إن كان الأحوط مراعاة محلل آخر غير المصدود له أيضا إن أمكن (39).

مسألة 14: لو صابر المصدود حتى فاته الحج لم يجز له التحلل بالهدي

(مسألة 14): لو صابر المصدود حتى فاته الحج لم يجز له التحلل بالهدي سواء كان ذلك منه لرجاء زوال العذر أو لا، بل يتحلل بعمرة مفردة كغيره ممن فاته الحج (40)، و لا دم عليه للفوات، و إن كان هو

______________________________

و فيه: أنه لم يعلم منه أن الدم للفوات من حيث هو إذ يمكن أن يكون لجهة أخرى، مع أنه إعراض المشهور عنه أوهنه، إذ المشهور كما في كشف اللثام عدم وجوب الدم للفوات.

(37) لصدق الصد بالنسبة إليهما، فتشمله الأدلة، مع أنه قد ورد في النص عن أبي الحسن عليه السّلام تحقق الصد بمطلق حبس السلطان (1) و إطلاقه يشمل الجميع و من ذلك ما يحصل من منع الحكومة عن إتمام الحج أو العمرة بحبس أو أخذ أو منع أو نحوهما.

(38) لظهور الإجماع، و أصالة بقاء الإحرام حتى يأتي بالمحلل في الأول و لإطلاق دليل الصد الشامل للثاني و احتمال اختصاصه بخصوص العدو مما لا دليل عليه. نعم هو الغالب في مورد استعماله و ذلك لا يوجب التخصيص.

(39) لأنه حسن على كل حال.

(40) لعدم صدق المصدود عليه حينئذ هكذا علله في الجواهر و غيره و لكن في المستند: «فإن ثبت الإجماع و إلّا فللبحث فيه مجال لاستصحاب جواز التحلل بالهدي و صدق المصدود من الحج عليه».

أقول: و هو حسن إلا أن يقال: إن العرف لا يساعد على صدق المصدود

ص: 17


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2 و غيره.

الأحوط (41)، و عليه تدارك الحج في القابل مع الوجوب و إلّا فنديا (42).

مسألة 15: من صابر وفاته الحج و طالت المدة

(مسألة 15): من صابر وفاته الحج و طالت المدة بحيث لم يصدق عليه الصد و أراد التحلل بالعمرة و لم يتمكن منها لاستمرار المنع تحلل من العمرة بالهدي (43) بل لو صار إلى بلده و لم يتحلل و تعذر العود في عامه لعذر كان له التحليل بالذبح في بلده (44).

مسألة 16: لو علم انكشاف العدو لم يجز له التحلل حينئذ

(مسألة 16): لو علم انكشاف العدو لم يجز له التحلل حينئذ (45)، بل الأحوط ذلك فيما لو لم يعلم أيضا (46)، و على أي تقدير لو لم يتحلل و انكشف العدو و لم يفت الوقت أتمّ نسكه و لو اتفق الفوات تحلل بعمرة

______________________________

عليه خصوصا ان كان مع طول المدة فلا وجه للاستصحاب حينئذ فالمدار على الصدق العرفي و مع التردد بينهما فالأحوط التحلل بهما.

(41) لما تقدم في [مسألة 11] لأن الدليل واحد و هو خبر داود الرقي و تقدم الإشكال فيه.

(42) تقدم الوجه فيه في أول فصل الصد [مسألة 2].

(43) لصدق الصد عليه حينئذ حدوثا و بقاء.

(44) لصدق الصد عليه، و لقاعدة نفي الحرج و قد أفتى به الشهيد في الدروس و تبعه في المدارك، و احتاط صاحب الجواهر في النجاة و منشأه التردد في صدق الصد عليه، و لكن الظاهر أن قاعدة نفي الحرج تجري و التحلل بالهدي نحو احتياط و لا ريب في حسنه، مع أنه لا وجه للتردد في صدق الصد عليه عرفا و لو بنحو المسامحة العرفية.

(45) لانصراف الأدلة عنه حينئذ بل المتفاهم منها عرفا غير صورة العلم بذلك مضافا إلى أصالة بقاء الإحرام و عدم جواز التحلل منه.

(46) لما تقدم من الأصل، و يظهر عن جمع منهم المحقق في الشرائع أنه

ص: 18

مفردة (47).

مسألة 17: لو تحلل فانكشف العدو و الوقت متسع للإتيان به

(مسألة 17): لو تحلل فانكشف العدو و الوقت متسع للإتيان به وجب الإتيان بحجة الإسلام مع بقاء الشرائط (48) و لا يشترط في بقاء وجوبه الاستطاعة من بلده حينئذ (49).

مسألة 18: لو أفسد حجه فصدّ تحلل و عليه بدنة للإفساد

(مسألة 18): لو أفسد حجه فصدّ تحلل و عليه بدنة للإفساد، و دم للتحلل، و الحج من قابل إن كان الحج مندوبا و يسقط عنه وجوب الإتمام بالصدّ و إن كان حجة الإسلام استقر وجوبه لو استمرت الاستطاعة إلى قابل و وجب عليه حجتان: الأولى للإسلام، و الثانية للإفساد (50)، و يؤخر حج

______________________________

لو غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات جاز له التحلل، و يشمل ذلك صورة الاحتمال بالأولى، بل عن بعض جوازه حتى مع العلم بالانكشاف، و المدرك فيها الجمود على الإطلاقات، و لكن التمسك بها مع القرينة الارتكازية المحفوفة بها و هي أن التكاليف العذرية تدور مدار إحراز استقرار العذر و ثبوته يمنع عن التمسك بالإطلاق إلا أن يكون إجماع على هذا التعميم و هو مشكل.

(47) أما الأول: فلوجود المقتضي للإتمام و فقد المانع عنه فتشمله إطلاقات الأدلة لا محالة.

و أما الأخير: فلصدق فوت الحج حينئذ، فيتحلل بالعمرة كما في جميع موارد فوت الحج.

(48) لشمول إطلاق أدلة وجوبه له بلا مانع.

(49) لما تقدم في الثالث من شرائط وجوب الحج [مسألة 6] فراجع.

(50) لعموم أدلة الصد، و أدلة الإفساد الشامل لصورة الاجتماع كالشمول لمورد الافتراق فتعدد السبب يقتضي تعدد المسبب ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل عليه في المقام، مضافا إلى عدم ظهور الخلاف فيه.

ص: 19

العقوبة عن حجة الإسلام (51).

مسألة 19: لو أفسد حجة بالإجماع فصدّ و تحلل قبل الفوات

(مسألة 19): لو أفسد حجة بالإجماع فصدّ و تحلل قبل الفوات، ثمَّ انكشف العدو في وقت يتسع لاستيناف الحج، وجب عليه إن كان واجبا (52)، و بقيت عليه حجة العقوبة (53)، و كذا يجب عليه إتيان الحج أيضا إن كان الفاسد ندبا (54)،

______________________________

و عن الأردبيلي التشكيك في شمول دليل القضاء بمثل هذا الفاسد و الظاهر أنه في غير محله بعد الإطلاق و العموم في دليله كما تقدم.

(51) لما عن الإيضاح من دعوى الإجماع عليه، و لو لم يستقر الوجوب أو لم تستمر الاستطاعة إلى قابل فلا يجب عليه إلا حج العقوبة، لعموم دليله الشامل لهذه الصورة، و لا يجب عليه قضاء الحج المصدود فيه للأصل بعد عدم دليل عليه إلا دعوى أنه حج واجب قد صدّ عنه و كل حج واجب قد صد عنه يجب فيه القضاء.

و لكنه مخدوش بعدم كلية الكبرى، لأن كل حج مندوب يصير واجبا بالشروع فيه بل لو كان واجبا قبل الشروع فيه فصدّ و لم يكن مستقرا و لم تكن الاستطاعة مستمرة يمكن استكشاف عدم الوجوب فيه.

(52) لتمكنه حينئذ من إتيان الحج الواجب عليه فيجب، للإطلاقات و للعمومات، و قاعدة الاشتغال. نعم يجب عليه حجة أخرى عقوبة على ما تقدم تفصيله في الكفارات في [مسألة 9].

(53) لإطلاق دليل وجوبها بالإفساد الشامل لما وقع في أثنائه.

(54) لأنه بإفساده للحج المندوب وجب عليه حج آخر عقوبة، لما تقدم من أنه لا فرق في ترتب حج العقوبة بين ما إذا كان الحج الذي وقع في أثنائه الجماع بين الواجب و المندوب و المفروض أنه متمكن من إتيان حج العقوبة في سنة الإفساد، لفرض أنه تحلل من إحرامه السابق بمحلل شرعي و هو التحلل

ص: 20

و ليس عليه حج آخر (55).

مسألة 20: لو انكشف العدوّ، و لم يكن قد تحلل مضى في إتمام فاسده و قضاه واجبا

(مسألة 20): لو انكشف العدوّ، و لم يكن قد تحلل مضى في إتمام فاسده و قضاه واجبا، و إن كان الفاسد ندبا (56)، و إن فاته تحلل بعمرة (57) و يجب عليه القضاء، و إن كان ندبا (58)، و عليه بدنة للإفساد

______________________________

بالصد، فالمقتضي لإتيان حج العقوبة موجود و المانع عنه مفقود.

إن قيل: يجب عليه إتمام الحج الفاسد في هذه السنه و إتيان حج العقوبة في العام القابل.

قلنا: لا وجه للإتمام مع تحقق التحلل الشرعي و مقتضى الأصل البراءة عن وجوب الاستيناف الحج الأول ثمَّ إتيان حج آخر للعقوبة. نعم لا إشكال في وجوب حج العقوبة عليه و هو يأتي به في هذا العام.

(55) لأن ما وجب عليه إنما هو الإتمام و لا موضوع له، لأنه تحلل من حجه بمحلل شرعي، و أما الحج قضاء و عقوبة فقد أتى به في عام الإفساد فلا وجه لوجوب حج آخر عليه. هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام، و أما الكلمات فهي مضطربة فراجع المفصلات تجدها كذلك.

(56) أما المضي و وجوب الإتمام: فلوجوب إتمام الحج الفاسد سواء كان واجبا أو ندبا، و المندوب من الحج يجب إتمامه بالشروع فيه.

و أما وجوب القضاء أي: إتيان الحج ثانيا عقوبة، فلأن إفساده الحج بالجماع يوجب إتيان حج آخر عقوبة على ما تقدم في الكفارات فراجع.

(57) لأنه حينئذ كسائر من فاته الحج فيجب عليه التحلل و لا يجري عليه حكم الصد.

(58) لأن القضاء عقوبة بالإفساد لا يختص بخصوص الحج الواجب بل يجري فيه مطلقا و لو كان مندوبا لتعلق الحكم بذات طبيعة الحج من حيث هي و قد تقدم في الكفارات بعض الكلام فراجع.

ص: 21

و لا دم للتحلل (59)، و لو لم يتمكن من التحلل بالعمرة لبقاء المانع يتحلل من دون العدول إليها (60)، و عليه بدنة الإفساد، و دم التحلل و الحج من قابل (61).

مسألة 21: لو صد فأفسد جاز له التحلل أيضا

(مسألة 21): لو صد فأفسد جاز له التحلل أيضا (62)، و عليه بدنة للإفساد و دم للتحلل و القضاء في القابل (63)، و إن بقي محرما حتى فات تحلل بالعمرة المفردة، و عليه بدنة الإفساد و القضاء، و ليس عليه دم التحلل (64).

______________________________

(59) أما وجوب البدنة: فلأن إفساد الحج بالجماع يوجبها نصا و إجماعا على تفصيل تقدم.

و أما عدم وجوب دم التحلل: فلفرض أنه تحلل بالعمرة و لم يتحلل لأجل الصد و إن كان الأولى له الدم، لما تقدم من خبر داود الرقي (1).

(60) لعموم دليل تحلل المصدود بالهدي الشامل لهذه الصورة أيضا و تقتضيه قاعدة نفي الحرج.

(61) لعموم أدلة وجوب جميع ذلك و إطلاقها الشامل للفرض.

(62) لإطلاق أدلة التحلل بالصد الشامل لما إذا كان مسبوقا بالإفساد أو ملحوقا به.

(63) لإطلاق أدلة كل ذلك الشامل لصورة الاجتماع مع الصد و غيرها و قد تقدم كل ذلك مفصلا.

(64) أما التحلل بالعمرة: فلما مر من أن التحلل بالصد ترخيص لا أن يكون عزيمة. و أما سقوط دم التحلل: فلانتفاء موضوعه. و أما بدنة الإفساد و القضاء: فلعموم دليلهما الشامل للمقام.

ص: 22


1- تقدم في صفحة: 417.
مسألة 22: لو لم يندفع العدو إلّا بالقتال لا يجب ذلك

(مسألة 22): لو لم يندفع العدو إلّا بالقتال لا يجب ذلك و إن ظن السلامة (65)، بل لا يجوز مع المعرضية للضرر (66). نعم، لو تهاجم العدو وجبت المدافعة مع الاضطرار إليها (67) و لو قتل نفسا، أو أتلف مالا لم يضمن (68)، و لو ارتكب ما يوجب الكفارة وجب عليه الفداء (69).

مسألة 23: لو طلب العدو مالا و لم يكن ضررا عليه

(مسألة 23): لو طلب العدو مالا و لم يكن ضررا عليه، و لم يكن خديعة في البين وجب بذله (70).

______________________________

(65) للأصل، و الإجماع، و قاعدة نفي الحرج.

(66) إجماعا، و لما دل على النهي عن إلقاء النفس في التهلكة إن لم يكن دليل على الخلاف و المفروض عدمه.

(67) بالأدلة الأربعة على ما يأتي من التفصيل في كتاب الجهاد إن شاء اللّه تعالى.

(68) لما يأتي في كتاب الجهاد، و الحدود من أن دم المهاجم بغير حق و ماله إن تلف لأجل الدفاع هدر و يأتي تفصيل ذلك.

(69) لعمومات أدلته الشاملة لهذه الصورة أيضا.

(70) لأنه حينئذ من مقدمة الواجب المطلق فتجب و لا يجب مع الضرر، لقاعدة نفي الحرج و الضرر.

ص: 23

الإحصار

اشارة

الإحصار المحصور: من يمنعه المرض عن إتمام نسكه على تفصيل تقدم في المصدود (1).

مسألة 1: من أحرم لحج، أو عمرة مطلقا ثمَّ أحصر وجب عليه الهدي

(مسألة 1): من أحرم لحج، أو عمرة مطلقا ثمَّ أحصر وجب عليه الهدي (2)، و لا يحلّ حتّى يذبح هديه في منى إن كان الإحرام

______________________________

الإحصار

(1) نصا، و إجماعا، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «المحصور غير المصدود، و قال المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي رده المشركون كما ردوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- الحديث-» (1).

(2) للأدلة الثلاثة: قال تعالى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (2)، و في صحيح معاوية عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال عليه السّلام: يواعد أصحابه ميعادا، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر فليقصّر من رأسه، و لا يجب عليه الحق حتى يقضي مناسكه و ان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فاذا كان تلك الساعة قصّر و أحل، و إن

ص: 24


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
2- سورة البقرة: 196 و راجع ما يتعلق بالآية المباركة في ج: 3 من مواهب الرحمن في تفسير القرآن.

.....

______________________________

كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله رجع و نحر بدنة إن أقام مكانه، و إن كان في عمرة فإذا برئ فعليه العمرة واجبة، و إن كان عليه الحج فرجع إلى أهله و أقام ففاته الحج و كان عليه الحج من قابل فان ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا، و قال عليه السّلام: إن الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض فقال عليه السّلام: يا بني ما تشتكي؟ فقال عليه السّلام: رأسي فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده إلى المدينة، فلما برئ من وجعه اعتمر- الحديث-» (1) و موثق زرعه قال: «سألته عن رجل أحصر في الحج قال عليه السّلام:

فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله و محله منى يوم النحر إذا كان في الحج و إن كان في عمرة نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك اليوم فقد وفى و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّه تعالى» (2) و قريب منهما غيرهما، و في الجواهر دعوى الإجماع بقسميه عليه في الجملة.

و إطلاق هذه الأخبار يشمل الحج الواجب و المندوب، فلا وجه لما نسب إلى المفيد و سلار من التفرقة بينهما، للمرسل قال الصادق عليه السّلام: «المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ثمَّ يحل، و لا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل» (3) هذا إذا كان في حجة الإسلام، و أما حجة التطوع فإنه ينحر هديه و قد حل ما كان أحر منه إن شاء حج من قابل و إن لم يشأ لم يجب عليه الحج، لأن قصور سنده، و إعراض المشهور عنه أوهنه، مع أن كون تمامه من قول الإمام عليه السّلام أول الكلام.

ص: 25


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 6.

للحج، و في مكة إن كان للعمرة (3)، و زمانه بالنسبة إلى الحج يوم النحر

______________________________

(3) على المشهور، لما تقدم من النصوص. و أما حسنة ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «إن الحسين بن علي عليهما السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه السّلام و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض بها فقال عليه السّلام:

يا بني ما تشتكي؟ فقال عليه السّلام: اشتكي رأسي، فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده إلى المدينة فلما برئ من وجعه اعتمر، فقلت: أرأيت حين برئ من وجعه أحل له النساء؟ فقال عليه السّلام: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال النبي صلّى اللّه عليه و آله حين رجع إلى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت؟! فقال عليه السّلام: ليس هذا مثل هذا النبي صلّى اللّه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا» (1) المعتضد بما تقدم في ذيل صحيحه الآخر، و كذا صحيحه عنه عليه السّلام أيضا أنه قال: «في المحصور و لم يسق الهدي قال عليه السّلام: ينسك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام» (2)، و خبر رفاعة عن الصادق عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل ساق الهدي ثمَّ أحصر قال عليه السّلام: يبعث بهديه قلت: هل يتمتع من قابل؟ فقال عليه السّلام: لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج منه» (3) فيمكن حملها على بعض المحامل، مع أن ظهورها في إحرام الحسين عليه السّلام أول الكلام، كما قيل، و فعل الهدي كان صدقة تصدق بها عن ابنه الحسين عليه السّلام، فلا وجه لما نسب إلى الإسكافي من التخيير بين البعث و الذبح في مكان الحصر جمعا بين الأخبار.

و أما حملها على الضرورة فلا وجه له، لأنه مع تحقق الضرورة يجوز التقصير حينئذ لو لم يبلغ الهدي محله فيقصّر فعلا و يبعث بالهدي إلى محله،

ص: 26


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2.

و أيام التشريق (4)، و بالنسبة إلى العمرة ليس له زمان معين (5). نعم لا بد و أن يكون في مكة (6) فإذا أحرز أنه ذبح أو نحر يقصّر و يحلّ من كل شي ء إلّا النساء (7)، فلا تحل له النساء حتى يحج في القابل بنفسه (8)، أو يطاف عنه مع عدم تمكنه بنفسه من الرجوع و الطواف مباشرة (9).

______________________________

و لكنه مشكل بالنسبة إلى إطلاق الأخبار الذي يستفاد منه الذبح أو النحر في محل الحصر مع الضرورة.

فرع: لا موضوعية لبعث الهدي لمن لم يسق الهدي و لا ببعث ثمنه، بل المناط كله تحقق الهدي عنه و لو بتوكيل بعض أصدقائه، أو بالأخبار بالتلفون و نحوه لبعض إخوانه هناك أن يذبحوا عنه.

(4) نصا، و إجماعا بالنسبة إلى يوم النحر. و أما أيام التشريق فلأنها أيام النحر كما تقدم، و يمكن أن يراد بيوم النحر في صحيح معاوية الجنس الشامل لها أيضا.

(5) للأصل، و الإطلاق بعد عدم دليل على التعيين.

(6): إجماعا، و نصا تقدم في موثق زرعة.

(7) إجماعا، و نصوصا، تقدم في صحيح معاوية، و في خبر حمران «فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير» (1)، و في صحيح معاوية «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة» (2).

(8) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها.

(9) لما تقدّم في محله من جواز الاستنابة حينئذ بلا فرق بين ما إذا كان تطوعا أو واجبا غير مستقر أو مستقرا لم يتمكن من الرجوع. نعم لو كان واجبا مستقرا و تمكن من الرجوع لا يصح له الاستنابة حينئذ.

ص: 27


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث 2.
مسألة 2: لو أحصر النائب عن الغير أو المتبرع عنه

(مسألة 2): لو أحصر النائب عن الغير أو المتبرع عنه، فهو كمن حج عن نفسه، فيجب عليه الهدي أيضا و يحل من كل شي ء حرّم عليه بالإحرام إلّا النساء فلا تحل له إلّا بطواف النساء مباشرة مع التمكن، أو بالاستنابة مع عدمه (10).

مسألة 3: لو أحصر في عمرة التمتع و بعث الهدي و أحرز ذبحه في محله

(مسألة 3): لو أحصر في عمرة التمتع و بعث الهدي و أحرز ذبحه في محله ثمَّ قصّر تحلّ له النساء بالتقصير من دون احتياج إلى طواف النساء لا مباشرة و لا استنابة مع عدمه (11)، و لكن الأحوط الإتيان به مباشرة مع الإمكان و الاستنابة مع العدم (12).

______________________________

(10) لان ظاهرهم أن ما ذكر حكم الحصر مطلقا في كل محصور كذلك بلا فرق بين أقسام الحج.

(11) لأنه بالتقصير في عمرة التمتع إن أتى بها جامعا للشرائط يحل منهن أيضا و ليس فيها طواف النساء فكذا في صورة الإحصار، فيشمله كل ما دل على أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء من إجماع و غيره و لا وجه لزيادة الفرع على الأصل.

(12) لاستصحاب بقاء حكم الإحرام ما لم يدل دليل على الخلاف و لذا مال جمع منهم ثاني المحققين و الشهيدين إلى توقف إحلالهن له عليه.

و فيه: أنه لا وجه للاستصحاب في مقابل ما دل على أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء، و إطلاق ما دل على أن المحصور يحل ببلوغ الهدي محله، و يشهد له صحيح البزنطي: «سأل أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه أيّ شي ء يكون حاله؟ و أي شي ء عليه؟ قال عليه السّلام: هو حلال من كل شي ء فقال: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال عليه السّلام: نعم من جميع ما يحرم على المحرم» (1) فهو

ص: 28


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
مسألة 4: لو ظهر أنه لم يذبح الهدي له و قد تحلل لا شي ء عليه من إثم

(مسألة 4): لو ظهر أنه لم يذبح الهدي له و قد تحلل لا شي ء عليه من إثم، و لا كفارة فيما فعله من منافيات الإحرام. و كان عليه هدي في القابل (13)، و ليمسك من حين البعث إلى يوم الوعد الثاني أيضا (14).

مسألة 5: لو بعث الهدي ثمَّ زال العارض قبل التحلل وجب عليه إتمام النسك

(مسألة 5): لو بعث الهدي ثمَّ زال العارض قبل التحلل وجب عليه إتمام النسك، فإن كان في عمرة مفردة أتمّها و إن كان في الحج و قد أدرك

______________________________

و إن كان لا بد من تقييده بالنسبة إلى بعث الهدي مطلقا و بالنسبة إلى طواف النساء للحج مطلقا و العمرة المفردة و لكن تأخذ بدليل المقيد فيما ثبت التقييد، و بإطلاق الصحيح في ما لم يثبت.

(13) بلا خلاف أجده في شي ء في ذلك و لا إشكال كما اعترف به جمع، لأن تحلله الواقع منه قد وقع بإذن الشارع فلا بد من ترتب الأثر عليه، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار- المنقول عن التهذيب- «فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا» (1)، و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت: أرأيت إن ردّوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال عليه السّلام: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث» (2) و مثله موثق زرعة المتقدم.

(14) على المشهور، لما مر من قوله عليه السّلام: «و يمسك» الظاهر في الوجوب. و عن جمع منهم المحقق في النافع، و الفاضل في المختلف عدم الوجوب و حمل الأخبار على الندب، للأصل بعد أن لم يكن محرما و لا في الحرم.

و فيه: أنه من الاجتهاد في مقابل النص، مع أنه يمكن أن يكون محرما

ص: 29


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 5.

الموقفين على ما تقدم من التفصيل صح حجه (15)، و إلا تحلل بعمرة مفردة (16)، و عليه القضاء في القابل مع الاستقرار أو استمرار الاستطاعة وجوبا، و إلّا فندبا (17).

______________________________

أحل الشارع له ذلك ما دام لم يبعث دفعا للحرج و المشقة عنه.

(15) كل ذلك لما دل على وجوب إتمام النسك بالشروع في إحرامه مع التمكن من الإتمام و المفروض تمكنه منه و ليس لبعث الهدي من حيث هو موضوعية خاصة في التحلل، بل هو محلل بشرط عدم التمكن من الإتمام مضافا إلى الإجماع، و ما يأتي من صحيح زرارة.

(16) لعدم صحة جريان حكم المحصور عليه مع رفع عذره فيجب عليه التحلل بالعمرة كما تقدم.

(17) أما الوجوب في الأولين: فللأدلة الدالة على الوجوب مع الاستقرار و استمرار الاستطاعة. و أما الاستحباب في الأخير: فللأدلة الدالة على استحباب الحج مطلقا حتى مع فقد الاستطاعة، مضافا إلى الإجماع و النص، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا أحصر الرجل يبعث بهديه فإذا أفاق و وجد من نفسه خفة فليمض إن ظنّ أنه يدرك الناس، فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه، و لا شي ء عليه، و إن قدم مكة و قد نحر هديه فإنّ عليه الحج من قابل أو العمرة، قلت: فان مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال عليه السّلام: يحج عنه إذا كان حجة الإسلام و يعتمر، إنما هو شي ء عليه» (1). و في التهذيب «فإن عليه الحج من قابل و العمرة» و نسخة الكافي و إن كانت أضبط كما هو المشهور، لكن الموافق للقواعد ما في نسخة التهذيب، إما بجعل العمرة العمرة التمتعية أو عمرة مفردة، و قيد القابل للحج.

ص: 30


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 1.
مسألة 6: لو فات الحج بعد البعث و زال العذر قبل التقصير يتحلل بعمرة مفردة

(مسألة 6): لو فات الحج بعد البعث و زال العذر قبل التقصير يتحلل بعمرة مفردة (18).

مسألة 7: إذا أحصر المعتمر بالعمرة و تحلل بعد البعث

(مسألة 7): إذا أحصر المعتمر بالعمرة و تحلل بعد البعث، فعليه العمرة إن وجبت عليه بعد زوال العذر، و إلّا فيستحب من غير مضي زمان، و إن كان الأولى فعلها في الشهر الداخل (19).

مسألة 8: من أراد أن يدرك فضل الحج في كل سنة يستحب له عمل يقوم مقام الحج

(مسألة 8): من أراد أن يدرك فضل الحج في كل سنة يستحب له عمل يقوم مقام الحج بأن يبعث مع أحد من إخوانه ثمن أضحيته و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه، فاذا كان يوم عرفة لبس ثيابه، و الأولى أن تكون كثياب المحرم، و تهيأ، و أتى المسجد و لا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس (20).

______________________________

(18) لانحصار تحلله حينئذ بذلك، و تقدم مكررا أنه حكم من فاته الحج إن تمكن من العمرة.

(19) أما الوجوب فيما إذا وجبت: فلعموم دليل وجوبها و إطلاقه و أما عدم اعتبار مضي الزمان بعد زوال العذر: فللأصل و الإطلاق.

و أما الاحتياط: فملأ تقدم في فصل العمرة من أنه أولى و أحوط فراجع.

(20) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما يمنع أحدكم من أن يحج كل سنة؟ فقيل: لا يبلغ ذلك أموالنا فقال عليه السّلام: أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية و يأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت و يذبح عنه فاذا كان يوم عرفة لبس ثيابه و تهيأ و أتى المسجد فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس» (1). هذا بعض الكلام في أحكام الحج و إلا فتفصيل المسائل و بسط الكلام فيه أجل من أن يستقصي قال زرارة للصادق عليه السّلام في الصحيح: «جعلني اللّه فداك إني أسألك

ص: 31


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الإحصار و الصد حديث: 6.

.....

______________________________

في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني فقال: يا زرارة بيت حج إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما» (1) و الحمد للّه ربّ العالمين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم و صلّى اللّه على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

ص: 32


1- الوسائل باب: 1 من أبواب وجوب الحج حديث: 12.

فصل في زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله

اشارة

فصل في زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله

مسألة 1: يستحب زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله

(مسألة 1): يستحب زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله (1).

______________________________

فصل في زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله

(1) استحبابا مؤكدا، بل يظهر من بعض الأخبار وجوبه، ففي خبر الأسلمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه: من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، و من مات في أحد الحرمين: مكة و المدينة لم يعرض و لم يحاسب، و من مات مهاجرا إلى اللّه عز و جل حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر» (1) و في صحيح إسحاق بن عمار: «أن أبا عبد اللّه عليه السّلام قال لهم: مرّوا بالمدينة فسلّموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ان كانت الصلاة تبلغه من بعيد» (2) و مثلهما غيرهما، و استفادة تأكد الاستحباب منها مسلمة، و أما الوجوب فهو مشكل، و قد ثبت الاستحباب أيضا بضرورة من الدين و نصوص مستفيضة من الفريقين (3) ضبطها الحفاظ من المحدثين في الكتب المعتمدة.

و يمكن إثبات رجحان زيارة قبور الصلحاء و الأبرار و المتقين الأخيار بالأدلة الأربعة فضلا عن زيارة الأنبياء، و الأوصياء المعصومين، و العلماء

صفحة: 588.

ص: 33


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المزار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب المزار حديث: 3.
3- راجع الوسائل باب: 2 و 4 من أبواب المزار، و في المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير ج: 3.

.....

______________________________

العاملين أما من الكتاب فبالآيات المرغبة إلى التفكر في الآخرة و الدالة على فناء الدنيا و أنها لهو و لعب و هي كثيرة، و لا ريب في أن زيارة القبور من أهم موجبات ذلك، فتكون راجحة لذلك.

و أما من العقل فلا شبهة عند كل عاقل أن أهل السعادة و الأبرار ممن يتبرك الناس بهم في حياتهم و تلك البركات لا تنقطع بموتهم، بل تزداد لورودهم إلى معدن الخيرات و البركات و انقطاع نفوسهم الشريفة عن عالم الماديّات و الشهوات، و العقل يحكم بحسن التماس تلك البركات و السعي في عدم الحرمان عنها، بل زيارة قبول مطلق المؤمنين نحو تودد و تجب بالنسبة إليهم و هو مما يوجب الثواب العظيم كما في زمان حياتهم فتكون حسنة و لا بد من دركها و الاهتمام بعدم فوتها، بل هو نحو من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض حيا و ميتا لا بد من إعمالها و القيام بدرك مصالحها.

و أما من الإجماع فإجماع جميع المسلمين بل العقلاء على رجحان زيارة قبور أهل الإيمان و الصلاح في كل ملة فضلا عن الأنبياء و المعصومين و الشهداء و العلماء العاملين و المتقين و لم يخالف في ذلك إلا بعض من انتحل الإسلام و قد تصدّى لرده علماء الفريقين من شاء فليرجع إلى الكتب المعدة لذلك كالغدير للعلامة الأميني رحمه اللّه، و قد روى الفريقان عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله أنه قال:

«نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» أو قوله صلّى اللّه عليه و آله «من أراد أن يزور فليزر» و هذا الخبر مذكور في أبواب الذبائح من الحج، و في أبواب الجنائز من كتب الفريقين (1).

و أما من السنّة فهي مستفيضة بل متواترة بالنسبة إلى زيارة خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله قال صلّى اللّه عليه و آله: «من زارني أو زار أحدا من ذريتي زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها» (2)، و قال صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام: «يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي

ص: 34


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الذبح حديث: 7، و في سنن النسائي مع شرح جلال الدين السيوطي ج: 4 صفحة: 89 ط: بيروت.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 23.

مسألة 2: للمدينة حرم كحرم مكة

(مسألة 2): للمدينة حرم كحرم مكة، و حدّه من عائر إلى وعير، و هما:

جبلان يكتنفان المدينة من المشرق و المغرب (2) و لا يجب الإحرام

______________________________

أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد مماتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها و شدائدها حتى أصيّره معي في درجتي» (1)، و قال صلّى اللّه عليه و آله للحسن عليه السّلام: «من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك حيا أو ميتا، أو زار أخاك حيا أو ميتا كان حقا عليّ أن أستنقذه يوم القيامة» (2)، و قال صلّى اللّه عليه و آله للحسين عليه السّلام: «يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة، و من أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنّة، و من أتى أخاك زائرا بعد موته فله الجنّة، و من أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة» (3) إلى غير ذلك من النصوص، و عن العامة بطرق شتّى عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله: «من حج فلم يزرني فقد جفاني» (4).

فائدة: لا يخفى أن شرف الزيارة و كمالها و ثوابها يدور مدار شرف المزور و كماله و قربه عند اللّه تعالى، فكلما كان قربه إلى اللّه تعالى و أصالته بالعوالم الغيبة أقوى و أكمل تكون كذلك مرتبة زيارته حتى تكون زيارته كزيارة اللّه تعالى تنزيلا تشريفيا لا حقيقيا حتى يقال أنه محال بالنسبة إليه عز و جل.

(2) نصوصا، و إجماعا بين المسلمين، ففي صحيح ابن عمّار عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن مكة حرم اللّه تعالى شأنه حرّمها إبراهيم، و إن المدينة حرمي ما بين لابتيها حرمي، لا يعضد شجرها، و هو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، و ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا و لا يؤكل ذلك، و هو بريد» (5)، و عنه عليه السّلام: «ما بين لابتي المدينة ظل عائر إلى ظل وعير حرم، قلت:

طائره كطائر مكة؟ قال عليه السّلام: لا و لا يعضد شجرها» (6).

ص: 35


1- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 16 و 19 و 17.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 16 و 19 و 17.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 16 و 19 و 17.
4- راجع نيل الأوطار في شرح منتقى الاخبار للشوكاني صفحة: 95 ج: 5 و قريب منه تقدم في ص 434.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب المزار حديث: 1 و 10.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب المزار حديث: 1 و 10.

فيه (3) و الأحوط أن لا يقطع شجرها (4).

______________________________

(3) للأصل، و الإجماع، و خلوّ النصوص عنه.

(4) مقتضى ظواهر النصوص حرمة قطع الشجر من حرم المدينة كحرم مكة إلّا ما استثني. و نسب ذلك إلى المشهور أيضا، و لم يوجد من نص على الكراهة قبل الفاضل في القواعد، و لكن في المسالك جعل معقد الشهرة الكراهة، و في الجواهر: «لكن لم نتحققه بل هو حكى فيها عن بعض الأصحاب القطع بتحريم قطع الشجر و جعل الخلاف في الصيد قال فيها بعد أن حكى ذلك: و ظاهر الاخبار يدل عليه، فإنه لم يرد خبر لجواز قطع الشجر و إنما تعارضت في الصيد إلا أن الأصحاب نقلوا الكراهة في الجميع و اختاروها و هو غريب» هذا و لكن ظهور تسالمهم على أن حرم المدينة يفارق حرم مكة في أمور كعدم الكفارة في صيدها و قطع شجرها، و جواز قطع ما تدعو الحاجة إليه من قطع شجر أو حشيش مطلقا، و أنه لا يجب دخولها بإحرام بخلاف حرم مكة، و أن من أدخل الصيد في المدينة لم يجب عليه الإرسال أن الحكم أدبي لا أن يكون إلزاميا، و يشهد له خبر يونس ابن يعقوب: «يحرم عليّ في حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يحرم عليّ في حرم اللّه؟ قال عليه السّلام: لا» (1)، و لكن لا يترك الاحتياط بعدم القطع في ما بين اللابتين و عدم الصيد في ما بين الحرتين و هي: «حرة راقم» شرقي المدينة و «حرة ليلى» غربيها و هي حرة العقيق أيضا و لها حرتان آخرتان جنوبا و شمالا متصلتان بهما و أصل الحرة بالمهملة و تشديد الراء الأرض التي فيها حجارة سوداء. و لكن لو صاد أو قطع فلا شي ء عليه إلّا الإثم و يزول بمجرد الاستغفار و التوبة.

ثمَّ إن الظاهر إلحاق قطع النبات بالشجر أيضا، لإطلاق موثق زرارة: «حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها، و حرم ما حولها بريد في بريد أن

ص: 36


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المزار حديث: 8.

مسألة 3: يستحب الغسل لدخول المدينة

(مسألة 3): يستحب الغسل لدخول المدينة (5) سواء كان قبله مع بقاء الغسل- أو حينه (6)، و يستحب غسل آخر للزيارة (7)، و يجوز الاكتفاء بغسله للدخول خصوصا مع عدم الفصل (8)، و يستحب الدعاء عند إرادة الدخول في المسجد بما هو المأثور (9).

______________________________

يتخلى خلاها و يعضد شجرها إلا عودي الناضح»(1).

(5) نصوصا، و إجماعا، منها: و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار:

«الغسل من الجنابة، و يوم الجمعة، و العيدين، و حين تحرم، و حين تدخل مكة و المدينة، و يوم عرفة» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «و إذا دخلت الحرمين» (3)، و عن الرضا عليه السّلام في مرسله الفضل بن شاذان: «و غسل دخول مكة و المدينة، و غسل الزيارة» (4)، و في حديث شرائع الدين: «و غسل دخول مكة، و غسل دخول المدينة، و غسل الزيارة» (5) إلى غير ذلك من الأخبار.

(6) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها» (6).

(7) لإطلاق ما تقدم في الأخبار من غسل الزيارة الشامل لزيارته صلّى اللّه عليه و آله و عدم قرينة على اختصاصها بزيارة البيت.

(8) لإطلاق ما مر من قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار بعد حمل ما دل على غسل الزيارة على تعدد المطلوب كما هو عادتهم في المندوبات.

(9) كما ذكر الكفعمي في المصباح و قال: «إذا أردت الدخول على النبي صلّى اللّه عليه و آله أو أحد مشاهد الأئمة عليهم السّلام فتقول: اللّهم إني وقفت على باب من

ص: 37


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المزار حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4 و 6 و 8.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4 و 6 و 8.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4 و 6 و 8.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب المزار حديث: 1.

مسألة 4: كيفية زيارته صلّى اللّه عليه و آله ما بيّنه أبو عبد اللّه

(مسألة 4): كيفية زيارته صلّى اللّه عليه و آله ما بيّنه أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار و في غيره من الأخبار (10).

______________________________

أبواب بيوت نبيك (صلواتك و عليه و آله) و قد منعت الناس أن يدخلوا إلا بإذنه فقلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ اللّهم إني أعتقد حرمة صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته و أعلم أن رسولك و خلفاءك عليهم السّلام أحياء عندك يرزقون يرون مقامي و يسمعون كلامي و يردون سلامي و أنك حجبت عن سمعي كلامهم و فتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم و إنّي أستأذنك يا رب أولا و أستأذن رسولك صلّى اللّه عليه و آله ثانيا و أستأذن خليفتك الامام المفترض عليّ طاعته و الملائكة الموكلين بهذه البقعة المباركة ثالثا أ أدخل يا رسول اللّه أ أدخل يا حجة اللّه أ أدخل يا ملائكة اللّه المقربين المقيمين في هذا المشهد فأذن لي يا مولاي أفضل ما أذنت لأحد من أوليائك فان لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك- ثمَّ ادخل و قل:- بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللّهم اغفر لي و ارحمني و تب عليّ إنك أنت التواب الرحيم» (1) و قد ذكر المفيد رحمه اللّه و غيره دعاء آخر- قريب منه- للدخول في الحرم النبوي صلّى اللّه عليه و آله و من شاء فليراجع مزار البحار.

(10) قال عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «إذا دخلت المدينة فاغتسل- إلى أن قال- ثمَّ تأتي قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فتسلم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر و أنت مستقبل القبلة و منكبك الأيسر إلى جانب القبر و منكبك الأيمن مما يلي المنبر فإنه موضع رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، و أشهد أنك رسول اللّه، و أشهد أنك محمّد بن عبد اللّه و أشهد أنك قد بلّغت رسالات ربّك، و نصحت لأمتك، و جاهدت في

ص: 38


1- راجع المصباح للكفعمي: الفصل الحادي و الأربعون صفحة: 472 ط: 2.

.....

______________________________

سبيل اللّه و عبدت اللّه حتّى أتاك اليقين بالحكمة و الموعظة الحسنة و أدّيت الذي عليك من الحقّ، و انّك قد رؤفت بالمؤمنين، و غلظت على الكافرين، فبلغ اللّه بك أفضل شرف محلّ المكرّمين، الحمد للّه الذي استنقذنا بك من الشرك و الضلالة، اللّهم فاجعل صلواتك و صلوات ملائكتك المقرّبين، و عبادك الصّالحين و أنبيائك المرسلين و أهل السّموات و الأرضين، و من سبّح لك يا ربّ العالمين من الأوّلين و الآخرين على محمد عبدك و رسولك، و نبيّك، و أمينك، و نجيّك، و حبيبك، و صفيّك، و خاصّتك، صفوتك، و خيرتك من خلقك، اللّهم أعطه الدرجة و الوسيلة من الجنّة، و ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون و الآخرون، اللّهم إنّك قلت وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً، و انّي أتيت نبيّك مستغفرا تائبا من ذنوبي، إنّي أتوجّه بك إلى اللّه ربّي و ربّك ليغفر ذنوبي» و إن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله خلف كتفيك و استقبل القبلة و ارفع يديك، و سل حاجتك فإنّك أحرى أن تقضى إنشاء اللّه (1).

و ذكر السيد زيارة أخرى له صلّى اللّه عليه و آله و قال: «إذا وردت إنشاء اللّه مدينة النبي صلّى اللّه عليه و آله فاغتسل للزيارة فإذا أردت الدخول فقف على الباب و قل- الدعاء كل مر- ثمَّ ادخل مقدما رجلك اليمنى و قل- ما تقدم من الدعاء- ثمَّ كبر اللّه مائة مرة فإذا دخل فليصل ركعتين تحية المسجد ثمَّ يمشي إلى الحجرة فاذا وصلها استلمها و قبّلها و قال: السلام عليك يا رسول اللّه السلام عليك يا نبي اللّه السلام عليك يا محمد بن عبد اللّه السلام عليك يا خاتم النبيين أشهد أنك قد بلّغت الرسالة و أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و عبد اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين فصلوات اللّه عليك و رحمته و على أهل بيتك الطاهرين- ثمَّ قف عند الأسطوانة من جانب القبر الأيمن و أنت مستقبل القبلة و منكبك الأيسر إلى جانب القبر و منكبك الأيمن مما يلي المنبر فإنه موضع

ص: 39


1- الوسائل باب: 6 من أبواب المزار حديث: 1.

.....

______________________________

رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قل- أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و أشهد أنك رسول اللّه و أنك محمد بن عبد اللّه و أشهد أنك قد بلّغت رسالات ربّك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل اللّه حق جهاده داعيا إلى طاعته زاجرا عن معصيته و أنك لم تزل بالمؤمنين رءوفا رحيما و على الكافرين غليظا حتى أتاك اليقين فبلغ اللّه بك أشرف فمحلّ المكرمين الحمد للّه الذي استنقذنا بك من الشرك و الضلال اللّهم فاجعل صلواتك و صلوات ملائكتك المقربين و عبادك الصالحين و أنبيائك المرسلين و أهل السموات و الأرضين ممن سبّح لك يا ربّ العالمين من الأولين و الآخرين على محمد عبدك و رسولك و نبيك و نجيك و حبيبك و خاصتك و صفوتك و خيرتك من خلقك اللّهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون و الآخرون اللّهم امنحه أشرف مرتبة و ارفعه إلى أسنى درجة و منزلة و أعطه الوسيلة و الرتبة العالية الجليلة كما بلغ ناصحا و جاهد في سبيلك و صبر على الأذى في جنبك و أوضح دينك و أقام حججك و هدى إلى طاعتك و أرشد إلى مرضاتك اللّهم صلّ عليه و على الأئمة الأبرار من ذريته الأخيار من عترته و سلم عليهم أجمعين تسليما اللّهم انّي لا أجد سبيلا إليك سواهم و لا أرى شفيعا مقبول الشفاعة عندك غيرهم بهم أتقرّب إلى رحمتك و لولايتهم أرجو جنّتك و بالبراءة من أعدائهم آمل الخلاص من عذابك اللّهم فاجعلني بهم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين و ارحمني يا أرحم الراحمين- ثمَّ تلتفت إلى القبر و تقول:- اسأل اللّه الذي اجتباك و هداك و هدى بك أن يصلي عليك و على أهل بيتك الطاهرين- ثمَّ تلصق كفك بحائط الحجرة و تقول: أتيتك يا رسول اللّه مهاجرا إليك قاضيا لما أوجبه اللّه عليّ من قصدك و إذا لم ألحقك حيا فقد قصدتك بعد موتك عالما أنّ حرمتك ميتا كحرمتك حيا فكن لي بذلك عند اللّه شاهدا- ثمَّ امسح كفّك على وجهك و قل: اللّهم اجعل ذلك بيعة مرضية لديك و عهدا مؤكدا عندك تحييني ما أحييتني عليه و على الوفاء بشرائطه و حدوده و حقوقه و أحكامه و تميتني إذا

ص: 40

.....

______________________________

أمتني عليه و تبعثني إذا بعثتني عليه» (1).

و الزيارة الثالثة في رواية ابن مسعود قال: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام انتهى إلى قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فوضع يده عليه و قال: أسأل اللّه الذي اجتباك اختارك و هداك و هدى بك أن يصلّي عليك، قال: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» (2).

و أما الزيارة الرابعة فقد رواها أبو نصر البزنطي قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: كيف السلام على رسول اللّه عند قبره؟ فقال عليه السّلام: قل: السلام على رسول اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا صفوة اللّه، السلام عليك يا أمين اللّه، أشهد أنك قد نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل اللّه و عبدته حتى أتاك اليقين، فجزاك اللّه أفضل ما جزى نبيا عن أمته، اللّهم صلّ على محمد و آل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (3).

و قد نقل الكفعمي في المصباح زيارة خامسة له صلّى اللّه عليه و آله و هي: «السلام على رسول اللّه أمين اللّه على وحيه و عزائم أمره الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل و المهيمن على ذلك كله و رحمة اللّه و بركاته السلام على صاحب السكينة السلام على المدفون بالمدينة السلام على المنصور المؤيد السلام على أبي القاسم محمد و رحمة اللّه و بركاته» (4).

و أما الزيارة السادسة فهي أفضل الزيارات كما في رواية ابن أبي البلاد قال: «قال لي أبو الحسن عليه السّلام: كيف تقول في التسليم على النبي صلّى اللّه عليه و آله؟ قلت:

الذي تعرفه و رويناه، و قال عليه السّلام: ألا أعلمك ما هو أفضل من هذا؟ قلت: نعم جعلت فداك فكتب لي و أنا قاعد بخطه و قرأه عليّ: إذا وقفت على قبره صلّى اللّه عليه و آله فقل

ص: 41


1- البحار ج: 22 الطبعة الحجرية صفحة: 18.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب المزار حديث: 3 و 5 و في كامل الزيارات باب: 3 من أبواب زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب المزار حديث: 3.
4- المصباح الكفعمي الفصل الحادي و الأربعون صفحة: 474.

مسألة 5: تستحب البدأة بزيارة نبينا الأعظم

(مسألة 5): تستحب البدأة بزيارة نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله على إتيان مكة مع الإمكان (11).

______________________________

أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و أشهد أنك محمد بن عبد اللّه و أشهد أنك خاتم النبيين و أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و جاهدت في سبيل ربّك و عبدته حتى أتاك اليقين و أديت الذي عليك من الحق اللّهم صلّ على محمد عبدك و رسولك «و نجيبك» و نجيك و أمينك و صفيك و خيرتك من خلقك أفضل ما صليت على أحد من أنبيائك و رسلك اللّهم سلّم على محمد و آل محمد كما سلمت على نوح في العالمين و امنن على محمد و آل محمد كما مننت على موسى و هارون و بارك على محمد و آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و ترحم على محمد و آل محمد اللّهم ربّ البيت الحرام و ربّ المسجد الحرام و ربّ الركن و المقام و ربّ البلد الحرام و ربّ الحلّ و الحرام و ربّ المشعر الحرام بلّغ روح نبيك محمد صلّى اللّه عليه و آله مني السلام» (1)، و هناك زيارات أخرى ذكرها المجلسي في البحار من شاء فليرجع إليه.

(11) لأن فناء الملك لا يؤتى به إلا من طريق سفيره، و لتحصيل الاستعداد للتشرف بحرم اللّه تعالى، و لأنه صلّى اللّه عليه و آله باب اللّه تعالى و لا بد من إتيان البيوت من أبوابها، و قد أفتى بذلك جمع من الفقهاء منهم الفاضل في القواعد، و في خبر العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو بمكة؟ قال عليه السّلام بالمدينة» (2).

و أما خبر غياث: «سألت أبا عبد جعفر عليه السّلام أبدأ بالمدينة أو بمكة؟

ص: 42


1- كامل الزيارات باب 3 من أبواب الزيارات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 11.

مسألة 6: لو دار الأمر بين إتيان مكة في الحج المندوب مجردا عن إتيان المدينة

(مسألة 6): لو دار الأمر بين إتيان مكة في الحج المندوب مجردا عن إتيان المدينة أو العكس يكون العكس أولى (12).

مسألة 7: يستحب زيارته صلّى اللّه عليه و آله من بعيد أيضا

(مسألة 7): يستحب زيارته صلّى اللّه عليه و آله من بعيد أيضا (13).

مسألة 8: يستحب في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و في المدينة أمور

(مسألة 8): يستحب في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و في المدينة أمور:

______________________________

قال عليه السّلام: ابدأ بمكة و اختم بالمدينة فإنه أفضل» (1) و خبر سدير عن الصادق عليه السّلام:

«ابدءوا بمكة و اختموا بنا» (2)، و قوله عليه السّلام في خبر ابن مهران: «إذا حج أحدكم فليختم بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحج» (3) إلى غير ذلك مما سبق في هذا المساق فيمكن حملها على من لا يتمكن من البدءة، أو على أنه نحو اهتمام بالحج لئلا يفوته بعد تحمل متاعب السفر، أو على التخيير مع أولوية البدءة لما ذكرناه من الخبر و الاعتبار.

(12) لخبر ابن الجهم قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام أيهما أفضل رجل يأتي مكة و لا يأتي المدينة؟ أو رجل يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله و لا يبلغ مكة؟

قال عليه السّلام: فأي شي ء تقولون أنتم؟ فقلت: نحن نقول في الحسين عليه السّلام فكيف في النبي صلّى اللّه عليه و آله؟!! فقال عليه السّلام: أما لئن قلت ذلك لقد شهد أبو عبد اللّه عليه السّلام عيدا بالمدينة فدخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله فسلم ثمَّ قال لمن حضره لقد فضلنا أهل البلدان كلهم مكة فما دونها لسلامنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).

(13) لقوله صلّى اللّه عليه و آله في رواية ابن مسعود: «ان للّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» (5)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «من سلّم عليّ في شي ء من الأرض

ص: 43


1- الوسائل باب: 44 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 11.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 7.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب المزار حديث: 10.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب المزار حديث: 4.

(الأوّل): الصلاة في المسجد فإنها تعدل ألف صلاة (14) و خصوصا بين القبر و المنبر الذي هو (روضة من رياض الجنة) (15)، و في بيت فاطمة عليها السّلام الذي هو أفضل من الصلاة في الروضة (16).

(الثاني): الصوم في المدينة ثلاثة أيام- الأربعاء، و الخميس

______________________________

أبلغته، و من سلّم عليّ عند القبر سمعته» (1) إلى غير ذلك من النصوص.

(14) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، منها: ما عن مرازم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: قال رسول اللّه صلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره، و صلاة في مسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (2)، و عن الصادق عليه السّلام: «صلاة في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله تعدل بعشرة آلاف صلاة» (3) و يمكن أن يحمل على وجود خصوصيات في المصلى فتزيد بها في المسجد الحرام بعشرين ألف.

(15) لقوله صلّى اللّه عليه و آله المتواتر بين الفريقين: «ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة، و إن منبري على ترعة من ترع الجنة، و قوائم منبري رتب في الجنة قال: قلت: هي روضة اليوم؟ قال: نعم إنه لو كشف الغطاء لرأيتم» (4).

(16) لصحيح ابن دراج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الصلاة في بيت فاطمة عليها السّلام مثل الصلاة في الروضة؟ قال: و أفضل» (5)، و في خبر يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الصلاة في بيت فاطمة أفضل أو في الروضة؟ قال عليه السّلام: في بيت فاطمة» (6).

أقول: و لا ريب فيه لاكتساب الفضيلة بوجودهم و بعباداتهم صلوات اللّه

ص: 44


1- الوسائل باب: 4 من أبواب المزار حديث: 5.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب أحكام المساجد حديث: 10.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب أحكام المساجد حديث: 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب المزار حديث: 1 و في مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص: 64.
5- الوسائل باب: 59 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.
6- الوسائل باب: 59 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

و الجمعة- لطلب الحاجة (17)،

______________________________

عليهم أجمعين.

(17) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «إذا دخلت المسجد فان استطعت أن تقيم ثلاثة أيام: الأربعاء، و الخميس، و الجمعة فتصلي بين القبر و المنبر يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي عند القبر فتدعو اللّه عندها و تسأله كل حاجة تريدها من آخرة أو دنيا، و اليوم الثاني عند أسطوانة التوبة، و يوم الجمعة عند مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله مقابل الأسطوانة الكثيرة الخلوق فتدعو اللّه عندهن لكل حاجة، و تصوم تلك الثلاثة الأيام» (1).

و الخلوق: نحو من الطيب سميت الأسطوانة بالمخلقة لكثرة تطييبها بالخلوق، و تقرأ المخلفة بالفاء أيضا يعني: الذي تكون خلاف رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله، و في صحيح ابن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: صم الأربعاء و الخميس و الجمعة و صلّ ليلة الأربعاء و يوم الأربعاء عند الأسطوانة التي تلي رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله و ليلة الخميس و يوم الخميس عند أسطوانة أبي لبابة و ليلة الجمعة و يوم الجمعة عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و ادع بهذا الدعاء لحاجتك و هو: اللّهم إني أسألك بعزتك و قوّتك و قدرتك و جميع ما أحاط به علمك أن تصلّي على محمد و على أهل بيته و أن تفعل بي كذا و كذا» (2)، و في صحيح آخر له أيضا عن الصادق عليه السّلام: «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، و تصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة- و هي أسطوانة التوبة كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء- و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثمَّ تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و مصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة، فإن استطعت أن لا تتكلم بشي ء في

ص: 45


1- الوسائل باب: 11 من أبواب المزار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب المزار حديث: 4.

و إن كان مسافرا (18)، و ليصل ليلة الأربعاء و يومها عند أسطوانة أبي لبابة المسماة بإسطوانة التوبة، و ليلة الخميس و يومها عند الأسطوانة التي تليها مما يلي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله، و ليلة الجمعة و يومها عند مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله (19)، و إن استطعت أن لا تتكلم في هذه الأيام إلّا ما لا بدّ لك بذلك منه فافعل، و ينبغي أن لا تنام ليلها إلّا بقدر الضرورة (20).

الثالث: إتيان مقام جبرائيل و الدعاء فيه بالمأثور (21).

الرابع: استحباب السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله حين دخول المسجد،

______________________________

هذه الأيام فافعل إلا ما لا بد لك منه و لا تخرج من المسجد إلا لحاجة و لا تنام في ليل و لا نهار فافعل فإنّ ذلك مما يعد فيه الفضل ثمَّ أحمد اللّه في يوم الجمعة و أثن عليه و صل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سل حاجتك، و ليكن فيما تقول: اللّهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت لنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجّه إليك بنبيّك محمد صلّى اللّه عليه و آله نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها، فإنك حريّ أن تقضى حاجتك إن شاء اللّه تعالى» (1).

(18) لما تقدم في فصل شرائط صحة الصوم (2).

(19) للنصوص الواردة في ذلك و تقدم بعضها.

(20) روى ذلك كله في كامل الزيارات (3) و قد تقدم أيضا في الصحيح الثاني لمعاوية بن عمار.

(21) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «ائت مقام جبرائيل و هو تحت الميزاب فإنه كان مقامه إذا استأذن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقل: أي جواد أي

ص: 46


1- الوسائل باب: 11 من أبواب المزار حديث: 1.
2- راجع ج: 10 صفحة: 227.
3- راجع كامل الزيارات باب: 6 حديث: 3.

و حين الخروج منه (22).

الخامس: إكثار الصلاة في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله (23).

السادس: الدعاء بالمأثور (24).

______________________________

كريم اي قريب أي بعيد أسألك أن تصلّي على محمد و أهل بيته، و أن تردّ عليّ نعمتك قال: و ذلك مقام لا تدعو فيه حائض تستقبل القبلة ثمَّ تدعو بدعاء الدم إلّا رأت الطهر» (1)، و هناك أدعية أخرى أوردها المجلسي في مزار البحار من شاء فليراجع.

(22) لقول أبي الحسن عليه السّلام في صحيح صفوان: «سلّم عليه حين تدخل و حين تخرج و من بعيد» (2)، و يأتي ما يدل عليه.

(23) لقول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «إذا دخلت المسجد فصلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و إذا خرجت فاصنع مثل ذلك و أكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله» (3)، و في رواية الحضرمي «أمرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أكثر الصلاة في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما استطعت» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

(24) كما في خبر ابن جعفر عن أخيه، عن أبيه، عن جده عليهم السّلام قال: «كان علي بن الحسين عليه السّلام يقف على قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فيسلم عليه و يشهد بالبلاغ و يدعو بما حضره، ثمَّ يسند ظهره إلى المروة الخضراء الدقيقة العرض مما يلي القبر، و يلتزق بالقبر و يسند ظهره إلى القبر، و يستقبل القبلة فيقول: اللّهم إليك ألجأت أمري، و إلى قبر نبيك محمد صلّى اللّه عليه و آله عبدك و رسولك أسندت ظهري و القبلة التي رضيت لمحمد صلّى اللّه عليه و آله استقبلت، اللّهم إني أصبحت لا أملك لنفسي خير ما أرجو، و لا أدفع عنها شرّ ما أحذر عليها، و أصبحت الأمور بيدك فلا فقير

ص: 47


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المزار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب المزار حديث: 6.

مسألة 9: يستحب زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام

(مسألة 9): يستحب زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السّلام (25)، و الأولى أن تزار قريبا من الروضة، و في البقيع (26)، و يستحب الدعاء

______________________________

أفقر منّي، ربّ إنّي لما أنزلت من خير فقير اللّهم ارددني منك بخير فإنّه لا راد لفضلك اللّهم إني أعوذ بك من أن تبدل اسمي أو تغير جسمي أو تزيل نعمتك عندي اللّهم زيّنّي بالتقوى و حمّلني بالنعم و اعمرني بالعافية و ارزقني شكرا لعافيتك» (1) و قد وردت أدعية أخرى و من شاء فليراجع محالها.

(25) بضرورة من الدين، و في خبر عبد الملك من جده قال: «دخلت على فاطمة عليها السّلام فبدأتني بالسلام، ثمَّ قالت: ما غدا بك؟ قلت: طلب البركة، قالت:

أخبرني أبي صلّى اللّه عليه و آله و هو أنه من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنة، قلت لها: في حياته و حياتك؟ قالت: نعم و بعد موتنا» (2).

(26) لمكان الاختلاف في محل قبرها من أنها في بيتها الذي كان متصلا ببيت النبي صلّى اللّه عليه و آله، أو في الروضة، أو في البقيع فإذا تزار قريبا من الروضة فقد أحرز احتمالان، ففي رواية أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قبر فاطمة عليها السّلام فقال عليه السّلام: دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد» (3) و الاحتمال الثالث في البقيع، و لكن كون قبرها عليها السّلام في البقيع بعيد.

و قد وردت زيارات متعددة عالية المضامين ذكرها المجلسي في البحار و لنورد منها ما ورد عن إمامنا الهادي عليه السّلام: «السلام عليك يا سيدة نساء العالمين السلام عليك يا والدة الحجج على الناس أجمعين السلام عليك أيتها المظلومة الممنوعة حقها- ثمَّ قل- اللّهم صلّى على أمّتك و ابنة نبيك و زوجة وصي نبيك صلاة تزلفها فوق زلفى عبادك المكرمين من أهل السموات و أهل الأرضين»(4)

ص: 48


1- الوسائل باب: 6 من أبواب المزار حديث: 2.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب المزار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب المزار حديث: 3.
4- راجع البحار ج: 22 صفحة: 28 الطبعة الحجرية

بالمأثور بعد زيارتها عليها السّلام (27).

______________________________

فقد روي أن «من زارها بهذه الزيارة و استغفر اللّه غفر اللّه له و أدخله الجنة» (1) و في رواية العريصي قال: «حدثنا أبو جعفر عليه السّلام ذات يوم قال: إذا صرت إلى قبر جدتك عليها السّلام فقل: يا ممتحنة امتحنك اللّه الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة و زعمنا أنا لك أولياء و مصدقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك صلّى اللّه عليه و آله و أتى به وصيه فإنّا نسألك إن كنّا صدقناك إلّا ألحقتنا بتصديقنا لها لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك» (2).

(27) ذكر السيد الدعاء بعد صلاة الزيارة قال: «إذا سلمت قل: اللّهم إني أتوجّه إليك بنينا محمد صلّى اللّه عليه و آله و بأهل بيته صلواتك عليهم و أسألك بحقك العظيم عليهم الذي لا يعلم كنهه سواك و أسألك بحق من حقه عندك عظيم و بأسمائك الحسنى التي أمرتني أن أدعوك بها و أسألك باسمك الأعظم الذي أمرت به إبراهيم أن يدعوا به الطير فأجابته و باسمك العظيم الذي قلت للنار كوني بردا و سلاما على إبراهيم فكانت بردا و بأحب الأسماء إليك و أشرفها و أعظمها لديك و أسرعها إجابة و أنجحها طلبة و بما أنت أهله و مستحقه و مستوجبه و أتوسّل إليك و أرغب إليك و أتضرع و ألحّ عليك و أسألك بكتبك التي أنزلتها على أنبيائك و رسلك صلواتك عليهم من التوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن العظيم فان فيها اسمك الأعظم و بما فيها من أسمائك العظمى أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تفرّج عن آل محمد و شيعتهم و محبيهم و عني و تفتح أبواب السماء لدعائي و ترفعه في عليين و تأذن في هذا اليوم و في هذه الساعة بفرحي و إعطاء أملي و سؤلي في الدنيا و الآخرة يا من لا يعلم أحد كيف هو و قدرته إلّا هو يا من سدّ الهواء بالسماء و كبس الأرض على الماء و اختار لنفسه أحسن

ص: 49


1- راجع البحار ج: 22 صفحة: 28 الطبعة الحجرية.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب المزار حديث: 2.

مسألة 10: يستحب إبلاغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلام الإخوان من المؤمنين

(مسألة 10): يستحب إبلاغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سلام الإخوان من المؤمنين (28).

مسألة 11: يستحب وداع قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله عند الخروج

(مسألة 11): يستحب وداع قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله عند الخروج بما هو المأثور (29).

______________________________

الأسماء يا من سمّى نفسه بالاسم الذي يقضي به حاجة من يدعوه أسألك بحق ذلك الاسم فلا شفيع أقوى لي منه أن تصلي على محمد و آل محمد و أن تقضي لي حوائجي، و تسمع بمحمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن علي و جعفر ابن محمد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن عليّ و عليّ بن محمد و الحسن بن عليّ و الحجة المنتظر لإذنك صلواتك و سلامك و رحمتك و بركاتك عليهم صوتي ليشفعوا لي إليك و تشفّعهم فيّ و لا تردّني خائبا بحق لا إله إلا أنت- و تسأل حوائجك تقضى إنشاء اللّه تعالى-» (1).

(28) لقول أبي الحسن موسى عليه السّلام في رواية الحضرمي: «إذا أتيت قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فقضيت ما يجب عليك فصل ركعتين ثمَّ قف عند رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ قل: السّلام عليك يا نبيّ اللّه من أبي و أمّي و ولدي و خاصّتي و جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم فلا تشاء أن تقول للرجل قد أقرأت رسول اللّه عنك السلام إلا كنت صادقا» (2).

(29) كما في صحيح ابن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل ثمَّ ائت قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد ما تفرغ من حوائجك فودعه و اصنع مثل ما صنعت عند دخولك، و قل: اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك، فإن توفيتني قبل ذلك فإنّي أشهد في مماتي على ما شهدت

ص: 50


1- راجع البحار ج: 22 صفحة: 28 الطبعة الحجرية.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب المزار حديث: 1.

مسألة 12: يستحب زيارة أئمّة البقيع

(مسألة 12): يستحب زيارة أئمّة البقيع: الحسن بن علي، و علي بن الحسين، و محمد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق عليهم السّلام (30)، كما

______________________________

عليه في حياتي لا إله إلّا أنت و أنّ محمدا عبدك و رسولك» (1)، و في موثق ابن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وداع قبر النبي صلّى اللّه عليك السّلام عليك لا جعله اللّه آخر تسليمي عليك» (2).

و ذكر السيد رحمه اللّه وداعا ثالثا و قال: «ثمَّ ودّعه صلّى اللّه عليه و آله و قل: السّلام عليك يا رسول اللّه السّلام عليك أيّها البشير النذير السّلام عليك أيها السّراج المنير السّلام عليك أيها السّفير بين اللّه و بين خلقه أشهد يا رسول اللّه أنك كنت نورا في الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهرة لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها و لم يلبسك من مدلهمّات ثيابها و أشهد يا رسول اللّه أنّي مؤمن بك و بالأئمة من أهل بيتك موقن بجميع ما آتيت به راض مؤمن و أشهد أن الأئمّة من أهل بيتك أعلام الهدى و العروة الوثقى و الحجة على أهل الدنيا اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارة نبيك صلّى اللّه عليه و آله و إن توفّيتني فإنّي أشهد عليه في حياتي أنك أنت اللّه لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك و أنّ محمدا عبدك و رسولك و أنّ الأئمة من أهل بيته أوليائك و أنصارك و حججك على خلقك و خلفاؤك في عبادك و أعلامك في بلادك و خزان علمك و حفظة سرك و تراجمة وحيك اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و بلّغ روح نبيك محمد في ساعتي هذه تحية منّي و سلاما و السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته لا جعله اللّه آخر تسليمي عليك» (3).

(30) إجماعا، و نصوصا مستفيضة بل ضرورة من الدين قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من زارني أو زار أحدا من ذريتي زرته يوم القيامة فأنقذته من

ص: 51


1- الوسائل باب: 15 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
3- راجع البحار ج: 22 الطبعة الحجرية القديمة صفحة: 25.

.....

______________________________

أهوالها» (1)، و عن الصادق عليه السّلام: «من زارنا بعد مماتنا فكأنّما زارنا في حياتنا» (2)، و عنه عليه السّلام: «من زار إماما مفترض الطاعة و صلّى عنده أربع ركعات كتب اللّه له حجة و عمرة» (3)، و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين- في حديث:- إنّ رسول اللّه بكى بكاء شديدا فقال له الحسين عليه السّلام: لم بكيت؟

قال صلّى اللّه عليه و آله: أخبرني جبرائيل أنكم قتلى و مصارعكم شتّى فقال له: يا أبه فما لمن يزور قبورنا على تشتتها؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله يا بني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم يلتمسون بذلك البركة حقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة فأخلّصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم و يسكنهم اللّه الجنّة» (4)، و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في موثق الوشاء: «إن لكل إمام عهد في عنق أوليائه و شيعته و إنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة» (5) إلى غير ذلك مما لا يحصى.

و قد ورد لهم عليهم السّلام زيارات متعددة منها: زيارة محمد بن الحنفية لقبر أخيه الحسن عليه السّلام: «السّلام عليك يا بقية المؤمنين يا ابن أمير المؤمنين و ابن أول المسلمين و كيف لا تكون كذلك و أنت سليل الهدى و حليف التقوى و خامس أهل الكساء غذتك يد الرحمة و ربّيت في حجر السلام و رضعت من ثدي الايمان فطبت حيّا و طبت ميتا غير أن النفس غير راضية بفراقك و لا شاكّة في حياتك يرحمك اللّه. ثمَّ التفت إلى الحسين عليه السّلام فقال: يا أبا عبد اللّه فعلى أبي محمد السلام» (6).

و هناك زيارة عامة لهم عليهم السّلام كما في موثق ابن هاشم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا أتيت قبور الأئمة بالبقيع فقف عندهم و اجعل القبلة خلفك و القبر بين يديك ثمَّ تقول: «السلام عليكم أئمة الهدى السلام عليكم أهل البر و التقوى

ص: 52


1- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 23 و 24 و 25.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 23 و 24 و 25.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 23 و 24 و 25.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 21 و 5.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب المزار حديث: 21 و 5.
6- كامل الزيارات لابن قولويه باب: 15 حديث: 1.

.....

______________________________

السلام عليكم أيها الحجج على أهل الدنيا السلام عليكم أيها القوّامون في البرية بالقسط السلام عليكم أهل الصفوة السلام عليكم يا آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله السلام عليكم أهل النجوى اشهد أنكم قد بلّغتم و نصحتم و صبرتم في ذات اللّه. و كذّبتم و أسيئ إليكم فغفرتم و أشهد أنكم الأئمة الراشدون المهديون (المهتدون) و أنّ طاعتكم مفروضة و أن قولكم الصدق و أنكم دعوتم فلم تجابوا و أمرتم فلم تطاعوا و أنكم دعائم الدين و أركان الأرض لم تزالوا بعين اللّه ينسخكم في أصلاب كل مطهّر و ينقلكم من أرحام المطهرات لم تدنّسكم الجاهلية الجهلاء و لم تشرك فيكم فتن الأهواء طبتم و طاب منبتكم منّ بكم علينا ديّان الدين فجعلكم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ و جعل صلاتنا عليكم رحمة لنا و كفارة لذنوبنا إذ اختاركم اللّه لنا و طيّب خلقنا بما منّ علينا من ولايتكم و كنّا عنده مسلّمين لعلمكم معترفين بتصديقنا إياكم و هذا مقام من أسرف و أخطأ و استكان و أقر بما جنى و رجا بمقامه الإخلاص و أن يستنقذ بكم مستنقذ الهلكى من الرّدى فكونوا لي شفعاء فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا و اتخذوا آيات اللّه هزوا و استكبروا عنها يا من هو قائم لا يسهو و دائم لا يلهو و محيط بكل شي ء و لك المن بما وفقتني و عرفتني أئمتي و بما أقمتني عليه إذ صدّ عنه عبادك و جهلوا معرفته و استخفوا بحقه و مالوا إلى سواه فكانت المنّة منك علي مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به فلك الحمد إذ كنت عندك في مقام مذكورا مكتوبا فلا تحرمني ما رجوت و لا تخيبني في ما دعوت في مقامي هذا بحرمة محمد و آله الطاهرين. و ادع لنفسك بما أحببت» (1).

و ذكر الكفعمي في المصباح زيارة ثالثة لهم عليهم السّلام فقال: «بعد أن تجعل القبر بين يديك و أنت على غسل السّلام عليكم يا خزّان علم اللّه و حفظة سره و تراجمة وحيه أتيتكم يا بني رسول اللّه عارفا بحقكم مستبصرا بشأنكم معاديا

ص: 53


1- كامل الزيارات لابن قولويه باب: 15 حديث: 2.

يستحب وداعهم (سلام اللّه عليهم) بالمأثور (31).

______________________________

لأعدائكم بأبي أنتم و أمي صلّى اللّه على أرواحكم و أبدانكم اللّهم إنّي أتولّى آخرهم كما توليت أوّلهم و أبرأ من كل وليجة دونهم آمنت باللّه و كفرت بالجبت و الطاغوت و اللات و العزّى و كل ند يدعى من دون اللّه» (1) و هناك زيارة أخرى و من شاء فليراجع محالها ثمَّ تصلي ثمان ركعات.

(31) ذكر الكفعمي في وداعهم: السّلام عليكم أئمة الهدى و رحمة اللّه و بركاته أستودعكم اللّه و أقرأ عليكم السّلام آمنا باللّه و بالرسول و بما جئتم به و دللتم عليه اللّهم فاكتبنا مع الشاهدين و لا تجعله آخر العهد من زيارتهم و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» (2).

ص: 54


1- راجع المصباح للكفعمي صفحة: 475 و في الوافي باب: 179 مع اختلاف يسير.
2- راجع المصباح للكفعمي صفحة: 476 و في الوافي باب: 179 مع اختلاف يسير.

الثاني: زيارة حمزة بن عبد المطلب، و شهداء أحد (2) خصوصا كل

______________________________

جانب أحد فبدأت بالمسجد الذي دون الحيرة فصليت فيه، ثمَّ مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب- إلى أن قال عليه السّلام- ثمَّ تأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلى جنب الجبل عن يمينك حتى تأتي أحد فتصلي فيه فعنده خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى أحد حين لقي المشركين فلم يرجعوا حتى حضرت الصلاة فصلّى فيه، ثمَّ مر أيضا حتى ترجع فتصلي عند قبور الشهداء ما كتب اللّه لك ثمَّ امض على وجهك حتى تأتي مسجد الأحزاب فتصلي فيه و تدعو اللّه، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا فيه يوم الأحزاب و قال: يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين، و يا مغيث المهمومين اكشف همّي و كربي و غمّي فقد ترى حالي و حال أصحابي» (1)، و عن الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام هل أتيتم مسجد قبا، أو مسجد الفضيخ، أو مشربة أم إبراهيم؟ فقلت نعم فقال: أما أنه لم يبق من آثار رسول اللّه شي ء إلّا و قد غيّر غير هذا» (2)، و عن الصادق عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أتى مسجد قبا فصلّى فيه ركعتين رجع بعمرة» (3) و الظاهر أن مسجد الفضيخ و مسجد الفضيخ و مسجد الفتح و مسجد ردّ الشمس واحد و تسميته بالفضيخ لأجل نخلة كانت فيه تسمى فضيخا، و بردّ الشمس لأنها المحل الذي ردت فيه الشمس لعلي عليه السّلام و بالفتح لأن فيه دعا النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم الأحزاب فاستجاب دعاءه بالفتح.

(2) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق ابن يسار: «زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و زيارة قبور الشهداء، و زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجة مبرورة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4)، و موثق ابن خالد- المتقدم- «ثمَّ مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلّمت عليه، ثمَّ مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت:

ص: 55


1- الوسائل باب: 12 من أبواب المزار حديث: 2 و 3 و 5.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب المزار حديث: 2 و 3 و 5.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب المزار حديث: 2 و 3 و 5.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب المزار حديث: 6.

.....

______________________________

«السّلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط و إنا بكم لاحقون» (1)، و في رواية ابن هشام عنهم عليهم السّلام قال: «و يقول عند قبر حمزة السّلام عليك يا عمّ رسول اللّه و خير الشهداء السّلام عليك يا أسد اللّه و أسد رسوله أشهد أنك قد جاهدت في اللّه حق جهاده و نصحت للّه و لرسوله وجدت بنفسك و طلبت ما عند اللّه و رغبت فيما وعد اللّه- ثمَّ ادخل فصلّ و لا تستقبل القبر عند صلاتك فإذا فرغت من صلاتك فقل- اللّهم صل على محمد و على أهل بيته اللّهم إني تعرضت لرحمتك بلزومي بقبر عمّ نبيك صلاتك عليه و على أهل بيته لتجيرني من نقمتك و سخطك و مقتك و من الأزلال في يوم تكثر فيه الأصوات و المعرّات و تشتغل كل نفس بما قدّمت و تجادل كل نفس عن نفسها فإن ترحمني اليوم فلا خوف عليّ و لا حزن و إن تعاقب فمولاي له القدرة على عبده اللّهم فلا تخيّبني اليوم و لا تصرفني بغير حاجتي فقد لزقت بقبر عمّ نبيك و تقربت به إليك ابتغاء لمرضاتك و رجاء رحمتك فتقبل منّي وعد بحلمك على جهلي و برأفتك على جناية نفسي فقد عظم جرمي و ما أخاف أن تظلمني و لكن أخاف سوء يوم الحساب فانظر اليوم تقلّبي على قبر عمّ نبيك صلواتك على محمد و أهل بيته فيهم فكن لي و لا تخيّب سعيي و لا يهون عليك ابتهالي و لا تحجب منك صوتي و لا تقلبني بغير حوائجي يا غياث كل مكروب و محزون يا مفرج عن الملهوف الحيران الغريب الحريق المشرف على الهلكة صلّ على محمد و أهل بيته الطاهرين و انظر إليّ نظرة لا أشقى بعدها أبدا و ارحم تضرّعي و غربتي و انفرادي فقد رجوت رضاك و تحرّيت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك و لا ترد أملي» (2) و هناك زيارة أخرى ذكرها المجلسي من شاء فليراجع البحار قال ابن جبير في رحلته و حول الشهداء [بجبل أحد] تربة حمراء هي التربة التي تنسب إلى حمزة و يتبرك بها الناس (3) و شهداء أحد حوالي سبعين و هم حمزة بن

ص: 56


1- الوسائل باب: 12 من أبواب المزار حديث: 2.
2- كامل الزيارات باب: 5 من أبواب المزار صفحة: 22.
3- انظر رحلة ابن جبير صفحة: 153.

فصل فيما يستحب في المدينة من الأعمال

اشارة

فصل فيما يستحب في المدينة من الأعمال و هي أمور غير ما تقدم:

الأول: إتيان مسجد قبا الذي بني على التقوى

(الأول): إتيان مسجد قبا الذي بني على التقوى، و أوّل مسجد صلّى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و الإكثار من الصلاة فيه، و مشربة أم إبراهيم أي: غرفتها التي كانت فيها و هي مسكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مصلاه، ثمَّ مسجد الفضيخ، و القبلتين (1).

______________________________

فصل فيما يستحب في المدينة من الأعمال

(1) كما في صحيح ابن عمار قال: «أبو عبد اللّه عليه السّلام لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قبا، فإنه المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، و مشربة أم إبراهيم، و مسجد الفضيخ، و قبور الشهداء، و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح- إلى أن قال- و ليكن فيما تقول عند مسجد الفتح يا صريخ المكروبين، و يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي و غمي و كربي كما كشفت عن نبيّك همه و غمه و كربه و كفيته هول عدوه في هذا المكان» (1)، و موثق ابن خالد قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام إنا نأتي المساجد حول المدينة فبأيها أبدأ؟ فقال عليه السّلام: ابدأ بقبا فصل فيه و أكثر فإنه أول مسجد صلّى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذه العرصة ثمَّ ائت مشربة أم إبراهيم فصل فيها فإنها مسكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مصلاه ثمَّ تأتي مسجد الفضيخ فتصلي فيه فقد صلّى فيه نبيك، فاذا قضيت هذا الجانب أتيت

ص: 57


1- الوسائل باب: 12 من أبواب المزار حديث: 1.

يوم اثنين، و يوم الخميس (3).

الثالث: زيارة إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

الثالث: زيارة إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و فاطمة بنت أسد، و العباس بن عبد المطلب في البقيع (4) و غيرهم من زوجات النبي صلّى اللّه عليه و آله و أولاده

______________________________

عبد المطلب عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، عبد اللّه بن جحش، مصعب بن عمير، عمارة بن زياد، شماس بن عثمان و غيرهم من الشهداء و من أراد التفصيل فليراجع وفاء الوفاء للمسعودي (1) و سيرة ابن هشام (2)و غيرها من كتب التواريخ.

(3) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سالم: «عاشت فاطمة عليها السّلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمسة و سبعين يوما لم تر كاشرة و لا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس، فتقول ها هنا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ها هنا كان المشركون» (3)، و عن الصادق عليه السّلام في موثق الجمال «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين فيقول:

السلام عليكم يا أهل الديار- ثلاثا رحمكم اللّه- ثلاثا» (4).

(4) نص على ذلك الأصحاب، و يشمل الأول قوله صلّى اللّه عليه و آله فيما تقدم: «أو زار أحدا من ذريتي زرته يوم القيامة» (5)، و ذكر المفيد، و الشهيد زيارة لإبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتقول: «السّلام على رسول اللّه السّلام على نبيّ اللّه السّلام على حبيب اللّه السّلام على صفي اللّه السّلام على نجي اللّه السّلام على محمد بن عبد اللّه سيد الأنبياء و خاتم المرسلين و خيرة اللّه من خلقه في أرضه و سمائه السّلام على جميع أنبياء اللّه و رسله السّلام على السعداء و الشهداء و الصالحين

ص: 58


1- راجع وفاء الوفاء ج: 2 صفحة: 113.
2- سيرة ابن هشام ج: 3 صفحة: 75- 81.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب المزار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب الدفن حديث: 3.
5- تقدم في صفحة: 452.

.....

______________________________

السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين السلام عليك أيّها الروح الزاكية السلام عليك أيتها النفس الشريفة السّلام عليك أيتها السّلالة الطاهرة السلام عليك أيتها النسمة الزاكية السّلام عليك يا ابن خير الورى السّلام عليك يا ابن النبي المجتبى السّلام عليك يا ابن المبعوث إلى كافة الورى السّلام عليك يا ابن البشير السّلام عليك يا ابن السراج المنير السلام عليك يا ابن المؤيّد بالقرآن السّلام عليك يا ابن المرسل إلى الإنس و الجان السّلام عليك يا صاحب الراية و العلامة السّلام عليك يا ابن شفيع يوم القيامة السلام عليك يا ابن من حباه اللّه بالكرامة السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته أشهد أنّك قد اختار اللّه لك دار إنعامه قبل أن يكتب عليك أحكامه أو يكلفك حلاله و حرامه فنقلك إليه طيبا زاكيا مرضيا طاهرا من كل دنس و بوأك جنة المأوى و رفعك إلى الدرجات العلى و صلّى اللّه عليك صلاة يقر بها عين رسوله و يبلّغه أكبر مأموله اللّهم اجعل أفضل صلاتك و أزكاها و أوفاها على رسولك و نبيك و خيرتك من خلقك محمد خاتم النبيين و على ما نسل من أولاده الطيبين و على ما خلف من عترته الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللّهمّ إني أسألك بحق محمد صفيّك و إبراهيم نجل نبيك أن تجعل سعيي بهم مشكورا و ذنبي بهم مغفورا و حياتي بهم سعيدة و عافيتي بهم حميدة و حوائجي بهم مقضية و أفعالي بهم مرضية و أموري بهم مسعودة و شئوني بهم محمودة اللّهم و أحسن لي التوفيق و نفّس عنّي كل هم و ضيق اللّهم جنبني عقابك و امنحني ثوابك و اسكنّي جنانك و ارزقني رضوانك و أمانك و أشرك في صالح دعائي والديّ و جميع المؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات إنك وليّ الباقيات الصالحات آمين ربّ العالمين. ثمَّ تسأل حاجتك و تصلي ركعتين للزيارة» (1).

ثمَّ ذكروا (قدس اللّه أرواحهم) زيارة لفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين فقالوا: «إذا وقفت على قبرها فتقول: «السّلام على نبي اللّه السّلام على رسول اللّه

ص: 59


1- بحار الأنوار ج: 22 طبعة الحجرية صفحة: 33.

.....

______________________________

السّلام على محمد سيّد المرسلين السلام على سيد الأوّلين السّلام على من بعثه اللّه رحمة للعالمين السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية السّلام عليك أيتها الصدّيقة المرضية السلام عليك أيتها التقية السلام عليك أيتها الكريمة الرضية السلام عليك يا كافلة محمد خاتم النبيين السلام عليك يا والدة سيد الوصيين السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول اللّه خاتم النبيين السلام عليك يا من تربيتها لولي اللّه الأمين السلام عليك و على روحك و بدنك الطاهر السلام عليك و على ولدك و رحمة اللّه و بركاته أشهد أنّك أحسست الكفالة و أدّيت الأمانة و اجتهدت في مرضاة اللّه و بالغت في حفظ رسول اللّه عارفة بحقه مؤمنة بصدقه معترفة بنبوّته مستبصرة بنعمته كافلة بتربيته مشفقة على نفسه واقفة على خدمته مختارة رضاه و أشهد أنّك مضيت على الإيمان و التمسّك بأشرف الأديان راضية مرضية طاهرة زكيّة تقية نقية فرضي اللّه عنك و أرضاك و جعل الجنّة منزلك و مأواك اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و انفعني بزيارتها و ثبتني على محبتها و لا تحرمني شفاعتها و شفاعة الأئمة من ذريتها و ارزقني مرافقتها و احشرني معها و مع أولادها الطاهرين اللّهم لا تجعله آخر العهد من زيارتي إياها و ارزقني العود إليها أبدا ما أبقيتني و إذا توفيتني فاحشرني في زمرتها و أدخلني في شفاعتها برحمتك يا أرحم الراحمين اللّهم بحقّها عندك و منزلتها لديك اغفر لي و لوالديّ و لجميع المؤمنين و المؤمنات و آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا برحمتك عَذابَ النّارِ. ثمَّ تصلي ركعتين للزيارة و تدعو بما أحببت و تنصرف» (1).

و الأولى أن يصلي جميع ما تقدم من صلوات الزيارات في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله لدرك الأفضلية.

ص: 60


1- البحار ج: 22 الطبعة الحجرية صفحة: 33.

و عمّاته، و أصحابه (رضوان اللّه تعالى عليهم) أجمعين (5).

______________________________

(5) أما زوجاته صلّى اللّه عليه و آله: فجميعهن في البقيع سوى خديجة بنت خويلد- أم فاطمة- عليهما السّلام و ميمونة الهلالية فهما بمكة في المعلّى- كما تقدم- و أما أولاده صلّى اللّه عليه و آله: فكلهم من خديجة- إلّا إبراهيم عليه السّلام فإنه من مارية القبطية- و هم: فاطمة عليها السّلام، و زينب، و أم كلثوم، و عبد اللّه، و القاسم و جميعهم في البقيع سوى فاطمة عليها السّلام- كما مر قريبا- و أما عماته صلّى اللّه عليه و آله:- بنات عبد المطلب- فهما: صفية، و عاتكة أيضا في البقيع.

و أما الأصحاب و الشهداء فهم في البقيع كثيرون منهم: عثمان بن مظعون أخو النبي صلّى اللّه عليه و آله من الرضاعة و هو الذي قبّله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد موته (1)، و قال صلّى اللّه عليه و آله حين دفن ابنه إبراهيم عليه السّلام «ألحقك اللّه بسلفك الصالح عثمان بن مظعون». و أبو سعيد الخدري، و سعد ابن معاذ الذي هو من أجلاء الأصحاب، و عقيل بن أبي طالب، و عبد اللّه بن جعفر الطيار، زوج زينب بنت أمير المؤمنين عليه السّلام، و عبد اللّه بن مسعود، و فاطمة بنت حزام الكلابية والدة العبّاس بن علي ابن أبي طالب عليه السّلام و غيرهم من الشهداء الأبرار و الأصحاب الأخيار و ليس لهم زيارة موقّتة، بل يجزي كل ما جرى على اللسان من السلام بعد قراءة شي ء من القرآن.

ص: 61


1- الوسائل باب: 5 من أبواب غسل مس الميت حديث: 1.

فصل في استحباب زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام

اشارة

فصل في استحباب زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام

مسألة 1: يستحب مؤكّدا زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام

(مسألة 1): يستحب مؤكّدا زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، و يكره تركها (6).

______________________________

(6) إجماعا من المسلمين، و نصوصا متواترة قال الصادق عليه السّلام في صحيح ابن مسلم: «ما خلق اللّه خلقا أكثر من الملائكة، و إنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك فيأتون البيت المعمور فيطوفون به فاذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فسلّموا عليه، ثمَّ أتوا قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فسلموا عليه، ثمَّ أتوا قبر الحسين عليه السّلام فسلموا عليه، ثمَّ عرجوا فينزل مثلهم أبدا إلى يوم القيامة، و قال عليه السّلام من زار قبر أمير المؤمنين عارفا بحقّه غير متجبر و لا متكبر كتب اللّه له أجر مائة ألف شهيد، و غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر و بعث من الآمنين، و هوّن عليه الحساب و استقبلته الملائكة فإذا انصرف شيّعته إلى منزله فإن مرض عادوه و إن مات شيّعوه بالاستغفار إلى قبره- الحديث-» (1)، و عن أبي وهب القصري قال: «دخلت المدينة فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: أتيتك و لم أزر قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: بئس ما صنعت لو لا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك ألا تزور من يزوره اللّه تعالى مع الملائكة و يزوره الأنبياء و يزوره المؤمنون؟ قلت: جعلت فداك ما علمت ذلك قال عليه السّلام:

فاعلم إن أمير المؤمنين عند اللّه أفضل من الأئمّة كلّهم و له ثواب أعمالهم، و على قدر أعمالهم فضّلوا» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا لابن مارد: «من زار جدّي عارفا بحقّه

ص: 62


1- الوسائل باب: 23 من أبواب المزار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب المزار حديث: 2.

مسألة 2: يستحب زيارة الحسين عليه السّلام عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام

(مسألة 2): يستحب زيارة الحسين عليه السّلام عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام (7) كما يستحب في حرمة الأقدس زيارة آدم، و نوح،

______________________________

كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة و عمرة مبرورة، و اللّه يا ابن مارد ما تطعم النار قدما تغبّرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام ماشيا كان أو راكبا، يا ابن مارد أكتب هذا الحديث بماء الذهب» (1) و في رواية ابن طلحة قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: يا عبد اللّه بن طلحة ما تزور قبر أبي الحسين عليه السّلام؟ قلت: بلى إنا لنأتيه قال أ تأتونه في كل جمعة؟ قلت: لا قال: فتأتونه في كل شهر؟ فقلت: لا فقال عليه السّلام: ما أجفاكم إن زيارته تعدل حجة و عمرة و زيارة أبي علي عليه السّلام تعدل حجتين و عمرتين» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا فضل زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السّلام على زيارة الحسين عليه السّلام كفضل أمير المؤمنين عليه السّلام على الحسين عليه السّلام (3)، و قال عليه السّلام أيضا: «إن أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزائر لأمير المؤمنين فلا تكن عن الخير نواما» (4)، و عنه عليه السّلام: «لا يلوذ بقبره ذو عاهة إلّا شفاه اللّه» (5) إلى غير ذلك من الأخبار.

(7) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن أسباط: «إنك إذا أتيت الغري رأيت قبرين: قبرا كبيرا و قبرا صغيرا: و أما الكبير فقبر أمير المؤمنين عليه السّلام و أما الصغير فرأس الحسين عليه السّلام (6)، و في رواية ابن تغلب صلّى أبو عبد اللّه عليه السّلام ركعتين عند موضع رأس الحسين عليه السّلام قرب موضع قبر أمير المؤمنين عليه السّلام (7) إلى غير ذلك من الروايات.

أقول: في مدفن رأس الحسين عليه السّلام اختلاف كثير و يمكن صدق الجميع

ص: 63


1- الوسائل باب: 23 من أبواب المزار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب 23 من أبواب المزار حديث: 5 و 11.
5- الوسائل باب 23 من أبواب المزار حديث: 5 و 11.
6- الوسائل باب: 32 من أبواب المزار حديث: 7.
7- الوسائل باب: 32 من أبواب المزار حديث: 4.

و إبراهيم عليهم السّلام (8)، بل و زيارة هود، و صالح في جواره و يظهر من الأخبار أنّ في الحرم المطهر محل منزل القائم (عجل اللّه فرجه) و منبره (9).

______________________________

بأن كان المدفن مدة خاصة في محل معين ثمَّ ردّه اللّه تعالى إلى محل آخر لمصالح حتى ألحقه بالجسد و ليس ذلك من فضل اللّه تعالى ببعيد مقابلة لفعل الأعداء بالضد حيث أرادوا أن يطفؤا نور اللّه فأظهره اللّه تعالى في مظاهر شتّى، و يشهد له قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن ظبيان: «فصيره اللّه عند أمير المؤمنين عليه السّلام فدفن، فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس» (1).

(8) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية مفضل: «إذا زرت أمير المؤمنين عليه السّلام فاعلم أنّك زائر عظام آدم و بدن نوح، و جسم علي بن أبي طالب عليه السّلام» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا: «الكوفة روضة من رياض الجنة فيها قبر نوح، و إبراهيم و قبور ثلاثمائة نبي و سبعين نبيا و ست مائة وصي و قبر سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه السّلام» (3).

و أما ما ورد من أنه عليه السّلام أوصى أن يدفن في قبر أخيه هود و صالح (4) أو في قبر نوح (5) فيمكن حمله على القرب منه أو على التعمية في محلّ القبر، مع أن في سنده قصور.

(9) قال الصادق عليه السّلام- بعد ما صلّى ست ركعات-: «الركعتين الأوليين موضع قبر أمير المؤمنين، و الركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين عليه السّلام و الركعتين الثالثتين موضع منبر القائم (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)» (6)، و في رواية ابن تغلب قال: «كنت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فمرّ بظهر الكوفة فنزل فصلّى

ص: 64


1- الوسائل باب: 32 من أبواب المزار حديث: 8.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب المزار حديث: 1 و 6.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب المزار حديث: 1 و 6.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب المزار حديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب المزار حديث: 4 و غيره.
6- الوسائل باب: 32 من أبواب المزار حديث: 1.

مسألة 3: يستحب في كيفية التشرف بحضرته عليه السّلام ما قاله الصادق عليه السّلام

(مسألة 3): يستحب في كيفية التشرف بحضرته عليه السّلام ما قاله الصادق عليه السّلام (10): «قصّر خطاك، و ألق ذقنك إلى الأرض- الحديث-» و ينبغي أن تكون مع السكينة و الوقار (11).

______________________________

ركعتين ثمَّ تقدم قليلا فصلّى ركعتين ثمَّ سار قليلا فنزل فصلّى ركعتين ثمَّ قال عليه السّلام: هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فقلت: جعلت فداك و الموضعين الذين صليت فيهما؟ فقال عليه السّلام: هذا موضع رأس الحسين عليه السّلام و موضع منزل القائم عليه السّلام» (1).

(10) ذكر ذلك في رواية صفوان الجمال قال: «لما وافيت مع جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام الكوفة نريد أبا جعفر المنصور قال لي: يا صفوان أنخ الراحلة فهذا قبر جدّي أمير المؤمنين عليه السّلام، فأنختها ثمَّ نزل فاغتسل و غيّر ثوبه و تحفّى، و قال لي: افعل كما أفعل، ثمَّ أخذ نحو الذكوات ثمَّ قال لي: قصّر خطاك و ألق ذقنك إلى الأرض يكتب لك بكل خطوة مائة ألف حسنة و تمحى عنك مائة ألف سيئة و ترفع لك مائة ألف درجة- إلى أن قال- ثمَّ مشى و مشيت معه و علينا السكينة و الوقار نسبّح و نقدّس و نهلّل إلى أن بلغنا الذكوات- إلى أن قال- و أعطاني دراهم و أصلحت القبر» (2) و يظهر منه أنّ الصادق عليه السّلام هو أول من أصلح القبر بمباشرة صفوان الجمّال.

(11) كما تقدم في رواية صفوان الجمال، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن ظبيان «إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السّلام فتوضأ و اغتسل و امش على هنيئتك و قل- الحديث-» (3)، و في تعليم الصادق عليه السّلام محمد بن مسلم رحمه اللّه:

«اغتسل غسل الزيارة و البس أنظف ثيابك، و شمّ شيئا من الطيب و امش و عليك السكينة و الوقار» (4).

ص: 65


1- الوسائل باب: 32 من أبواب المزار حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب المزار حديث: 7 و 1.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب المزار حديث: 7 و 1.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب المزار حديث: 6.

و الوداع عند الخروج منه (12).

______________________________

و يستحب زيارته عليه السّلام في الأوقات المخصوصة كيوم الغدير و مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و المبعث و سائر الأوقات المضبوطة في كتب المزار، كما يستحب صلاة الزيارة ركعتان أو أربع، أو ست، أو ثمانية، أو اثنتا عشرة كل ذلك مروي و محمول على مراتب الفضل، و قد فصّل ذلك في كتب الأدعية و المزار و من شاء فليراجع إليها.

(12) كما ورد عن أبي الحسن الثاني عليه السّلام: «إذا أردت أن تودع فقل:

السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته أستودعك اللّه و أسترعيك و أقرأ عليك السلام- الدعاء-» (1) مذكور في كتب المزار.

ص: 66


1- كامل الزيارات باب: 12 من أبواب المزار حديث: 1.

فصل في زيارة الحسين عليه السّلام

اشارة

فصل في زيارة الحسين عليه السّلام

مسألة 1: يستحب مؤكّدا زيارة الحسين عليه السّلام

(مسألة 1): يستحب مؤكّدا زيارة الحسين عليه السّلام بل عن بعض العلماء وجوبها كفاية (1).

______________________________

فصل في زيارة الحسين عليه السّلام

(1) أما تأكّد الاستحباب فلكثرة ما ورد فيها من الفضل و الفضيلة مما تبهر منه العقول، و لو لم يكن فيها إلّا رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام لكفى في فضلها، مع أنه من أقل ما ورد فيه قال: «استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقيل لي: ادخل فدخلت فوجدته في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته و هو يناجي ربّه و هو يقول: «يا من خصّنا بالكرامة، و خصّنا بالوصيّة و وعدنا الشفاعة، و أعطانا علم ما مضى و ما بقي، و جعل أفئدة من الناس تهوى إلينا اغفر لي و لإخواني، و لزوار قبر أبي الحسين عليه السّلام الذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا و رجاء لما عندك في صلتنا، و سرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه و آله و إجابة منهم لأمرنا، و غيظا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنّا بالرضوان و اكلأهم بالليل و النهار، و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، و اصحبهم و اكفهم شرّ كل جبار عنيد و كل ضعيف من خلقك أو شديد و شرّ شياطين الجن و الإنس و أعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم و ما آثرونا به على أبنائهم «و أبدانهم» و أهاليهم و قراباتهم، اللّهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا و خلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي قد غيّرتها الشمس و ارحم تلك الحدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد اللّه، و ارحم

ص: 67

.....

______________________________

تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا و ارحم الصرخة التي كانت لنا، اللّهم إنّي أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال و هو ساجد يدعو اللّه بهذا الدعاء فلما انصرف قلت: جعلت فداك لو أنّ هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئا، و اللّه لقد تمنّيت أني كنت زرته و لم أحج فقال عليه السّلام لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك من زيارته ثمَّ قال: يا معاوية لم تدع ذلك قلت: لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه قال يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض يا معاوية لا تدعه فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام أما تحب أن تكون غدا ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر له ذنوب سبعين سنة، أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة، أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج و ليس له ذنب فيتبع به، أما تحب أن تكون ممن تصافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟!» (1).

و أما منشأ القول بالوجوب الكفائي كخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن إتيانه يزيد في الرزق، و يمد في العمر، و يدفع مدافع السوء، و إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه» (2).

ففيه: أنه لا بد من حمله على تأكد الندب بقرينة صدره و سائر الأخبار.

و أما الأخبار الدالة على أن ترك زيارته من الجفاء كقوله عليه السّلام أيضا: «زره و لا تجفوه فإنه سيد الشهداء» (3)، و قول أبي جعفر عليه السّلام لمن ترك زيارته عليه السّلام: «ما أجفاكم» (4).

ففيها: أن الجفاء بمعنى البعد و عدم الخير، و البعد له مراتب، و ترك

ص: 68


1- الوسائل باب: 37 من أبواب المزار حديث: 7 و 8.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب المزار حديث: 7 و 8.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب المزار حديث: 17 و 20 و 16.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب المزار حديث: 17 و 20 و 16.

مسألة 2: يستحب تكرار زيارته 2، و يتأكد في أوقات خاصّة

(مسألة 2): يستحب تكرار زيارته (2)، و يتأكد في أوقات خاصّة (3).

مسألة 3: يستحب الغسل لزيارته عليه السّلام من ماء الفرات

(مسألة 3): يستحب الغسل لزيارته عليه السّلام من ماء الفرات (4).

______________________________

المندوب مع التمكن منه نحو بعد عن الشرع، إذ ليس كل بعد مما يوجب استحقاق العقاب، و في الحديث: «إن الاستنجاء باليمين من الجفاء» (1) فترك كل أدب شرعي جفاء.

و أما خبر هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عمن ترك زيارة قبر الحسين عليه السّلام من غير علة فقال عليه السّلام: هذا رجل من أهل النار» (2).

ففيه: أنه يصلح للوجوب لو لا قصور سنده، و إعراض المشهور عنه، مع أن ظاهره الوجوب العيني لمن تمكن و لا قائل به. نعم قد تجب كفاية لأجل جهات خارجية، و كذا زيارة سائر الأئمّة عليهم السّلام و لا إشكال فيه، و مما ذكرنا ظهر لك الأمر في سائر الأخبار.

(2) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق ابن رئاب: «حق على الغني أن يأتي قبر الحسين عليه السّلام في السنة مرتين، و حق على الفقير أن يأتيه في السنة مرة» (3) و هذا أدنى التكرار و إلا فقد ورد الترغيب في زيارته عليه السّلام في كل جمعة و كل شهر (4).

(3) كليلة عرفة، و يومها، و العيدين، و أول رجب، و النصف منه، و ليلة النصف من شعبان، و ليالي القدر، و ليالي الجمعة، و عاشوراء، و الأربعين و كلها وردت فيها أخبار من شاء فليراجع كتب المزار.

(4) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية الكنّاس: «إذا أتيت قبر

ص: 69


1- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4 و 7.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب المزار حديث: 13.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب المزار.
4- الوسائل باب: 74 من أبواب المزار حديث.

مسألة 4: يستحب الوداع بما هو المأثور عند الانصراف عنه

(مسألة 4): يستحب الوداع بما هو المأثور عند الانصراف عنه (5)، كما يستحب زيارة ابنه عليه السّلام (6) و سائر الشهداء في حرمة عليهم السّلام و زيارة أخيه العباس عليه السّلام.

مسألة 5: اختلفت الروايات في تحديد حرم الحسين عليه السّلام

(مسألة 5): اختلفت الروايات في تحديد حرم الحسين عليه السّلام فأكثرها خمس فراسخ من كل جانب من جوانب قبره الشريف (7)، و أقلّها عشرون

______________________________

الحسين عليه السّلام فأت الفرات و اغتسل بحيال قبره و توجه إليه، و عليك بالسكينة و الوقار حتى تدخل القبر من الجانب الشرقي» (1) إلى غير ذلك من الأخبار.

(5) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية ابن الكنّاس: «إذا أردت أن تودع الحسين عليه السّلام فقل السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته أستودعك اللّه و أقرأ عليك السلام- الدعاء-» (2).

(6) أما زيارة علي بن الحسين الشهيد فإنها وردت في زيارات الحسين الواردة عن الأئمّة المعصومين، و أما زيارة الشهداء فلما ورد في تعليم الصادق عليه السّلام كيفية زيارة الحسين عليه السّلام ليونس بن ظبيان زيارتهم (3) و مع أنهم كشهداء أحد و بدر فيزار بكل ما جرى على اللسان من السلام. و أما زيارة العباس فلما ورد عن الصادق عليه السّلام في رواية أبي حمزة الثمالي(4) و غيره من الروايات كما هو مذكور في كتب المزار مع أنه من أعظم الشهداء.

(7) كما في خبر ابن العباس: «حرم الحسين عليه السّلام خمس فراسخ من أربع جوانبه» (5)، و كذا في مرسل الصدوق (6).

ص: 70


1- الوسائل باب: 59 من أبواب المزار حديث: 1 و غيره.
2- راجع كامل الزيارات باب: 84 من أبواب الزيارات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 62 من أبواب المزار حديث: 1.
4- كامل الزيارات باب: 85 من أبواب الزيارات.
5- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار حديث: 1 و 8.
6- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار حديث: 1 و 8.

ذراعا مكسرا، فيصير خمسة أذرع من كل جانب (8) و الاختلاف محمول على اختلاف مراتب الفضل.

______________________________

(8) لرواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: «قبر الحسين عليه السّلام عشرون ذراعا مكسرا» (1)، و تقدم في صلاة المسافر عند أماكن التخيير بعض ما يتعلق بالمقام.

ص: 71


1- الوسائل باب: 67 من أبواب المزار حديث: 6.

فصل في زيارة بقية الأئمة عليهم السّلام

فصل في زيارة بقية الأئمة عليهم السّلام (مسألة 1): يستحب مؤكّدا زيارة موسى بن جعفر عليه السّلام و زيارته كزيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قبر أمير المؤمنين عليه السّلام و قبر الحسين عليه السّلام (1)، و لزائره الجنة (2)، كما يستحب مؤكدا زيارة الإمام الجواد محمد بن علي عليه السّلام، فإن زيارته أعظم أجرا من زيارة الحسين عليه السّلام (3)، و يستحب

______________________________

فصل في زيارة بقية الأئمة عليهم السّلام

(1) لرواية ابن القمي عن الرضا عليه السّلام قال: «من زار قبر أبي ببغداد كان كمن زار قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قبر أمير المؤمنين إلّا أن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لأمير المؤمنين عليه السّلام فضلهما» (1) و قريب منه رواية بشار الواسطي (2)، و عنه عليه السّلام أيضا:

«زيارة قبر أبي عليه السّلام مثل زيارة قبر الحسين عليه السّلام (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(2) لخبر أبي نجران قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاصدا قال عليه السّلام: له الجنة، و من زار قبر أبي الحسن عليه السّلام فله الجنة» (4)، و في رواية ابن سنان قال: «قلت للرضا عليه السّلام ما لمن زار أباك؟ قال عليه السّلام: الجنة فزره» (5).

(3) لرواية ابن عقبة قال: «كتبت إلى أبي الحسن الهادي عليه السّلام أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و عن زيارة أبي الحسن عليه السّلام و أبي جعفر عليه السّلام و عن الأئمة عليهم السّلام فكتب إليّ أبو عبد اللّه المقدم، و هذا أجمع و أعظم أجرا» (6).

ص: 72


1- الوسائل باب: 80 من أبواب المزار حديث: 2 و 4 و 9 و 8 و 3.
2- الوسائل باب: 80 من أبواب المزار حديث: 2 و 4 و 9 و 8 و 3.
3- الوسائل باب: 80 من أبواب المزار حديث: 2 و 4 و 9 و 8 و 3.
4- الوسائل باب: 80 من أبواب المزار حديث: 2 و 4 و 9 و 8 و 3.
5- الوسائل باب: 80 من أبواب المزار حديث: 2 و 4 و 9 و 8 و 3.
6- الوسائل باب: 89 من أبواب المزار حديث: 1.

مؤكّدا زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام فإن زيارته تعدل عند اللّه ألف ألف حجّة (4)، و سئل الجواد عليه السّلام عن زيارة الرضا عليه السّلام أفضل أو زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: زيارة أبي عليه السّلام أفضل (5)، و يستحب زيارة الإمامين الهادي و العسكري عليهما السّلام، و زيارتهما كزيارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (6). و أما الامام المنتظر (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا من كل سوء فداه) فلا ريب في تأكد استحباب زيارته في كل زمان و مكان (7) و الدعاء بتعجيل فرجه،

______________________________

(4) لرواية أبي نصر البزنطي قال: «قرأت في كتاب أبي الحسن الرضا عليه السّلام أبلغ شيعتي أن زيارتي تبلغ عند اللّه عز و جل ألف حجة قال فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: ألف حجة؟ قال إي و اللّه و ألف ألف حجة لمن زاره عارفا بحقه» (1) و مثله غيره.

(5) كما في رواية ابن مهزيار قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام جعلت فداك زيارة الرضا عليه السّلام أفضل أم زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام فقال عليه السّلام: زيارة أبي أفضل و ذلك أن أبا عبد اللّه عليه السّلام يزوره كل النّاس و أبي لا يزوره إلّا الخواص من الشيعة» (2) و قريب منه رواية عبد العظيم الحسني (3).

(6) لرواية زيد الشحام قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما لمن زار واحدا منكم؟ قال عليه السّلام: كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» (4).

(7) للضرورة المذهبية، و السيرة العملية بين الإمامية منذ الغيبة الكبرى إلى زماننا هذا، مضافا إلى العمومات الدالة على استحباب زيارتهم- كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الشحام المتقدم: «قلت له ما لمن زار واحدا منكم؟

ص: 73


1- الوسائل باب: 87 من أبواب المزار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 85 من أبواب المزار حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 85 من أبواب المزار حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 90 من أبواب المزار حديث: 1.

و تتأكد في السرداب بسامراء (8).

كما يستحب زيارة النبي صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام من بعيد أيضا بمعنى الإيماء إلى قبورهم الشريفة بالسلام و التحية، و الأولى أن تكون على سطح الدار، أو فلاة من الأرض مع مراعاة جميع آداب الزيارة (9) وفقنا اللّه تعالى لزياراتهم و منّ علينا بقبولها. تمَّ كتاب الحج- و الحمد للّه أولا و آخرا.

______________________________

قال عليه السّلام: كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله» الذي يكون صاحب الأمر داخلا فيهم بل هو أفضلهم كما في بعض الأخبار (1)، و لخصوص التوقيع الشريف (2) المذكور في كتب المزار مفصّلا.

(8) لأنه المتيقن مما تبرك بمقدمه الشريف، و كذا في غيره من المشاهد المشرفة خصوصا في المساجد الثلاثة.

(9) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق هشام: «إذا بعدت بأحدكم الشقّة و نأت به الدار فليصعد على منزله فليصل ركعتين، و ليؤم بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصل إلينا» (3)، و في رواية ابن عمير قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بعدت بأحدكم الشقة و نأت به الدار فليعل على منزله و ليصل ركعتين، و ليؤم بالسلام إلى قبورنا فان ذلك يصل إلينا و لتسلم على الأئمة من بعيد كما تسلم عليهم من قريب غير أنك لا يصح أن تقول أتيتك زائرا بل تقول موضعه: قصدتك بقلبي زائرا إذا عجزت عن حضور مشهدك و وجهت سلامي لعلمي بأنه يبلغك صلّى اللّه عليك فاشفع لي عند ربّك عز و جل. و تدعو بما أحببت» (4) إلى غير ذلك من

ص: 74


1- راجع كتاب الغيبة للنعماني باب: 4 حديث: 7 صفحة: 67.
2- مستدرك الوسائل باب: 70 من أبواب المزار.
3- الوسائل باب: 95 من أبواب المزار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 95 من أبواب المزار حديث: 2.

.....

______________________________

الأخبار. هذا و قد فصّل آداب الزيارة و زمانها و أمكنتها في كتب المزار و ليس هذا الكتاب موضوعا له و المقصود مجرد الإشارة تيمّنا و تبرّكا.

و الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين و سلم تسليما كثيرا مباركا زاكيا ناميا و طيبا.

ص: 75

ص: 76

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الجهاد

اشارة

كتاب الجهاد و هو أفضل الأعمال بعد الفرائض، و باب من أبواب الجنة و من أركان الإسلام و ما ورد في فضله في الكتاب و السنة أكثر من أن يحصى (1) و الكلام.

______________________________

كتاب الجهاد الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الغر الميامين

(1) قال اللّه تعالى إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ- إلى قوله تعالى- وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (1).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «للجنة باب يقال له: باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح و هم متقلدون بسيوفهم، و الجمع في الموقف، و الملائكة ترحّب

ص: 77


1- سورة التوبة: 111.

.....

______________________________

بهم- الحديث- (1).

و قال صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «الخير كله في السيف، و تحت ظل السيف، و لا يقيم الناس إلا بالسيف، و السيوف مقاليد الجنة و النار» (2).

و قال عليّ عليه السّلام: «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه اللّه لخاصة أوليائه» (3).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض» (4).

و في صحيح ابن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام: «ألا أخبرك بالإسلام أصله، و فرعه، و ذروة سنامه؟ قلت: بلى، جعلت فداك. قال عليه السّلام: أما أصله فالصلاة، و فرعه الزكاة، و ذروة سنامه الجهاد» (5).

و لا بد من بيان أمور:

الأول: بذل الطاقة و تحمّل المشقة مأخوذ في جميع مشتقات مادة الجهاد سواء استعملت في العلم، أو العمل، أو بذل المال، أو النفس في سبيل اللّه، و المجاهدة في مخالفة الهوى، أو غير ذلك. و بهذا المعنى العام تقوم الأديان السماوية حدوثا و بقاء بالنسبة إلى الأفراد و الأنواع، فليس قوام الدّين بالجهاد في جهة خاصة فقط، و هي المجاهدة مع الكفار، بل هو متقوّم به بمعناه العام فردا أو نوعا، و كما أنّه علة محدثة للدّين علة مبقية له أيضا.

الثاني: مقتضى ظواهر الأخبار أنّ الجهاد في سبيل اللّه بأيّ معنى- و بأيّ مرتبة- لوحظ من القربيات بنفس ذاته، لا يتوقف على قصد القربة زائدا على قصد ذاته، و لكن يظهر من خبر ابن جعفر توفقه على قصد القربة، فعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما الأعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه، و من غزا يريد عرض

ص: 78


1- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد العدو حديث: 2 و 1 و 13 و 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد العدو حديث: 2 و 1 و 13 و 9.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد العدو حديث: 2 و 1 و 13 و 9.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد العدو حديث: 2 و 1 و 13 و 9.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 3.

.....

______________________________

الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى» (1)، و يمكن حمله على ما ذكرناه.

الثالث: يكفي في قصد القربة- على فرض توقفه عليها- القصد الإجمالي الارتكازي و لا يحتاج إلى التفصيل بل يكفي الدّاعي كما في سائر العبادات.

الرابع: الجهاد ينقسم بتقسيم آخر على أقسام:

الأول: ما اصطلحوا عليه بالجهاد، بالمعنى الأخصّ- أي: المشروط بشروط خاصة تأتي الإشارة إليها- و هو الدعوة إلى الإسلام، و هو الجهاد الذي له أحكام خاصة من شهادة المقتول على وجه لا يغسل لا يكفن و ما ثبت له من الدّرجات الأخروية، و حرمة الفرار عن الزحف، و أحكام الغنائم إلى غير ذلك مما يأتي بيانه.

الثاني: الدفاع عمن يخشى منه على الإسلام و المسلمين، و النفس و العرض، و المال المحترم مع وجود المعصوم و إذنه في ذلك أو نائبه الخاص المنصوب من قبله عليه السّلام لذلك و الاستيذان منه.

و البحث فيه من أنّه عين القسم الأول من حيث تمام الآثار أو ملحق به في ذلك ساقط أصلا، لعدم الابتلاء به بوجه، و لأنّه كتعيين وظيفة الإمام عليه السّلام من غيره.

الثالث: عين هذا القسم في زمان الغيبة و يبحث فيه أنّه عين القسم الأول موضوعا، أو منه حكما و في جميع الآثار، أو لا ربط له به أصلا و لا تترتب عليه آثاره المختصة به؟ و البحث. تارة بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الاستظهارات.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم ترتب الآثار المختصة بالشهيد على غير ما هو المتيقن من الأدلة و الكلمات إلا بدليل معتبر يدل عليه.

ص: 79


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

تارة: في من يجب عليه الجهاد.

و أخرى: في من يجب جهاده و بيان كيفيته.

و ثالثة: في أحكام أهل الذمة.

و رابعة: في قتال أهل البغي.

و خامسة: في جهاد النفس- الذي هو أهم أقسام الجهاد- فهناك فصول:

______________________________

أما الثاني: فالظاهر صحة إطلاق الجهاد بالمعنى الأعم بالنسبة إليه كما يصح إطلاق الدفاع أيضا، و إنّما البحث في أنّ الآثار الخاصة لمطلق ما يسمّى جهادا أو لقسم خاص منه و في مثله ليس لأحد التمسك بالمطلقات، لفرض الشك في صحة التمسك بها في مورد الشك لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

و أما الثالث: فصريح المحقق في الشرائع كونه جهادا بالمعنى الأخص و نسبه في الدروس إلى ظاهر الأصحاب أيضا: و عن صاحب الجواهر الإصرار على كونه من الجهاد بالمعنى الأخص و لا دليل له إلّا الإطلاق و قد مرّ ما فيه، و كذا كل من نسب إليه ذلك فتمسكوا بالإطلاق، و بتصريح جماعة أنّ المقتول في الدفاع عن بيضة الإسلام كالمقتول بين يدي الإمام عليه السّلام.

و فيه: أنّ التنزيل في الجملة صحيح و إنّما الكلام في التعميم من كل جهة و هو أول الدعوى و عين المدعى فهذا الدليل مصادرة و لا وجه للتمسك به فلا إطلاق و لا اتفاق على كونه من الجهاد بالمعنى الأخص فيبقى الأصل بحاله.

ص: 80

فصل من يجب عليه الجهاد

اشارة

فصل من يجب عليه الجهاد

مسألة 1: يجب كفاية جهاد الكفار لدعوتهم إلى الإسلام على كل مكلف حر ذكر، غير معذور

(مسألة 1): يجب كفاية جهاد الكفار لدعوتهم إلى الإسلام على كل مكلف حر، ذكر، غير معذور (1).

______________________________

فصل من يجب عليه الجهاد

(1) أما أصل الوجوب في الجملة، فتدل عليه الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب آيات كثيرة منها قوله تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (1)، و قوله تعالى فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (2)، و قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ (3)، و قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (4)، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

و من السنة أخبار متواترة منها ما تقدم في صحيح ابن خالد (5).

و من الإجماع: إجماع المسلمين بل هو من ضروريات الدّين.

و من العقل: حكمه البتيّ بلزوم قطع مادة الفساد، و أيّ فساد أقوى من

ص: 81


1- سورة التوبة: 29.
2- سورة النساء: 74.
3- سورة التوبة: 73- 5.
4- سورة التوبة: 73- 5.
5- تقدم في صفحة: 4.

.....

______________________________

الكفر و الشرك، و كذا حكمه القطعي بلزوم إقامة العدل الإلهي و القوانين الإلهية المنظمة للنظام البشري في الدّين و الدنيا.

و أمّا أنّ الوجوب كفائيّ و ليس بعيني فلظهور سياق جميع الأدلة الأربعة في ذلك.

و إن شئت قلت: هذا القسم من الجهاد من أهمّ الواجبات النظامية و الأصل في الواجبات النظامية الكفائية إلا ما خرج بالدليل، مع دلالة سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الضرورة على أنّه واجب كفائي.

و أما النبوي: «من مات و لم يغز و لم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» (1)، و العلوي: «الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول اللّه عزّ و جلّ كتب عليكم القتال» (2).

فهما مضافا إلى قصور السند لا يدلان على العينية لأنّ كل واجب كفائي واجب على الجميع فان قام به بعض لا يبقى موضوع للبقية. نعم مع الشك في سقوطه يبقى الوجوب على الكل ما لم يسقط.

و أما اعتبار التكليف. و الحريّة، و عدم العذر، فيدل عليه الإجماع و حديث رفع القلم (3) بالنسبة إلى الصبيّ و المجنون، و قاعدة نفي الحرج بالنسبة إلى المعذور و الآية لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ، وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ (4)، و قوله تعالى:

ص: 82


1- سنن أبي داود باب: 17 (كراهة ترك الغزو) من أبواب الجهاد، و في سنن النسائي باب: 2 من أبواب الجهاد.
2- دعائم الإسلام حديث: 1406 ج 1 و في المستدرك باب: 1 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 23.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11 و 12.
4- سورة التوبة: 91.

.....

______________________________

ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (1)، بالنسبة إلى العبد و ظاهر إطلاق كلماتهم عدم ابتناء المسألة على أنّه يملك أو لا يملك و إن يظهر ذلك من محكي المختلف، و قد أرسلوا إرسال المسلّمات أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله «كان يبايع الحر على الإسلام و الجهاد، و العبد على الإسلام دون الجهاد» (2).

و أما المرسل: «إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ليبايعه فقال: يا أمير المؤمنين ابسط يدك أبايعك على أن أدعو لك بلساني و أنصحك بقلبي و أجاهد معك بيدي فقال عليه السّلام: حرّ أنت أم عبد؟ فقال عبد، فصفق أمير المؤمنين عليه السّلام يده فبايعه.» (3) فأسقطه عن الاعتبار قصور سنده، و عدم عامل بإطلاقه إلا ما نسب إلى الإسكافي و هو متفرد بذلك.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق كلامهم عدم وجوبه على العبد بجميع أقسامه إلا المبعض إذا كان قد تهايا مع مولاه فتشمله العمومات حينئذ في نوبة مهاياته، لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ.

ثمَّ إنّهم ذكروا خروج الشيخ الهمّ العاجز عن وجوب الجهاد عليه أيضا و الظاهر أنّه مستدرك لخروجه بالمعذور إن كان معذورا و لا وجه لخروجه مع عدم العذر كما وقع عن عمار بن ياسر في صفين، و مسلم بن عوسجة في واقعة الطف.

و أما عدم وجوبه على النساء فيدل عليه مضافا إلى مناسبة الحكم و الموضوع، و الإجماع قول عليّ عليه السّلام في خبر الأصبغ: «كتب اللّه الجهاد على الرجال و النساء فجهاد الرجل أن يبذل ماله و نفسه حتى يقتل في سبل اللّه،

ص: 83


1- سورة النحل: 75.
2- راجع المغني لابن قدامة ج 10 صفحة 366 طبعة بيروت مع الشرح الكبير.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 2: يشترط في هذا القسم من الجهاد مباشرة الإمام المعصوم عليه السّلام

(مسألة 2): يشترط في هذا القسم من الجهاد مباشرة الإمام المعصوم عليه السّلام، و بسط يده، أو مباشرة من نصبه لذلك بالخصوص، و يكفي إذنهما و لو لم يباشرا (2)،

______________________________

و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها و عشيرته» (1).

و يمكن دعوى القطع من مذاق الشاعر بعدم وجوب الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام بالنسبة إلى النساء.

و أما الخنثى المشكل، فمقتضى الأصل عدم الوجوب عليها أيضا للشك في شمول الأدلة لها، مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم الوجوب عليها.

(2) لأصالة احترام النفوس، و الأعراض، و الأموال التي هي من الأصول المجمع عليها بين العقلاء إلا إذا دل دليل قاطع على الخلاف و لا دليل عليه، بل وردت جملة من النصوص موافقة لهذا الأصل.

منها: خبر الدهان عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك: إنّ القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير؟ فقلت لي: نعم، هو ذلك. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: هو كذلك، هو كذلك» (2)و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لقي عباد البصري علي بن الحسين عليه السّلام في طريق مكة فقال له: يا علي بن الحسين تركت الجهاد و صعوبته، و أقبلت على الحج و لينه إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ الآية فقال علي بن الحسين عليه السّلام: أتم الآية فقال التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 84


1- الوسائل باب: 4 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

و لا يكفي إذن نائب الغيبة و لو فرض بسط يده (3).

______________________________

فقال علي بن الحسين عليهما السّلام إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج» (1).

و قريب منه خبر عليّ بن أبي حمزة الثمالي (2).

و في خبر عبد الملك بن عمرو قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عبد الملك مالي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟ قلت: و أين؟

قال جدّة و عبادان و المصيصة- (بلد بالشام)- و قزوين، فقلت: انتظارا لأمركم و الاقتداء بكم، فقال عليه السّلام: إي و اللّه إنّي لأراه لو كان خيرا ما سبقونا إليه. قلت له:

فإنّ الزيدية يقولون: ليس بيننا و بين جعفر خلاف إلّا أنّه لا يرى الجهاد، فقال: أنا لا أراه؟! بلى و اللّه و لكني أكره أن أدع علمي إلى جهلهم» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار و سيأتي ما يتعلق بموثق سماعة قريبا.

(3) للشك في شمول أدلة ولايته لذلك، و الشك في العموم يكفي في عدم ثبوت الولاية، مضافا إلى الإجماع كما يظهر من المنتهى و الغنية، و عن الرياض نفي علم الخلاف فيه. هذا غاية ما يقال في وجه سقوطه في زمن الغيبة.

و فيه: أولا: أنّه تكفي العمومات الدالة على الجهاد من الكتاب، و السنة، و كذا ضرورة العقل الحاكمة بإبادة الظلم و الفساد الذين يكون الشرك من أهمّها مهما أمكن و ليست هذه الأدلة قابلة للتخصيص إلا بعدم التمكن الذي يسقط به الحكم قهرا.

و ثانيا: أنّ دعوى الإجماع على السقوط، و بحث بسط اليد و عدمه نزاع صغرويّ، و كذا وجود الإمام عليه السّلام، لأنّ المناط في الثبوت مطلقا إمكان بسط

ص: 85


1- الوسائل باب: 12 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و 6.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و 6.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

.....

______________________________

الإسلام و إقامة عدله و كل ما أمكن هذه الجهة وجب و كل ما لم يمكن ينتفي الوجوب من باب السالبة بانتفاء الموضوع و وجود المعصوم، و بسط يده طريق إلى إمكان إقامة الحق فهذا هو المناط ثبوتا و سقوطا فمع اجتماع الجهات التي نشير إليها إجمالا في نائب الغيبة يتعيّن عليه الجهاد لا محالة من باب انطباق الحكم على الموضوع قهرا، فيجب عليه حينئذ عينا القيام بنشر الدعوة الحقة في العالم و يجب على الناس عينا القيام معه بالأدلة الأربعة، فإنّ هذه الصورة هو المتيقن من الكتاب و السنة، و الإجماع الدال على الوجوب، و من أهمّ صغريات شكر المنعم الواجب عقلا، و من أهمّ موارد احتمال الضرر الأخروي في تركه الواجب بقاعدة دفع الضرر المحتمل.

و بالجملة، النزاع في المقام كالنزاع في حجية المفهوم صغرويّ لا أن يكون كبرويا.

ثمَّ إنّ الشرائط المعتبرة في النائب في عصر الغيبة للوجوب العيني للجهاد كثيرة نشير إلى أهمّها في المقام و سيأتي بعضها الآخر في كتاب القضاء عند البحث عمّا يعتبر في نائب الغيبة عند استيلائه على الأمر و هي أمور:

الأول: بسط يده من كل جهة و توفر موجبات الغلبة لديه بحسب الاطمينانات المتعارفة، فلو فرض عدم البسط، أم عدم توفر موجبات الغلبة على الكفار سقط الوجوب.

الثاني: إحاطته بالفقه تماما من كل حيثية و جهة علما و عملا بحيث يكون مرآة واقعية للشريعة المقدسة من جميع الجهات.

الثالث: حسن الإدارة و كفايته بعقل سليم مطبوع و تجربي واسع لتنظيم الأمور- كليا و جزئيا- و تدبير الحوادث الواقعة بتطبيقها على الأحكام الإلهية، و يكون مأنوسا بما جرت عليه عادة اللّه تعالى مع أنبيائه و أوليائه في خصوصيات الغلبة على الأعداء و كيفية المعاشرة معهم.

ص: 86

.....

______________________________

الرابع:- و هو الأهمّ- انسلاخه عن الماديات بتمام معنى الانسلاخ و علوّ همته من كل جهة، و كثرة اهتمامه بالدّين و أهله و جهده في الورع و التقوى و أن يكون متنزّها عن الصّفات الرذيلة بل المكروهة- عند الناس- و عدم توهم الاعتلاء في نفسه على أحد، و كثرة مواظبته على العبادة مع الخلوص- كالتهجد في الليل، و المداومة على النوافل- ليأخذ اللّه تعالى بيده كما في بعض الروايات (1)، و يلهمه بما هو صلاح النوع.

الخامس: إحاطة الخبراء و ذوي الكفاية المعتمدين الثقات به و مشورته معهم في كل جهة بحيث يكونون يدا واحدة في نيل مقاصده و أهدافه، و يكون كل واحد منهم معهم كخواص أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع النبيّ و لو فرض عدم إحاطته بمثل الثقات المتدينين سقط عنه ذلك.

السادس: انقياد عامة الناس له انقيادا واقعيا لا ظاهريا فقط، و استيلاؤه على المال استيلاء غير محدود من كل جهة.

السابع: كثرة اهتمامه برفع الاختلاف بين المسلمين بالحجة و البيان لا بالسيف و السنان، بل و كذا بالنسبة إلى جميع الأديان.

ثمَّ إنّ أكثر أدلة ما ذكرناه عقلائية مقرّرة في السنة المعصومية و سيأتي التعرض لها مفصّلا في كتاب القضاء و محال اخرى إن شاء اللّه تعالى.

و أما الجهاد- مع الجائر أي هذا الجهاد- الخاص فأقسام:

الأول: أن يكون الجهاد مع الجائر لبسط جوره و إماتة الحق و هذا لا يجوز بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب الآيات الدالة على حرمة المعاونة على الجور و العدوان و الظلم و هي كثيرة منطوقا و مفهوما:

ص: 87


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 6.

.....

______________________________

منها: قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (1)، و قوله تعالى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ (2)، إلى غير ذلك من الآيات.

و من السنة نصوص متواترة تقدم بعضها (3).

و من الإجماع تسالم الإمامية عليه خلفا عن سلف.

و من العقل أنّه ترويج للظلم و الجور و هو قبيح.

الثاني: أن يكون الجهاد معه لبسط الحق و إزالة الكفر و إقامة العدل و كأنّ الجائر بمنزلة الآلة المحضة كسائر الآلات الجمادية التي يستعان بها على إقامة الحق و إزالة الكفر و كانت أسباب التقدم متوفرة من كل جهة كما ذكرنا فالظاهر الجواز حينئذ بل قد يجب لنائب الغيبة إمضاء تقرير فعله ليصير الجهاد معه في الواقع و يأتي في خبر أبي عمير السلمي ما يظهر منه الجواز لإطلاق قوله عليه السّلام:

«إنّ اللّه يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة» (4).

الثالث: أن نشك في أنّه من أيّ القسمين و مقتضى أصالة احترام الأموال و النفوس عدم جوازه و في المقام تفصيل لا يسع المقام التعرض له.

الرابع: أن يكون في دولة الجور، فيغشاها عدوّ يخشى منه على نفسه فيساعدها دفعا عن نفسه و ليس هذا من الجهاد بالمعنى الأخصّ، و في رواية طلحة بن زيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم آخرون، قال عليه السّلام: على المسلم أن يمنع نفسه و يقاتل عن حكم اللّه و حكم رسوله و أما أن يقاتل الكفار على حكم الجور و سنتهم فلا يحل له ذلك» (5).

ص: 88


1- سورة هود: 113.
2- سورة المائدة: 2.
3- تقدم في صفحة: 12.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 3: يسقط هذا القسم من الجهاد عن كل من يكون معذورا

(مسألة 3): يسقط هذا القسم من الجهاد عن كل من يكون معذورا بأيّ عذر كان إن أوجب عدم قدرته عليه عرفا (4).

______________________________

و ذكر الأرض في السؤال لا يوجب التخصيص بها بقرينة ذيل الحديث الظاهر في التعميم.

الخامس: ما إذا أراد الكفار محو الإسلام و إزالة اسم محمد صلّى اللّه عليه و آله و انحصر دفع هذه الفتنة بالجهاد مع الكفار بواسطة الجائر فيجوز حينئذ.

(4) لقاعدة نفي الحرج و الإجماع.

و قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1).

و قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ (2).

و قوله تعالى وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (3).

و قوله تعالى لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ (4).

و الظاهر أنّ ذكر ما ورد في الآيات الكريمة من باب المثال لا الخصوصية و المناط كله الحرج و هو يختلف باختلاف الموارد و الأمراض و الحالات و سائر الجهات.

ص: 89


1- سورة التوبة: 91.
2- سورة النور: 60.
3- سورة التوبة: 92.
4- سورة النساء: 95.

مسألة 4: لو كان له دين مؤجل ليس لصاحبه منعه عن الجهاد

(مسألة 4): لو كان له دين مؤجل ليس لصاحبه منعه عن الجهاد. و كذا لو كان حالا و كان المديون معسرا (5).

مسألة 5 للأبوين المسلمين العاقلين منع الولد عن الجهاد ما لم يجب عليه عينا

(مسألة 5) للأبوين المسلمين العاقلين منع الولد عن الجهاد ما لم يجب عليه عينا (6) و لو كان متعينا عليه لا أثر لمنعهما فضلا عن اعتبار

______________________________

(5) لعمومات أدلة الجهاد، و أصالة عدم تسلط الدائن على المديون في هذا الأمر، و يشهد له إطلاق ما حكي عن عبد اللّه بن عمرو أنّه خرج إلى احد و عليه دين كثير فاستشهد و قضاه عنه ابنه جابر فعلم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يذمه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على ذلك (1)، بل قال صلّى اللّه عليه و آله في حقه: «لا زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه» (2).

و أما ما ورد من أنّ القتل في سبيل اللّه يكفّر جميع الخطايا إلّا الدّين (3)، فمحمول على ما إذا تسامح و تساهل فيه مع قدرته على الأداء. هذا إذا كان معسرا و أما إن كان موسرا فيجب عليه الأداء و الجهاد معا لعدم التنافي بينهما حينئذ.

(6) إجماعا، و نصّا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية جابر: «جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنّي راغب في الجهاد نشيط قال صلّى اللّه عليه و آله: فجاهد في سبيل اللّه فإنّك إن تقتل كنت حيّا عند اللّه ترزق و إن تمت فقد وقع أجرك على اللّه و إن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ لي

ص: 90


1- راجع الشرح الكبير على المغني لشمس الدين أبي الفرج المطبوع معه بيروت صفحة 383، و في صحيح البخاري باب: 3 من أبواب الجنائز حديث: 4.
2- راجع الشرح الكبير على المغني لشمس الدين أبي الفرج المطبوع معه ببيروت صفحة 383، و في صحيح البخاري باب: 3 من أبواب الجنائز حديث: 4.
3- صحيح مسلم كتاب الأمارة باب: «من قتل في سبيل اللّه كفرت خطاياه» حديث: 5 و في سنن الترمذي فضائل الجهاد باب: 13.

.....

______________________________

و الدين كبرين يزعمان أنّهما يأنسان بي و يكرهان خروجي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقم مع والديك، فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما و ليلة خير من جهاد سنة» (1).

و في خبر آخر: «لي والدة فقال صلّى اللّه عليه و آله: لأنسها بك ليلة خير من جهاد سنة» (2).

و عن ابن عباس قال: «جاء رجل إلى رسول اللّه فقال: يا رسول اللّه أجاهد؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: أ لك أبوان؟ قال: نعم، قال صلّى اللّه عليه و آله: ففيهما جاهد» (3).

و في خبر آخر «جئت أريد الجهاد معك و تركت أبوا، يبكيان قال صلّى اللّه عليه و آله:

ارجع إليهما «عليهما» فأضحكهما كما أبكيتهما» (4).

و عن أبي سعيد: «إنّ رجلا هاجر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هل لك باليمن أحد؟ قال: نعم، أبواي قال صلّى اللّه عليه و آله: أذنا لك؟ قال:

لا، قال صلّى اللّه عليه و آله ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد و إلا (فبرّهما) فسّرها» (5).

ثمَّ إنّ مقتضى ظواهره الأخبار، و كلمات الأصحاب و شفقتهما أنّ إذنهما شرط لا أن يكون مجرّد منعهما مانعا، و على هذا لو جاهد الولد بدون الإذن يكون آثما.

و لكن قال في الجواهر: «بل يشكل عموم وجوب الطاعة في جميع ما يقترحانه في غير فعل محرم و ترك واجب مما لا أذية عليهما فيه في الفعل و الترك على وجه يكون كالسيد و العبد بعدم دليل معتد به على ذلك و دعوى:

ص: 91


1- الوسائل باب: 2 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 2.
3- سنن أبي داود باب: 33 من أبواب جهاد، و في مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
4- سنن ابن ماجه باب: 12 من أبواب الجهاد و قريب منه في سنن أبي داود باب: 33.
5- سنن أبي داود باب- (في الرجل يغزو و والداه كارهان)- 33 و في المستدرك باب: 2 من أبواب جهاد العدوّ.

إذنهما (7) و لو كانا كافرين لا اعتبار بإذنهما (8). و لا فرق فيما مرّ بين منعهما أو منع أحدهما (9)، و لو منعه أحدهما و ألزمه الآخر فالظاهر السقوط (10).

______________________________

كون مطلق المخالفة عقوقا و إيذاء و عدم مصاحبته بالمعروف واضحة المنع».

أقول: و على هذا فوجوب إطاعتهما في مطلق مقترحاتهما لا بد و أن يقيد بما إذا أوجبت المخالفة الإيذاء بحسب المتعارف و تفصيل المسألة يطلب من غير المقام.

(7) للإجماع، و لأنّه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(8) لعموم أدلة الجهاد الراجح على مراعاة حقهما، مع أنّه إذا جاز قتلهما للولد كيف يراعى إذنهما في الجهاد مع غيرهما، و قد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخرج معه من الصحابة من كان له أبوان كافران و يقرّره صلّى اللّه عليه و آله ذلك منهم (2).

و لو كان والده- أو أحدهما- مجنونا فلا اعتبار بإذنه و منعه في المقام و في سائر الموارد، لانسباق العاقل مما دل على اعتبار إذنهما.

(9) لعموم الأدلة، و ظهور الإجماع الشامل لمنع أحدهما أيضا، مضافا إلى النبويّ: «إنّ جاهمة جاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أردت أن أغزو و قد جئت أستشيرك فقال صلّى اللّه عليه و آله هل لك من أم؟ قال: نعم، قال صلّى اللّه عليه و آله فالزمها فإنّ الجنة تحت رجليها» (3)، و قريب منه غيره (4).

(10) لما اعترف به في الجواهر بصدق المنع في الجملة فلا تشمله العمومات و المرجع حينئذ البراءة.

ص: 92


1- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج حديث: 7.
2- راجع المغني لابن قدامة ج 10 صفحة: 382 ط، بيروت.
3- سنن النسائي ج 6 من أبواب الجهاد حديث:.
4- راجع سنن ابن ماجه باب: 12 من كتاب الجهاد حديث: 2781 و الرواية مفصلة.

مسألة 6: لو عجز عن الحرب بعد التقاء الصفين يسقط الوجوب عنه

(مسألة 6): لو عجز عن الحرب بعد التقاء الصفين يسقط الوجوب عنه (11).

مسألة 7: إذا كان عذره من حيث عدم النفقة فبذل له ما يكفيه

(مسألة 7): إذا كان عذره من حيث عدم النفقة فبذل له ما يكفيه وجب عليه القبول مع عدم المنة (12).

______________________________

(11) لقاعدة نفي الحرج، و انتفاء التكليف بانتفاء الشرط، و ظهور الأدلة في أنّ الشرائط المعتبرة شرط حدوثا و بقاء.

(12) لصدق التمكن حينئذ، مضافا إلى الإجماع و لو كان ذلك بعنوان الإجارة لا يجب القبول لأنّه اكتساب، و لا يجب الاكتساب لذلك.

و لا يخفى أنّ التعرض لأحكام الجهاد المشروط بمباشرة المعصوم عليه السّلام أو إذنه الخاص أو تعينه لشخص مخصوص له مما لا ينبغي، لعدم الموضوع له في زمان الغيبة و هو أبصر بها، و لعله لذلك أجمل الفقهاء الكلام في ذلك، و كذا لو لم نعتبر مباشرته عليه السّلام و اشترطنا بسط اليد على التفصيل الذي تقدم فإنّه منوط بنظر مبسوط اليد فربما يرى بعض الأمور شرطا و بعض الشروط ساقطا.

ثمَّ إنّه لا ريب في اتصاف هذا القسم بالوجوب مع تحقق الشرائط و بالحرمة مع فقد بعضها و هل يتصف بالرجحان و الاستحباب؟

قيل: نعم فيما إذا قام به الكفاية فيستحب لغيرهم القيام به أيضا.

و فيه تأمل ظاهر ما لم يكن فيه مصلحة ملزمة فيجب حينئذ.

تنبيه: تقدم قول عليّ بن الحسين عليهما السّلام في موثق سماعة حيث لقي عباد البصري عليّ بن الحسين عليهما السّلام في طريق مكة فقال له: «يا عليّ بن الحسين

ص: 93

مسألة 8: لو كان الجهاد واجبا عينيا على شخص لا يجوز له الاستنابة فيه مع القدرة عليه

(مسألة 8): لو كان الجهاد واجبا عينيا على شخص لا يجوز له الاستنابة فيه مع القدرة عليه (13). نعم، لو لم يجب عليه عينا بل وجب كفاية و جهز غيره سقط عنه (14) و لو عجز عنه بنفسه و كان مؤسرا ففي وجوب

______________________________

تركت الجهاد و صعوبته، و أقبلت على الحج و لينه إنّ اللّه عزّ و جل يقول إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: أتم الآية فقال التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ- الآية- فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج»(1)، فقرئت جميع هذه الفقرات- أو الصفات- بالواو و هذه القراءة هي المشهور بين القراء و المفسرين. و لكن يظهر من ذيل هذا الخبر أنّ جميع هذه الفقرات لا بد و أن تقرأ بالياء لجعلها صفة للمؤمنين في صدر الآية إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (2)، و قد ورد قراءة الجر عن الأئمة عليهم السّلام أيضا (3)، و على هذا لا بد و أن تكون صفة المجاهدين- و من يجاهد معهم- الصفات المذكورة في الآية الكريمة. و مع فقدها أو بعضها لا موضوع للوجوب.

(13) لعدم جواز الاستنابة في الواجبات العينية مع التمكن من الإتيان بها، للأصل، و الإجماع.

(14) لظهور الإجماع، و حصول ما به الكفاية سواء كان ذلك بنفسه أو بغيره، و في خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهم السّلام: «إنّ عليّا عليه السّلام سئل عن إجعال الغزو فقال لا بأس به أن يغزو الرجل عن الرجل و يأخذ منه الجعل» (4).

ص: 94


1- الوسائل باب: 12 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و تقدم في صفحة: 10.
2- سورة التوبة: 111.
3- راجع تفسير الصافي: 1 صفحة 733.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

الاستنابة عليه قولان (15)، و لا بد من مراجعة نظر وليّ الأمر (16).

______________________________

و في النبوي: «من جهز غازيا في سبيل اللّه كان له كمثل أجره من غير أن ينقص من أجر الغازي شيئا» (1).

(15) نسب الوجوب إلى جمع- منهم الشيخ، و المحققان في الشرائع و جامع المقاصد. و الاستحباب إلى آخرين منهم الفاضل و ثاني الشهيدين.

و استدل الأول. تارة: بالإطلاقات و العمومات بناء على استفادة الأعم من المباشرة و التسبيب منها.

و أخرى: بقوله تعالى وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ (2). بل و قوله تعالى وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (3).

و ثالثة: بإطلاق قوله تعالى وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ (4).

و الكل مردود. أما الأول: فلمّا أثبتناه في الأصول من انسباق المباشرة من الأوامر الدالة على الوجوب إلا ما خرج بالدليل و هو مقتضى الأصل العملي أي:

أصالة عدم السقوط بفعل الغير و المفروض عدم التمكن من المباشرة فلا بد من سقوط أصل الأمر.

و أما الثاني: فالمنساق من المجاهدة بالمال إنّما هو إعانة الفقراء و إغاثة الملهوفين و شمول الآية لمثل المقام مشكوك فلا وجه للتمسك بها حينئذ.

و أما الأخير: فلا ريب في شمولها لمورد وجوب الجهاد و استحبابه و مطلق رجحانه بأيّ وجه كان فلا يستفاد منه الوجوب المطلق و من ذلك كله يظهر وجه الاستحباب.

(16) لأنّه ربما يرى الوجوب لمصالح يجدها في ذلك و ربما يرى،

ص: 95


1- سنن ابن ماجه باب: 3 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2759.
2- سورة التوبة: 41- 81.
3- سورة التوبة: 41- 81.
4- سورة الحج: 78.

مسألة 9: لا ريب في جواز الجهاد الخاص في كل زمان و مكان

(مسألة 9): لا ريب في جواز الجهاد الخاص في كل زمان و مكان (17).

مسألة 10: يحرم الغزو في الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام في أشهر الحرم

(مسألة 10): يحرم الغزو في الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام في أشهر الحرم و هي: رجب، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و محرّم (18).

______________________________

الاستحباب، و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا.

(17) للعمومات، و الإطلاقات الشاملة للجميع، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(18) بالأدلة الثلاثة:

فمن الكتاب قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1)، و قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ (2)، و قوله تعالى الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ (3).

و من السنة رواية ابن الفضيل قال: «سألته عن المشركين أ يبتدؤهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام؟ فقال: إذا كان المشركون يبتدءونهم باستحلاله ثمَّ رأى المسلمون أنّهم يظهرون عليهم فيه و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:

الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ و الروم في هذا بمنزل المشركين لأنّهم لم يعرفوا الشهر الحرام حرمة و لا حقا فهم يبدءون بالقتال فيه و كان المشركون يرون له حقا و حرمة فاستحلوه فاستحل منهم، و أهل البغي يبتدءون بالقتال» «4».

و من الإجماع: إجماع المسلمين.

ص: 96


1- سورة التوبة: 5.
2- سورة البقرة: 217- 194.
3- سورة البقرة: 217- 194.

نعم، يجوز ذلك فيها لو بدأ الخصم بالتعدي، أو كان ممن لا يرى لأشهر الحرم حرمة (19).

مسألة 11: يجوز القتال في الحرم و قد كان محرّما فنسخ

(مسألة 11): يجوز القتال في الحرم و قد كان محرّما فنسخ (20).

______________________________

(19) لما مرّ من قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ و من السنة ما تقدم من قوله عليه السّلام: «لأنّهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة و لا حقا» و للإجماع.

ثمَّ إنّ حكم القتال في الأشهر الحرم- كما قلناه- لم ينسخ للأصل و الإجماع فإن تمَّ إجماع فهو و إلا فإطلاق قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1)، و قوله تعالى وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ (2)، لا يصلح للتقييد و التخصيص، بل يصلح لأن يكون ناسخا لقوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ و إنّما وردت هذه الآية تقريرا لعاداتهم في الجاهلية لمصالح شتّى، مع أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله بعث عليا إلى الطائف فافتتحها في ذي القعدة كما في الجواهر فحرمة القتال في الأشهر الحرم كان حكما تأليفيا يصح نقضه بكل ما يراه وليّ الأمر فيه جهة أهميّة تقدم على هذا الحكم التأليفي.

(20) لقوله تعالى وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (3).

قال في الكنز: «و أرسل إرسال المسلّمات هذه الآية ناسخة لكل آية أمر فيها بالموادعة أو الكف عن القتال كقوله تعالى وَ دَعْ أَذاهُمْ و قوله تعالى:

ص: 97


1- سورة التوبة: 5.
2- سورة الأنفال: 39.
3- سورة البقرة: 191.

و لا فرق فيه بين جميع مواضعه حتى المسجد الحرام (21).

مسألة 12: يجوز المدافعة عن النفس و العرض

(مسألة 12): يجوز المدافعة عن النفس و العرض، و المال عند تهاجم العدوّ في أشهر الحرم و الحرم (22).

______________________________

لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ و أمثاله لأنّ حيث للمكان أيّ: في أي مكان أدركتموهم من حلّ أو حرم، و كان القتال في الحرم محرما ثمَّ نسخ بهذه الآية و أمثالها فصدرها ناسخ لعجزها».

(21) لإطلاق دليل الناسخ و منه يعلم الجواز في الحرم النبوي أيضا.

(22) لفرض أنّ العدوّ لم ير حرمة للأشهر الحرم، و لإطلاق قوله تعالى:

فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ.

ص: 98

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: تجب المهاجرة عن بلاد الشرك مع التمكن منها

(مسألة 1): تجب المهاجرة عن بلاد الشرك مع التمكن منها عند عدم القدرة على إظهار شعائر الإسلام فيها (1).

______________________________

(1) للأدلة الثلاثة:

فمن الكتاب آيات منها قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى اللّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (1).

و قوله تعالى وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً، وَ إِنَّ اللّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ (2).

إلى غير ذلك مما دل على الهجرة.

و من السنة قوله صلّى اللّه عليه و آله على ما في الجواهر: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض و إن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة و كان رفيق إبراهيم و نبيه محمد عليهما السّلام، و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله: «أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر

ص: 99


1- سورة النساء: 97- 99 و ذكر ما يتعلق بالآية المباركة في التفسير فراجع مواهب الرحمن- ج الثامن.
2- سورة الحج 58.

مسألة 2: الهجرة قد تجب

(مسألة 2): الهجرة قد تجب (2)- كما تقدم- و قد تستحب (3)، و قد تباح (4).

مسألة 3: الهجرة باقية ما دام الكفر باقيا

(مسألة 3): الهجرة باقية ما دام الكفر باقيا (5).

______________________________

المشركين» (1)، و للإجماع مضافا إلى وجوب مقدمة الواجب.

(2) كما إذا تحققت شرائطها و فقدت موانعها.

(3) كما إذا أسلم في بلاد الشرك أو كان فيها و يمكنه إظهار دينه و العمل به فلا تجب الهجرة حينئذ بل تستحب لئلا يكثر به عددهم.

(4) كما في موارد وجود العذر في الهجرة.

(5) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و أما النبوي: «لا هجرة بعد الفتح» (2)، فمضافا إلى قصور سنده معارض بالنبويّ الآخر: «تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» (3)، فلا بد من حمل الأوّل على بعض مراتب الهجرة.

ص: 100


1- سنن أبي داود باب: النهي عن قتل من اعتصم بالسجود.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 7.
3- كنز العمال ج 22 صفحة: 189 حديث: 3050.

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: للجهاد قسم آخر غير مشروط بما تقدم من الشروط

(مسألة 1): للجهاد قسم آخر غير مشروط بما تقدم من الشروط، و يسمى بالدفاع أيضا، و هو أن يتهاجم على المسلمين عدوّ من الكفار يخشى منه على بيضة الإسلام، أو يريد الاستيلاء على بلادهم و أسرهم و سبيهم و أخذ أموالهم، و هو واجب على الحرّ و العبد، و الذكر، و الأنثى، و السليم و المريض و الأعرج و الأعمى إن توقف الدفاع عليهم أيضا (1)، و لا يتوقف

______________________________

(1) البحث في هذا القسم من الجهاد في جهات:

الأولى: في أصل وجوبه و يمكن أن يستدل عليه بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب بآية النهي عن إلقاء النفس في التهلكة و نحوها (1).

و من السنة ما ورد في وجوب المدافعة مع المحارب الشخصي (2)، فيدل على وجوبها مع النوعي بالأولى و يأتي في الحدود بعض الكلام.

و من الإجماع إجماع فقهاء المسلمين بل جميع العقلاء.

و من العقل حكمه القطعي بلزوم قطع منشأ الفساد و الإفساد بالنسبة إلى النفس و العرض و المال، بل الظاهر أنّ لزوم هذه المدافعة وجدانيّ لكل ذي شعور و لا يحتاج إلى تكلف الدليل.

ص: 101


1- سورة البقرة: 195.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد العدوّ.

على مباشرة الإمام، و لا على إذنه (2).

مسألة 2: يجب الدفاع أيضا على كل من خاف على نفسه أو عرضه أو ماله إذا غلب على ظنّه السلامة

(مسألة 2): يجب الدفاع أيضا على كل من خاف على نفسه أو عرضه أو ماله إذا غلب على ظنّه السلامة (3).

______________________________

الثاني: لا ريب في أنّ الكفار الذين يخشى منهم على المسلمين هم المتيقن من وجوب هذا الدفاع و أما إذا كان العدوّ المهاجم مسلما فمقتضى ما قلناه من أنّ لزوم هذه المدافعة وجدانيّ لكل أحد ذلك أيضا، و نسب إلى ظاهر الأكثر بل المشهور عدم اشتراط الكفر، لأنّه مدافعة عن النفس و المسلم يجوز دفعه كذلك.

الثالث: الشهيد في هذه المدافعة هل له أحكام الشهيد في الجهاد بالمعنى الأخص أولا؟ و كذا الغنيمة لو كان العدوّ المهاجم كافرا؟ قولان مقتضى إطلاق جملة من الكلمات هو الأول، و قد أطلق الشهيد في الأخبار على من قتل دون ماله (1)، و لكنه مشكل، لعدم وصول كلماتهم إلى حدّ الإجماع و الإطلاق أعمّ من الحقيقية في هذا الحكم المخالف للأصل.

ثمَّ إنّه لو كان الطرفان مسلمين فخرج كل منهما على الآخر، لغرض، أو شبهة حصلت لهما فهل تترتب أحكام الشهيد على كل منهما؟

الرابع: لا يشترط هذا القسم من المدافعة بشرط خاص و المناط كله القدرة العقلية عليها فيجب على الكل و يتأكد الوجوب على الأقربين فالأقربين.

(2) للأصل بعد عدم دليل عليه، و يمكن أن يقال: إنّه مأذون فيه قطعا بعد تحقق الموضوع.

(3) لوجوب المدافعة عن النفس و العرض و المال حينئذ عند العقلاء

ص: 102


1- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد العدوّ و راجع حديث: 13 و 14 منه.

مسألة 3: كل ما أتلفه المسلم في المدافعة عن نفسه، و عرضه، و ماله

(مسألة 3): كل ما أتلفه المسلم في المدافعة عن نفسه، و عرضه، و ماله عن مال من هجم عليه و نفسه لا ضمان عليه (4).

مسألة 4: لو توقفت المدافعة على الاستعانة بكافر أو جائر مع عدم مفسدة فيها أصلا، فالظاهر الجواز

(مسألة 4): لو توقفت المدافعة على الاستعانة بكافر أو جائر مع عدم مفسدة فيها أصلا، فالظاهر الجواز (5).

______________________________

كافة فضلا عن إجماع الفقهاء و تلخيص المقام أنّ الجهاد على أقسام ثلاثة:

الأول: أن يكون ابتداء من المسلمين للدعوة إلى الإسلام و هذا هو الجهاد بالمعنى الأخص المشروط بشروط خاصة تقدمت الإشارة إليها، و الذي يكون للشهيد فيه أحكام مخصوصة و درجات خاصة.

الثاني: ما تقدم في المسألة الأولى.

الثالث: الدفاع عن النفس و العرض و المال الذي أشرنا إليه في المسألة الثانية و يأتي شرائط الدفاع في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى، و تقدم في تغسيل الأموات و كتاب الخمس بعض الفروع المربوطة بالمقام فراجع.

(4) لفرض كون مال المهاجم و نفسه هدرا و يأتي في كتاب الحدود جملة من المسائل المتعلقة بالمقام.

نعم، لو علم بأنّ المهاجم يندفع بالتوعيد و نحوه و مع ذلك بادر بدفاعه بالضرب يضمن ما جنى عليه و لا فرق فيما تقدم بين أن يكون المهاجم كبيرا أو صغيرا بعد أن كان يقدر على الإضرار.

(5) لقضية دفع الأفسد بالفاسد، و يظهر من خبر السلمي ذلك أيضا من حيث إنّه عليه السّلام و كل الأمر فيه إلى النية قال: سأله رجل فقال: إنّي كنت أكثر الغزو أبعد في طلب الأجر و أطيل في الغيبة فحجر ذلك عليّ فقالوا: لا غزو إلا مع إمام عادل، فما ترى أصلحك اللّه؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام إن شئت أن أجمل لك أجملت، و إن شئت أن الخّص لك لخّصت؟ فقال: بل أجمل فقال عليه السّلام: إنّ اللّه

ص: 103

.....

______________________________

يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة قال: فكأنّه أشتهى أن يلخص له قال: لخّص لي أصلحك اللّه فقال: هات فقال الرجل: غزوت فواقعت المشركين فينبغي قتالهم قبل أن أدعوهم؟ فقال: إن كانوا غزوا و قوتلوا و قاتلوا فإنّك تجترئ بذلك و إن كانوا قوما لم يغزوا و لم يقاتلوا فلا يسعك قتالهم حتى تدعوهم. فقال الرجل: فدعوتهم فأجابني مجيب و أقر بالإسلام في قلبه، و كان في الإسلام فجير عليه في الحكم و انتهكت حرمته و أخذ ماله و اعتدي عليه، فكيف بالمخرج و أنا دعوته؟ فقال عليه السّلام: إنّكما مأجوران على ما كان من ذلك و هو معك يحوطك من وراء حرمتك و يمنع قبلتك و يدفع عن كتابك و يحقن دمك خيرا من أن يكون عليك يهدم قبلتك و ينتهك حرمتك و يسفك دمك و يحرق كتابك» (1).

ص: 104


1- الوسائل باب: 10 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: يستحب المرابطة

(مسألة 1): يستحب المرابطة أي: الإرصاد لحفظ بلاد الإسلام عن هجوم المشركين عليها (1)، و أقلّه ثلاثة أيّام و أكثره أربعون يوما، فإن زاد كان

______________________________

(1) لا ريب في أصل رجحانها بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا (1).

و قوله تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ (2).

و من السنة قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من رابط في سبيل اللّه يوما و ليلة كانت له كصيام شهر و قيامه، فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، و أجرى عليه رزقه، و أمن الفتان» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «كل الميت يختم على عمله إلا المرابط (في سبيل اللّه)، فإنّه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، و يؤمن من فتان (4)، القبر» (5).

ص: 105


1- سورة آل عمران: 200.
2- سورة الأنفال: 60.
3- سنن النسائي باب: فضل الرباط (كتاب الجهاد) حديث: 1.
4- الفتان: الشيطان و يروى بفتح الفاء و ضمها فمن رواه بالفتح فهو واحد لأنّه يفتن الناس عن الدّين، و من رواه بالضم فهو جمع فاتن أي: يعاون أحدهما الآخر على الذين يضلون الناس عن الحق و يفتنونهم.
5- سنن أبي داود باب: 16 فضل الرباط حديث: 2500.

.....

______________________________

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «عينان لا تمسّهما النار عين بكت من خشية اللّه و عين باتت تحرس في سبيل اللّه» (1).

و في الصحيح عن الباقرين عليهما السّلام: «الرباط ثلاثة أيام، و أكثره أربعون يوما فإذا كان ذلك فهو جهاد» (2).

و في رواية يونس بن عبد الرحمن قال: «سأل أبا الحسن عليه السّلام رجل و أنا حاضر فقلت له: جعلت فداك إنّ رجلا من مواليك بلغه أنّ رجلا يعطي سيفا و قوسا في سبيل اللّه فأتاه فأخذهما منه ثمَّ لقيه أصحابه فأخبروه أنّ السبيل مع هؤلاء لا يجوز، و أمروه بردهما قال عليه السّلام: فليفعل قال: قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له: قد قضى الرجل قال عليه السّلام فليرابط و لا يقاتل قال: مثل قزوين و عسقلان و الدّيلم و ما أشبه هذه الثغور فقال: نعم، قال: فإن جاء العدوّ الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يقاتل عن بيضة الإسلام قال: يجاهد؟

قال عليه السّلام: لا، إلّا أن يخاف على دار المسلمين، أرأيتك لو أنّ الروم دخلوا على المسلمين لم يسع لهم أن يمنعوهم، قال: يرابط و لا يقاتل، و إن خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله (3)».

و من الإجماع إجماع المسلمين.

و من العقل حكمه القطعي برجحان التحذر عن كيد الخائنين و المشركين و المنافقين.

ثمَّ إنّ ظاهر الآية الكريمة و إن كان هو الوجوب مطلقا لكن كونها في مقام المدح يسقط هذا الظهور، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب و يمكن اتصافها بالوجوب أيضا لأجل مصالح يراها وليّ الأمر، كما يمكن أن يتصف بالحرمة لأجل مفاسد مترتبة عليها.

ص: 106


1- سنن الترمذي فضائل الجهاد باب: 12 و في المغني لابن قدامة: ج 10 صفحة 380.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

مثل الجهاد في الثواب (2).

مسألة 2: لا فرق فيه بين زمان الغيبة و الحضور

(مسألة 2): لا فرق فيه بين زمان الغيبة و الحضور (3).

مسألة 3: يشرط في المرابطة أن لا تكون من طرف الجائر

(مسألة 3): يشرط في المرابطة أن لا تكون من طرف الجائر (4).

مسألة 4: لو لم يتمكن من المرابطة بنفسه يستحب له أن يعين

(مسألة 4): لو لم يتمكن من المرابطة بنفسه يستحب له أن يعين

______________________________

(2) لما تقدم من قول الباقرين عليهما السّلام، و خبر الجعفي محمول على انتظار الفرج لا الرباط الاصطلاحي قال: «قال لي أبو جعفر محمد بن عليّ عليه السّلام كم الرباط عندكم؟ قلت: أربعون قال عليه السّلام رباطنا رباط الدّهر، و من ارتبط فينا دابة كان له وزنها و وزن ما كانت عنده، و من ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده» (1).

(3) لإطلاق الأدلة الشامل لكل منهما.

(4) لعدم ولايته على مثل هذه الأمور، و عليه يحمل خبر ابن سنان مقال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ فقال عليه السّلام: الويل يتعجلون فتلة في الدنيا و قتلة في الآخرة و اللّه ما الشهيد إلا شيعتنا و لو ماتوا على فرشهم» (2).

و خبر محمد بن عيسى عن الرضا عليه السّلام: إنّ يونس سأله و هو حاضر عن رجل من هؤلاء مات و أوصى أن يدفع من ماله فرس و ألف درهم و سيف لمن يرابط عنه و يقاتل في بعض هذه الثغور، فعمد الوصي فدفع ذلك كله الى رجل إلى الوصي ما أخذ منه و لا يرابط فإنّه لم يئن لذلك وقت بعد فقال: يرده عليه، فقال يونس، فإنّه لا يعرف الوصيّ قال عليه السّلام: يسأل عنه، فقال له يونس بن عبد الرحمن: فقد سأل عنه فلم يقع عليه كيف يصنع؟ فقال: إن كان هكذا

ص: 107


1- الوسائل باب: 57 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 4.

المرابطين بكل ما ينفعهم (5).

مسألة 5: لو نذر المرابطة وجب الوفاء به

(مسألة 5): لو نذر المرابطة وجب الوفاء به، و كذا لو نذر شيئا للمرابطين (6).

______________________________

فليرابط و لا يقاتل قال: فإنّه مرابط فجاءه العدوّ حتى كاد أن يدخل عليه كيف يصنع يقاتل أم لا؟ فقال له الرضا عليه السّلام: إذا كان ذلك كذلك فلا يقاتل عن هؤلاء، و لكن يقاتل عن بيضة الإسلام فإنّ في ذهاب بيضة الإسلام دروس ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله (1)».

(5) نصّا، و إجماعا قال الجعفري: «سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: من ربط فرسا عتيقا محيت عنه عشر سيئات و كتبت له إحدى عشر حسنة في كل يوم، و من ارتبط هجينا محيت عنه في كل يوم سيئتان و كتبت له سبع حسنات، و من ارتبط برذونا يريد به جمالا أو قضاء حوائج أو دفع عدوّ محيت عنه في كل يوم سيئة واحدة و كتبت له ست حسنات» (2).

و لا موضوعية فيما ذكر من الحديث، بل ما ذكر فيه إنّما هو من باب الغالب في تلك الأزمنة فيشمل الآلات الحديثة في هذه العصور أيضا.

(6) لما دل على وجوب الوفاء به من النص- على ما سيأتي- و الإجماع.

و أما خبر ابن مهزيار قال: «كتب رجل من بني هاشم إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام إنّي كنت نذرت نذرا منذ سنين أن أخرج الى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتنا مما يرابط فيه المتطوّعة نحو مرابطتهم بجدّة و غيرها من سواحل البحر، أ فترى جعلت فداك أنّه يلزمني الوفاء به أو لا يلزمني أو أفتدي الخروج إلى ذلك بشي ء من أبواب البر لأصبر إليه ان شاء اللّه؟ فكتب إليه بخطه و قرأته: إن كان سمع منك

ص: 108


1- الوسائل باب: 7 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الدواب حديث: 1 (كتاب الحج).

مسألة 6: ليس للمرابطين الابتداء بالجهاد

(مسألة 6): ليس للمرابطين الابتداء بالجهاد (7). نعم، لو تهاجم العدوّ عليهم تجب مدافعتهم (8).

______________________________

نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنعته و إلا فاصرف ما نويت من ذلك في أبواب البر، وفقنا اللّه و إياك لما يحب و يرضى» (1)، فأسقطه عن الاعتبار إعراض الأكثر عنه، مع إمكان حمله على الرباط المحقق من خوف الجائر.

(7) لأنّه متوقف على إذن وليّ الأمر و المفروض عدمه لهم.

(8) لأنّه حينئذ ليس من الجهاد الخاص، بل مدافعة عن النفس، و تقدم وجوبها مطلقا بالأدلة الأربعة.

ص: 109


1- الوسائل باب: 7 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

فصل فيمن يجب جهاده

اشارة

فصل فيمن يجب جهاده و هم ثلاثة: (1).

الأول: أهل الحرب.

الثاني: أهل الكتاب (2) إذا أخلّوا بشرائط الذمة.

الثالث: البغاة من المسلمين على الإمام عليه السّلام، و يلحق بهم مانعوا الزكاة و إن لم يكونوا مستحلّين (3).

مسألة 1: يجب على المسلمين غزو أهل الحرب

(مسألة 1): يجب على المسلمين غزو أهل الحرب لنقلهم إلى الإسلام، و غزو من أخلّ بشرائط الذمّة من أهل الكتاب لأن يعملوا بها، و غزو البغاة، و كل من هجم على بلاد الإسلام على وجه يخشى منهم على الإسلام و المسلمين (4).

مسألة 2: يجب الابتداء بمحاربة هؤلاء مع الشرائط

(مسألة 2): يجب الابتداء بمحاربة هؤلاء مع الشرائط (5) و ليست

______________________________

(1) هذا الحصر استقرائي، و يدل على وجوب كل واحد من الأقسام أدلة خاصة كما سيأتي.

(2) و هم اليهود، و النصارى، و المجوس.

(3) لما يأتي من الدليل على كل ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(4) كل ذلك بضرورة فقه المسلمين إن لم تكن من ضرورة مذهبهم، مع ما تقدم من العمومات، و الإطلاقات من الآيات و الروايات.

(5) لتعاضد الكتاب و السنة، و المعلوم من سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و من شدّة

ص: 110

محاربتهم محدودة بحدّ خاص و عدد معيّن بل كل ما اقتضت المصلحة ذلك وجبت (6). و لو بدأوا بالمحاربة تجب المدافعة معهم بالأولى (7).

مسألة 3: لو اقتضت المصلحة مهادنتهم وجبت

(مسألة 3): لو اقتضت المصلحة مهادنتهم وجبت (8).

مسألة 4: تجب أن تكون المصلحة و المهادنة بنظر ولي الأمر

(مسألة 4): تجب أن تكون المصلحة و المهادنة بنظر ولي الأمر بجميع جهاتها و خصوصياتها (9).

______________________________

المواظبة، و الحث عليه حتى تكرّر ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله و هو في النزع خصوصا في جيش أسامة بن زيد (1)، و قد أرسل ذلك كله في الجواهر إرسال المسلّمات.

(6) لإطلاق الأدلة، و عمومها الشامل للمرّة و المرّات مع وجود المصلحة و اقتضاء نظر وليّ الأمر ذلك، و ما يظهر من الشرائع من أنّ أقلّه في عام مرّة إنّما هو مع اقتضاء المصلحة ذلك لا فيما إذا اقتضت التكرر و لو في عام واحد مرّات.

(7) لما تقدم من الأدلة الدالة على وجوب مطلق المدافعة فضلا عن مثل المقام.

(8) لأصالة الاحترام في النفوس و الأعراض و الأموال إلا إذا انحصر الطريق في المحاربة، و قد صالح النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع قريش بإجماع المسلمين و اتفاق تواريخهم (2).

(9) لقصور غيره عن القيام بهذا الأمر الذي له معرضية للخطر القريب على المسلمين سيّما مع غلبة الفتنة و المكر و الخديعة على الناس فلا بد من قيام المعصوم عليه السّلام لذلك أو نائبه المنصوب من قبله الذي يترصد المعصوم عليه السّلام لأعماله و أقواله و جميع خصوصياته. و في عصر الغيبة يتصدّى ذلك من جمع

ص: 111


1- الكامل لابن الأثير ج 2 صفحة 318- 334 ط- بيروت: 1965.
2- راجع الكامل لابن الأثير ج 1 صفحة: 200.

مسألة 5: لو أراد الكفار الاستيلاء على بلاد المسلمين- أو بعضها

(مسألة 5): لو أراد الكفار الاستيلاء على بلاد المسلمين- أو بعضها مع عدم تدخلهم في نفوس المسلمين و أعراضهم و أموالهم، و دينهم، بل إبقائهم على إقامة شعائر الإسلام و العمل بأحكامه و عدم تعرضهم لذلك بوجه من الوجوه يشكل وجوب جهادهم حينئذ (10).

______________________________

الشرائط التي قدّمنا الإشارة إليها فإنّه أيضا مؤيد من عالم الغيب لاقتضاء اتصافه بتلك الصفات ذلك.

(10) لأنّ الشك في الوجوب يكفي في عدمه في مثل هذه المسألة التي فيها المعرضية لإيقاع النفس في التهلكة قال في الجواهر: «نعم، قد يمنع من الوجوب بل قد يقال بالحرمة لو أراد الكفار ملك بعض بلاد الإسلام أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السلطة مع إبقاء المسلمين على إقامة شعائر الإسلام و عدم تعرضهم في أحكامهم بوجه من الوجوه، ضرورة عدم جواز التغرير بالنفس من دون إذن شرعيّ بل الظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفار في غير ما استثني».

ص: 112

فصل في كيفية قتال أهل الحرب

اشارة

فصل في كيفية قتال أهل الحرب

مسألة 1: لا بد من مراعاة المصلحة فيمن يبدأ بقتاله

(مسألة 1): لا بد من مراعاة المصلحة فيمن يبدأ بقتاله فقد تكون المصلحة في البدئة بقتال الأقرب و قد تكون بالعكس (1)، و مع التزاحم يقدم الأهمّ، و مع التساوي فالحكم هو التخيير (2).

مسألة 2: كمية المجاهدين و المصالحة مع العدوّ موكولة إلى نظر الإمام عليه السّلام

(مسألة 2): كمية المجاهدين و المصالحة مع العدوّ موكولة إلى نظر الإمام عليه السّلام (3).

______________________________

(1) بلا خلاف فيه من أحد، و يمكن دعوى إجماع العقلاء عليه، و قد غزا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على الحارث بن أبي ضرار لما بلغه أنّه يجتمع له و كان بينهما عدوّ أقرب (1)، و كذا على سفيان الهذلي.

(2) لأنّ هذا هو حكم التزاحم في جميع موارد تحققه، و الحكم في جميع ذلك موكول إلى نظر وليّ الأمر.

(3) للإجماع، و لأنّه الوليّ في ذلك كله، و كذا منصوبه الخاص لذلك، و في زمن الغيبة فالمتبع نظر الفقيه الجامع للشرائط المتقدمة.

و أما قول الصادق عليه السّلام في رواية ابن أبي نصر: «خير الرفقاء أربعة، و خير السرايا أربعمائة، و خير العساكر أربعة آلاف، و لن تغلب عشرة آلاف من قلة» (2).

ص: 113


1- كان ذلك في غزوة بني المصطلق و إنّ الحارث بن أبي ضرار هو أبو جويرية التي هي زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

مسألة 3: لا يبدأ بقتال الحربي إلا بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام

(مسألة 3): لا يبدأ بقتال الحربي إلا بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام إن لم تبلغهم الدعوة (4)، و يكفي في ذلك بكل ما وصل إليهم و لو بالوسائل

______________________________

و قال أبو جعفر عليه السّلام في رواية ابن خثيم: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يهزم جيش عشرة آلاف من قلة» (1).

و قال شهر بن حوشب: «سألني الحجاج عن خروج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى مشاهده فقلت: شهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بدرا في ثلاثمائة و ثلاثة عشر، و شهد أحدا في ستمائة، و شهد الخندق في تسعمائة فقال عمن قلت؟ قلت: عن جعفر بن محمد عليهما السّلام فقال: ضلّ و اللّه من سلك غير سبيله» (2).

و قال ابن عباس: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خير الصحابة أربعة و خير السرايا أربعمائة و خير الجيوش أربعة آلاف، و لم يهزم اثني عشر ألف من قلة إذا صبروا و صدقوا» (3).

فليس ذلك في مقام تحديد الجيش و بيان الكمية المعتبرة شرعا، مع أنّ الموضوع ليس تعبديا بل يختلف باختلاف الجهات و الخصوصيات و يحتاج ذلك إلى نظر الخبراء المهرة في هذه الموضوعات مع إذن وليّ الأمر.

(4) نصّا، و إجماعا ففي خبر مسمع عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى اليمن فقال: يا عليّ لا تقاتلنّ أحدا حتى تدعوه، و ايم اللّه لأن يهدي اللّه على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاؤه يا عليّ» (4).

و روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أمر عليا حين أعطاه الراية يوم خيبر و بعثه إلى

ص: 114


1- الوسائل باب: 54 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
3- الوسائل باب: 54 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 4.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

الحديثة (5)، بل يكفي وصول ذلك إلى رئيسهم و لو لم يصل إلى جميعهم (6)، و تسقط الدعوة في حق من عرفها بجهاد سابق أو نحوه (7) و إن استحب ذلك (8) و ليس للدعوة كيفية خاصة و تحصل بكل ما يكون فيه

______________________________

قتالهم أن يدعوهم و هم ممن بلغتهم الدعوة» (1).

و في حديث آخر قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: «على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثمَّ ادعهم إلى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم فو اللّه لأن يهدي بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» (2).

و قد ورد منه: «ما قاتل رسول اللّه قوما حتى يدعوهم» (3).

(5) لأنّ المقصود كله إتمام الحجة عليهم و بذلك تتم الحجة أيضا.

(6) لأنّ المرءوسين تحت سلطة الرئيس سلما و حربا و إن كان الأولى الوصول إلى الجميع.

(7) للأصل، و ظهور الإجماع، مع أنّ نتيجة الدعوة و هو إتمام الحجة حاصلة له، و عن جمع أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غزا بني المصطلق و هم آمنون و إبلهم تسقى على الماء و استأصلهم» (4).

(8) تأكيدا لإتمام الحجة، لما حكي عن عليّ عليه السّلام ذلك عند مقاتلة عمرو بن عبد ود، و إطلاق وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام لما بعثه الى اليمن، و أعطاه الراية يوم خيبر، و حكي عن فعل سلمان ذلك أيضا و لجواز حدوث الرغبة في الإسلام، أو إعطاء الجزية، أو إيقاع الصلح.

ص: 115


1- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة: 386 ط-: بيروت.
2- البخاري باب- 98- دعوة اليهود و النصارى قبل القتل.
3- المسند لابن حنبل ج: 2 باب: 26.
4- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة: 386 ط- بيروت.

ترغيب الى الشهادتين و بيان محاسن الإسلام (9)، و الأولى أن يكون بالمأثور (10)، و ينبغي أن يكون اتخاذ الشعائر بالمأثور أيضا (11)، و يستحب

______________________________

(9) للأصل، و لأن المقصود إتمام الحجة، و الاعلام بمقصد الجهاد، و بيان طريق حفظ الدماء و النفوس.

(10) كما في رواية سليمان بن داود المنقري قال: «ادخل رجال من قريش على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فسألوه كيف الدعوة إلى الدين؟ فقال عليه السّلام تقول:

بسم اللّه الرحمن الرّحيم أدعوك إلى اللّه عزّ و جل و إلى دينه، و جماعه أمران:

أحدهما: معرفة اللّه عزّ و جلّ.

و الآخر: العمل برضوانه، و إنّ معرفة اللّه عزّ و جلّ أن يعرف بالوحدانية و الرأفة و الرحمة و العزة و العلم و القدرة و العلوّ على كل شي ء، و أنّه النافع الضار القاهر لكل شي ء الذي لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبر، و أنّ محمدا عبده و رسوله و أنّ ما جاء به هو الحق من عند اللّه عزّ و جل و ما سواه هو الباطل، فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين» (1).

(11) ففي صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «شعارنا يا محمد يا محمد، و شعارنا يوم بدر يا نصر اللّه اقترب، و شعار المسلمين يوم أحد يا نصر اللّه اقترب، و يوم بني النضير يا روح القدس أرح، و يوم بني قينقاع يا ربنا لا يغلبنك، و يوم الطائف يا رضوان، و شعار يوم حنين يا بني عبد اللّه يا بني عبد اللّه، و يوم الأحزاب حم لا يبصرون، و يوم بني قريظة، يا سلام أسلمهم، و يوم المريسيع و هو يوم بني المصطلق ألا إلى اللّه الأمر و يوم الحديبية ألا لعنة اللّه على

ص: 116


1- الوسائل باب: 11 من أبواب جهاد العدوّ حديث 1.

الدعاء بالمأثور قبل القتال (12)، و ينبغي اتخاذ الراية أيضا (13).

______________________________

الظالمين، و يوم خيبر يوم القموص يا علي إنّهم من عل، و يوم الفتح نحن عباد اللّه حقا حقا، و يوم تبوك يا أحد يا صمد، و يوم بني الملوح أمت أمت، و يوم صفين يا نصر اللّه، و شعار الحسين يا محمد و شعارنا يا محمد» (1).

(12) لقول الصادق عليه السّلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان إذا أراد القتال قال هذه الدّعوات: اللّهم إنّك أعلمت سبيلا من سبلك جعلت فيه رضاك و ندبت إليه أوليائك و جعلته أشرف سبلك عندك ثوابا و أكرمها لديك مئابا و أحبّها إليك مسلكا، ثمَّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليك حقا، فاجعلني ممن يشتري فيه منك نفسه ثمَّ وفى لك ببيعه الذي بايعك عليه غير ناكث و لا ناقض عهدا و لا مبدل تبديلا بل استيجابا لمحبتك و تقربا به إليك، فاجعله خاتمة عملي، و صيّر فيه فناء عمري، و ارزقني فيه لك و به مشهدا توجب لي به منك الرضا و تحط به عنّي الخطايا، و تجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة و العصاة تحت لواء الحق و راية الهدى ماضيا على نصرتهم قدما غير مول دبرا و لا محدث شكا، اللهم و أعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال، و من الضعف عند مساورة الأبطال و من الذنب المحبط للأعمال، فأحجم من شك أو أمضي بغير يقين، فيكون سعيي في تباب و عملي غير مقبول» (2).

(13) تأسيا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فعن الصادق عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعث عليا عليه السّلام يوم بني قريظة بالراية و كانت سوداء تدعى العقاب و كان لواؤه أبيض» (3).

ص: 117


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
3- الوسائل باب: 62 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

مسألة 4: كيفية الجهاد و خصوصيات تجنيد الجنود و سائر ماله

(مسألة 4): كيفية الجهاد و خصوصيات تجنيد الجنود و سائر ماله دخل فيها موكولة إلى نظر وليّ الأمر حتى اتخاذ الشعار و الراية (14).

مسألة 5: لا يجوز الفرار إذا كان العدوّ على الضعف أو أقلّ

(مسألة 5): لا يجوز الفرار إذا كان العدوّ على الضعف أو أقلّ إلا لمتحرف لقتال أو متحيّزا إلى فئة، أو كان مضطرا إلى ذلك كمرض أو نحوه، بل كل غرض صحيح أمضاه وليّ الأمر (15).

______________________________

و في خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: «أول من قاتل إبراهيم حين أسرت الروم لوطا فنفي إبراهيم عليه السّلام حتى استنقذه من أيديهم- إلى أن قال- و أول من اتخذ الرايات إبراهيم عليه السّلام عليها لا إله إلّا اللّه» (1).

و الراية هي التي يتولاها صاحب الحرب و يقاتل عليها و إليها يميل المقاتل، و اللواء علامة كبكبة الأمير يدور معه حيث دار.

(14) لأنّ ذلك كله مما يختلف حسب اختلاف الحالات و الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و لا تضبطها ضابطة كلية حتى يتعرّض لها الفقيه في عصر واحد لسائر العصور، و لها فنون خاصة تدرّس و تتعلّم و يتدرب عليها في هذه العصور و لكنّها في عصور حضور إمام العدل يكون بتعليمه و تنظيمه أو نائبه الخاص لذلك، و في عصر الغيبة لا بد و أن يكون بنظر الفقيه الجامع للشرائط المتقدمة.

(15) يدل على ذلك كله الأدلة الثلاثة بعد حمل قوله تعالى إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ على المثال لكل غرض صحيح شرعي أمضاه ولىّ أمر الجهاد.

فيدل على الحرمة إطلاق قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (2)، و قوله تعالى:

ص: 118


1- الوسائل باب: 62 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- سورة الأنفال: 45.

.....

______________________________

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (1).

و النصوص المتواترة الدالة على حرمة الفرار من الزحف، و أنّه من الكبائر كما في صحيح ابن محبوب قال: «كتب معي بعض أصحابنا إلى أبى الحسن عليه السّلام يسأله عن الكبائر كم هي؟ و ما هي؟ فكتب: الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا و السبع الموجبات: قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف» (2).

و أيضا من الكبائر في صحيحي عبيد بن زرارة و محمد بن مسلم (3)، و عن عليّ عليه السّلام: «و ليعلم المنهزم إنّه مسخط ربه و موبق نفسه له في الفرار موجدة اللّه و الذل اللازم و العار الباقي، و أنّ الفار لغير مزيد في عمره و لا محجور بينه و بين يومه، و لا يرضي ربه، و لموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها و الإقرار عليها» (4).

و عنه عليه السّلام أيضا: إنّ اللّه تعالى لما بعث نبيه صلّى اللّه عليه و آله أمر في بدو أمره أن يدعو بالدعوة فقط، و أنزل عليه قوله تعالى وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ دَعْ أَذاهُمْ فلما أرادوا ما هموا به من تبيينه أمره اللّه بالهجرة و فرض عليه القتال فقال تعالى أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ثمَّ ذكر بعض آيات القتال- إلى أن قال- فنسخت آية القتال آية الكف، ثمَّ قال: و من ذلك أنّ اللّه فرض القتال على الأمة فجعل على الرجل الواحد أن يقاتل عشرة من المشركين فقال تعالى:

إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا

ص: 119


1- سورة الأنفال: 15- 16.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 4 و 6.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 4 و 6.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

مسألة 6: لو غلب على ظنّه الهلاك لا يجوز الفرار أيضا

(مسألة 6): لو غلب على ظنّه الهلاك لا يجوز الفرار أيضا (16).

______________________________

ثمَّ نسخها سبحانه فقال الْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ فنسخ بهذه الآية ما قبلها فصار فرض المؤمنين في الحرب إذا كان عدة المشركين أكثر من رجلين لم يكن فارا من الزحف و إن كان العدة رجلين لرجل فارا من الزحف» (1).

و عن الصادق عليه السّلام في رواية ابن صدقة: «إنّ اللّه عزّ و جل فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل عشرة من المشركين ليس له أن يولّي وجهه عنهم، و من ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده في النار ثمَّ حولهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من اللّه عزّ و جلّ فنسخ الرجلان العشرة» (2).

و من الإجماع إجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء فيرون الناس الفرار من الزحف قبيحا و يلومون عليه.

(16) لإطلاق الأدلة- التي تقدمت- من الكتاب و السنّة، و إطلاق ما دل على أنّ الفرار من الزحف من الكبائر بل يمكن أن يقال إنّ الاستقامة للحق و في الحق في جبهة القتال مع الباطل من الواجبات العقلية النظامية مطلقا.

و نسب إلى الفاضل الجواز في هذه الصورة، للأصل، و آية التهلكة، و الحرج، و أكثر الواجبات مع ظنّ الهلاك.

و الكل مردود إذ لا وجه للأصل مع الدليل كما ثبت في محله، و قوام الجهاد على الحرج و المشقة المعرضية للتهلكة، لأنّه لا يدرك السعادة الأبدية

ص: 120


1- الوسائل باب: 27 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 7: إذا كان المسلمون أقلّ من الضعف لم يجب عليهم الثبات

(مسألة 7): إذا كان المسلمون أقلّ من الضعف لم يجب عليهم الثبات (17) و لكن لو غلب على الظن السلامة يستحب ذلك (18) و إن غلب العطب و ثبت مع ذلك و استشهد نال درجة الشهادة (19)، و لو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات (20).

______________________________

و الحياة السرمدية إلّا بذلك و قد ثبت سيد أهل الإباء و الحمية في الطف بنيف و سبعين رجلا في مقابل ثلاثين ألفا الذي هو أقل ما روي في نصوصنا (1).

(17) للأصل بعد الاستفادة من الأدلة أنّ شرط وجوب الثبات إنّما هو فيما إذا كان المشركون على الضعف من المسلمين فينتفي المشروط بانتفاء شرطه حينئذ.

(18) لما فيه من إظهار القدرة و التجلد، و زيادة العزم خصوصا بعد قوله تعالى كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (2)، و سائر ما ورد من الترغيب فيه، و إنّ النصر من عند اللّه، و أقلّ مفاد هذه الأدلة الرجحان.

(19) لكثرة ما ورد من الحث و الترغيب إلى الثبات و الجهاد و الشهادة- التي تقدم بعضها- الشاملة لهذه الصورة أيضا و بذلك يفترق الجهاد عن غيره، إذ يجب الانصراف في مثل الفرض في غير الجهاد دونه.

(20) للأصل بعد ظهور الأدلة في وجوب الثبات للضعف في طرف الكثرة كما في قوله تعالى إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (3).

ص: 121


1- راجع البحار ج: 45 صفحة: 4.
2- سورة البقرة: 249.
3- سورة الأنفال: 66.

مسألة 8: هل يجب الثبات- على التفصيل الذي مرّ- في الجهاد

(مسألة 8): هل يجب الثبات- على التفصيل الذي مرّ- في الجهاد الذي لا يكون للدعوة إلى الإسلام بل لدفع ما يخشى منه على شعار الإسلام؟

قولان أحوطهما ذلك (21).

مسألة 9: يجوز محاربة العدوّ بكل ما يرجى فيه الفتح

(مسألة 9): يجوز محاربة العدوّ بكل ما يرجى فيه الفتح (22) و يجوز

______________________________

و أما خبر ابن صالح بن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من فرّ من رجلين في القتال في الزحف فقد فرّ و من فرّ من ثلاثة في القتال فلم يفر» (1)، يمكن أن يراد به الجيش لا الآحاد.

(21) جمودا على الإطلاقات و إن أمكنت المناقشة فيها بانصرافها إلى القسم الأول من الجهاد.

(22) للأصل و الإطلاق، و الاتفاق، و خصوص قوله تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (2)، و قوله تعالى وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (3)، و سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في فتح الطائف و غيره (4)، و خبر حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مدينة من مدائن الحرب هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا و منهم النساء و الصبيان و الشيخ الكبير و الأسارى من المسلمين و التجار؟ فقال عليه السّلام: يفعل ذلك بهم و لا يمسك عنهم لهؤلاء و لا دية على المسلمين و لا كفارة» (5).

نعم، يكره قطع الأشجار و رمي النار، و تسليط المياه إلا مع الضرورة، لقول

ص: 122


1- الوسائل باب: 27 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- سورة الأنفال: 60.
3- سورة التوبة: 5.
4- راجع البحار ج: 21 صفحة: 168 و المغازي للواقدي صفحة 927 ج 3 و الكامل لابن الأثير ج: 2 صفحة: 226 و المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة 503.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

.....

______________________________

الصادق عليه السّلام في خبر حمران: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثمَّ يقول: سيروا بسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تغدروا و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيّا و لا امرأة و لا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها، و أيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام اللّه فإن تبعكم فأخوكم في الدّين و إن أبى فأبلغوه مأمنه و استعينوا باللّه» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا في رواية مسعدة بن صدقة قال: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا بعث أميرا على سرية أمره بتقوى اللّه عزّ و جل في خاصة نفسه ثمَّ في أصحابه عامة ثمَّ يقول: اغز بسم اللّه و في سبيل اللّه قاتلوا من كفر باللّه، و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تقتلوا وليدا و لا متبتلا في شاهق، و لا تحرقوا النخل و لا تغرقوه بالماء، و لا تقطعوا شجرة مثمرة و لا تحرقوا زرعا لأنّكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، و لا تعقروا من البهائم يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله و إذا لقيتم عدوّا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم ادعوهم إلى الإسلام فإن دخلوا فيه فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم، و ادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام فإن فعلوا فأقبلوا منهم و كفوا عنهم، و إن أبوا أن يهاجروا و اختاروا ديارهم و أبوا أن يدخلوا في دار الهجرة كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين و لا يجري لهم في الفي ء و لا في القسمة شيئا إلا أن يهاجروا في سبيل اللّه فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد و هم صاغرون، فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم و كفّ عنهم، و إن أبوا فاستعن باللّه عزّ و جل عليهم و جاهدهم في اللّه حق جهاده، و إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك على أن ينزلوا على حكم اللّه عزّ و جل فلا تنزل بهم و لكن أنزلهم على حكمكم ثمَّ اقض فيهم بعد ما شئتم فإنّكم إن أنزلتموهم على حكم اللّه لم تدروا تصيبوا حكم اللّه فيهم أم لا، و إذا حاصرتم أهل حصن فإن آذنوك على ان تنزلهم على ذمة اللّه و ذمة رسوله فلا

ص: 123


1- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

قتل من وجب قتله من الكفار بالسم بأيّ نحو استعمل (23).

مسألة 10: لا يجوز قتل النساء، و الصبيان، و المجانين و الشيخ الفاني

(مسألة 10): لا يجوز قتل النساء، و الصبيان، و المجانين و الشيخ الفاني (24)،

______________________________

تنزلهم و لكن أنزلهم على ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم فإنّكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم كان أيسر عليكم يوم القيامة من أن تخفروا ذمة اللّه و ذمة رسوله صلّى اللّه عليه و آله (1).

(23) لإطلاق ما دل على قتله. و أما إلقاء السم في مائهم فإن علم أنّه لا يشربه النساء، و الصبيان، و المجانين، و الشيخ الفاني، و أسراء المسلمين الذين يكونون عندهم يجوز ذلك أيضا و إلا فلا يجوز، و عليه يحمل خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام قال: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يلقى السم في بلاد المشركين» (2). إلّا مع انحصار طريق الفتح بذلك و لا بد حينئذ من ملاحظة ولىّ أمر الجهاد جميع الخصوصيات و الجهات.

(24) إجماعا، و اعتبارا في الجميع، و نصوصا في الآخرين:

منها: ما تقدم في خبر حمران، و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر طلحة: «جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه و لا من المغلوب على عقله» (3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انطلقوا باسم اللّه و باللّه و على ملة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا طفلا و لا صغيرا و لا امرأة و لا تغلوا و ضموا غنائمكم و أصلحوا، و أحسنوا إنّ اللّه يحب المحسنين» (4).

ص: 124


1- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
4- سنن أبي داود ج: 2 باب: 82 من أبواب جهاد حديث: 2614.

و إن حصلت منهم المعاونة (25)، و يقتل الكل مع الضرورة التي يراها الإمام (26).

______________________________

هذا إذا لم يكن الشيخ الفاني ذو رأي في الحرب أو قتال و إلا يقتل، لظهور الإجماع، و تقرير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقتل دريد بن الصمة الذي كان من المشركين و كان له رأي في الحرب يحملونه معهم ليعرفهم كيفية القتال فقتله المسلمون و لم ينكره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (1).

و كذا يجوز قتل المرأة فيما إذا حصلت منها و شم و اجتراء على المسلمين، لما تقدم، و للخبر المعروف بين الفريقين الذي قد قرره الجميع قال عكرمة: «لما حاصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها فقال: هادونكم فارموها فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها» (2).

و أما الرهبان و أصحاب الصوامع فإن كانوا من الشيخ الفاني و الشيخة، و لم يكن لهم قوة و رأي فيشملهم دليل استثناء الشيخ الفاني و إلا فمقتضى الإطلاقات جواز قتلهم.

و من جميع ذلك يظهر حكم المقعد و الأعمى أيضا فلا يقتلان إلا مع حصول رأي منهما أو وجود ضرورة.

(25) لإطلاق دليل المنع الشامل لهذه الصورة أيضا.

(26) لأنّها تبيح كل محذور، و انصراف دليل المنع عن هذه الصورة و تشخيص تلك الضرورة بنظر الإمام أو من نصبه لذلك و منها ما إذا تترس العدوّ بالمسلمين، و قد رمى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الطائف بالمنجنيق و فيهم النساء

ص: 125


1- راجع المغازي للواقدي: ج 3 صفحة 886- 915 و تاريخ اليعقوبي ج: 2 صفحة: 52.
2- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة: 504 و قريب منه، في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

و لا يلزم القاتل قصاص و لا دية حينئذ و لا كفارة (27).

مسألة 11: لو تترسوا بالأسارى من المسلمين كفّ عنهم

(مسألة 11): لو تترسوا بالأسارى من المسلمين كفّ عنهم (28) و لو دعت الضرورة جاز قتلهم (29) و لكن تلزمه الكفارة (30)، و هي عتق رقبة و لا بدل له مع عدم إمكانه (31) و لو تعمد القتل مع إمكان التحرز لزمه القود

______________________________

و الصبيان كما تقدم (1).

(27) لما تقدم من خبر حفص (2)، مضافا إلى الإجماع، مع أنّ الترخيص شرعا في القتل ينافي ثبوت الدية و الكفارة.

(28) لأصالة الحرمة في الدماء مع إمكان التوصّل في الفتح بغير ذلك.

(29) لعدم إمكان الفتح بغيرها و لما تقدم في رواية حفص مضافا إلى الإجماع.

(30) نسب ذلك إلى المشهور، لقوله تعالى فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (3)، و لعموم أدلة وجوب الكفارة.

و توهم سقوطها أيضا، للأصل، و ما تقدم في ذيل خبر حفص، و لأنّها للذنب و لا ذنب، مع أنّه مأذون فيه شرعا فكيف يستلزم الكفارة (فاسد) إذ لا وجه للأصل مع إطلاق الآية الشريفة، و ذيل خبر حفص غير معمول به، و تدارك الذنب من بعض حكم تشريع الكفارة لا أن يكون علة تامة منحصرة و إلا لما ثبت في قتل المسلم خطأ مطلقا، و يمكن حمل خبر حفص على أنّه لا كفارة في مال القاتل بل هي في بيت المال. و الإذن في شي ء شرعا أعمّ من نفي الكفارة له.

(31) أما الأول، فللآية الكريمة، و ظهور الإجماع، و أما الأخير فللأصل

ص: 126


1- راجع المصادر في صفحة: 50.
2- راجع المصادر في صفحة: 50.
3- سورة النساء: 92.

و الكفارة (32)، و لو كان القتل خطأ فالدية على العاقلة و الكفارة عليه (33).

مسألة 12: لا يجوز التمثيل بالعدوّ، و لا الغدر به

(مسألة 12): لا يجوز التمثيل بالعدوّ، و لا الغدر به (34) نعم، يجوز الخدعة في الحرب (35).

______________________________

بعد عدم دليل عليه.

(32) لوجود المقتضي لهما و فقد المانع عن ثبوتهما، فتشمله العمومات و الإطلاقات حينئذ.

(33) لما يأتي تفصيله في الديات إن شاء اللّه تعالى.

(34) نصّا، و إجماعا في كل منهما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا تجوز المثلة و لو بالكلب العقور» (1)، و قد تقدم أيضا في رواية مسعدة بن صدقة، و قال عليّ عليه السّلام في خبر أصبغ بن نباتة: لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى لناس، ألا إنّ لكل غدرة فجرة و لكل فجرة كفرة، ألا و إنّ الغدر و الفجور و الخيانة في النار» (2).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا و لا يأمروا بالغدر، و لا يقاتلوا مع الذين غدروا، و لكنّهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم و لا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار» (3).

ثمَّ إنّ الغدر- بفتحتين- ترك الوفاء و نقض العهد، و أمّا الغلول فإن أريد به أخذ مال الحربي قبل الأمان مع الدعوة فلا دليل على حرمته لما هو المعلوم من أنّ مال الحربي في ء للمسلمين، و إن أريد به أخذ ماله بعد الأمان أو قبل الأمان مع ترتب المفسدة فلا ريب في حرمته و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين كلمات الأصحاب.

(35) إجماعا، و نصّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الحرب خدعه (4)، و قد ورد:

ص: 127


1- الوسائل باب: 62 من أبواب القصاص في النفس حديث: 6.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 3.
4- صحيح البخاري باب: 55 من أبواب الجهاد.

مسألة 13: يستحب أن يكون القتال بعد الزوال مع الاختيار

(مسألة 13): يستحب أن يكون القتال بعد الزوال مع الاختيار (36)، و يكره الإغارة على العدوّ ليلا (37)، و يكره أن يعرقب الدابة و إن وقعت به إلا

______________________________

أنّ عليّا عليه السّلام بارز عمرو بن عبد ود فلما أقبل عليه قال عليه السّلام: ما برزت لا قاتل اثنين فالتفت عمرو فوثب عليه فضربه فقال عمرو: خدعتني فقال عليه السّلام: «الحرب خدعة» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «لأن يخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أقول على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لم يقل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول يوم الخندق: الحرب خدعة و يقول: تكلموا بما أردتم» (2).

ثمَّ إنّه ليس في الخدعة الجائزة في الحرب حدّ معيّن و كيفية خاصة بل تختلف باختلاف الحالات و الموارد و الأزمنة و الأمكنة.

و الخديعة: عبارة عن الاحتيال و المكر و إظهار خلاف الواقع.

(36) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان عليّ عليه السّلام لا يقاتل حتى تزول الشمس و يقول: تفتح أبواب السماء، و تقبل الرحمة، و ينزل النصر، و يقول: هو أقرب إلى الليل و أجدر أن يقل القتل و يرجع الطالب، و يفلت المنهزم» (3).

(37) للتأسي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عدوّا قط ليلا» (4).

نعم، مع الضرورة ترفع الكراهة قهرا و عليها يحمل ما ورد من غير طريقنا: «من تبييت الكفار أي: قتلهم أو سبي نسائهم و ذراريهم ليلا» (5).

ص: 128


1- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة 397.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 1.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 1.
5- راجع شرح المغني لأبي الفرج شمس الدّين ج: 10 صفحة 390 و قريب منه في سنن أبي داود باب: 93 من أبواب الجهاد.

مع جهة راجحة في البين (38).

مسألة 14: قد تجب المبارزة مع العدوّ

(مسألة 14): قد تجب المبارزة مع العدوّ، و قد تستحب و قد تكره، و قد تحرم، و قد تباح (39).

______________________________

(38) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا حزنت على أحدكم دابته في أرض العدوّ في سبيل اللّه فليذبحها و لا يعرقبها» (1).

و عنه عليه السّلام: أيضا: «لما كان يوم موتة كان جعفر بن أبي طالب على فرس له فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف فكان أول من عرقب في الإسلام» (2). فيحمل ذلك كله على وجود المصلحة في ذلك مع تقرير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له.

(39) أما الأول: ففيما إذا أمر بها الإمام عليه السّلام أمر إيجاب عينا كان أو كفائيا.

و الثاني: ما إذا أمر بها ندبا.

و الثالث: ما إذا كان بغير إذنه كما عن جمع، أو كان المبارز ضعيفا في نفسه قد يوجب الوهن في المسلمين.

و الرابع: ما إذا حرمها الإمام عليه السّلام.

و الأخير ما إذا لم تكن جهة راجحة أو مرجوحة في البين، و لا بد من ملاحظة الجهات الخارجية و التأمل فيها.

و أما الأخبار فقد قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن القداح: «دعا رجل بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام ما منعك أن تبارزه؟ فقال: كان فارس العرب و خشيت أن يغلبني فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:

فإنّه بغى عليك و لو بارزته لقتلته و لو بغي جبل لهدّ الباغي».

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ الحسين بن عليّ عليهما السّلام دعا رجلا إلى المبارزة

ص: 129


1- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام الدّواب حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 52 من أبواب أحكام الدّواب حديث: 2 و 1.

مسألة 15: المشرك إذا طلب المبارزة و لم يشترط عدم الاستعانة، بالغير جاز للمسلم إعانة قرنه المسلم

(مسألة 15): المشرك إذا طلب المبارزة و لم يشترط عدم الاستعانة، بالغير جاز للمسلم إعانة قرنه المسلم (40)، و لو شرط أن لا يقابل غيره وجب الوفاء بالشرط (41)، نعم، لو فرّ المسلم و طلبه العدوّ جاز دفعه عنه (42)، و لو لم يطلبه لا يجوز مدافعته (43).

______________________________

فعلم به أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: لئن عدت إلى مثل هذا لأعاقبنّك و لئن دعاك و في خبر عمرو بن جميع عن الصادق عليه السّلام قال: «سئل عن المبارزة بين الصفين بغير إذن الإمام عليه السّلام فقال: لا بأس به و لكن لا يطلب إلّا بإذن الإمام» (1).

و المتحصل من مجموعها هو ما ذكرناه و على أيّ تقدير لا بد و أن تكون تحت نظر وليّ الأمر حكما و موضوعا و خصوصية و لا وقع لبحث القضية عنها من وراء الستار.

(40) للأصل بعد عدم دليل على المنع.

(41) لوجوب الوفاء بالشرط و العهد بعد تحققه مطلقا خصوصا في المقام الذي تكون الدعوة إلى مكارم أخلاق الإسلام فلا بد و أن يكون القول و العمل و السيف و القلم متحدا في جهة واحدة.

(42) للأصل بعد عدم شمول الشرط له. نعم، لو كان الشرط بحيث يشمله أيضا لم يجز ذلك عملا بالشرط.

(43) عملا بالشرط بعد عدم تحقق نقضه.

ص: 130


1- الوسائل باب: 31 من أبواب جهاد العدو حديث: 1.

فصل في الذمام

اشارة

فصل في الذمام الذمام، أو الأمان: جعل خاص بين المسلم و الحربي ثمرته كونه مأمونا في مدّة لمصلحة تقتضي ذلك و يكون صحيحا و لازما (1)، بل الظاهر لحوق

______________________________

فصل في الذمام

(1) بالأدلة الثلاثة قال اللّه تعالى وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ (1).

و عن السكوني: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما معنى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يسعى بذمتهم أدناهم قال: لو ان جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى القي صاحبكم و أناظره فأعطاه أدناه الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام في خبر ابن سليمان: «ما من رجل أمن رجلا على ذمته ثمَّ قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر» (3)، و في خبر حبة العرني عن علي عليه السّلام: «من ائتمن رجلا على دمه ثمَّ خان به (اي: نكث بالعهد) فإني من القاتل برئ و ان كان المقتول في النار» (4)، و في رواية مسعدة بن صدقة: «إنّ عليا عليه السّلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن

ص: 131


1- سورة التوبة: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 6 و 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 6 و 3.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 6 و 3.

شبهة الأمان به أيضا (2).

______________________________

من الحصون و قال عليه السّلام: من المؤمنين (1)، و في موثق أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أراد ان يبعث سرية- إلى أن قال و أيّما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام اللّه فإن تبعكم فأخوكم في الدّين و إن أبى فأبلغوه مأمنه و استعينوا باللّه» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(2) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر محمد بن حكيم: «لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألهم الأمان فقالوا: لا فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين» (3).

و يدل عليه ما تقدم من خبر الثمالي عنه عليه السّلام أيضا و نحوه خبرا ابني حمران و دراج.

و أما خبر طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «قرأت في كتاب لعليّ عليه السّلام: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كتب كتابا بين المهاجرين و الأنصار و من لحق بهم من أهل يثرب أنّ كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضا بالمعروف و القسط بين المسلمين فإنّه لا يجاز حرمة إلا بإذن أهلها و أنّ الجار كالنفس غير مضار و لا آثم، و حرمة الجار على الجار كحرمة أمه و أبيه، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل اللّه إلا على عدل و سواه» (4).

و المحكي عن نهاية ابن الأثير: «و إنّ سلم المؤمنين واحد لا يسالم مؤمن دون مؤمن. أي: لا يصالح واحد دون أصحابه، و إنّما يقع الصلح بينهم و بين عدوّهم باجتماع ملئهم على ذلك» (5)، فلا ربط لهما بالأمان المبحوث عنه في

ص: 132


1- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 5.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 5.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 5.
5- النهاية لابن الأثير ج: 11 صفحة 394 مادة (سلم).

مسألة 17: لا يشترط في الأمان أن يكون مسبوقا بالسؤال فيصح و لو كان ابتداء و بلا سؤال

(مسألة 17): لا يشترط في الأمان أن يكون مسبوقا بالسؤال فيصح و لو كان ابتداء و بلا سؤال (3).

مسألة 18: يشترط فيمن يأمن أن يكون مسلما بالغا عاقلا مختارا

(مسألة 18): يشترط فيمن يأمن أن يكون مسلما بالغا عاقلا مختارا (4)، و لا فرق بين الحرّ، و العبد، و الذكر، و الأنثى (5).

مسألة 19: لو اغتر العدوّ بأمان الصبي و المجنون و المكره

(مسألة 19): لو اغتر العدوّ بأمان الصبي و المجنون و المكره كان ذلك كله من شبهة الأمان فيرد إلى مأمنه آمنا، و كذا كل حربيّ دخل في دار الإسلام بالشبهة (6).

______________________________

المقام فما نسب الى أبي الصلاح من عدم الجواز واضح الفساد.

(3) لإطلاق الأدلة الشامل لكل منهما، و ما وقع في بعض الأخبار من سؤال الأمان لا يصلح للتقييد، لكونه من الغالب.

(4) لأصالة عدم ترتب الأثر إلا فيما هو المنساق عرفا من الأدلة، مضافا إلى ظهور الإجماع على اعتبار ذلك كله و عدم الاعتبار بكلام المجنون بل و الصبيّ و المكره في مثل هذه الأمور لدى العقلاء أيضا.

(5) لظهور الاتفاق على ذلك كله، و لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «يسعى بذمتهم أدناهم» (1)، الشامل للجميع إلا ما خرج بالدليل.

(6) لشمول ما تقدم من خبر محمد بن الحكيم (2)، لجميع ذلك كله و هذا من أوسع أبواب رحمته تعالى حيث وسع في سبب الأمان، و جعل شبهة الأمان أمانا، و جعل الحدود تدرأ بالشبهات، و نرجو أن يكون في الآخرة أوسع رحمة من ذلك، لاحتياج الكل إلى رحمته فيها أكثر من احتياجهم إليها في الدنيا الفانية

ص: 133


1- الوسائل باب: 31 من أبواب القصاص في النفس.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 4.

مسألة 20: الإمام عليه السّلام يذم لأهل الحرب عموما و خصوصا

(مسألة 20): الإمام عليه السّلام يذم لأهل الحرب عموما و خصوصا، و كذا من أذن له الإمام (7)، و لآحاد المسلمين أن يذموا لأهل القرية أو حصن بل كل ما لا يبلغ الذمام العام المختص بالإمام عليه السّلام (8).

مسألة 21: يقع الأمان باللفظ، و بالكتابة، بل و بالإشارة

(مسألة 21): يقع الأمان باللفظ، و بالكتابة، بل و بالإشارة و بكل لغة و لسان (9)، و أما كيفياته و خصوصياته فهي موكولة إلى ملاحظة جهات الواقعة و لا تضبطها ضابطة كلية، فيجوز كل ما لم يتضمن محرّما (10).

______________________________

و نأمل أن يكون الاستسلام للعزيز القهار أمانا من عذاب النار.

(7) لأنّه وليّ ذلك فله أن يفعل ما يشاء و يذم من يريد، و كذا من هو منصوب من قبله لهذه الأمور.

(8) لإطلاق قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «يسعى بذمتهم أدناهم» (1). و أما الذمام العام فهو من شؤون الإمام أو من نصبه لذلك.

(9) للإطلاقات و العمومات الشاملة لذلك.

(10) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق بعد عدم ورود دليل على التحديد، و بناء الأمان على التوسعة و التسهيل دون التعنيف و التضييق.

و أما خبر مسعدة عن الصادق عليه السّلام في آداب سرايا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و إذا حاصرت أهل حصن فإن آذنوك على أن تنزلهم على ذمة اللّه و ذمة رسوله صلّى اللّه عليه و آله فلا تنزلهم و لكن أنزلهم على ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم فإنّكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم كان أيسر عليكم يوم القيامة من أن تفخروا ذمة اللّه و ذمة رسوله صلّى اللّه عليه و آله» (2)، فيمكن حمله على الأمان العام و الصلح المختص

ص: 134


1- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 22: يجب الوفاء بالأمان الذي لم يتضمن حراما

(مسألة 22): يجب الوفاء بالأمان الذي لم يتضمن حراما (11).

مسألة 23: وقت الأمان من المسلمين قبل الأسر و لا أمان بعده نعم

(مسألة 23): وقت الأمان من المسلمين قبل الأسر و لا أمان بعده نعم، يجوز عند الاشراف على الغلبة أيضا مع المصلحة (12)، و أما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الإمام المعصوم عليه السّلام فيجوز له الذمام بعد الأسر أيضا (13)، و لو

______________________________

بالإمام، أو يحمل على مطلق الرجحان.

(11) لأنّ نقضه غدر و هو حرام بالأدلة الأربعة.

(12) إجماعا في كل منهما مع وجود المصلحة في الأخير أيضا.

(13) لمكان ولايته و قد فعل ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ببعض الأسارى كما ضبط التاريخ في تقرير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأمان زينب أبا العاص بن الربيع بعد الأسر (1)، و كذلك أمان أم هاني لبعض المشركين في فتح مكة: «لما كان يوم الفتح دخل عليها حموان لها فاستجارا بها و قالا نحن في جوارك فقالت: نعم، أنتما في جواري. قالت أم هاني: فهما عندي إذ دخل عليّ فارسا مدججا في الحديد و لا أعرفه فقلت له: أنا بنت عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قالت: فكف عنّي و أسفر عن وجهه فإذا عليّ عليه السّلام فاعتنقته و سلّمت عليه و نظر إليهما فشهر السيف عليهما قلت:

أخي من بين الناس يصنع بي هذا؟! قالت: و ألقيت عليهما ثوبا و قال عليه السّلام:

تجيرين المشركين؟! و حلت دونهما فقلت: و اللّه لتبدأنّ بي قبلهما؟ فخرج و لم يكد فأغلقت عليهما بيتا و قلت: لا تخافا فذهبت إلى خباء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالبطحاء فلم أجده، و وجدت فيه فاطمة عليها السّلام فقلت: ما ذا لقيت من ابن أمي عليّ عليه السّلام فكانت أشدّ عليّ من زوجها و قالت عليها السّلام: تجيرين المشركين؟!

ص: 135


1- راجع المغازي للواقدي ج: 1 صفحة: 130 و فيها: «بعثت زينب بقلادة لها كانت لخديجة عليها السّلام فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تلك القلادة عرفها و رق لها و قال صلّى اللّه عليه و آله ردوا إليها متاعها و إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و فعلوا ذلك و كان ذلك بغزوة بدر الكبرى.

قلنا بالجواز حتى بعد الأسر إن اقتضت المصلحة ذلك لغيرهما أيضا كان حسنا (14).

مسألة 24: لو أقرّ المسلم أنّه أذم المشرك يقبل إقراره

(مسألة 24): لو أقرّ المسلم أنّه أذم المشرك يقبل إقراره (15).

مسألة 25: لو ادعى الحربيّ الأمان على مسلم و أنكره

(مسألة 25): لو ادعى الحربيّ الأمان على مسلم و أنكره فإن كانت في البين قرائن دالة على صحة دعوى الحربي يقبل دعواه و الا فيذمه أحد من المسلمين مع عدم المحذور (16).

______________________________

- قالت- إلى أن طلع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليه رهجة الغبار فقال صلّى اللّه عليه و آله مرحبا بفاختة أم هاني و عليه صلّى اللّه عليه و آله ثوب واحد فقلت: ما ذا لقيت من ابن أمي عليّ عليه السّلام فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما كان ذاك قد أمّنا من أمنت و أجرنا من أجرت ثمَّ أمر فاطمة عليها السّلام فسكبت له غسلا فاغتسل، ثمَّ صلّى ثمان ركعات في ثوب واحد ملتحفا به و ذلك ضحى في فتح مكة» (1).

(14) لبناء الأمان على التسهيل و التغليب مع جود المصلحة كالتأليف و الترغيب.

(15) للإجماع، و لقاعدة: «من ملك شيئا ملك الإقرار به» هذا إذا كان قبل الأسر، و أما ان كان بعده فلا بد له من إثبات المصلحة في ذلك حتى يقبل إقراره و إلا فلا يقبل.

(16) أما الأول فلاحتفاف قوله بما يوجب الاطمئنان.

و أما الأخير فلاحتمال كون المقام من شبهة الأمان و إن كان مقتضى الأصل إباحة دمه و ماله.

و لكنّه يمكن الخدشة فيه بأنّ المقام من الشك في الموضوع فلا يجري

ص: 136


1- راجع المغازي للواقدي ج: 2 صفحة: 830.

مسألة 26: إطلاق الأمان للحربي يقتضي الأمان لماله أيضا في دار الإسلام

(مسألة 26): إطلاق الأمان للحربي يقتضي الأمان لماله أيضا في دار الإسلام (17)، فإن التحق بدار الحرب لغرض صحيح و كان من قصده العود يبقى الأمان لنفسه و ماله (18) و لو التحق بدار الحرب بقصد الاستيطان انتقض الأمان بالنسبة إلى نفسه و كل ما أخذه معه من أمواله و بقي الأمان بالنسبة إلى ما بقي من أمواله في دار الإسلام (19).

مسألة 27: لو مات أو قتل انتقض الأمان في المال

(مسألة 27): لو مات أو قتل انتقض الأمان في المال فإن كان له وارث مسلم فالمال لوارثه و الا فهو للإمام عليه السّلام كسائر الأنفال بلا فرق بين كون الموت في دار الحرب أو دار الإسلام (20) و لو أسره المسلمون لم يزل الأمان على

______________________________

الأصل، مع أنّه يظهر من التأمل في سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه كما كان بناء الشارع على تغليب الإسلام يكون بناؤه على تغليب الاستسلام أيضا على الحرب و الخصام.

(17) للإجماع، و لأنّ ذلك من لوازم الأمان عرفا فيشمله عهد الأمان بالدلالة الالتزامية.

(18) لأصالة بقاء الأمان و عدم عروض ما يوجب النقض بعد أن كان من قصده العود.

(19) أما الأوّل فلأنّه نقض أمانه لنفسه و تبعه ما معه من ماله.

و أما الأخير فلأصالة بقاء الأمان بالنسبة إلى ما بقي و عدم حدوث ما يوجب زواله لحدوث الأمان له جامعا للشرائط و حدوث الأمان لنفسه علة لحدوث الأمان لماله، لا أن يدور أمان المال مداره حدوثا و بقا فيصح تصرفه فيه بكل ما شاء و أراد من بيع و هبة و غيرهما بنفسه أو توكيل غيره مسلما كان أو معاهدا.

(20) أما نقض الأمان في المال، فلأنّ أصل الأمان مطلقا يدور مدار حياته فمع الموت ينتفي موضوعه.

ص: 137

ماله (21).

مسألة 28: لو دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فسرق منها شيئا وجب عليه إعادته

(مسألة 28): لو دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فسرق منها شيئا وجب عليه إعادته سواء كان صاحبه في دار الإسلام أو في دار الحرب (22).

مسألة 29: لو أسر المشركون مسلما و أطلقوه بأمان و شرطوا عليه

(مسألة 29): لو أسر المشركون مسلما و أطلقوه بأمان و شرطوا عليه

______________________________

و أمّا أنّه يرثه وارثه المسلم مع وجوده فلما يأتي في الإرث و أما أنّه مع عدمه يكون مختصا بالإمام فلأنّه مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و قد جعله اللّه تعالى للمعصوم من أوليائه كمطلق إرث من لا وارث له.

و أما الأخير: فلعدم الفرق في انتفاء موضوع الأمان بالموت بين مكان دون مكان، و ظاهرهم الإجماع عليه أيضا.

(21) للأصل بعد عدم دليل على زواله و لكنه لا يخلو عن صور أربع:

الأولى: أن يمنّ عليه الإمام.

الثانية: أن يفاديه.

الثالثة: أن يقتله.

الرابعة: أن يسترقه، و في الأولين يرد عليه ماله و في الثالث يكون ماله للإمام مع عدم وارث مسلم له، و في الأخير يكون للإمام عليه السّلام لأنّه مال لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و هذا بناء على عدم ملك العبد لا إشكال فيه.

و أما بناء على ملكه فلا ريب في أنّ ولاية التصرف فيه للإمام عليه السّلام و هو أعرف بمعاملته مع العبد و ما له بما شاء و أراد، و كذا منصوبه الخاص لذلك أو العام مع الاستيلاء العام.

(22) لأنّ من لوازم الاستيمان عدم تحقق الخيانة من الطرفين و السرقة غلول و خيانة فيجب رد المسروق الى محله، و كون صاحبه في دار الحرب لا يحلل الخيانة.

ص: 138

الإقامة في دار الحرب لم تجب عليه الإقامة (23) و لكن حرمت عليه أموالهم (24) و لو أطلقوه على مال لم يجب عليه الوفاء به (25)، و لو دخل المسلم دار الحرب بالأمان و اقترض مالا من حربيّ أو اشترى شيئا في الذمة و عاد إلينا وجب عليه أداء قرضه و تفريغ ما في ذمته عمّا اشتراه (26).

مسألة 30: لو أسلم الحربيّ و في ذمته مهر لزوجته

(مسألة 30): لو أسلم الحربيّ و في ذمته مهر لزوجته و كانت قد أسلمت معه أو قبله كان لها المطالبة به إن كان مما يملكه المسلم و الا

______________________________

(23) لعدم وجوب الوفاء عليه بهذا الشرط، لأنّه لم يقع في ضمن عقد صحيح. نعم، لو قيل بوجوب الوفاء بالشروط الابتدائية وجب الوفاء به إن لم يكن محذور في البين، و تقدّم أنّه تجب الهجرة عن بلاد الكفر مع عدم التمكن من اقامة الوظائف الدينية فيها، مع أنّ مثل هذا الشرط نحو استيلاء من الكفر على المسلم فيكون مخالفا للسنة من هذه الجهة.

(24) إن صدقت على أخذها الخيانة و الغلول عرفا و الا فلا يحرم بل يجوز له أخذ كل ما استولى عليه، و كذا مع الشك لأنّ إحراز عنوان الخيانة و الغلول مانع عن صحة الأخذ، و مع عدم الإحراز يجوز الأخذ، لعموم ما دل على أنّ مال الحربيّ و ماله في ء للمسلمين إلا أن يقال: إنّه يصير هذا العمل عارا على المسلمين و منقصة لهم فلا يصح من هذه الجهة.

(25) للأصل إن لم يصدق الغلول و الخيانة عليه عرفا أو تحقق عنوان آخر يوجب منقصة على المسلمين و الا وجب.

(26) لأنّه من اللوازم العرفية للأمان، و تركه غلول و خيانة، و كذا لو اقترض حربي من حربي و دخل المقترض إلينا بالأمان وجب الرد، للأصل بعد عدم دليل على السقوط.

ص: 139

فقيمته (27)، و إن أسلم الحربيّ فقط و لم تسلم زوجته ليس للزوجة مطالبته و لا لوارثها الحربي (28).

مسألة 31: لو أتلف حربيّ من حربيّ شيئا فأسلم المتلف لا يجب عليه التعويض

(مسألة 31): لو أتلف حربيّ من حربيّ شيئا فأسلم المتلف لا يجب عليه التعويض (29)، و أما العقود الواقعة بينهم- كالقرض و ثمن المبيع و نحو ذلك- فإذا أسلم أحدهما يبقى حكم العقد الواقع بينهما، فإذا كان المسلم هو البائع يجب عليه أداء المبيع، و إن كان هو المشتري يجب عليه أداء الثمن (30).

مسألة 32: لا بأس بالتعاهد مع المشركين على أن ينزلوا على حكم

(مسألة 32): لا بأس بالتعاهد مع المشركين على أن ينزلوا على حكم

______________________________

(27) للأصل، و قاعدة السلطنة، و عدم مانع في البين عن مطالبتها.

(28) لأنّه حيث أسلم الزوج قد ملك كل ما هو تحت استيلائه و في ذمته من مال الحربي، و ما هو في ذمته كالمقبوض في يده فيملكه لا محالة لاستيلائه عليه.

(29) لقاعدة أنّ الإسلام يجبّ ما قبله و تقدم بيانها مفصلا (1).

(30) للشك في شمول حديث الجبّ لها قال في الجواهر: «و من هنا يمكن الفرق بين عوض المتلفات و الغصب و نحوهما و بين المعاملات إذا فرض كون الحكم اتفاقيا فلا يجب الوفاء بل تبرئة الذمة بالإسلام، لكونه من قبيل التكاليف مثل قضاء الصوم و الصلاة و إن كان لها جهة دينية إلا أنّه ليس من جميع الوجوه بخلاف ما كان بالمعاملة كالقرض و ثمن المبيع و نحو ذلك مما يقع بين المشركين و المسلمين و يحكم بصحته».

و خلاصة قوله رحمه اللّه أنّ اشتغال الذمة إما أن يكون تكليفيا محضا أو كما هو

ص: 140


1- تعرض- دام ظله العالي- للقاعدة في مواضع متعددة منها في ج: 7 صفحة 289.

من يختارونه للتحكيم فيكون حكمه متبعا ما لم يخالف الشرع (31)، و يجوز المهادنة على حكم من يختاره الإمام عليه السّلام (32)، بل و على حكم من يختاره أهل الحرب أيضا مع اجتماع الشرائط فيه (33)، و لو مات الحاكم قبل الحكم بطل الأمان (34) و يردون إلى مأمنهم (35)، و كل ما يحكم به الحاكم يتبع ما

______________________________

فيه جهة دينية أو بما هو ديني محض و الأولان يسقطان بالإسلام بخلاف الأخير.

(31) أما أصل جواز التحكيم، فيدل عليه الأصل، و الإجماع، و رضا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك في بني قريظة حيث رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فقبل صلّى اللّه عليه و آله ذلك منهم (1)، و في خبر مسعدة ابن صدقة عن الصادق عليه السّلام في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمن يؤمره على سرية: «و إذا حصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم اللّه تعالى فلا تنزلهم، و لكن أنزلهم على حكمكم، ثمَّ اقض فيهم بعد بما شئتم، فإنّكم إن أنزلتموهم على حكم اللّه لم تدروا تصيبوا حكم اللّه فيهم أم لا و إذا حاصرتم أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على ذمة اللّه و ذمة رسوله فلا تنزلهم و لكن أنزلهم على ذممكم و ذمم آبائكم و إخوانكم فإنّكم إن تخفروا ذممكم و ذمم أبنائكم و إخوانكم كان أيسر عليكم يوم القيامة من أن تخفروا ذمة اللّه و ذمة رسوله» (2).

و أما اعتبار أن لا يكون حكمه مخالفا للشرع، فيدل عليه اتفاق المسلمين بل ضرورة الدّين.

(32) للإجماع، و لأنّه لا يختار الا من فيه الصلاح.

(33) لوجود المقتضي و فقد المانع فيه حينئذ فتشمله الأدلة.

(34) للإجماع، مع أنّه من باب السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع.

(35) لفرض أنّهم نزلوا على حكمه و لم يحصل تقصير منهم، مضافا إلى

ص: 141


1- تاريخ اليعقوبي ج: 2 صفحة: 43 و في الكامل لابن الأثير ج: 2 صفحة: 186.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

لم يكن فيه مخالفة للشرع (36).

مسألة 34: يعتبر فيما يختار للتحكيم البلوغ، و الإسلام و الأمانة

(مسألة 34): يعتبر فيما يختار للتحكيم البلوغ، و الإسلام و الأمانة و كمال العقل، و التدبير (37)، و لو حكم بالقتل، و السبي، و أخذ المال فأسلموا سقط الحكم في القتل و بقي الباقي (38) و لو أسلموا قبل الحكم عصموا أموالهم و دمائهم و ذراريهم من القتل و الاستغنام و السبي (39).

______________________________

ظهور الاتفاق.

(36) لأنّه لا معنى للحكومة إلا ذلك، مضافا إلى الإجماع و ما وقع من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بني قريظة و حكم سعد بن معاذ كما تقدم.

(37) لظهور الإجماع، و شهادة الاعتبار على اشتراط ذلك كله، فمن فقد كل واحد منها ليس أهلا لذلك، و مقتضى إطلاق الفتاوى عدم اعتبار الذكورية و الحرية بعد اجتماع سائر الشرائط في المرأة و العبد و إن بعد ذلك عادة.

(38) أما سقوط القتل فلقوله صلّى اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلّا بحقها و حسابهم على اللّه» (1).

و أمّا بقاء السبي و أخذ المال، فللأصل بعد عدم دليل على السقوط مع أنّهما يجامعان الإسلام، كما لو أسلم المشرك بعد الأخذ.

(39) لأنّهم أسلموا، و هم أحرار لم تسترق نفوسهم، و لم تغنم أموالهم و لم تسب ذراريهم، و كل من أسلم حقن ماله و دمه، و المفروض أنّ ذريته تتبعه في الإسلام فيحفظ الكل بشرف إسلامهم قبل الحكم عليهم.

ص: 142


1- سنن ابن ماجه كتاب الفتن باب: 10 حديث: 3928.

مسألة 34: يجوز لوليّ الأمر إماما كان أو غيره جعل الجعائل من الغنيمة

(مسألة 34): يجوز لوليّ الأمر إماما كان أو غيره جعل الجعائل من الغنيمة لمن يدلهم على مصلحة من مصالح المسلمين آية مصلحة كانت كالاطلاع على أسرار العدوّ، و طرق الاستيلاء عليهم (40)، و لا فرق في المجعول له بين المسلم و الكافر (41)، و ليس للجيش الاعتراض عليه (42).

مسألة 35: تصح الجعالة فيما تقدم بكل مال، عينا كانت أو دينا

(مسألة 35): تصح الجعالة فيما تقدم بكل مال، عينا كانت أو دينا، أو منفعة (43) و يعتبر في كل ذلك أن تكون معلومة بما يرتفع به الغرر (44) و تصح أن تكون الجعالة على مال من الغنيمة المجهولة (5).

______________________________

(40) للعمومات، و الإطلاقات الدالة على صحة الجعائل مطلقا، مع أنّ ذلك مقتضى ولايته على تنظيم هذه الأمور حسب المصالح التي يراها و قد فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك (1).

(41) لظهور الاتفاق و الإطلاق الشامل لهما.

(42) لأنّه لا وجه لاعتراض المولّى عليه على الوليّ، فالغنيمة و إن كانت لهم لكنّها تحت إشراف الوالي في كيفية الصرف و المصرف و سائر الجهات.

(43) لإطلاق دليلها الشامل لكل ذلك، مع ظهور الاتفاق عليه.

(44) لاعتبار ذلك في كل قرار معاملي عند الفقهاء بل العقلاء. نعم، اغتفر في الجعالة من الجهالة في الجملة ما لم يغتفر في غيرها.

(45) لجواز ذلك في الجعالة كما يأتي في محله، مع أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جعل للسرية من الجيش الثلث، أو الربع من الغنيمة المجهولة (2)، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

ص: 143


1- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة 409 ط بيروت.
2- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة 409 ط بيروت.

مسألة 37: لو كان العمل المجعول له مما لا يتوقف على الفتح استحق الجعل بنفس عمله

(مسألة 37): لو كان العمل المجعول له مما لا يتوقف على الفتح استحق الجعل بنفس عمله (46)، و إن كان مما يتوقف عليه فلا يستحق إلا بعده (47)، و لو كانت الجعالة عينا و فتح البلد و كانت مما تعلق بها الأمان فإن توافق المجعول له و أربابها على شي ء فهو، و إن تعاسرا فالمتبع نظر وليّ الأمر في فسخ الهدنة و عدمه (48).

______________________________

(46) كما إذا كان العمل الدلالة على الطريق مثلا فلا ريب في الاستحقاق، لاقتضاء القرار المعاوضي ذلك.

(47) ظهر حكمه مما تقدم فلا وجه للتكرار.

(48) أمّا في صورة التوافق فإنّ الحق لهما، فيجوز لهما بكل ما تراضيا عليه ما لم يكن خلاف الشرع. و أما مع التعاسر فليست في البين قاعدة كلية يعمل بها و من المعلوم اختلاف الموضوع باختلاف الخصوصيات و الجهات التي لا بد من الإشراف عليها ثمَّ الحكم بما تقتضيه المصالح.

ص: 144

تتميم في الأسارى و الغنائم

اشارة

تتميم في الأسارى و الغنائم أما الأسارى فهم ذكور و إناث، فالإناث يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة، و كذا الذراري (1).

مسألة 1: يعتبر في التملك قصد السبي و الاستيلاء عليه

(مسألة 1): يعتبر في التملك قصد السبي و الاستيلاء عليه (2) و لا يعتبر استمرار الاستيلاء فيبقى على الملك و لو هرب (3).

مسألة 2: الذكور البالغون إن أسروا و الحرب قائمة يتعيّن عليهم

(مسألة 2): الذكور البالغون إن أسروا و الحرب قائمة يتعيّن عليهم

______________________________

تتميم في الأسارى و الغنائم

(1) إجماعا، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان و كان يسترقهم إذا سباهم (1).

(2) لأصالة عدم الملك مع عدمهما و لا يكفي مجرّد النظر و لا وضع اليد من دون قصدهما، للأصل بل و لا يكفي القصد مع النظر فلا بد من الاستيلاء العرفي عليه و لا يتحقق ذلك بمجرد النظر و لو مع القصد.

(3) لإطلاق الأدلة الدالة على حدوث الملكية بمجرد الاستيلاء عليه فالتملك بالسبي يكون كالتملك بالصيد حيث يكفي فيه مجرد حدوث

ص: 145


1- راجع المغني ج: 10 صفحة: 400 الحديث بعضه مذكور في سنن ابن ماجه ج: 2 باب: 30 من أبواب جهاد العدو حديث: 2841.

القتل (4) و إن أسروا بعد انقضاء الحرب لم يقتلوا و كان الإمام مخيّرا بين المنّ

______________________________

الاستيلاء فقط.

(4) إجماعا، و نصّا ففي خبر طلحة بن زيد: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان أبي عليه السّلام يقول: إنّ للحرب حكمين إذا كانت الحرب قائمة و لم تضع أوزارها و لم يثخن أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم، ثمَّ يتركه يتشحط في دمه حتى يموت و هو قول اللّه عزّ و جل إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ألا ترى أنّ المخير الذي خير اللّه الإمام على شي ء واحد و هو الكفر «الكل» و ليس هو على أشياء مختلفة فقلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: قول اللّه عزّ و جل أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ قال عليه السّلام:

ذلك الطلب أن تطلبه الخيل حتى يهرب فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك.

و الحكم الآخر إذا وضعت الْحَرْبُ أَوْزارَها و أثخن أهلها فكل أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، و إن شاء فاداهم أنفسهم و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا» (1).

و في كنز العرفان: «المنقول عن أهل البيت عليهم السّلام: أنّ الأسير إن أخذ و الحرب قائمة تعين قتله إما بضرب عنقه أو قطع يديه و رجليه و يترك حتى ينزف و يموت، و إن أخذ بعد انقضاء الحرب تخيّر الإمام عليه السّلام بين المنّ و الفداء و الاسترقاق، و لا يجوز القتل».

هذا إذا لم يسلموا و إلّا فيسقط القتل لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا اللّه فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم» (2)، و عن عليّ

ص: 146


1- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- راجع سنن البيهقي ج: 9 صفحة 182 و تقدم أيضا في صفحة: 70.

عليهم، و الفداء، و الاسترقاق (5) و لو أسلموا بعد الأسر لم يسقط التخيير بين الثلاثة (6).

مسألة 3: لو عجز الأسير عن المشي فإن كان الأسر بعد انقضاء الحرب لا يجوز قتله

(مسألة 3): لو عجز الأسير عن المشي فإن كان الأسر بعد انقضاء الحرب لا يجوز قتله، و إن كانت الحرب قائمة يجوز ذلك (7) و في كل منهما لو بادر أحد بقتله كان دمه هدرا (8).

مسألة 4: يجب أن يطعم الأسير و يسقى و إن أريد قتله

(مسألة 4): يجب أن يطعم الأسير و يسقى و إن أريد قتله (9) و يكره أن

______________________________

بن الحسين عليهما السّلام: «الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئا» (1).

(5) كتابا (2)، بالنسبة إلى المنّ و الفداء، و سنة، و إجماعا بالنسبة إلى الثلاثة و قد تقدم خبر طلحة بن زيد، و ما عن كنز العرفان.

و المنّ: عبارة عن تخلية سبيلهم فيكونون أحرارا كما كانوا قبل التسلط عليهم، و الفداء: هو ذلك بعينه مع شرط أو أخذ شي ء منهم و الاسترقاق: معلوم.

(6) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(7) لما تقدم من الدليل في كل منهما.

(8) لظهور الإجماع عليه فلا تترتب عليه دية و لا كفارة.

(9) على المشهور، لجملة من النصوص:

منها: صحيح أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «الأسير يطعم و إن كان يقدم للقتل» (3).

و عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال عليّ عليه السّلام: «إطعام الأسير و الإحسان إليه

ص: 147


1- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
2- سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله: 4.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

يقتل صبرا و يحمل رأس المقتول الكافر من المعركة (10).

مسألة 5: يجب دفن الشهيد و غيره ممن مات في المعركة دون الحربيّ

(مسألة 5): يجب دفن الشهيد و غيره ممن مات في المعركة دون الحربيّ، و مع الاشتباه يرجع إلى الأمارات المفيدة للاطمئنان و مع فقدها يدفن صغير الآلة (11).

مسألة 6: الطفل مطلقا تابع لأبويه في الإسلام و الكفر

(مسألة 6): الطفل مطلقا تابع لأبويه في الإسلام و الكفر (12) و الطفل

______________________________

حق واجب و إن قتلته من الغد» (1). و في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«إطعام الأسير حق على من أسره و إن كان يراد من الغد قتله، فإنّه ينبغي أن يطعم و يسقى و يرفق به كافرا كان أو غيره» (2)، إلى غير ذلك من الروايات.

(10) على المشهور فيهما، و عن الصادق عليه السّلام: «لم يقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رجلا صبرا غير عقبة بن أبي معيط و طعن أبي بن أبي خلف» (3).

و إطلاق ما في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه كتب الإحسان على كل شي ء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح» (4).

و الصبر في القتل أي: القتل مع المشتقة، و قد ورد أنّه: «لم يحمل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله رأس قط» (5).

(11) للعمومات، و الإطلاقات الدالة عليه، و قد تقدم ما يتعلق بذلك كله في أحكام الأموات.

(12) إجماعا، و نصّا ففي خبر حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم

ص: 148


1- الوسائل باب: 32 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و 1.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و 1.
3- الوسائل باب: 66 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
4- سنن الترمذي باب: 14 من أبواب الديات.
5- راجع المعني ج: 10 صفحة: 565.

المسبيّ الذي ليس معه أحد أبويه الكافرين يتبع السابي في الإسلام (13) و إن كان معه أحد أبويه الكافرين تبعه في الكفر (14).

مسألة 7: إذا أسر الزوج البالغ لم ينفسخ النكاح و لو استرقه الإمام انفسخ

(مسألة 7): إذا أسر الزوج البالغ لم ينفسخ النكاح و لو استرقه الإمام انفسخ (15)، و لو كان الزوج الأسير طفلا أو كان الأسير امرأة ثمَّ أسر زوجها انفسخ النكاح (16).

______________________________

المسلمون بعد ذلك فقال عليه السّلام: إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار، و هم أحرار، و ولده و متاعه و رقيقه له، فأما الولد الكبار فهم في ء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك، فأما الدور و الأرضون فهي في ء فلا يكون له، لأنّ الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم الإسلام، و ليس بمنزلة ما ذكرناه، لأنّ ذلك يمكن احتيازه و إخراجه إلى دار الإسلام» (1).

(13) لظهور الإجماع، و قد تقدم في كتاب الطهارة عند بيان الطهارة التبعية (2).

(14) بلا خلاف فيه من أحد، و يقتضيه الأصل أيضا.

(15) أما الأول، فللأصل و الإجماع. و أما الثاني فلا دليل عليه إلا ظهور الإجماع و الاتفاق.

(16) لما تقدم من تحقق الرق فيهما بمجرد السبي و هو يقتضي انفساخ النكاح، مضافا إلى الإجماع على الانفساخ، و قوله تعالى وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ (3)، بناء على أنّ المراد منها إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من ذوات الأزواج.

ص: 149


1- الوسائل باب: 43 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- راجع ج: 3 صفحة: 462.
3- سورة النساء: 24.

و كذا لو أسر الزوجان معا (17).

مسألة 8: لو سبيت امرأة فصولح أهلها على عوض صحيح يصح إطلاقها ما لم يكن استولدها المسلم

(مسألة 8): لو سبيت امرأة فصولح أهلها على عوض صحيح يصح إطلاقها ما لم يكن استولدها المسلم (18).

مسألة 9: لو أسلم الحربي في دار الحرب حقن دمه و عصم ماله المنقول دون ما لا ينقل

(مسألة 9): لو أسلم الحربي في دار الحرب حقن دمه و عصم ماله المنقول دون ما لا ينقل فإنّه في ء للمسلمين و لحق به ولده الأصاغر و لو كان فيهم حمل (19)، و لو سبيت أم الحمل كانت رقا دون ولدها (20)، و كذا لو

______________________________

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في سبي أوطاس: «لا توطأ حامل حتى تضع، و لا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» (1). الظاهر في انفساخ النكاح، مع أنّ ملك الرقبة أقوى من ملك النكاح فإذا طرأ عليه أزاله. و المناط صدق سبي المرأة وحدها من دون سبي زوجها فلا فرق بين أن يسبى زوجها بعدها بزمان قليل أو كثير.

(17) لحدوث الملك للزوجة بمجرد السبي و هو يقتضي بطلان النكاح كما مرّ و إن لم يحصل الملك للزوج بمجرد السبي كما لو كان كبيرا أو لم يسترقه الإمام.

(18) أما الأول، فلأنّه مقتضى صحة عقد المصالحة.

و أما الأخير فلعدم صحة نقل الأمة المستولدة كما يأتي في محله.

(19) للإجماع، و النص قال الصادق عليه السّلام في خبر حفص المتقدم «إسلامه إسلام لولده الصغار و هم أحرار و ولده و متاعه و رقيقه له فأما الولد الكبار فهم في ء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك و أما الدور و الأرضون فهي في ء و لا يكون له».

(20) لإطلاق ما دل على أنّ المرأة تسترق بالسبي، و ما دل على أنّ الولد

ص: 150


1- سنن أبي داود باب: 44 من أبواب النكاح حديث: 2157.

كانت الحربية حاملا من مسلم بوطي مباح كالشبهة (21).

مسألة 10: لو أسلم عبد الحربيّ في دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه

اشارة

(مسألة 10): لو أسلم عبد الحربيّ في دار الحرب قبل مولاه ملك نفسه إن خرج قبل لا مولاه و لو خرج بعده كان باقيا على الرقية (22).

______________________________

تابع للوالد دون الام.

(21) فتسترق الام دون الحمل، لأنّه تابع للوالد.

(22) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين حاصر أهل الطائف قال: أيّما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حرّ و أيّما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد» (1)، و قد عمل به المشهور، و يعضده المروي عن طرق العامة: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في العبد بقضيتين، قضى أنّ العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنّه حر، فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه، و قضى أنّ السيد إذا خرج قبل العبد ثمَّ خرج العبد رد على سيده» (2).

ص: 151


1- الوسائل باب: 44 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- راجع المنتقى من أخبار المصطفى ج: 2 صفحة: 809 حديث: 4403.
تتميم في الغنائم

تتميم في الغنائم و أما الغنائم: و المراد بها في المقام كل ما استولت عليه الفئة المجاهدة بالقهر و الغلبة.

و هي إما منقولة- كالنقود، و الأمتعة- أو غير منقولة- كالأراضي و العقار- و إما سبي كالنساء و الأطفال.

مسألة 11: كل ما كان منقولا يملكه الغالبون

(مسألة 11): كل ما كان منقولا يملكه الغالبون إلا ما أسقط الشارع ملكيته- كالخمر، و الخنزير، و كتب الضلال و نحوها- (1) و لكن يعتبر إخراج الخمس و الجعائل التي يجعلها وليّ الأمر لكل ما شاء و أراد من المصالح، و إخراج المصارف التي يصرفها عليها (2).

______________________________

تتميم في الغنائم

(1) بضرورة من المذهب إن لم تكن من الدين، و لأنّه لو لم يملكها الغانمون يصير من الملك بلا مالك لفرض خروجها عن ملك الكفار بالغلبة و الاستيلاء.

(2) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها في كتاب الخمس (1).

ص: 152


1- راجع ج: 11 صفحة: 379.

مسألة 12: لا يجوز لأحد من الغانمين التصرف في شي ء من الغنيمة

(مسألة 12): لا يجوز لأحد من الغانمين التصرف في شي ء من الغنيمة إلا بعد القسمة أو الاستيذان من وليّ أمر الجهاد (3).

مسألة 13: الأعيان المحرمة الموجودة في الأموال

(مسألة 13): الأعيان المحرمة الموجودة في الأموال إن كانت لها منافع محللة تدخل في الغنيمة تبعا للمنافع (4).

مسألة 14: يصح أن يبيع أحد الغانمين غانما آخر حصته قبل القسمة

(مسألة 14): يصح أن يبيع أحد الغانمين غانما آخر حصته قبل القسمة فتصير الحصة للمشتري حينئذ مضافا الى حصته الخاصة به (5).

______________________________

(3) لأنّها من الأموال المشتركة بين الجميع و لا يجوز لأحد من الشركاء التصرف في المال المشترك إلا مع الإذن أو بعد القسمة و الاختصاص و في النبوي: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من في ء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه» (1): نعم، لا بأس بما لا بد منه مع الضرورة بعد مراجعة وليّ الأمر.

(4) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع.

(5) لعمومات أدلة البيع، و إطلاقاتها الشاملة له.

و دعوى: أنّه من البيع المجهول فيبطل من هذه الجهة (باطلة) لأنّه من حيث ذات المبيع يكون من بيع الكليّ في المعيّن و من حيث المقدار يمكن معرفته مع معلومية عدد الغانمين، مع أنّ له معرضية عرفية للتعيين، فلا محذور في البين من هذه الجهة أيضا.

ثمَّ إنّه مع صحة البيع لا فرق بين كون المشتري مسلما أو كافرا، لشمول العمومات له أيضا ما لم يكن محذور آخر في البين كما لا فرق بين البيع و سائر النواقل الاختيارية، بل الظاهر أنّه لو مات الغانم قبل القسمة تنقل حصته إلى

ص: 153


1- سنن أبي داود باب: 44 من أبواب النكاح: حديث: 2519.

مسألة 15: كل ما كان من المباحات الأولية في دار الحرب

(مسألة 15): كل ما كان من المباحات الأولية في دار الحرب كالصيود، و الأشجار و نحوها- باق على إباحتها الأصلية يملكها كل من حازها من مسلم، أو منافق، أو كافر (6)، نعم، لو كان عليه أثر ملك و هو في دار الحرب كان غنيمة (7).

مسألة 16: ما يؤخذ في دار الحرب، و يحتمل أنّه للمسلم أو الحربيّ

(مسألة 16): ما يؤخذ في دار الحرب، و يحتمل أنّه للمسلم أو الحربيّ يجري عليه حكم اللقطة (8).

مسألة 17: ما لا ينقل من الأموال- كالأراضي- يكون للمسلمين قاطبة

(مسألة 17): ما لا ينقل من الأموال- كالأراضي- يكون للمسلمين قاطبة و فيها الخمس (9)، و كذا السبي- كالنساء و الذراري- ففيها الخمس، و لكنّها تختص بالغانمين من دون أن تكون لجميع المسلمين (10).

مسألة 18: الأراضي على أقسام أربعة لأنّها إمّا موات أو عامرة

(مسألة 18): الأراضي على أقسام أربعة لأنّها إمّا موات أو عامرة و كل

______________________________

ورثته، لعمومات أدلة الإرث.

(6) لأنّ المنساق من الغنائم ما كانت ملكا للحربيّ و المفروض أنّها لم تملك بعد، فما دل على أنّها تملك بالحيازة باق على حاله من دون أن يعارضه شي ء.

(7) لكشف ذلك عن أنّه كان ملكا لحربي و كل ما هو ملك الحربيّ غنيمة إذا استولى عليه المسلم.

(8) لتحقق موضوعها عرفا فيجري عليه الحكم قهرا.

(9) إجماعا، و نصوصا تقدمت في كتاب الخمس و لا وجه للإعادة فراجع.

(10) لأنّها من المنقولات فيجري عليها حكم ما تقدم في المنقول.

ص: 154

منهما أما أصلية أو عارضة (11).

______________________________

(11) قد تعرّض الفقهاء للبحث عن الأراضي.

تارة: في كتاب البيع في شروط العوضين.

و اخرى: في كتاب الخمس.

و ثالثة: في إحياء الموات.

و رابعة: في المقام و لا بأس في الإشارة إلى بعض ما يناسب المقام و إيكال البقية إلى محالها. و البحث فيها من جهات:

الأولى: في بيان أن أيّ قسم منها من الأنفال و أيّ قسم منها ليس منها: كل أرض كانت عامرة بالأصالة أو مواتا كذلك فهي من الأنفال نصوصا (1) و إجماعا، و كذا كل أرض عرض لها الموات بعد كون العمارة أصلية فكما أنّ أصلها كانت للإمام فكذا بعد عروض الموت عليها أيضا، لأنّه عرض في ملكه و إن كانت العمارة من معمر فهي ملك للمحيي مسلما كان أو كافرا، و قد تقدم جملة من الكلام في كتاب الخمس و البيع و تأتي بقية الكلام في كتاب الإحياء إن شاء اللّه تعالى.

الثانية: الأراضي التي تكون تحت استيلاء الكفار على أقسام:

الأول: ما إذا أسلم أهلها طوعا فهي ملك لهم كسائر أملاكهم و ليس لأحد من الناس التعرّض لهم فيها بالأدلة الأربعة.

الثاني: ما إذا لم يسلموا و لكن أقرّهم عليها وليّ الأمر لمصلحة تقتضيه و هي أيضا كالقسم الأول بلا فرق بينهما.

الثالث: ما إذا لم يسلموا و لكن وقعت الأرض تحت استيلاء المسلمين بانجلاء أهلها عنها و تخليتها للمسلمين أو بموت أهلها و لا وارث لهم غير

ص: 155


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 32 و غيره من الأحاديث.

.....

______________________________

الإمام عليه السّلام و هذا القسم من الأرض للإمام عليه السّلام نصّا و إجماعا.

الرابع: ما إذا بقي أهل الأرض على كفرهم و غلب المسلمون عليه و استولوا على الأرض بالقهر و الغلبة و هذا القسم مما اصطلحوا عليه بالأرض المفتوحة عنوة و هي ملك للمسلمين- الموجود منهم و لما سيوجد من المسلمين- إلى يوم القيامة ففي صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام السواد ما منزلته؟ قال عليه السّلام: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و من لم يخلق بعد. فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال عليه السّلام: لا يصلح إلا أن تشتري منهم على أن تصيرها للمسلمين فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذه فله- الحديث-» (1).

و صحيح صفوان عن أبي بردة بن رجا قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك؟! و هي أرض المسلمين؟! قلت: يبيعها الذي هو في يده. قال: و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثمَّ قال عليه السّلام:

لا بأس اشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه» (2).

الثالثة: من جهات البحث الملكية على أقسام:

الأول: الملكية المطلقة المحضة من كل جهة كملكية الأشخاص لأموالهم الخاصة لهم.

الثاني: ملكية المنفعة على نحو الإشاعة كالملكية في الوقف الخاص.

الثالث: الملكية في الوقف العام.

الرابع: الملكية في الخمس و الزكاة لأربابها.

الخامس: الملكية في الأرض المفتوحة عنوة.

ص: 156


1- الوسائل باب: 21 من أبواب عقد البيع حديث: 4 (كتاب التجارة).
2- الوسائل باب: 71 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

.....

______________________________

و الأخير نحو ملكية تغاير جميع أنحاء الملكيات. و الثاني و الثالث من ملكية المنفعة لا العين.

و الأخير يصير ملكا خاصّ بعد القبض، و ملكية الأرض المفتوحة عنوة ليست من ملكية المنفعة و لا تصير ملكا خاصا أيضا بعد الاستيلاء عليها فهي نحو استيلاء خاص يخالف جميع أنحاء الاستيلاءات. و من عبّر بأنّها من ملكية العين تبعا للآثار لم يرد الملكية الخاصة و إلا فهو يخالف الإجماع لاتفاق الكل على أنّه لا يملكها المتصرّف فيها و لا يصح له بيعها و لا هبتها و لا وقفها و لا غير ذلك من التصرفات المتوقفة على الملك فالأرض المفتوحة عنوة كالتاج الذي يتوارثه الملوك خلفا عن سلف فيستقبح عليهم النواقل الاختيارية عند كافة العقلاء و يستنكر ذلك منهم أشدّ استنكار و يكون ذلك عليهم من علامة الذل و الهوان و الفرق بينهما أنّه ملك شخصي و الأرض المفتوحة عنوة ملك نوعيّ بل الأول أيضا نوعيّ لكنه من النوع المنحصر في الفرد في كل عصر بخلاف المفتوحة عنوة.

الرابع: من جهات البحث، يعتبر في المفتوحة عنوة أمور:

الأول: أن تكون الأرض محياة حين الفتح لأنّ الموات من الأنفال و مختص بالإمام عليه السّلام.

الثاني: أن يكون الفتح بإذن الإمام عليه السّلام و إلا فهي له عليه السّلام.

الثالث: يجب فيها الخمس من حيث الغنيمة و قد تعرّضنا لذلك كله في كتاب الخمس.

الرابع: من يقوم بعمارتها له حق مزاحمة الغير، للسيرة و الإجماع و ظواهر النصوص (1). لاحق النقل و الانتقال، للإجماع على عدم خصوص الملكية فيها لأحد.

ص: 157


1- الوسائل باب: 71 و 72 من أبواب جهاد العدوّ و كذا باب 21 من عقد البيع.

مسألة 19: أرض الصلح تدور مدار كيفية الصلح

(مسألة 19): أرض الصلح تدور مدار كيفية الصلح فإن صولحوا على أن تكون الأرض لهم تكون كسائر أملاكهم يتصرّفون فيها بكل ما أرادوا و إن صولحوا على كون الأرض للمسلمين و لهم السكنى فيها و عليهم الجزية تكون كالأرض المفتوحة عنوة محياتها و مماتها للإمام (12).

مسألة 20: لو اشترى المسلم من الحربي أرضا و استأجر دارا

(مسألة 20): لو اشترى المسلم من الحربي أرضا و استأجر دارا ثمَّ

______________________________

الخامس: التصرف في الأرض لا بد و أن يكون بإذن وليّ الأمر، لكونه وليا للمصالح العامة للمسلمين و المقام منها.

السادس: موضوعها بحسب الأصل غير منقح لأنّ من شرط تحققه إذن الإمام عليه السّلام و كونها محياة حال الفتح و مقتضى الأصل عدم تحققهما في مورد الشك. نعم، نعلم إجمالا بوجودها في بلاد الإسلام و هذا العلم الإجماليّ لا أثر له لعدم تنجزه من حيث خروج بعض أطرافه الأخر عن موعد الابتلاء.

السابع: فيها الخراج نصّا (1)، و إجماعا على ما يأتي.

الثامن: أجزائها المنفصلة عنها يجوز التصرف فيها، للسيرة المستمرة قديما و حديثا.

التاسع: تصرف حاصلها في مصالح المسلمين، لأنّه لا معنى لكون الأرض ملكا نوعيا لذلك و يأتي في كتاب البيع عند بيان اشتراط كون المبيع ملكا طلقا بعض ما يتعلق بأحكام الأرضين.

(12) للإجماع، و ما دل على وجوب الوفاء بالعقود في كل منها، و في المقام بعض الفروع هي أشدّ مناسبة لمباحث إحياء الموات تعرّضنا له هناك فراجع.

ص: 158


1- الوسائل باب: 72 من أبواب جهاد العدوّ، و كذا باب 21 من عقد البيع.

فتحت عنوة لا يبطل البيع و الإجارة (13).

مسألة 21: لا تقسم الغنيمة إلا بعد إخراج الجعائل

(مسألة 21): لا تقسم الغنيمة إلا بعد إخراج الجعائل التي يجعلها الإمام عليه السّلام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح، و بعد إخراج المؤمن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل ورعي و نحوها (14)، و بعد استثناء صفايا الغنيمة فإنّها للإمام عليه السّلام- كالجارية الورقة، و المركب الفاره و السيف القاطع، و قطائع الملوك فإنّها أيضا للإمام عليه السّلام- ثمَّ يخرج الخمس (15) و تقسّم بعد ذلك الأربعة الأخماس الباقية بين المقاتلين، و من

______________________________

(13) للأصل، و ظهور الإجماع فيهما.

(14) للإجماع على ذلك كله بلا خلاف فيه من أحد في أصل الإخراج في الجملة.

(15) لظهور النص (1)، و الفتوى في أنّ صفو المال للإمام عليه السّلام قبل إخراج الخمس و لم يظهر الخلاف فيه من أحد إلا من الفاضل في المنتهى فجعله كالرضخ في البحث في تقديمه على الخمس أو تأخيره عنه و الظاهر سقوط قوله، لمخالفته لظواهر النصوص و الفتاوى.

نعم، عن جمع منهم الشيخ، و الشهيدان تقديم الخمس على الجعائل و السلب و الرضخ، و المؤن لظواهر الإطلاقات الشاملة لوجوبه في مطلق الغنيمة بعد تحققها و صدقها عرفا.

و عن جمع منهم المحقق في الشرائع أنّها أيضا كصفو المال يقدم إخراجها ثمَّ يخمس الباقي للشك في صدق الغنيمة على هذه الأموال التي لا بد من إخراجها بحسب المتعارف من الغنيمة فإخراج مثلها أولا من الغنيمة

ص: 159


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4 (كتاب الخمس).

.....

______________________________

كالقرينة المحفوفة تمنع عن ظهور الإطلاق.

و بالجملة: الغنيمة هي الفائدة العامة المشتركة لمن حضر القتال بعد أخذ الإمام عليه السّلام ما يختص به و بعد أخذه منها ما أراد صرفه في مصالحها و بعد إخراج الخمس.

ثمَّ إنّ الرضخ: عبارة عن العطاء اليسير الذي يعطيه وليّ الأمر إلى من لا سهم له في الغنيمة، لعدم وجوب الجهاد عليه و هم النساء، و العبيد، و الكفار إن قاتلوا بإذن الإمام عليه السّلام.

أما النساء فنصّا، و إجماعا ففي خبر سماعة: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى و لم يسهم لهنّ من الفي ء شيئا و لكن نفلهنّ» (1).

أما العبيد فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع- قول عليّ عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ليس للعبد من الغنيمة شي ء و إن حضر و قاتل عليها فإن رأى الإمام عليه السّلام و من أقامه الإمام عليه السّلام أن يعطيه على بلاء إن كان منه أعطاه من خرثي المتاع ما رآه» (2).

و خبر عمر مولى أبي اللحم قال: «شهدت خيبر مع سادتي فكلموا فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أخبروه أنّي مملوك فأمر لي بشي ء من خرثي المتاع» (3).

و أما ما يظهر من خبر ابن مسلم من عدم الفرق بين العبد و غيره في الغنيمة، و كذا خبر حفص، ففي الأول قال أبو عبد اللّه «لما ولي عليّ عليه السّلام صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمَّ قال: أما إنّي و اللّه ما أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فلتصدقكم أنفسكم أ فتروني مانع نفسي و معطيكم قال فقام

ص: 160


1- الوسائل باب: 41 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 6.
2- مستدرك الوسائل باب 36 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 6.
3- سنن ابي داود باب: 141 من أبواب الجهاد حديث: 2730 و في المغني ج: 10 صفحة: 452.

حضر القتال و لو لم يقاتل حتى الطفل و لو ولد بعد الحيازة و قبل القسمة (16).

مسألة 22: و مما يستثنى أولا من الغنيمة السّلب إن شرطه الإمام عليه السّلام للقاتل

(مسألة 22): و مما يستثنى أولا من الغنيمة السّلب إن شرطه الإمام عليه السّلام للقاتل (17)، و لو لم يشترط لم يختص به بل هو من الغنيمة فيشترك فيه جميع

______________________________

إليه عقل كرم اللّه وجهه فقال: أ فتجعلني و أسود في المدينة سواء؟! فقال عليه السّلام:

اجلس ما هنا أحد يتكلم غيرك و ما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوى» (1).

و في خبر حفص قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: و سأل عن بيت المال فقال أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين اللّه أجعلهم كبني رجل واحد لا يفضل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص و قال: هذا هو فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2)» فهو ساقط من جهة قصور السند، و الإعراض، و ضعف الدلالة لإمكان أن يكون التساوي من سائر الأموال التي تجتمع في بيت المال غير الغنائم.

و أما الكافر المأمون فإنّما يستحق من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ و من الرضخ إذا خرج بإذن الإمام عليه السّلام بالإجماع و إن خرج بغير إذنه فلا شي ء له، و كذا إذا لم يكن مأمونا فلا يستحق شيئا بالأولى.

(16) إجماعا، و نصّا قال عليّ عليه السّلام في خبر مسعدة بن صدقة: «إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء اللّه عليهم» (3).

(17) السّلب- بفتح اللام-: هو ألبسه المقتول فعلا، و يدل على كونه للقاتل الإجماع، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» (4).

ص: 161


1- الوسائل باب: 39 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 8.
4- البخاري كتاب الخمس باب: 18 و في سنن ابن ماجه باب: 39 من أبواب الجهاد.

المقاتلة (18).

مسألة 23: يشترط في استحقاق السّلب أن يكون المقتول ممن يجوز قتله لا مثل الصبيّ، و المرأة، و الشيخ الفاني

(مسألة 23): يشترط في استحقاق السّلب أن يكون المقتول ممن يجوز قتله لا مثل الصبيّ، و المرأة، و الشيخ الفاني (19)- و أن ينتسب القتل إلى القاتل عرفا (20)، فلو جرحه شخص و قتله آخر كان السلب للثاني (21) إلا إذا كان الجرح وحده يكفي لقتله، و في مورد الشك يجري على السّلب حكم الغنيمة (22)

______________________________

و عنه صلّى اللّه عليه و آله يوم حنين: «من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم» (1)، مضافا إلى ظهور الإجماع، و قاعدة المؤمنون عند شروطهم، و لأنّه من الجعائل حينئذ.

(18) لعموم ما دل على قسمة الغنيمة بين المقاتل من غير ما يصلح للتخصيص حينئذ، مضافا الى ظهور الإجماع.

و دعوى: أنّ قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم خيبر: «من قتل قتيلا فله سلبه» جعل عام منه صلّى اللّه عليه و آله لكل مقاتل إلى الأبد مدفوعة: بأنّ الشك في كونه من الجعل العام الأبدي يكفي في عدم صحة التمسك به لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك مع إعراض المشهور عن هذا التعميم بل دعواهم الإجماع على الخلاف.

(19) للنهي عن قتلهم فيكون الجعل حينئذ من الجعل على المحرم فلا يستحق شيئا.

(20) لما تقدم من الإجماع، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله.

(21) لصحة انتساب القتل إلى القاتل عرفا دون الجرح.

(22) لأصالة عدم اختصاص السلب بأحد فيكون من الغنيمة حينئذ.

ص: 162


1- سنن أبي داود باب: 136 من أبواب الجهاد حديث: 2718.

و أن يكون المقتول فيه قوة المدافعة في المعركة (23).

مسألة 24: لو أقبل الكافر على رجل من المسلمين يقاتله فجاءه آخر من ورائه فقتله فسلبه لقاتله

(مسألة 24): لو أقبل الكافر على رجل من المسلمين يقاتله فجاءه آخر من ورائه فقتله فسلبه لقاتله (24)، و لو قتله اثنان فالسّلب لهما (25).

مسألة 25: لا يلحق الأسير بالقتل في السّلب

(مسألة 25): لا يلحق الأسير بالقتل في السّلب (26).

______________________________

(23) لانصراف الأدلة عمّا هو في شرف الموت، و في حال النزع.

(24) لصدق القتل عليه عرفا، و لما عن أبي قتادة قال: «خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل عليّ فضمّني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثمَّ أدركني الموت فأرسلني- إلى أن قال- ثمَّ إنّ الناس رجعوا و جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت ثمَّ قلت: من يشهد لي؟ ثمَّ جلست، ثمَّ قال صلّى اللّه عليه و آله ذلك فقمت و قلت: من يشهد لي؟ ثمَّ جلست فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مالك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم: صدق يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لا ها اللّه إذا يعمد إلى أسد من أسد اللّه يقاتل عن اللّه و عن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صدق فأعطه إياه فقال أبو قتادة: فأعطانيه» (1).

(25) لصدق القتل عرفا بالنسبة إليهما فيشملهما الدليل، و لكن الأحوط الاستيذان الجديد من وليّ الأمر، و كذا لو كانت القتلة جمعا، لاحتمال انصراف الأدلة عنه.

(26) لما تقدم، و لكن في خبر عبد اللّه بن ميمون: «أتي عليّ عليه السّلام بأسير

ص: 163


1- سنن أبي داود باب: 136 من أبواب الجهاد الحديث: 2717.

مسألة 26: المرجع في السّلب هو العرف

(مسألة 26): المرجع في السّلب هو العرف فكلما كان معه فعلا فهو داخل فيه (27) و في مورد الشك يجري حكم الغنيمة (28)

مسألة 27: كيفية قسمة الغنيمة و كميتها بالنسبة إليهم موكولة إلى نظر وليّ الأمر

(مسألة 27): كيفية قسمة الغنيمة و كميتها بالنسبة إليهم موكولة إلى نظر وليّ الأمر و الظاهر اختلافه بحسب اختلاف الظروف و الخصوصيات (29).

______________________________

يوم صفين فبايعه عليّ عليه السّلام فقال: لا أقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين فخلى سبيله و أعطى سلبه الذي جاء به» (1)، و لكنه قضية في واقعة وقعت بنظره عليه السّلام فلا يستفاد منها حكم كلي.

(27) لأن ذلك ليس من الموضوعات المستنبطة و لا الموضوعات الشرعية حتى يكون نظر الفقيه متبعا فيه، و يختلف ذلك باختلاف خصوصيات المقتول المسلوب منه، فلا يختص بشي ء دون شي ء و تحديد الفقهاء و اختلافهم فيه نزاع صغروي فالمرجع هو العرف.

(28) لما تقدم من الأصل في (مسألة 13).

(29) لأنّه مضافا إلى إحاطته بالحكم محيط حينئذ بالجهات الخارجية القابلة لتغير الحكم مع اختلافها و تغييرها بحسب الأزمنة بل الأمكنة و سائر الخصوصيات، و ما تعرّض له الفقهاء في المقام من الفروع صحيح مع الجمود على نفس تلك الموضوعات و لكنّها تبدّلت و تغيّرت تبدلا و تغيرا فاحشا بل الحرب و القتال بجميع خصوصياتهما و جهاتهما تغيّرت و في معرض التغيير أيضا و مع ذلك فأيّ شي ء نقول في حكم الموضوعات المتبدلة؟ فالأولى إيكاله إلى نظر وليّ الأمر مع شهوده للواقعة. و حيث جرت عادتهم قدّس سرّه على التعرض لبعض الفروع ذكرناها في المتن تبركا بمتابعتهم.

ص: 164


1- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 28: ذكر الفقهاء: أنّ للراجل سهما، و لمن له فرس واحد سهمان

(مسألة 28): ذكر الفقهاء: أنّ للراجل سهما، و لمن له فرس واحد سهمان (30) و الذي الفرسين فصاعدا ثلاثة أسهم (31) و لا سهم للإبل و البغال، و الحمير، و البقر، و الفيلة، و إن قامت مقام الفرس في النفع أو زادت (32)، و المرجع في الفرس ما كان فرسا ينتفع به في الحرب لا مجرّد صدق الاسم فقط و لو لم ينتفع به أصلا (33).

مسألة 29: لو كان الفرس مغصوبا لا سهم له

(مسألة 29): لو كان الفرس مغصوبا لا سهم له إلا إذا كان المغصوب منه حاضرا فالسهم حينئذ للمغصوب منه لا الغاصب (34).

مسألة 30: المدار على كونه فارسا حين حيازة الغنيمة لا حين الورود

(مسألة 30): المدار على كونه فارسا حين حيازة الغنيمة لا حين الورود

______________________________

(30) إجماعا، و لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر حفص بن غياث «للفارس سهمان و للراجل سهم» (1)، و عن مجمع الأنصاري: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قسّم خيبر على أهل الحديبية فأعطى الفارس سهمين و أعطى الراجل سهما» (2).

(31) للإجماع، و لقول عليّ عليه السّلام في خبر أحمد بن نضر: «إذا كان مع الرجل أفراس في غزو لم يسهم له إلا الفرسين منها» (3)، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«كان يسهم للخيل، و كان لا يسهم للرجل فوق فرسين و إن كان معه عشرة أفراس» (4).

(32) للإجماع، كما عن الفاضل في المنتهى.

(33) لأنّ ذلك هو المنساق من الفرس المسهوم له في المقام.

(34) لظواهر الأدلة الدالة على ملكية الفرس، مضافا إلى الإجماع.

ص: 165


1- الوسائل باب: 38 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- سنن أبي داود ج: 3 باب: 144 من أبواب الجهاد حديث: 2736.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
4- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة 447 ط بيروت.

في المعركة (35).

مسألة 31: لو استناب أحد شخصا للجهاد يكون السهم للنائب دون المنوب عنه

(مسألة 31): لو استناب أحد شخصا للجهاد يكون السهم للنائب دون المنوب عنه (36).

مسألة 32: الجيش يشارك السرية في غنيمتها إذا أصدرت عنه، و بالعكس

(مسألة 32): الجيش يشارك السرية في غنيمتها إذا أصدرت عنه، و بالعكس، و كذا لو خرج معه سريتان إلى جهة واحدة فغنمتا اشترك الجيش و السريتان (37).

مسألة 33: لو خرج جيش إلى جهتين فغنما لم يشرك أحدهما الآخر في غنيمته

(مسألة 33): لو خرج جيش إلى جهتين فغنما لم يشرك أحدهما الآخر في غنيمته (38).

مسألة 34: الأولى قسمة الغنائم في دار الحرب و يكره تأخيرها عنها إلا لعذر

(مسألة 34): الأولى قسمة الغنائم في دار الحرب و يكره تأخيرها عنها إلا لعذر (39).

______________________________

(35) إجماعا، و لأنّه المنساق من الأدلة، و يشهد له خبر الدعائم عن عليّ عليه السّلام أيضا: «من مات في دار الحرب من المسلمين قبل أن تحرز الغنيمة فلا سهم له فيها و إن مات بعد أن أحرزت فسهمه ميراث لورثته و لا قوة إلّا باللّه» (1).

(36) لأنّه المقاتل، و كذا لو كان الفرس للغير و أخذه المقاتل بالاستعارة أو الإجارة يكون السهمان للمقاتل معه لا لصاحب الفرس.

(37) كل ذلك لإجماع الإمامية.

(38) للإجماع، و لأنّهما موضوعان مختلفان لا ربط لأحدهما بالآخر.

نعم، لو كان من الموضوع الواحد بحسب نظر أهل خبرة الحرب يشتركان حينئذ.

(39) للإجماع، و التأسي، و ما نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله من تأخير قسمة غنائم حنين،

ص: 166


1- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 7.

مسألة 35: المقاتلون يملكون الغنيمة بالاستيلاء عليها

(مسألة 35): المقاتلون يملكون الغنيمة بالاستيلاء عليها (40) و إن لم يجز لهم التصرف فيها إلا بعد القسمة (41)، فلو مات أحدهم قبل القسمة يكون سهمه لوارثه كما في جميع الأموال المشتركة قبل القسمة، و أما الجعائل، و الرضخ فإن كانت في مقابل عمل بحيث يكون من قبيل الأجرة للعمل يكون كذلك أيضا (42)، فيجب على وليّ الأمر اعطاءها إلى ورثته لو مات قبل الأخذ (43) و إن لم يكن كذلك فلا تملك إلا بالأخذ فإن مات قبله فلا شي ء لورثته كما لو مات الفقير قبل أخذ الزكاة (44).

مسألة 36: لا بد لوليّ الأمر التحفظ على ذرية المقاتلين و عيالاتهم

(مسألة 36): لا بد لوليّ الأمر التحفظ على ذرية المقاتلين و عيالاتهم بعد استشهادهم بكل ماله دخل في حفظهم و حفظ شئونهم، كما أنّه لو مرض أحد

______________________________

و الطائف بعد خروجه صلّى اللّه عليه و آله إلى الجعرانة قضية في واقعة (1)، لعله كان لعذر لا نعلمه.

(40) لظهور الإجماع، و المنساق من الأدلة الدالة على أنّ الغنيمة للمقاتلين.

(41) لأنّه من المال المشترك الذي ليس لكل واحد من الشركاء التصرف فيه إلا بإذن الباقين.

(42) لفرض أنّهم يملكونها بمجرد الجعل في مقابل عملهم كما سيأتي في كتاب الإجارة.

(43) لفرض أنّ الموروث صار مالكا فيدخل في عموم «ما تركه الميت فهو لوارثه».

(44) لأنّها حينئذ مثل التبرعيات و الصدقات التي لا تملك إلا بالقبض.

و يمكن الجمع بين الكلمات بحملها على التفصيل المذكور في المتن.

ص: 167


1- راجع المغازي صفحة: 854- 943.

من المقاتلين لا بد له من الإنفاق لما يحتاج إليه في علاجه (45).

مسألة 37: الحربيّ يملك ماله و لا يملك مال المسلم بالاستغنام

(مسألة 37): الحربيّ يملك ماله و لا يملك مال المسلم بالاستغنام (46) فلو غنم الحربي أموال المسلمين و ذراريهم، فالأموال ملك لصاحبها و المسلمون لا سبيل لأحد عليهم (47).

مسألة 38: لو لم يجد المسلم ماله و ثبت أنّ المشركين أخذوه و غنمه

(مسألة 38): لو لم يجد المسلم ماله و ثبت أنّ المشركين أخذوه و غنمه

______________________________

(45) لأنّ ذلك كله من أهمّ المصارف للأموال التي تكون تحت استيلائه من بيت المال.

(46) بضرورة من المذهب بل الدّين فيهما.

(47) إجماعا، و نصّا قال هشام بن سالم: «سأل الصادق عليه السّلام رجل عن الترك يغزون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أ يرد عليهم؟

قال: نعم، و المسلم أخو المسلم و المسلم أحق بماله أينما وجده» (1).

و في مرسلة (2)، عنه عليه السّلام أيضا: «في السبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه، ثمَّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم و سبوهم و أخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين و أولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين كيف يصنع بما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين و مماليكهم؟ قال عليه السّلام: أما أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، و لكن يردون إلى أبيهم و أخيهم و إلى وليّهم بشهود، و أما المماليك فإنّهم يباعون و تعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين» و غيرهما من الأخبار و لا فرق فيه بين ما قبل القسمة و بعدها، لإطلاق ما تقدم من الخبر و لكن يرجع الغنائم بعد القسمة بقيمتها إلى الإمام جمعا بين الحقين.

ص: 168


1- الوسائل باب: 35 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

المسلمون و تلف عندهم يغرمه وليّ الأمر من بيت المال (48).

مسألة 39: لو أخذ المشركون شيئا من المسلمين سرقة أو هبة، أو شراء

(مسألة 39): لو أخذ المشركون شيئا من المسلمين سرقة أو هبة، أو شراء ثمَّ غلب المسلمون عليهم يكون المال لصاحبه المسلم و لا يدخل في الغنيمة (49).

مسألة 40: لو علم أمير الجيش بمال المسلم و أدخله في الغنيمة و قسمها وجب عليه رده إلى صاحبه

(مسألة 40): لو علم أمير الجيش بمال المسلم و أدخله في الغنيمة و قسمها وجب عليه رده إلى صاحبه و تبطل القسمة له (50).

مسألة 41: لو أسلم الحربيّ الذي في يده مال المسلم وجب عليه رده إلى صاحبه

(مسألة 41): لو أسلم الحربيّ الذي في يده مال المسلم وجب عليه رده إلى صاحبه (51).

مسألة 42: لو دخل مسلم دار الحرب فسرق مال المسلم الذي أخذه الحربي

(مسألة 42): لو دخل مسلم دار الحرب فسرق مال المسلم الذي أخذه الحربي، أو نهبه، أو اشتراه ثمَّ أدخله دار الإسلام يكون صاحبه أحقّ به (52).

مسألة 43: لو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة الإسلام فهو غنيمة

(مسألة 43): لو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة الإسلام فهو غنيمة (53).

______________________________

(48) لأنّه من المصالح و المقام منها.

(49) لإطلاق قوله عليه السّلام فيما تقدم من خبر هشام: «المسلم أحق بماله أين ما وجده» و نفى عنه الإشكال في الجواهر.

أقول: و هو مشكل في الأخيرين لاحتمال انصراف قوله عليه السّلام: «المسلم أحق بماله أين ما وجده» عنهما.

(50) لاستصحاب بقاء الملكية، و قاعدة أنّ الناس مسلطون على أموالهم فيكشف ذلك عن بطلان القسمة التي وردت على مال الغير.

(51) لقاعدة السلطنة، و عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

(52) لإطلاق قوله عليه السّلام: «المسلم أحق بماله أين ما وجده»، و مقتضاه صحة أخذ المسلم كل ما كان تحت استيلائه سواء كان ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع.

(53) لظاهر اليد ما لم تكن أمارة أقوى منه.

ص: 169

فصل في أحكام أهل الذمة

اشارة

فصل في أحكام أهل الذمة

مسألة 1: لا يقبل من الكفار من غير أهل الكتاب إلا الإسلام

(مسألة 1): لا يقبل من الكفار من غير أهل الكتاب إلا الإسلام (1). و أما أهل الكتاب و هم اليهود و النصارى، و المجوس فيصح إقرارهم على دينهم إذا

______________________________

فصل في أحكام أهل الذمة

(1) كتابا، و سنة، و إجماعا:

فمن الكتاب العزيز جملة كثيرة من الآيات:

منها: قوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1).

و منها: قوله تعالى فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ (2).

و من السنة نصوص مستفيضة بين الفريقين:

منها: ما استفاض عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا اللّه فاذا قالوها عصموا منّي دماءهم» (3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «اقتلوا المشركين و استحيوا شيوخهم و صبيانهم» (4).

و عن الصادق عليه السّلام في خبر الواسطي: «كتب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى أهل مكة:

أسلموا و إلا نابذتكم بحرب فكتبوا إليه أن خذ منا الجزية و دعنا على عبادة

ص: 170


1- سورة التوبة: 5.
2- سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله: 4.
3- سنن أبي داود باب: 95 من أبواب الجهاد حديث: 2640.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

.....

______________________________

الأوثان فكتب صلّى اللّه عليه و آله إنّي لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فكتبوا إليه- يريدون بذلك تكذيبه- زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثمَّ أخذت الجزية من مجوس هجر فكتب إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه و كتاب أحرقوه» (1).

و في خبر الأصبغ بن نباتة: «إنّ عليّا عليه السّلام قال على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ الجزية من المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يرسل إليهم نبيّ؟! فقال عليه السّلام: بلى يا أشعث قد انزل اللّه عليهم كتابا و بعث إليهم نبيّا» (2).

و اختصاص أخذ الجزية بأهل الكتاب كان من المسلّمات عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام و الأصحاب و الرواة بحيث كانوا يسألون أنّ المجوس من أهل الكتاب حتى تؤخذ الجزية منهم أولا حتى يقتل و لا يؤخذ الجزية منهم كما تقدم في خبر الواسطي المعمول به عند الإمامية و يكفي الاستدلال به و إن كان في سنده إرسال و لكنّه لا يضرّ بعد الاتفاق على العمل به.

و في صحيح ابن مسلم الوارد في بيان حكمة أخذ الجزية قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام قول اللّه عزّ و جل قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فقال لم يجي ء تأويل هذه الآية بعد، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خص لهم لحاجته و حاجة أصحابه فلو جاء تأويلها لم يقبل منهم، و لكن يقتلون حتى يوحد اللّه، و حتى لا يكون شريك» (3). و ظهوره في الانحصار مما لا ينكر.

و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجزية فقال عليه السّلام: إنّما حرّم اللّه الجزية من مشركي العرب» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما ما ظاهره صحة أخذ الجزية من المشركين كقول عليّ عليه السّلام في خبر البختري: «القتال قتالان: قتال أهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤتوا

ص: 171


1- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 7.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1 و 7.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 4.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2 و 4.

التزموا بشرائط الذمة (2) و ليس غيرهم من أهل الكتاب و إن نسبوا أنفسهم إلى نبيّ له الكتاب كإبراهيم و إدريس، و داود (3).

______________________________

الجزية- الحديث-» (1)، فقاصر سندا و معرض عند الأصحاب مع إمكان حمله على أهل الكتاب أيضا.

(2) بالأدلة الثلاثة قال تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ، وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (2).

و من السنة ما روته العامة و الخاصة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: كان يوصي أمراء السرايا بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال فإن أبوا فإلى الجزية فإن أبوا قوتلوا (3).

و من الإجماع إجماع المسلمين.

و لا ريب عند جميع المليين أنّ اليهود و النصارى من أهل الكتاب و أما المجوس فهم أيضا من أهل الكتاب عند الإمامية و لم يظهر الخلاف إلا عن العماني منهم فألحقهم بعباد الأوثان و غيرهم ممن لا يقبل منهم إلا الإسلام، و لكنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به، و تظافرت النصوص بخلافه، و تقدم خبر الواسطي و الأصبغ أيضا. و يمكن حمل كلام العماني على بعض فرقهم الذي ارتد عن دينه الأوليّ و عبد النار أو الوثن و اعتقد باليزدان و الأهريمن.

(3) بلا خلاف فيه من أحد. ثمَّ إنّ أهل الكتاب على أقسام:

الأول: من يكون منهم معتقدا بدينه عن جدّ بحيث لا يحتمل الخلاف في

ص: 172


1- الوسائل باب: 5 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
2- سورة التوبة: 29.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و راجع المغني ج: 10 صفحة 567 و السنن الكبرى للبيهقي ج: 9 صفحة 184.

مسألة 2: كل من شك في أنّه من أهل الكتاب لا يلحق بهم

(مسألة 2): كل من شك في أنّه من أهل الكتاب لا يلحق بهم (4). و أما الصابئة فقد اختلفت الكلمات في أنّهم من أهل الكتاب أو لا (5)، و يمكن الجمع بينها بأنّهم فرقتان فرقة منهم من النصارى و فرقة منهم ليسوا منهم (6).

______________________________

مذهبه و اعتقاده.

الثاني: من يكون باقيا على دينه مع إحراز بطلانه تعصبا لمذهب آبائه و أجداده.

الثالث: من تهود أو تنصر من المسلمين و المنساق من الأدلة الدالة على ثبوت أحكام أهل الذمة لأهل الكتاب خصوص الأول و إثباتها للأخيرين مشكل بل ممنوع و مقتضى الأصل عدمه.

(4) للأصل بل يشملهم عموما ما دل على قتل المشركين بعد كونهم مشركين وجدانا فلا يكون من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية.

(5) و لم يأت كل من النافين و لا المثبتين بدليل على مدعاه يصح الاعتماد عليه، و في تفسير القمي أنّهم ليسوا من أهل الكتاب و هم يعبدون الكواكب و النجوم (1)، و يشهد له ما في أعلام المنجد قال: «أتباع نحلة تؤلّه الكواكب كان مقرّهم في حران ما بين النهرين خرج منهم علماء و فلاسفة و منجمون و زعموا أنّهم المعنيون باسم الصابئة الوارد في القرآن».

(6) و يشهد لذلك ما في الموسوعة الميسرة قال- صابئة- «تطلق على فرقتين:

1- جماعة المندائيين أتباع يوحنا المعمدان.

2- صابئة حران الذين عاشوا زمنا في كنف الإسلام و لهم عقائدهم

ص: 173


1- تفسير القمي ج: 1 صفحة: 48 طبع النجف.

مسألة 3: أهل الكتاب إذا التزموا بشرائط الذمة أقرّوا على دينهم

(مسألة 3): أهل الكتاب إذا التزموا بشرائط الذمة أقرّوا على دينهم بلا فرق بين أصنافهم من العرب و العجم و غيرهم (7).

مسألة 4: لو ادعى أهل الحرب أنّه من أهل الكتاب و أعطى الجزية أقرّ

(مسألة 4): لو ادعى أهل الحرب أنّه من أهل الكتاب و أعطى الجزية أقرّ

______________________________

و علمائهم ورد ذكرهم في القرآن بجانب اليهود و النصارى مما يؤذن بأنّهم من أهل الكتاب و من هذا ما يصدق على المندائيين، و إن تستر وراءه صابئة حران الوثنيون» (1).

و قد وضع الفاضل السيد عبد الرزاق الحسني كتابا مفصّلا في شؤونهم و حالاتهم مشتملا على صور طقوسهم فليرجع إليه، و راجع كتابنا مواهب الرحمن أيضا.

(7) للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و ما ورد من أخذ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الجزية من نصارى نجران- ألفي حلة- مع كونهم عربا (2).

و أما ما نسب إلى عليّ عليه السّلام: «لا تقبل من عربيّ جزية و إن لم يسلموا قوتلوا» (3)، فموهون بالإرسال، و مخالفة الإجماع.

كما لا فرق بين قبائل أهل الكتاب. و أما ما عن عليّ عليه السّلام: «لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة و لأسبين الذرية فإنّي أنا كتبت الكتاب بين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بينهم على أن لا ينصّروا أبناءهم فليست لهم ذمة، و لأنّهم قد صبغوا أولادهم و نصّروهم» (4)، فقضية في واقعة لا يستفاد منه حكم كليّ، مع أنّه لا موضوع لهذه القبائل أصلا فلا وجه لصرف الوقت.

ص: 174


1- راجع الموسوعة العربية صفحة 1112.
2- راجع سنن أبي داود باب: 29 من أبواب الخروج و الأمارة و ألفي حديث: 3041.
3- مستدرك الوسائل باب: 42 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
4- راجع المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة: 591 و مع اختلاف يسير، و في كنز العمال حديث: 6624 بإسقاط الذيل.

عليه و لم يكلف البينة (8)، نعم، لو ثبت الخلاف انتقض العهد (9).

مسألة 5: تؤخذ الجزية من كل كتابيّ- غنيّا كان أو فقيرا، راهبا كان أو غيره- إلا من الصبيان، و النساء و المجانين

(مسألة 5): تؤخذ الجزية من كل كتابيّ- غنيّا كان أو فقيرا، راهبا كان أو غيره- إلا من الصبيان، و النساء و المجانين (10)

______________________________

(8) لأنّ الدّين أمر قلبيّ لا يعلم إلا من قبله، مع أنّه من المتعذر إقامة البينة العادلة على ذلك، مضافا إلى ظهور الإجماع، و أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمراء السرايا بقبول الجزية ممن يبذلها (1).

(9) للإجماع، و يجري عليه حكم الحربي حينئذ. و لا فرق في ثبوت الخلاف بين أن يكون بالإقرار، أو بالقرائن المعتبرة أو بشهادة عدلين لاعتبار كل ذلك في الاحتجاجات و المخاصمات و المحاورات.

(10) تعميم أخذ الجزية من الجميع، للعموم و الإطلاق الشامل للجميع من غير ما يصلح للتخصيص و التقييد.

و أما الاستثناء فللإجماع، و النص قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر حفص المعمول به قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النساء كيف سقطت الجزية عنهنّ و رفعت عنهنّ؟ قال عليه السّلام: لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن، فإن قاتلن أيضا فأمسك عنها ما أمكنك، و لم تخف خللا فلما نهى عن قتلهنّ في دار الحرب كان ذلك في دار الإسلام أولى، و لو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها و لو امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين و حلّت دماؤهم و قتلهم لأنّ قتل الرجال مباح في دار الشرك، و كذلك المقعد من أهل الذمة و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية (2).

ص: 175


1- الوسائل باب: 15 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3 و تقدم في صفحة: 50.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

فلو أفاق وجبت عليه (11) و لو شرطوا الجزية على الصبيان و النساء بطل الشرط (12) و سقوطها عن الشيخ الفاني و المقعد و المعتوه يدور مدار نظر

______________________________

و قال عليه السّلام أيضا في خبر طلحة: «جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه، و لا من المغلوب عليه عقله» (1)، مضافا الى حديث رفع القلم بالنسبة إلى الصبيّ و المجنون (2).

ثمَّ إنّ الفقير لو تمكن من أداء الجزية عرفا تؤخذ منه حالا و مع وجود أثر للتشديد عليه يشدد، لأنّ الجزية مبنية على التشديد و التحقير و مع عدم الأثر ينتظر حتى يتمكن، و يمكن حمل ما ورد عن عليّ عليه السّلام على ما قلناه حيث:

إنّه عليه السّلام استعمل رجلا على عكبرى فقال له على رؤوس الناس: «لا تدعن لهم درهما من الخراج و شدد عليه القول ثمَّ قال له: القني عند النهار، فأتاه فقال: إنّي كنت قد أمرتك بأمر و إني أتقدم إليك الآن فإن عصيتني نزعتك لا تبيعنّ لهم في خراجهم حمارا و لا بقرا و لا كسوة شتاء و لا صيف ارفق بهم و افعل بهم» (3).

(11) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة قهرا. و لو أفاق وقتا دون وقت، نسب إلى الشيخ قدّس سره أنّه يعمل على الأغلب و ليس له دليل يصح الاعتماد عليه في الحكم المخالف للأصل، و قصور الإطلاقات عن الشمول.

(12) لأنّه من الشرط المحلل للحرام فيكون باطلا بلا كلام، و في بطلان أصل العقد بحث فصّلنا القول في باب الشروط من كتاب البيع كما يأتي.

ص: 176


1- الوسائل باب: 18 من أبواب جهاد العدو حديث: 3.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11 و 12.
3- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة 930 و في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام صفحة: 44 حديث: 116.

الحاكم الشاهد للقضية و المشاهد لها (13).

مسألة 6: إذا بلغ الصبيّ يؤمر بالإسلام أو بذل الجزية

(مسألة 6): إذا بلغ الصبيّ يؤمر بالإسلام أو بذل الجزية فإن امتنع فهو حربي و كذا المجنون لو أفاق (14) و لا بد للصبيان بعد البلوغ العقد معهم مستقلا (15) و لا يكفي العقد الذي وقع مع آبائهم عنهم (16) فلو عقدوا يكون لهم حول مستقل (17).

مسألة 7: لا تقدير للجزية بل هو موكول إلى نظر وليّ الأمر

(مسألة 7): لا تقدير للجزية بل هو موكول إلى نظر وليّ الأمر (18) و الإمام مخيّر بين وضعها على الرؤوس أو الأرض أو هما معا أو على

______________________________

(13) فقد يقتضي نظره السقوط من حيث عدم الأثر لوجودهم أصلا و قد يقتضي العدم لمصالح في البين يراها و يشاهدها.

(14) لوجود المقتضي و فقد المانع فتشملهم إطلاقات الأدلة و أما المجنون الأدواري ففرض الجزية عليه موكول إلى نظر وليّ الأمر، مضافا الى ظهور الاتفاق عليه.

(15) لانقطاع التبعية و تحقق الاستقلالية بعد البلوغ.

(16) لأنّ الكفاية كانت ما دامية أي التبعية و بزوالها تزول قهرا.

(17) في مقابل حول آبائهم إذ لا معنى لانقطاع التبعية و تحقق الاستقلالية إلا ذلك بعد عدم دليل على الخلاف.

(18) إجماعا من الإمامية، و في السرائر نسبته إلى أهل البيت، و تقتضيه إطلاقات الأدلة من دون ما يصلح للتقييد، و في صحيح زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ الجزية على أهل الكتاب؟ و هل عليهم في ذلك شي ء موظف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال عليه السّلام ذلك إلى الإمام عليه السّلام يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ما يطيق، إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتى يسلموا

ص: 177

.....

______________________________

فإنّ اللّه عزّ و جل قال حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (1).

و لا بد و أن يكون كذلك، لاختلاف ذلك بحسب الأشخاص و الأزمان و الحالات و سائر الجهات.

و خبر مصعب (2)، محمول على ما اقتضته المصلحة في تلك الأزمنة لا التحديد الشرعي قال: «استعملني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام على أربعة رساتيق المدائن- إلى أن قال- و أمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما و نصفا، و على كل جريب وسط درهما، و على كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، و على كل جريب كرم عشرة دراهم، و على كل جريب نخل عشرة دراهم، و على كل جريب البستان التي تجمع النخل و الشجر عشرة دراهم، و أمرني أن القي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق و ابن السبيل و لا آخذ منه شيئا، و أمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين و يتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية و أربعين درهما و على أوساطهم و التجار منهم على كل رجل منهم أربعة و عشرين درهما، و على سفلتهم و فقرائهم إثنا عشر درهما على كل إنسان منهم قال: فجبيتها ثمانية عشرة ألف ألف درهم في سنة».

و أما قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «خذ من كل حالم دينارا» (3)، فهو قضية في واقعة لا تستفاد منها الكلية.

كما أنّ كيفية الأخذ و تحقيرهم أيضا موكولة إلى مراعاة خصوصيات الأشخاص و الزمان و المكان و لا كلية فيها بوجه، لاختلاف النفوس في ذلك اختلافا كثيرا.

ص: 178


1- الوسائل باب: 68 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 5.
3- سنن أبي داود باب 29 من أبواب الخراج و الأمارة حديث: 3038 و الحالم أي: المحتلم.

المواشي أو على الأشجار أو هما معا و على كل مال لأهل الكتاب (19).

مسألة 8: لو بلغ الأطفال سفهاء يكون العقد موقوفا على إذن الوليّ

(مسألة 8): لو بلغ الأطفال سفهاء يكون العقد موقوفا على إذن الوليّ (20).

______________________________

(19) لإطلاق الأدلة، و لأنّ جعلها منوط بمراعاة المصلحة و هي منوطة بنظر الإمام كمّا، و كيفا، و موردا.

و أما صحيح ابن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخمس من أرض الجزية و يأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم أما عليهم في ذلك شي ء موظف؟ قال عليه السّلام: كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم و ليس للإمام عليه السّلام أكثر من الجزية إن شاء وضع الإمام عليه السّلام على رؤوسهم و ليس على أموالهم شي ء و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رؤوسهم شي ء فقلت: هذا الخمس؟ فقال: إنّما كان هذا شي ء صالحهم عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (1)».

و خبره الآخر قال: «سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنونه به دمائهم و أموالهم؟ قال عليه السّلام الخراج و إن أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم و إن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم» (2).

فالمنساق منهما عدم صحة جعل جزيتين مستقلتين عليهم لا تقسيط الجزية الواحدة على الرؤوس و الأراضي.

(20) لتحقق الحجر بالسفه في العقود المالية و المفروض تحقق الموضوع فيشمله الحكم لا محالة.

ص: 179


1- الوسائل باب: 68 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
2- الوسائل باب: 68 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 9: إذا اختار الطفل بعد البلوغ الحرب و امتنع عن الإسلام

(مسألة 9): إذا اختار الطفل بعد البلوغ الحرب و امتنع عن الإسلام و الجزية ردّ إلى مأمنه (21).

مسألة 10: لا بد من وقوع عقد الذمة بين وليّ الأمر و أهل الكتاب

(مسألة 10): لا بد من وقوع عقد الذمة بين وليّ الأمر و أهل الكتاب، و يكفي فيه كل ما يدل عليه (22) و جعل الجزية شي ء و عقد الذمة شي ء آخر (23)، و يصح أن يشترط وليّ الأمر كل شرط رأى فيه المصلحة (24).

مسألة 11: لو حاصر المسلمون حصنا من أهل الكتاب

(مسألة 11): لو حاصر المسلمون حصنا من أهل الكتاب، فقتلوا رجالهم قبل جعل الجزية فسألت النساء إقرارهنّ ببذل الجزية فالمرجع في قبول ذلك و عدمه نظر وليّ الأمر (25).

مسألة 12: عقد الذمة لازم، لا يصح نقضه

(مسألة 12): عقد الذمة لازم، لا يصح نقضه (26).

مسألة 13: تتكرّر الجزية في كل عام- كالزكاة

(مسألة 13): تتكرّر الجزية في كل عام- كالزكاة (27) و إذا أسلم الذميّ

______________________________

(21) لأنّه كان في أمان أبيه و مقتضى الأصل بقاؤه، و لا يصح الاغتيال لفرض أنّه في الأمان تبعا مع أنّ الاغتيال لا يناسب الشرع الأقدس.

(22) أما اعتبار العقد، فلأنّ التعاهد بينهما لا يحصل إلا بذلك.

و أما كفاية كلما يدل عليه، فللإطلاق و عدم دليل على التقييد و حصول المقصود بكل لفظ ظاهر فيه عرفا.

(23) لظواهر الأدلة و يقتضيه العرف و المحاورة أيضا.

(24) لعموم الأدلة، و اشتمال عقد الذمة على الشرط غالبا فيصح لهما اشتراط كل ما شاء و أراد ما لم يخالف الشرع.

(25) لأنّه الخبير بالجهات و الخصوصيات فقد يراه جائزا و قد يمنع عنه.

(26) لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل، و يأتي تفصيل نقض الشروط في المسائل الآتية.

(27) لظواهر النصوص- و الفتاوى- الدالة على ذلك قال الصادق عليه السّلام في

ص: 180

سقطت الجزية عنه (28)، و لو مات ذميّا تخرج من تركته (29).

مسألة 14: يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات- كالخمر، و الخنزير و الرباء و غيرها

(مسألة 14): يجوز أخذ الجزية من أثمان المحرّمات- كالخمر، و الخنزير و الرباء و غيرها (30)- و لا يجوز أخذ أعيان المحرّمات في

______________________________

خبر ابن أبي يعفور: «إنّ أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية و إنّما الجزية عطاء المهاجرين و الصدقة لأهلها الذين سمّى اللّه في كتابه فليس لهم من الجزية ثمَّ قال: ما أوسع العدل إنّ الناس يستغنون إذا عدل بينهم و تنزل السماء رزقها و تخرج الأرض بركتها بإذن اللّه» (1).

(28) لتقوّمها بالكفر فإذا انتفى فلا موضوع لها، مضافا إلى الإجماع، و حديث: الإسلام يجبّ ما قبله» (2)، و أنّه لا جزية على المسلم (3)، و إطلاق قوله تعالى إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ (4)، و لا فرق فيه بين أن يكون إسلامه لأجل سقوط الجزية عنه، أو كان خالصا للّه تعالى، لإطلاق الأدلة الشامل لهما.

(29) لأنّها دين و لا يسقط الدّين مع الموت مع بقاء موضوعه و هو الكفر.

(30) إجماعا، و نصّا ففي صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم عن ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتهم قال عليه السّلام: عليهم الجزية في أموالهم يؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو خمر، فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم» (5).

ص: 181


1- الوسائل باب: 69 من أبواب جهاد العدوّ الحديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2، و في كنز العمال حديث: 243، و في مسند ابن حنبل ج: 4 صفحة 199، و في المغازي صفحة: 857- 859 و أوفينا في ج: 7 صفحة 289 بمصادر اخرى.
3- سنن أبي داود باب: 33 من أبواب الخراج حديث: 3053.
4- سورة الأنفال الآية: 28.
5- الوسائل باب: 70 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

الجزية (31).

مسألة 15: تصرف الجزية بحسب نظر الإمام عليه السّلام في مصالح المسلمين، مع تقديم الأهمّ فالأهم

(مسألة 15): تصرف الجزية بحسب نظر الإمام عليه السّلام في مصالح المسلمين، مع تقديم الأهمّ فالأهم (32).

مسألة 16: إذا وقع عقد الجزية من الجائر يصح لنائب الغيبة تقريره مع ثبوت جميع الشرائط الشرعية

(مسألة 16): إذا وقع عقد الجزية من الجائر يصح لنائب الغيبة تقريره مع ثبوت جميع الشرائط الشرعية (33) بل قد يجب ذلك عليه (34).

مسألة 17: لا تتداخل الجزية

(مسألة 17): لا تتداخل الجزية فإذا اجتمعت جزية سنين استوفي

______________________________

و قريب منه غيره (1)، و يمكن أن يستفاد منه الكلية في جميع ما يؤخذ منهم في ثمن المبيع و عوض المتلفات و الهبات و نحو ذلك و منه يستفاد حكم الربا مع أنّه ذكر في خبر الدعائم بالخصوص فعن الصادق عليه السّلام أنّه: «رخص في أخذ الجزية من أهل الذمة من ثمن الخمر و الخنازير، لأنّ أموالهم كذلك أكثرها من الحرام و الربا» (2).

(31) لعموم ما دل على عدم جواز النقل و الانتقال فيها، و اختصاص دليل الجواز بالأثمان دون الأعيان.

(32) لأنّ الأصل في مثل هذه الأموال ذلك إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف، و ما تقدم من قول الصادق عليه السّلام: «إنّما الجزية للمهاجرين» من باب بيان إحدى المصاديق مع عدم وجود الأهمّ و كذا ما يظهر منهم من أنّها للمجاهدين.

(33) لأنّ ذلك من أهمّ الأمور الحسبية النظامية بين المسلمين و له الولاية عليها بالاتفاق.

(34) إن كانت فيه مصلحة ملزمة.

ص: 182


1- الوسائل باب: 70 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل: باب 69 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

الجميع بلا نقص (35).

مسألة 18: لا توضع الجزية عن أحد و لا شفاعة فيها

(مسألة 18): لا توضع الجزية عن أحد و لا شفاعة فيها (36).

مسألة 19: المال الذي تجعل عليه الجزية موكول إلى نظر الإمام

(مسألة 19): المال الذي تجعل عليه الجزية موكول إلى نظر الإمام، و اقتضاء المصالح من حيث التعميم و التخصيص (37).

مسألة 20: يعتبر في عقد الذمة أمور

(مسألة 20): يعتبر في عقد الذمة أمور:

الأول: قبول الجزية (38).

الثاني: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان- مثل العزم على حرب المسلمين، و إمداد المشركين، و يخرجون عن الذمة بمخالفتهما (39).

______________________________

(35) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(36) للأصل، و الاتفاق، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من وضع عن ذمي جزية أو شفع له في وضعها عنه فقد خان اللّه و رسوله و جميع المؤمنين» (1). نعم، نظر الإمام عليه السّلام متبع في الوضع و غيره مع ما يراه من المصلحة لمكان ولايته على مثل ذلك.

(37) لأنّ ذلك مقتضى ولايته على ذلك، و لزوم كون هذه الأمور صادرة عن نظره مع مراعاته للمصالح النوعية و الشخصية.

(38) نصّا و إجماعا قال الصادق عليه السّلام في خبر حفص: «و لو منع الرجال فأبوا أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد و حلت دماؤهم و قتلهم» (2)، و أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأمراء السرايا بطلب الجزية منهم و إلا فجاهدوهم (3).

(39) يدل عليه- مضافا إلى الإجماع- أنّ العهد إنّما هو عهد الأمن

ص: 183


1- مستدرك الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.
2- الوسائل باب: 81 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
3- تقدم في صفحة: 50.

الثالث: أن لا يؤذوا المسلمين، و لا يهتكوا حرمهم بأيّ نحو من الأذية و الهتك (40).

الرابع: أن لا يتظاهروا بمحرّمات الإسلام (41) و لو تظاهروا بها نقض العهد (42).

______________________________

و الأمان و عقده، و مع التخلف يزول العهد و العقد قهرا فيكون المتخلف حربيا لا محاله و يحل دمه و قتله حينئذ.

فالمختلف عن الشرطين أو أحدهما يوجب بطلان الذمام سواء اشتراط ذلك في العقد أم لا.

أما الأول: فلأنّ للوفاء بمثل هذا الشرط من مقوّمات العقد فمع عدمه لا عقد.

و أما الثاني: فلبطلان أصل العقد بعدم ذكر مقوّماته.

(40) إجماعا، و اعتبارا بل هذا يرجع في الحقيقة إلى الثاني.

(41) لظهور الاتفاق على هذا الشرط، فلا يجوز لهم التظاهر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و الزنا، و نكاح المحرمات و غيرها و إن كانت جائزة عندهم بمقتضى مذهبهم، و سيأتي في (مسألة 47) ما يرتبط بالمقام.

(42) سواء اشترط ذلك في المتن عقد الذمة أم لم يشترط للإجماع و لصحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل الجزية من أهل الجزية على أن لا يأكلوا الربا و لا يأكلوا لحم الخنزير و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ فمن فعل ذلك منهم برئت ذمة اللّه تعالى و رسوله منه و قال أيضا ليست لهم اليوم ذمة» (1)، و تقدم ما يدل على ذلك.

ص: 184


1- الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.

الخامس: أن لا يحدثوا كنيسة و لا يضربوا ناقوسا (43).

السادس: أن يقبلوا ما يحكم به وليّ المسلمين عليهم (44).

______________________________

(43) لمنافاة ذلك لتسليمهم لقوانين الإسلام.

(44) لأنّه لا معنى للذمة إلا ذلك مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم من الروايات. ثمَّ إنّ اعتبار هذه الأمور من المسلّمات بين الإمامية بل بين المسلمين و يحتمل فيها وجوه:

الأول كونها من المقوّمات أيضا كالشرطين الأولين فيكون التخلف منها أيضا موجبا لإباحة الدم و القتل.

الثاني: أن يكون من أحكام الذمة لا من أحكام عقد الذمة حتى يكون المدار على الاشتراط و عدمه للنقض و لوليّ الأمر إلزامهم بالوفاء.

الثالث: أن يكون من أحكام عقد الذمة، فيكون المدار على الاشتراط و عدمه فيكون التخلف موجبا أيضا كالوجه الأوّل.

و قد اضطربت كلماتهم في ذلك فمن قائل بالنقض مطلقا و لو لم يشترط، و من القائل بالاختصاص بصورة الاشتراط، و مقتضى الأصل عدم النقض مع صدق العقد عرفا بدون ذكرها إلا مع وجود الدليل عليه من نص أو عرف معتبر بحيث تنزل الأدلة عليه.

و يمكن أن يقال إنّ المنساق من مجموع الأدلة و مرتكزات المسلمين بل جميع المليين أنّ ما هو من لوازم علوّ مذهب من يعقد عقد الذمة مع العدوّ انّما هو من مقوّمات العقد و كل من يريد الغلبة على مذهب آخر عدوّا كان أولا و يتعاهد معه لا يتعاهد إلا بما هو ملازم لإعلاء كلمته و مذهبه فهذه المذكورات من المقوّمات لا أقل من كونها من الشرائط الضمنية الداخلية المبني عليها هذا العهد و ليس هذا العقد و العهد مثل سائر العقود اللازمة المشروطة فيها شرطا

ص: 185

مسألة 21: يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمة

(مسألة 21): يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمة كلما فيه نفع للمسلمين و رفعة الإسلام (45) فلو شرط عليهم أن لا يهوّدوا أولادهم أو لا ينصّروهم ألزموا بذلك (46).

مسألة 22: كيفية ما يقال و ما يشترط في عقد الذمة

(مسألة 22): كيفية ما يقال و ما يشترط في عقد الذمة و الجهات الراجعة إلى الشروط ليست لها ضابطة كلية بل تختلف باختلاف الأشخاص و الأمكنة و سائر الخصوصيات (47).

______________________________

و قيدا بل عقد تعليقيّ على هذه الأمور المنتفي بانتفائها، فمقتضى الأصل العادي العرفي في مثل هذا العقد و هذه الأمور التعليقية و القيدية. عدم اعتبار شي ء آخر ما لم يدل دليل على الخلاف أو ما هو المعلوم الواضح منه، مع أنّ ذلك كله من التظنيّ لأنّه بعد قيام الحرب و ملاحظة الخصوصيات و الإحاطة بها قد يكون ما ليس من الشرط شرطا و ما يكون من الشرط حكما و شيئا خارجا فالإجمال في مثل هذه المسائل التي يكون البحث فيها حدسيا أولى من التفصيل ما لم ير بالعيان ما يغني عن البرهان و قد تحدث فروع بالمعاينة ليس لها أثر فيما صنفها الفريقان في الجهاد.

(45) لما مر من عموم الأدلة، و لاشتمال عقد الذمة على الشرط غالبا.

(46) لأنّ المولود محكوم بالإسلام ما لم يهودانه أو ينصرانه قال الصادق عليه السّلام في رواية فضل بن عثمان: «ما من مولود يولد الا على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه و إنّما أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذمة و قبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهودوا أولادهم و لا ينصروا» (1)، و قريب منها غيرها.

(47) لما هو واضح لكل من راجع أصناف الناس و الحالات و العادات

ص: 186


1- الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 3.

مسألة 23: يصح أن يتصدّى لعقد الذمة نائب الغيبة

(مسألة 23): يصح أن يتصدّى لعقد الذمة نائب الغيبة بعد تسلطه و تبصّرة في الأمور تأسيسا أو تقريرا لما فعله الجائر (48).

مسألة 24: إذا خرقوا الذمة في دار الإسلام يتخيّر وليّ الأمر

(مسألة 24): إذا خرقوا الذمة في دار الإسلام يتخيّر وليّ الأمر بين ردهم إلى مأمنهم، أو قتلهم، و استرقاقهم، و مفاداتهم و يراعى في ذلك كله ما هو الأصلح في البين (49) و إن أسلم الذميّ بعد خرق الذمة يسقط الجميع (50) و لو أسلم بعد الاسترقاق أو المفادات لم يسقط ذلك عنه (51).

مسألة 25: لو أتى الذميّ بما يوجب الحدّ ثمَّ أسلم لا يسقط عنه الحدّ

(مسألة 25): لو أتى الذميّ بما يوجب الحدّ ثمَّ أسلم لا يسقط عنه الحدّ بإسلامه (52).

مسألة 26: لا يجوز لهم دخول مساجدنا مطلقا

(مسألة 26): لا يجوز لهم دخول مساجدنا مطلقا و لا يصح الإذن لهم في ذلك لا مكثا و لا اجتيازا (53).

______________________________

المختلفة المتشتته بحسب الأزمنة و الأمكنة.

(48) لأنّ ذلك من أهمّ أمور الحسبية التي يصح له التصدّي لها بشرطها و شروطها.

(49) لأنّهم قد خرقوا الذمة باختيارهم فصاروا حربيين و الإمام يراعي ما هو أصلح للمسلمين بالنسبة إليهم.

(50) لانتفاء موضوع الجزية مع الإسلام بلا كلام.

(51) للأصل، و الإجماع من غير ما يدل على الخلاف.

(52) إجماعا و بذلك يحصص حديث الجبّ (1)، بناء على شموله لذلك.

(53) لإطلاق الآية الكريمة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (2)، و عدم الفصل بينه و بين غيره.

ص: 187


1- سبق في صفحة: 109 هنا و في ج: 7 صفحة 289.
2- سورة التوبة: 28.

مسألة 27: لا يجوز للذمّي إحداث معبد في دار الإسلام مطلقا

(مسألة 27): لا يجوز للذمّي إحداث معبد في دار الإسلام مطلقا سواء كانت مما استجدّها المسلمون أو فتحت عنوة أو صلحا على أن تكون الأرض للمسلمين (54)، و لو أحدث وجب على وليّ الأمر إزالته (55).

مسألة 28: يجوز أن تبقى معابدهم التي كانت قبل الفتح

(مسألة 28): يجوز أن تبقى معابدهم التي كانت قبل الفتح و لم يهدمها المسلمون (56)، و كذا ما أحدثوها في أرض فتحت صلحا على أن تكون الأرض لهم و عليهم الخراج (57).

مسألة 29: إذا انهدمت معابدهم التي كانت لهم حق الإبقاء

(مسألة 29): إذا انهدمت معابدهم التي كانت لهم حق الإبقاء يجوز لهم

______________________________

(54) لما تقدم من الإجماع، و لأنّ الأرض للمسلمين و الناس مسلّطون على أموالهم.

(55) لأنّه من مظاهر الضلال و الإضلال فيجب قمعه مضافا إلى الإجماع و قول عليّ عليه السّلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن إحداث الكنائس في الإسلام» (1)، و عن ابن عباس: «أيّما مصر مصره العرب فليس لأحد من أهل الذمة أن يبنى فيه بيعة و ما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يقر لهم» (2)، و من عادة حبر الأمة أن لا يقول الا عن نبي الرحمة صلّى اللّه عليه و آله و الحكم و إن ورد في البيعة و الكنيسة الا أن القطع بالمناط يشمل جميع بيوت الضلال و الإضلال و الشر و الفساد: نعم، يجوز لوليّ الأمر الإذن في بقاء البناء إن اقتضت المصلحة ذلك.

(56) للسيرة و ظهور الاتفاق.

(57) إذ لا معنى للصلح عليه إلا هذا، فيثبت الحق لهم حينئذ بمقتضى القرار الذي وقع بينهم.

ص: 188


1- دعائم الإسلام ج: 1 صفحة: 381.
2- راجع كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام رقم 269 صفحة: 97.

إعادتها (58).

مسألة 30: لا يجوز لهم إحداث بناء يعلو به على المسلمين من مجاوريه

(مسألة 30): لا يجوز لهم إحداث بناء يعلو به على المسلمين من مجاوريه بل و غيرهم أيضا (59)، نعم، لو ابتاع البناء العالي من مسلم يبقى على علوّه (60) و لكن لو انهدم لا يجوز له أن يعلو به على المسلمين بل يقتصر على المساواة أو الأقلّ (61).

مسألة 31: لا يجوز لهم استيطان الحجاز

(مسألة 31): لا يجوز لهم استيطان الحجاز (62) و المراد به ما يسمّى حجازا عرفا و لغة.

______________________________

(58) لأصالة الجواز، و عدم دليل على المنع.

(59) تحفظا على عزّة الإسلام و رفعه و علوّه كما في الآية المباركة وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ (1)، و لظهور اتفاق الفقهاء عليه و مع احتمال شمول حديث: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (2)، للمقام.

(60) لاستصحاب الجواز، و انصراف دليل المنع عن ذلك.

(61) لما تقدم من التحفظ على عزّة الإسلام، و احتمال شمول حديث:

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (3).

(62) للإجماع، و ما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لأخرجنّ اليهود و النصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما» (4)، و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله في آخر أيام حياته:

«أخرجوا اليهود من الحجاز و أهل نجران من جزيرة العرب» (5).

ص: 189


1- سورة المنافقون: 38.
2- كنز العمال حديث: 246 و قريب منه في البخاري باب: 79 من أبواب الجنائز و تقدم في ج: 2 صفحة 116 عند بيان قاعدة: «الأسلم يعلو و لا يعلى عليه» بعض المصادر الأخرى.
3- كنز العمال حديث: 246 و قريب منه في البخاري باب: 79 من أبواب الجنائز و تقدم في ج: 2 صفحة 116 عند بيان قاعدة: «الأسلم يعلو و لا يعلى عليه» بعض المصادر الأخرى.
4- سنن ابي داود باب: 27 من أبواب الخراج و الأمارة حديث: 3030.
5- سنن البيهقي ج: 9 صفحة 208.

مسألة 32: يقتل الساب منهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله

(مسألة 32): يقتل الساب منهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله (63).

مسألة 33: لو شك في تحقق المخالفة منهم لما يوجب نقض العهد أو لا، بنى على العدم

(مسألة 33): لو شك في تحقق المخالفة منهم لما يوجب نقض العهد أو لا، بنى على العدم (64)، و كذا لو شك في أنّه هل اشترط عليهم شرط يوجب مخالفته ذلك أو لا (65).

مسألة 34: لو استهانوا بالمقدسات الدينية لوليّ الأمر أن يعمل فيهم نظره من قتل أو تعزير

(مسألة 34): لو استهانوا بالمقدسات الدينية لوليّ الأمر أن يعمل فيهم نظره من قتل أو تعزير (66).

مسألة 35: تجوز المعاقدة معهم- بعوض أو بغير عوض

(مسألة 35): تجوز المعاقدة معهم- بعوض أو بغير عوض على ترك الحرب مدّة إذا اقتضت المصلحة لذلك (67).

مسألة 36: مدة الهدنة موكولة إلى نظر وليّ الأمر قلة و كثرة

(مسألة 36): مدة الهدنة موكولة إلى نظر وليّ الأمر قلة و كثرة- و المشهور أنّها لا تجوز أكثر من سنة (68).

______________________________

ثمَّ إنّ عمدة الوجه فيما تعرّضنا من المسائل الخمس في المتن إنّما هو ظهور الإجماع و عدم الخلاف، و مراعاة التصغير بالنسبة إليه مهما أمكن.

(63) لأنّ ذلك هو حكم الساب له صلّى اللّه عليه و آله مسلما كان أو غيره كما سيأتي و إنّه حكم المرتد كما يأتي في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى.

(64) للأصل بعد عدم وجود أمارة على الخلاف.

(65) لأصالة عدم اشتراط ما يوجب مخالفته نقض العهد.

(66) حسب ما يراه من المصلحة في كل منهما بمقتضى ولايته.

(67) بإجماع الفقهاء بل العقلاء بل قد يجب ذلك إن كانت في البين مصلحة ملزمة و قد يحرم مع المصلحة الملزمة في تركه.

(68) أما الأول فلأصالة عدم التحديد، و إطلاقات الأدلة، و لأنّ نظره هو المتبع في ذلك بعد الإحاطة بالخصوصيات، و مشورة أهل الخبرة في القضية.

ص: 190

مسألة 37: عقد الهدنة لازم و يعتبر أن تكون المدة فيه معلومة

(مسألة 37): عقد الهدنة لازم (69) و يعتبر أن تكون المدة فيه معلومة (70)، و لا يجوز جعله مطلقا غير مقيد بوقت (71)، و يصح جعل الخيار فيه، و كل شرط سائغ (72) و لو شرط ما لا يجوز فعله يلغو الشرط (73).

______________________________

و أما أنّها لا تكون أكثر من سنة فاستدل عليه.

تارة: بالإجماع المدعى عليه في التذكرة، و بما دل على وجوب الجهاد في السنة مثل قوله تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (1)، و بإطلاقات أدلة الجهاد معهم.

و الكل مخدوش. لأنّه مع حضوره عليه السّلام فالكل من الاجتهاد في مقابل النص، و مع عدمه فالمسألة من موارد الأهم و المهم فقد تكون المصلحة الملزمة في المهادنة بقدر سنة أو أكثر منها أو أقلّ من أربعة أشهر بعد كون من له الولاية على ذلك مثبتا في الجهات اللازمة في الموضوع.

(69) لما أثبتناه من أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخلاف.

(70) لعدم إقدام العقلاء على المدة المجهولة في مثل هذا العقد الذي يكون معرضا للغرور و الخطر و أيّ غرر أعظم من هذا في مثل المقام، مع ظهور الإجماع على اعتبار هذا الشرط.

(71) لظهور الإجماع على عدم صحة التأبيد في المهادنة.

(72) لعموم أدلة المؤمنون عند شروطهم الشامل للمقام أيضا.

(73) لبطلان كل شرط مخالف للكتاب و السنة و لكن لا يوجب ذلك بطلان العقد كما ثبت في كتاب البيع.

ص: 191


1- سورة التوبة: 5.

مسألة 38: لو عقد الهدنة و هاجرت امرأة و ثبت إسلامها لا تعاد

(مسألة 38): لو عقد الهدنة و هاجرت امرأة و ثبت إسلامها لا تعاد و لو جاء إليها زوجها و طلبها (74)، و يعاد إلى زوجها ما سلّم إليها من المهر خاصة إذا كان مباحا (75) و إن كان محرما لم يعد لا عينه و لا قيمته (76).

مسألة 39: إذا هاجرت و أسلمت ثمَّ ارتدت يدفع مهرها إلى زوجها

(مسألة 39): إذا هاجرت و أسلمت ثمَّ ارتدت يدفع مهرها إلى زوجها و لم تعد نفسها إليه (77).

مسألة 40: لو قدم زوجها و طلب المهر و ماتت بعد المطالبة دفع إليه المهر

(مسألة 40): لو قدم زوجها و طلب المهر و ماتت بعد المطالبة دفع إليه المهر (78)،

______________________________

(74) لإطلاق الآية الكريمة فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (1)، مضافا إلى الإجماع.

(75) لقوله تعالى وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا (2)، مضافا إلى الإجماع و اقتضاء عقد الهدنة ذلك، و إطلاق الآية الكريمة و إن اقتضى دفع جميع ما أنفقه حتى غير المهر أيضا و لكنها مقيدة بخصوص المهر بقرينة الإجماع.

(76) لظهور الاتفاق عليه، مع أنّه ليس بمال، و مقتضى عقد الهدنة إسقاط ماليته مطلقا. ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاق في وجوب الدفع عدم الفرق بين مطالبة الزوج و عدمه.

(77) أما دفع المهر، فلما تقدم في المسألة السابقة. و أما عدم عودها إليه فلأنّها حيث صارت مسلمة ثمَّ ارتدت تجري عليها أحكام الإسلام فتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.

(78) لأنّ موتها وقع بعد تنجز الأمر بإيتاء المهر، مضافا إلى ظهور

ص: 192


1- سورة الممتحنة: 10.
2- سورة الممتحنة: 10.

و لو ماتت قبل المطالبة لم يدفع إليه بشي ء (79)، و لو قدم بطلاقها بائنا ليس له المطالبة بالمهر (80)، و لو أسلم في العدة الرجعية كان أحقّ بها (81) بخلاف ما إذا أسلم بعد انقضاء العدة (82).

مسألة 41: لو أنكرت المرأة زوجية من يطالبها يقدم قولها باليمين

(مسألة 41): لو أنكرت المرأة زوجية من يطالبها يقدم قولها باليمين (83).

مسألة 42: لو ثبتت الزوجية بالاعتراف أو البينة

(مسألة 42): لو ثبتت الزوجية بالاعتراف أو البينة و أنكرت قبض المهر يقدم قولها باليمين (84).

مسألة 43: لو تنازعا في قدر المقبوض من المهر يقدم قولها أيضا

(مسألة 43): لو تنازعا في قدر المقبوض من المهر يقدم قولها أيضا (85).

______________________________

الإجماع عليه.

(79) لأنّ المتيقن من الأدلة أنّ الاستحقاق المستقر إنّما هو مع المطالبة و مع عدمها فلا استقرار له بعد الموت فلا وجه للتمسك بالإطلاق أو بالاستصحاب بعد عدم إحراز الموضوع. هذا مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم وجوب الدفع.

(80) لأنّ الحيلولة حصلت بالطلاق لا بالإسلام. نعم، لو طالب ثمَّ طلق فللدفع وجه.

(81) لوجود المقتضي و فقد المانع بعد كون الرجعية بمنزلة الزوجة في الجملة. و لا يحتاج إلى استيناف عقد الزواج لأنّها زوجته شرعا.

(82) لحصول البينونة حينئذ فلا موضوع لكونه أحقّ بها.

(83) لأصالة عدم تحقق الزوجية إلا إذا كانت بينة على الخلاف أو ما يوجب الاطمئنان كذلك.

(84) لأصالة عدم وصول المهر إليها.

(85) لأصالة عدم وصول تمام حقها إليها إلا إذا ثبت ذلك بوجه شرعي.

ص: 193

مسألة 44: لو هاجر الرجل إلى دار الإسلام و أسلم لا يجوز إعادته إلى دار الكفر

(مسألة 44): لو هاجر الرجل إلى دار الإسلام و أسلم لا يجوز إعادته إلى دار الكفر (86)، و لكن لو اشترطوا الإعادة في عقد الهدنة جاز مع الأمن من الفتنة (87)، و لو طلبت امرأة مسلمة- أو صبيّ، أو صبية كذلك أو مستضعف حكم بإسلامه- الخروج من عند الكفار وجب على كل مسلم إخراجها عنه مع التمكن منه (88).

______________________________

(86) لأنّه تسبيب لاستيلاء الكفر عليهم و عدم تمكنه من إقامة شعائر دين الإسلام و لا ريب في حرمة هذا النحو من التسبيب.

(87) لصحة كل شرط تراضوا عليه ما لم يكن مخالفا لكتاب اللّه مع الاطمئنان بأنّه لا يفتن في دينه بأن كان له قوة يقدر بها على مدافعة الكفار إن أرادوه بقتل أو أذية أو هتك أو فتنة و حينئذ سيأتي أنّه لا يجوز الإعادة مع خوف شي ء من ذلك و عدم القدرة على المدافعة و عمدة الدليل على ما قلناه الإجماع، و ظهور التسالم عليه.

(88) لفرض أنّه غير متمكن من إقامة شعائر دينه عندهم فيكون تركه تسبيبا لإثباتهم في دينهم و هو حرام كما مرّ، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

و عن عليّ عليه السّلام: «إنّ عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب كانت بمكة، فلما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلم عليّ عليه السّلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام: علامَ نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهري المشركين؟ فلم ينهه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن إخراجها فخرج بها، فتكلم زيد بن حارثة و كان وصيّ حمزة و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله آخى بينهما حين آخى بين المهاجرين فقال أنا أحق بها ابنة أخي، فلما سمع ذلك جعفر قال: الخالة والدة و أنا أحق بها لمكان خالتها عندي أسماء بنت عميس، فقال عليّ صلّى اللّه عليه و آله: إلا أراكم في ابنة عمي؟! و أنا أخرجتها بين أظهر المشركين و ليس لكم إليها نسب دوني و أنا أحقّ بها منكم! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنا أحكم بينكم! أما أنت يا زيد فمولى

ص: 194

مسألة 45: كل من وجب رده إلى دار الكفر لا يجب حمله

(مسألة 45): كل من وجب رده إلى دار الكفر لا يجب حمله (89).

مسألة 46: لو انتقل ذمي من دينه إلى دين لا يقر أهله عليه

(مسألة 46): لو انتقل ذمي من دينه إلى دين لا يقر أهله عليه لا يقبل منه البقاء عليه (90)، و كذا لو انتقل إلى ما يقبل البقاء عليه- كاليهودي يصير

______________________________

اللّه و رسوله و اما أنت يا عليّ فأخي و صاحبي و أما أنت يا جعفر فتشبه خلقي و خلقي و أنت يا جعفر أحق بها تحتك خالتها» (1).

و روي: «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لما خرج من مكة وقفت ابنة حمزة على الطريق فلما مرّ بها عليّ عليه السّلام قالت: يا ابن عمّ النبي إلى من تدعني؟ فتناولها إلى فاطمة عليها السّلام حتى قدم بها إلى المدينة (2).

(89) للأصل بعد عدم دليل عليه بل يخل بينه و بينهم في ذلك فيحملونه إلى محله.

(90) للإجماع، و لأنّ الدين المنتقل إليه حيث إنّه لا يقرّ عليه، فلا أثر للانتقال أيضا لأنّه من الانتقال من الباطل إلى الباطل.

و أما النبويّ: «الكفر ملة واحدة» (3)، فإجماله يمنع عن الاستدلال به للقطع الوجداني لكل أحد بأنّ الكفر ملل و أهواء مختلفة و متشتتة، و لعل المراد به أنّه ملة واحدة في الجملة من جهة عدم الاعتقاد بالشريعة المقدسة الإسلامية لا أنّ الكفر ملة واحدة من كل جهة.

ثمَّ إنّ هذه الجملة: «الكفر ملة واحدة» معروفة في الكتب الاستدلالية و في كتب فقه الفريقين في مواضع شتى في الجهاد و الإرث و غيرهما و أرسلها

ص: 195


1- راجع المغازي للواقدي ج: 2 صفحة 738.
2- المغني لابن قدامة ج: 10 صفحة: 527.
3- لم أعثر على هذه الرواية سوى في شرح المغني ج: 7 صفحة: 163: «روي حرب عن أحمد بن حنبل: «الكفر كله ملة واحدة».

نصرانيا، أو بالعكس- بل و كذا لو رجع إلى دينه الأول (91).

مسألة 47: إذا فعل أهل الذمة ما هو جائز في شرعهم و ليس بجائز في شرعنا

(مسألة 47): إذا فعل أهل الذمة ما هو جائز في شرعهم و ليس بجائز في شرعنا لم يتعرّضوا ما لم يتجاهروا به (92) و إن تجاهروا به يجزون بمقتضى شرع الإسلام (93)، و كذا إن فعلوا ما ليس بجائز في شرعهم أيضا (94).

______________________________

بعضهم إرسال المسلّمات في الاستدلال بها. نعم، عن أبي حنيفة و مالك و غيرهما أنّهم استدلوا عليها ببعض الأمور الاعتبارية و يظهر منهم أنّها من القواعد لا من الروايات لكن يظهر من ابن حنبل أنّها رواية.

(91) كل ذلك لإطلاق قوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (1)، و إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من بدل دينه فاقتلوه» (2).

مع أنّ المتيقن من عقد الهدنة هو البقاء على دينه الأولي و عدم الانتقال عنه. نعم، لو رأى الإمام مصلحة في قبول انتقاله يقبل ذلك على وجه اقتضته المصلحة و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات التي ذكرت في المفصّلات فراجع.

(92) لأنّه لا معنى لعقد الهدنة إلا ذلك فيكون العقد تقريرا لذلك عليهم.

(93) لعموم أدلة جزاء ذلك العمل بعد كون الكفار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالأصول كما تقدم (3)، و عدم ما يصلح للتخصيص من شرط و نحوه.

هذا إذا لم يخرج بذلك عن الهدنة و إلا فيباح دمه و يحل قتله.

(94) لعموم أدلة إقامة الحدود، و التعزيرات، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ص: 196


1- سورة آل عمران: 79.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب حد المرتد حديث: 2.
3- تعرض- دام ظله العالي- في ج: 3 صفحة: 129.

مسألة 48: لو أوصى الذّمي بما لا يجوز عندنا- كبناء معبد لهم

(مسألة 48): لو أوصى الذّمي بما لا يجوز عندنا- كبناء معبد لهم، أو صرف مال في ما هو الحرام عندنا- لا يجوز لنا إنفاذها (95)، و لو أوصى بما هو جائز وجب علينا إنفاذها حتى لو أوصى بمال لعلمائهم و رهبانهم (96).

مسألة 49: يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه لرمّ معابدهم

(مسألة 49): يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه لرمّ معابدهم و كذا لسائر ذوي الحرف و الصنائع أعمال فنونهم و صنائعهم في ترميمها و إصلاحها (97).

نعم، يكره ذلك (98).

______________________________

نعم، لو رأى الإمام دفعه إلى أهل نحلته ليجاوزه بما في ملتهم فله ذلك.

(95) لأنّ أصل الوصية باطلة و التصرف حرام، مضافا إلى ظهور الإجماع. و كذا الوصية بما يتعلق بالتوراة و الإنجيل المحرف من الكتابة و الطبع و النشر و نحوها، و في النبوي: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج يوما من داره فوجد في يد عمر صحيفة فقال صلّى اللّه عليه و آله ما هي؟ فقال: من التوراة فغضب عليه و رماها من يده و قال لو كان موسى و عيسى عليهما السّلام حيين لما وسعهما إلا اتباعي» (1).

(96) لعموم وجوب إنفاذ الوصية ما لم يكن مخالفة للمشروع.

(97) للأصل، و إطلاق أدلة العقود و المعاملات، مضافا إلى الإجماع.

(98) نسب ذلك إلى المشهور، و يكفي ذلك فيها بناء على المسامحة و يمكن أن يعد ذلك كله من الإعانة المرجوحة و إن لم تكن محرمة.

و لكن يظهر من بعض الأخبار جواز إجازة المسلم نفسه لليهودي عمدا و اختيارا (2)، الذي تقتضيه العمومات و الإطلاقات، فعن ابن عباس قال: «أصابت نبيّ اللّه خصاصة فبلغ ذلك عليّا عليه السّلام فخرج يلتمس عملا يصيب فيه شيئا ليغيث

ص: 197


1- المغني لابن قدامة ج: 6 صفحة: 532 (كتاب الوصية) الا أنّه ترك ذيل الحديث.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الإجارات.

.....

______________________________

به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأتي بستانا لرجل من اليهود فاستسقى له سبعة عشر دلوا على كل دلو تمرة فخيّر اليهودي على تمرة فأخذ سبعة عشر عجوة فجاء بها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال له صلّى اللّه عليه و آله: من أين لك هذا يا أبا الحسن؟ قال عليه السّلام: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبيّ اللّه فخرجت ألتمس لك عملا لاصيب لك طعاما قال: صلّى اللّه عليه و آله: حملك على هذا حبّ اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله؟ قال عليه السّلام: نعم، يا رسول اللّه. قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما من عبد يحبّ اللّه و رسوله إلا الفقر أسرع إليه من جرية السيل على وجه و من أحبّ اللّه و رسوله فليعد للبلاء تجفافا دائما» (1)، و قد ورد ذلك عن طريقنا أيضا كما تقدم.

ص: 198


1- كنز العمال ج: 6 صفحة: 352 حديث: 3531 طبعة حيدر آباد.

خاتمة و فيها مسائل

خاتمة و فيها مسائل الأولى: لو خرقوا الذمة في دار الإسلام فلولي الأمر ردهم إلى مأمنهم (1).

الثانية: لو أسلم الذميّ بعد خرق الذمة قبل الحكم فيه سقط ما تعلق به (2) عد الدّين و القود و الحدّ (3)، و لو أسلم بعد الحكم كالاسترقاق أو المفاداة لم يسقط عنه (4).

الثالثة: لو مات وليّ الأمر الذي ضرب لما قدره من الجزية- دواما أو أمدا معينا- وجب على القائم بعده تقرير ذلك (5) الا أن يرى المصلحة في

______________________________

خاتمة و فيها مسائل

(1) للإجماع، و للأصل بعد ما كان في مأمن، و لا يجوز الاغتيال بعده مع أنّ الاغتيال لا يرضى به الشرع.

(2) لقاعدة الجب التي تقدم الكلام فيها.

(3) للإجماع و الأصل، و القاعدة بناء على شمولها للمقام قابلة للتخصيص.

(4) للأصل مضافا إلى الإجماع.

(5) للأصل بعد ما كان أصل التقدير معتبرا شرعا.

ص: 199

التغيير (6).

الرابعة: لو أتى الذميّ بما يوجب الحدّ و اعتصم بدار الحرب يقام عليه الحدّ مع الظفر به (7).

الخامسة: لو كان بقاء الذميّ خطرا على الإسلام و المسلمين ردّ إلى مأمنهم (8) و كذلك لو كان في بقائهم أذية للمسلمين (9).

______________________________

(6) لتقديم الأهم مضافا إلى نفي الخلاف فيه.

(7) لعموم أدلة الحدود مضافا إلى الإجماع.

(8) لما تقدم، و لا يجوز قتلهم إلا إذا حصل منهم ما يوجب ذلك.

(9) للإجماع و أنّ ذلك مقتضى عقد الذمة.

ص: 200

فصل في قتال أهل البغي

اشارة

فصل في قتال أهل البغي

مسألة 1: يجب قتال كل من خرج على الإمام العادل إذا طلب الإمام ذلك

(مسألة 1): يجب قتال كل من خرج على الإمام العادل إذا طلب الإمام ذلك (1).

______________________________

فصل في قتال أهل البغي

(1) إجماعا، و نصوصا التي يأتي التعرض لبعضها قال تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (1).

و قد يقال: بأنّه يستفاد من الآية الكريمة أمور خمسة:

الأول: أنّ الباغي على الإمام مؤمن لأنّ اللّه تعالى سمّاه مؤمنا.

و فيه: أنّه إن أريد بالتسمية مجرّد التسمية و لو مجازا- كما في المنافقين الذين ورد قوله تعالى وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ (2). فلا بأس به، و إن أريد به الإيمان الحقيقيّ فهو لا يوافق أصولنا.

الثاني: وجوب قتال أهل البغي و هو من المسلّمات بين الفريقين.

ص: 201


1- سورة الحجرات: 9.
2- سورة الأنفال: 5- 6.

مسألة 2: قتال البغاة كقتال المشركين في أصل الوجوب و كونه كفائيا

(مسألة 2): قتال البغاة كقتال المشركين في أصل الوجوب و كونه كفائيا، و أنّ تركه كبيرة، و أنّ الفرار منه كالفرار من قتال المشركين (2).

______________________________

الثالث: تحديد مدّة القتال بما هو مذكور فيها و هو مسلّم أيضا، للآية الكريمة، مضافا إلى الإجماع.

الرابع: عدم الرجوع على أهل البغي بنفس أو مال بعد الصلح لعدم ذكر ذلك في الآية الكريمة.

و فيه: أولا: أنّ عدم الذكر أعمّ من عدم الصحة بحسب القواعد العامة.

و ثانيا: أنّه مناف لذيل الآية الكريمة وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

الخامس: دلالة الآية على قاعدة كلية و هي «جواز قتال كل من منع حقا طولب به فلم يفعل فيقاتل حينئذ».

و فيه: أنّه من مستنبط العلة مع كثرة تفاوت الحقوق تفاوتا كثيرا.

(2) إجماعا، و نصوصا من الطرفين (1)، و فعل عليّ عليه السّلام في قتال الفرق الثلاثة: الناكثين، و القاسطين، و المارقين مضبوط في كتب الفريقين و منقول فيها (2).

و في خبر مجالس ابن الطوسي: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال يا عليّ إنّ اللّه تعالى قد كتب على المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي كما كتب عليهم الجهاد مع المشركين معي فقلت: يا رسول اللّه و ما الفتنة التي كتب علينا فيها الجهاد؟

قال صلّى اللّه عليه و آله: فتنة قوم يشهدون أن لا إله إلّا اللّه، و أنّي رسول اللّه و هم مخالفون

ص: 202


1- راجع المغني ج: 10 صفحة 48، و في الوسائل باب: 26 من أبواب جهاد العدوّ.
2- راجع دعائم الإسلام ج: 1 صفحة: 396 حديث: 1555 ط: دار المعارف بمصر، و في كنز العمال ج: 11 صفحة 278 حديث: 1184 ط: حيدر آباد 1963.

مسألة 3: المقتول مع الإمام العادل- كالمقتول في الجهاد مع المشركين- شهيد لا يغسّل و لا يكفّن

(مسألة 3): المقتول مع الإمام العادل- كالمقتول في الجهاد مع المشركين- شهيد لا يغسّل و لا يكفّن بل يصلّي عليه و يدفن (3).

مسألة 4: كل من كان من أهل البغي له فئة يرجع إليه

(مسألة 4): كل من كان من أهل البغي له فئة يرجع إليه يجوز الإجهاز على جريحهم و اتباع مدبرهم، و قتل أسيرهم، و من لم يكن كذلك فلا يتبع مدبرهم و لا يقتل أسيرهم و لا يجهز على جريحهم (4).

______________________________

لسنتي و طاعنون في ديني فقلت: فعلام نقاتلهم يا رسول اللّه و هم يشهدون أن لا إله إلّا اللّه و أنّك رسول اللّه؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله على إحداثهم في دينهم و فراقهم لأمري و استحلالهم دماء عترتي» (1).

و قال عليّ عليه السّلام يوم الجمل: «قاتلوا أئمة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ثمَّ قال: و اللّه ما رمى أهل هذه الآية بسهم قبل اليوم» (2).

و قال عليه السّلام في يوم صفين: «اقتلوا بقية الأحزاب و أولياء الشيطان أن اقتلوا من يقول كذب اللّه و رسوله و تقولون صدق اللّه و رسوله» (3)

(3) إجماعا، و لما رواه الفريقان في قضايا عليّ عليه السّلام في حروبه (4)، و قضية الحسين عليه السّلام في واقعة الطف بالنسبة إلى من قتل في نصرتهما.

(4) للإجماع، و الاعتبار و لنصوص مستفيضة:

منها: خبر حفص ابن غياث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الطائفتين من المؤمنين إحداهما باغية و الأخرى عادلة فهزمت العادلة الباغية قال عليه السّلام ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا و لا يجهزوا على جريح و لا يقتلوا أسيرا و هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم يكن فئة يرجعون إليها، فإذا كانت لهم فئة يرجعون

ص: 203


1- الوسائل باب: 26 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 7.
2- دعائم الإسلام ج: 1 حديث: 1558 و 1559 ط: دار المعارف بمصر.
3- دعائم الإسلام ج: 1 حديث: 1558 و 1559 ط: دار المعارف بمصر.
4- كنز العمال ج: 11 صفحة: 316- 354 و في دعائم الإسلام حديث: 1563.

مسألة 5: لو انطبق على المدبر و الجريح، و الأسير، ممن لا فئة لهم

(مسألة 5): لو انطبق على المدبر و الجريح، و الأسير، ممن لا فئة لهم عنوان آخر يوجب قتلهم يقتلون (5).

______________________________

إليها فإنّ أسيرهم يقتل، و مدبرهم يتبع و جريحهم يجهز عليه» (1).

و عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام في جواب يحيى بن أكثم: «و أما قولك إنّ عليّا عليه السّلام قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين و أجهز على جريحهم و أنّه يوم الجمل لم يتبع موليا و لم يجهز على جريح و من ألقى سلاحه أمنه، و من دخل داره أمنه، فإنّ أهل الجمل قتل إمامهم و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها و إنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين، و رضوا بالكفّ عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم و الكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا و أهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة و أما يجمع لهم السلاح و الدروع و الرماح و السيوف و يسني لهم العطاء و يهيّئ لهم الأنزال و يعود مريضهم و يجبر كسيرهم، و يداوي جريحهم و يحمل راجلهم و يكسوا حاسرهم فيرجعون إلى محاربتهم و قتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم من قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم فمن رغب عرض على السيف أو يتوب عن ذلك» (2).

إلى غير ذلك من النصوص، و ما ضبطته التواريخ المعتبرة في كتب الفريقين في وقعتي الجمل و صفين، و قال عليّ عليه السّلام: «لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه يعني معاوية و أصحابه» (3)، و لهم فئة يرجعون إليها و هي دولة بني أمية في مقابل دولة الحق.

(5) لأنّ ما تقدم من الإعفاء عنهم إنّما هو حكمهم بحسب العنوان الأولي

ص: 204


1- الوسائل باب: 24 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 4.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 13.

مسألة 6: يجب إرشاد أهل البغي قبل الشروع في القتال

(مسألة 6): يجب إرشاد أهل البغي قبل الشروع في القتال بكل ما أمكن إرشادهم و إزالة شبهتهم مباشرة من الإمام العادل أو بكل من اختاره (6).

مسألة 7: لا يجوز سبي ذراري البغاة و لا تملك نسائهم

(مسألة 7): لا يجوز سبي ذراري البغاة و لا تملك نسائهم و لا تملك شي ء من أموالهم التي لم تحوها العسكر سواء كانت تنقل أم لا (7) و كذا ما حواها العسكر مما ينقل (8).

______________________________

لا العناوين الثانوية الطارئة.

(6) لأصالة احترام الدماء، و إجماع الفقهاء بل العقلاء، و تأسيا بسيد الأولياء و ابنه سيد الشهداء عليهما السّلام.

(7) كل ذلك لأصالة احترام النفوس و الاعراض و الأموال التي هي من الأصول المعتبرة النظامية و لا يرجع عنها إلّا بدليل قاطع، مع أنّ ظاهر الإسلام و إظهار الشهادتين موجب لاحترام جميع ذلك، مضافا إلى القطع بعدم رضاء أئمة العدل بذلك كله.

(8) لما تقدم من أصالة الاحترام من غير ما يصلح للخلاف. و يظهر عن جمع منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع الجواز و لا دليل لهم إلا إجماع الخلاف، و ما ادعي من سيرة عليّ عليه السّلام يوم الجمل.

و لكن الإجماع موهون و معارض بمثله، و لم تثبت السيرة التي ادعوها فيبقى الأصل بحاله، مضافا إلى إطلاق قول عليّ عليه السّلام: «إنّ دار الشرك أحلت ما فيها» (1)، و في المبسوط: «إنّ عليّا عليه السّلام نادى: من وجد ماله فليأخذه فمر بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه أن يصبر حتى ينضج فلم يفعل فرمى برجله فأخذه».

ص: 205


1- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 10.

مسألة 8: للإمام المعصوم عليه السّلام أو من نصبه قتال من منع الزكاة لا مستحلا حتى يدفعها

(مسألة 8): للإمام المعصوم عليه السّلام أو من نصبه قتال من منع الزكاة لا مستحلا حتى يدفعها (9)، و كذا الحقوق العامة- كالخراج، و الخمس و نحوهما- إذا طلبه الإمام عليه السّلام و امتنعت الرعية عن الأداء مع التمكن منه (10) و في ثبوت هذا الحكم لنائب الغيبة وجهان؟ (11).

______________________________

و عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: «أمر عليّ عليه السّلام مناديه يوم البصرة: لا يتبع مدبر، و لا يذفف على جريح، و لا يقتل أسير، و من أغلق بابه فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو آمن و لم يأخذ من متاعهم شيئا» (1).

(9) للإجماع الإمامية بل المسلمين، و للنص:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر أبان بن تغلب: «دمان في الإسلام حلال من اللّه تعالى لا يعصى فيهما أحد حتى يبعث اللّه تعالى قائمنا أهل البيت عليهم السّلام- الى أن أقل- الزاني المحصن نرجمه، و مانع الزكاة نضرب عنقه» (2).

و المنساق منه خصوص مانع الزكاة مع كونه مسلما لا المستحل الذي يحكم بارتداده و يجرى عليه حكم المرتد على ما يأتي تفصيله في كتاب الحدود.

(10) للقطع بعدم الفرق بينها و بين الزكاة المطالب بها.

(11) منشأهما تعميم النيابة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل الخاص فيثبت هذا الحق له، و تخصيصها بخصوص ما دل عليه الدليل بالخصوص، و يمكن اختلاف الحكم باختلاف الظروف و الخصوصيات و الجهات التي هي أيضا منوطة بنظر الفقيه الجامع للشرائط.

ص: 206


1- كنز العمال ج: 11 صفحة: 325 حديث: 1304- الفتن- قسم الأفعال.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث: 6.

مسألة 9: كل من أتلف من أهل البغي- على الإمام العادل- شيئا ضمنه مطلقا

(مسألة 9): كل من أتلف من أهل البغي- على الإمام العادل- شيئا ضمنه مطلقا (12).

مسألة 10: لو أتى الباغي ما يوجب الحدّ و اعتصم بدار الحرب

(مسألة 10): لو أتى الباغي ما يوجب الحدّ و اعتصم بدار الحرب يقام عليه الحدّ مع الظفر به (13).

مسألة 11: لو قاتل الذميّ مع أهل البغي خرق الذمة

(مسألة 11): لو قاتل الذميّ مع أهل البغي خرق الذمة (14).

مسألة 12: للإمام عليه السّلام أن يستعين بأهل الذمة في قتال أهل البغي

(مسألة 12): للإمام عليه السّلام أن يستعين بأهل الذمة في قتال أهل البغي (15).

مسألة 13: من سبّ الإمام العادل وجب قتله

(مسألة 13): من سبّ الإمام العادل وجب قتله (16).

______________________________

(12) لقاعدة الضمان بالإتلاف الجارية بالنسبة إلى الأموال و النفوس مضافا إلى الإجماع.

(13) لعموم أدلة إقامة الحدود مطلقا ما لم يكن محذور في البين من جهة من الجهات.

(14) لأنّه نحو اعتداء على المسلمين و من شروط الذمة عدم الاعتداء عليهم بأيّ وجه من الوجوه.

(15) لعموم ولايته الشامل لكل ذلك.

(16) لإجماع المسلمين بل الضرورة و يأتي التفصيل في كتاب الحدود هذا و تفصيل أحكام الجهاد موكول إلى ظهور دولة الحق عجل اللّه تعالى فرجه فصاحبها أعلم بمصالحه و أحكامه.

و ختام الكتاب- تيمنا و تبركا- يكون بخبر ابن غياث عن الصادق عليه السّلام قال: «سأل رجل أبي عليه السّلام عن حروب أمير المؤمنين و كان السائل من محبينا فقال له أبو جعفر عليه السّلام بعث اللّه محمدا بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها و لن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك

ص: 207

.....

______________________________

اليوم فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم يكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، و سيف منها مكفوف و سيف منها مغمود سله إلى غيرنا، و حكمه إلينا، فأما السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف على مشركي العرب قال اللّه عزّ و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا (يعنى آمنوا) وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام و أموالهم في ء و ذراريهم سبي على ما سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّه سبا و عفا و قبل الفداء.

و السيف الثاني على أهل الذمة قال اللّه تعالى وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً نزلت هذه الآية في أهل الذمة ثمَّ نسخها قوله عزّ و جلّ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل و ما لهم في ء و ذراريهم سبي و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم و حلت لنا مناكحتهم، و من كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم، و لم تحل لنا مناكحتهم، و لم يقبل منهم إلا الدخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل.

و السيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك و الديلم الخزر قال اللّه عزّ و جل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ثمَّ قال:

فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها فأما قوله فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ يعني بعد السبي منهم وَ إِمّا فِداءً يعنى المفادات بينهم و بين أهل الإسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام و لا تحل لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب.

و أما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي و التأويل قال اللّه تعالى:

وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ

ص: 208

.....

______________________________

فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل فسئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من هو؟ فقال: خاصف النعل- يعني أمير المؤمنين عليه السّلام- فقال عمار بن ياسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و هذه الرابعة، و اللّه لو ضربونا حتى يبلغونا السعفات من هجر لعلمنا أنا على الحق و أنّهم على الباطل و كانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السّلام ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أهل مكة يوم فتح مكة فإنّه لم يسب لهم ذرية، و قال: من أغلق بابه فهو آمن و من ألقى سلاحه (أو دخل دار أبي سفيان) فهو آمن و كذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام و يوم البصرة نادى: لا تسبوا لهم ذرية، و لا تجهزوا على جريح، و لا تتبعوا مدبرا و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن.

و أما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال اللّه عزّ و جل:

النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ فسله إلى أولياء المقتول و حكمه إلينا فهذه السيوف التي بعث بها إلى نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها أو أحكامها فقد كفر بما أنزل اللّه على محمد صلّى اللّه عليه و آله (1).

ص: 209


1- الوسائل باب: 5 من أبواب جهاد العدوّ حديث: 2.

ص: 210

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما ورد في الحث على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و فضلهما في الكتاب و السنة أكثر من أن يحصى (1).

______________________________

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هما بمعناهما العرفي وقعا موردا لأحكام كثيرة في الكتاب و السنة إلا أنّ المعروف لا بد و أن يكون معروفا شرعيا- لا كل معروف و إن نهى عنه الشارع- و كذا المنكر فلا وجه لإتعاب النفس في تعريف المعروف و المنكر و إيكالهما إلى أذهان المتشرعة أولى من ذلك.

ثمَّ إنّه قد ورد في الترغيب إليهما في الكتاب و السنة- كما سيأتي- ما يبهر منه العقول و لا اختصاص لهما بشريعة الإسلام بل حدوث كل شريعة و بقائها متقوّم بهما.

(1) قال تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (1)، و قال تعالى الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (2)، إلى غير ذلك مما

ص: 211


1- سورة آل عمران: 106.
2- سورة الحج: 42.

مسألة 1: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان

(مسألة 1): الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان (2)

______________________________

ذكره تعالى في كتابه الكريم.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر، و تعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات، و سلط بعضهم على بعض، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء» (1).

و قال أبو جعفر عليه السّلام: «إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، و تأمن المذاهب، و تحل المكاسب، و ترد المظالم، و تعمر الأرض، و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر» (2).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «لتأمرنّ بالمعروف، و لتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(2) بالأدلة الثلاثة:

فمن الكتاب قوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (4)، و ما تقدم من الآيات.

و من الإجماع إجماع المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

و من النصوص نصوص متواترة بين الفريقين:

ص: 212


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 18 و 6 و 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 18 و 6 و 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 18 و 6 و 4.
4- سورة آل عمران: 100.

كفائيان (3)، و المعروف يشمل الواجب و المندوب بل كل ما هو حسن عقلا،

______________________________

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك و لم يخف على نفسه و على أصحابه» (1).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام: قال: «أيّها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر فإنّ الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر لم يقربا أجلا و لم يباعدا رزقا» (2).

و عن أبي جعفر عليه السّلام: «بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر» (3).

و عن الصادق عليه السّلام: «ويل لقوم لا يدينون اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر» (4).

و يظهر من هذين الخبرين و من غيرهما أنّ ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من الكبائر لأنّه مما أوعد اللّه عليه النار و كل ما أوعد اللّه عليه النار يكون من الكبائر.

و يمكن الاستدلال عليه بالدليل العقلي أيضا بدعوى: أنّ في ترك مثل هذا الأمر الذي تقام به الفرائض و ما يقوم به الدّين و الدنيا يحتمل بل يقطع بالعقاب فيحكم العقل بالإتيان به فيكون مثل سائر الواجبات النظامية التي يحكم العقل بالإتيان بها بل المقام أولى لأنّ فيه حفظ نظام الدّين و الدنيا فاصل وجوبهما ثابت بالأدلة الأربعة.

(3) للسيرة، و لظواهر الأدلة مثل ما تقدم من قوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، و خبر مسعدة ابن صدقة قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

ص: 213


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 22 و 24 و 2 و 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 22 و 24 و 2 و 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 22 و 24 و 2 و 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 22 و 24 و 2 و 1.

.....

______________________________

أ واجب هو على الأمة جميعا؟ فقال عليه السّلام، لا، فقيل له: و لم؟ قال: إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعيف الذي لا يتهدى سبيلا إلى أيّ من أيّ يقول من الحق إلى الباطل، و الدليل على ذلك كتاب اللّه عزّ و جلّ قوله وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فهذا خاص غير عام، كما قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ يقول: مطيعا للّه عزّ و جلّ، و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له و لا عدد و لا طاعة، قال مسعدة: و سمعت أبا عبد اللّه يقول و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ما معناه؟ قال عليه السّلام: هذا على أن يأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه و إلا فلا» (1).

و المنساق مما ورد في الجهاد و الحدود و التعزيرات، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نحوها من النظاميات الكفائية بحسب مرتكزات الناس مطلقا إلا أن يعرض عنوان خارجيّ يدل على العينية. و لا وجه للتمسك بأصالة العينية، و ظواهر الأدلة مع هذه القرينة المحفوفة بها المانعة عن استفادة العينية، مع أنّ الكل متفقون على سقوط الأمر بقيام البعض.

و تظهر الثمرة في وجوب قيام الكل ابتداء. فمن يقول بالعينية يقول بالوجوب، و من يقول بالكفائية يكتفي بقيام البعض. هذا مع عدم العلم بكفاية قيام البعض، و أما معه فلا وجه لقيام الكل و ربما يستنكر ذلك عرفا.

ثمَّ إنّه يسمّى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالحسبة أيضا و هي من الاحتساب بمعنى الأجر و الثواب، و قد اصطلح بعض في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بكتاب الحسبة، و أدخل فيه الحدود و التعزيرات و نحوهما.

و قد اصطلح الفقهاء بالأمور الحسبية في جملة من إجازاتهم، و هي:

ص: 214


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.

فيجب بالنسبة إلى الواجب، و يندب بالنسبة إلى المندوب و يحسن في غيرهما (4).

مسألة 2: ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف بالنسبة إلى المندوبات

(مسألة 2): ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف بالنسبة إلى المندوبات بكمال الرفق حتى لا يوجب الانزجار عنها أو عن غيرها (5).

______________________________

الأمور النظامية التي علم برضاء الشارع بإتيانها و ترغيبه إليها، و لكنّه يحتمل اشتراطها بإذن الحاكم الشرعي و هي كثيرة جدّا، و يحتمل في اعتبار إذنه توقف أصل الصدور عليه فلا يصح بدونه و أن يكون إحراز إتيانه جامعا للشرائط متوقفا عليه فتصح لو أتى بها أحد جامعا للشرائط و إن كان بدون إذنه ما لم تترتب عليه مفسدة، و قد اخترنا في بعض المباحث الثاني و يأتي التفصيل في المواضع المناسبة كالقضاء إن شاء اللّه تعالى.

(4) لتسالم الكل على انقسام المعروف إلى ما ذكر، و إطلاق الأمر بالمعروف و عمومه و الترغيب إليه بالسنة شتّى يشمل الجميع، فالأمر مستعمل في أصل الوجوب و الاستحباب، و مطلق الرجحان بالنسبة إلى المندوب و ما هو حسن عقلا يستفاد من القرائن الخارجية خصوصا مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الدال على الخير كفاعله» (1).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به فهو شريك، و من أمر بسوء أو دل عليه أو أشار به فهو شريك» (2).

و عنه عليه السّلام: «لا يتكلم الرجل بكلمة حق يؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها و لا يتكلم بكلمة ضلال يؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها» (3).

(5) لخبر عمار بن أبي الأحوص- الذي يشهد متنه لصدقه- قال: «قلت

ص: 215


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 19 و 21.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر و النهي حديث: 19 و 21.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الأمر و النهي حديث: 4.

..........

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ عندنا قوما يتولّون أمير المؤمنين عليه السّلام و يفضلونه على الناس كلهم و ليس يصفون من نصف من فضلكم أ نتولّاهم؟ فقال لي: نعم في الجملة، أ ليس عند اللّه ما لم يكن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند اللّه ما ليس لنا، و عندنا ما ليس عندكم، و عندكم ما ليس عند غيركم؟ إنّ اللّه وضع الإسلام على سبعة أسهم: على الصبر و الصدق و اليقين و الرضا و الوفاء و العلم و الحلم، ثمَّ قسّم ذلك بين الناس، فمن جعل فيه هذه السبعة الأسهم فهو كامل محتمل ثمَّ قسّم لبعض الناس السهم، و لبعضهم سهمين، و لبعض الثلاثة الأسهم و لبعض الأربعة الأسهم، و لبعض الخمسة الأسهم، و لبعض الستة الأسهم و لبعض السبعة الأسهم، فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين، و لا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم، و لا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم، و لا على صاحب الأربعة خمسة أسهم، و لا على صاحب الخمسة ستة، و لا على صاحب الستة سبعة أسهم، فتثقلوهم و تنفّروهم و لكن ترفّقوا بهم و سهّلوا لهم المدخل، و سأضرب لك مثلا تعتبر به.

إنّه كان رجل مسلم و كان له جار كافر، و كان الكافر يرافق المؤمن فلم يزل يزين له الإسلام حتى أسلم فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى المسجد ليصلي مع الفجر جماعة فلما صلّى قال له: لو قعدنا نذكر اللّه حتى تطلع الشمس فقعد معه فقال له: لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس و صمت اليوم كان أفضل، فقعد معه و صام حتى صلّى الظهر و العصر فقال له: لو صبرت حتى تصلي المغرب و العشاء الآخرة كان أفضل، فقعد معه حتى صلّى المغرب و العشاء الآخرة ثمَّ نهضا، و قد بلغ مجهوده و حمل عليه ما لا يطيق، فلما كان من الغد غدا عليه و هو يريد مثل ما صنع بالأمس فدق عليه بابه ثمَّ قال له: اخرج حتى نذهب إلى المسجد، فأجابه أن انصرف عنّي فإنّ هذا دين شديد لا أطيقه فلا تخرقوا بهم، أما علمت أنّ إمارة بني أمية كانت بالسيف و العسف و الجور،

ص: 216

مسألة 3: المنكر يشمل المحرّمات و المكروهات، فيجب بالنسبة إلى الأولى

(مسألة 3): المنكر يشمل المحرّمات و المكروهات، فيجب بالنسبة إلى الأولى، و يستحب بالنسبة إلى الأخيرة (6).

مسألة 4: يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أمور

اشارة

(مسألة 4): يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أمور:

الأول: أن يكون الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر عالما

الأول: أن يكون الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر عالما بأنّه معروف أو منكر (7).

______________________________

و أنّ إمامتنا بالرفق و التألّف و الوقار و التقية و حسن الخلطة و الورع و الاجتهاد فرغّبوا الناس في دينكم و في ما أنتم فيه» (1).

(6) لعين ما تقدم في المعروف من غير فرق بينهما في ذلك فالدليل فيهما واحد.

(7) لتقوم الأمر و النهي عرفا- و عند العقلاء- بالعلم بمفادهما، مضافا إلى الإجماع، و النص قال الصادق عليه السّلام في خبر مسعدة- المتقدم-: «إنّما هو على القوىّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلا» (2).

و لأنّ ذلك هو المنساق من الأدلة عرفا و يشهد له العرف و الاعتبار أيضا، فيكون أصل الوجوب مشروطا بالعلم فلا يجب على الجاهل مطلقا.

و نسب إلى الشهيد الثاني، و الكركي احتمال أنّ الوجوب مطلقا فيجب تحصيل العلم بهما ثمَّ الإتيان بهما كما في الصلاة- مثلا- بالنسبة إلى الطهارة و القبلة و نحوهما من الشرائط.

ص: 217


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.

الثاني: احتمال التأثير

الثاني: احتمال التأثير فلو اطمأنّ بعدم التأثير لا يجب (8) و لكن لو

______________________________

و فيه: أنّه مخالف للسيرة و الإجماع، و المنساق من أدلة وجوبهما، فأصالة الإطلاق في الوجوب محكومة بها و لا وجه للتمسك بالأصل معها فالمرجع حينئذ أصالة البراءة عن الوجوب مع الشك فيه لأنّ الشك في أصل التكليف مع فقد الشرط.

(8) لأصالة البراءة بعد انصراف الأدلة عن صورة الاطمئنان بعدم الأثر فيكون الوجوب لغوا حينئذ إن لم تكن مصلحة أخرى له في البين مع إمكان دعوى ظهور الأدلة أيضا فيما إذا احتمل التأثير ظهورا عرفيا بمناسبة الحكم و الموضوع و هي احتمال تحقق العمل بالمعروف و الترك في المنكر. نعم، لو كان المدار على التأكيد في إتمام الحجة كان للوجوب وجه حتى مع العلم بعدم الأثر. قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر على ان يأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه و إلا فلا» (1).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط أو سيف فلا» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه قيل له و كيف ذلك؟

قال عليه السّلام: يتعرّض لما لا يطيق» (3).

و عنه عليه السّلام: «ما يمنعكم إذا بلغكم عمّا تكرهون و ما يدخل علينا به الأذى.

أن تأتوه فتؤنبوه و تعذلوه و تقولوا له قولا بليغا قلت: جعلت فداك إذا لا يقبلون منا قال: اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم» (4).

ص: 218


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3.

ترتب عليه مصلحة أخرى ملزمة يجب من تلك الجهة (9). نعم، لا إشكال في أصل الجواز (10) بل الرجحان حتى مع الاطمئنان بعدم الأثر ان لم تترتب عليه المفسدة (11)، و لا فرق في احتمال ترتب الأثر بين أن يكون حاليا أو استقباليا (12).

الثالث: أن يكون الفاعل للمنكر و التارك للواجب مصرّا على ذلك أيضا

الثالث: أن يكون الفاعل للمنكر و التارك للواجب مصرّا على ذلك أيضا (13).

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة في اعتبار احتمال الأثر احتمالا معتدا به عرفا.

(9) لفرض وجود المصلحة الملزمة الموجبة للوجوب و لكنّه خارج عن مورد البحث.

(10) للأصل و الجمود على بعض الإطلاقات (1).

(11) لأنّ إظهار الحق و إذاعته راجح على كل حال و في تمام الأحوال لكن مع عدم مفسدة في البين.

(12) لإطلاق الأدلة الشامل لكل منهما.

(13) للإجماع، و لأنّه المتيقن من الأدلة فيكون المرجع في غيره أصالة البراءة، بل قد يحرم إن انطبق عليه عنوان التوبيخ و التعبير على الذنب و إشاعة الفاحشة.

ثمَّ إنّ الإصرار. تارة: محرز بالوجدان.

و أخرى: بأمارة معتبرة.

و ثالثة: محرز عدمه بالعلم أو الأمارة المعتبرة.

ص: 219


1- تقدّمت في خاتمة كتاب الجهاد.

الرابع: أن لا يكون فيهما مضرّة بالنسبة إليه أو إلى ماله أو عرضه

الرابع: أن لا يكون فيهما مضرّة بالنسبة إليه أو إلى ماله أو عرضه، أو إلى أحد من المسلمين في الحال أو المآل (14)، و يكفي فيه مجرد الخوف المعتد

______________________________

و رابعة: مشكوك.

و لا ريب في وجود موضوعهما في الأولين كما لا ريب في عدمه في الثالثة، و مقتضى أصالة البراءة و قاعدة الصحة، و ظهور حال المسلم عدم الوجوب في الأخيرة أيضا.

(14) نصّا، و إجماعا قال الرضا عليه السّلام في خبر ابن شاذان: «الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان إذا أمكن و لم يكن خيفة على النفس» (1).

و عن الصادق عليه السّلام في خبر مسعدة: «و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوّة و لا عدد و لا طاعة» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا: «من تعرّض لسلطان جائر فأصابته بليّة لم يؤجر عليها و لم يرزق الصبر عليها» (3)، و يدل عليه أيضا قاعدة نفي الضرر و الحرج و سهولة الشريعة.

و احتمال التعارض بينها و بين أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا وجه له، لأنّ مثل هذه الأدلة حاكمة على الإطلاقات و العمومات فلا وجه لتوهم التعارض ثمَّ ملاحظة الترجيح بينها.

و أما قول الباقر عليه السّلام في خبر ابن عصمة: «يكون في آخر الزمان قوم ينبع فيهم قوم مراؤن فينفرون و ينسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إلّا إذا آمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير- إلى أن

ص: 220


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 8.

به عند العقلاء (15) و لا فرق بين أن يكون الخوف على نفسه أو على أحد من المسلمين (16).

الخامس: أن لا يكون التارك للمعروف و الآتي للمنكر معذورا

الخامس: أن لا يكون التارك للمعروف و الآتي للمنكر معذورا و الا فلا يجبان (17)، كما في المسائل الخلافية الاجتهادية (18).

______________________________

قال- هنالك يتم غضب اللّه عليهم فيعمهم بعقوبة» (1) فمحمول على طائفة خاصة من الناس يدعون العلم و ليسوا بعالمين و لا مقتدين بعالم في أعمالهم.

(15) لأنّه المدار في غالب الأحكام في شرع الإسلام ما لم يدل دليل على الخلاف مضافا الى قاعدة نفي الضرر و الحرج كما تقدم.

(16) لظهور الاتفاق على التعميم هذا مضافا إلى إطلاق بعض ما مرّ من الأخبار (2).

(17) لانتفاء موضوع الوجوب حينئذ، لأنّ موضوعه إنّما هو تحقق الإصرار على الإثم في ترك المعروف أو فعل المنكر و لا إثم مع العذر.

(18) مثل ما إذا كان الشي ء غير معروف عند أحد- اجتهادا أو تقليدا- و كان معروفا عند آخر- كذلك- و تركه الأول فلا مورد لوجوب الأمر بالمعروف، لما تقدم آنفا و هكذا في المنكر و ستأتي فروع اخرى تتعلق بذلك.

ثمَّ إنّه قد نسب إلى بعض العلماء اعتبار شرط آخر و هو: أن يكون الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر عاملا بما يأمر و تاركا لما ينهى عنه، لقوله تعالى:

أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (3)، و قوله تعالى لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (4)، و كذا قوله تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (5).

ص: 221


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6.
2- تقدم في صفحة: 148.
3- سورة البقرة: 44.
4- سورة الصف: 2- 3.
5- سورة الصف: 2- 3.

مسألة 5: لو شك في تحقق بعض شرائط الوجوب- المتقدمة فلا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

(مسألة 5): لو شك في تحقق بعض شرائط الوجوب- المتقدمة فلا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (19).

______________________________

و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر محمد بن أبي عمير: «إنّما يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يؤمر به، تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى» (1).

و فيه: أنّها إما في مقام الترغيب إلى العمل بالمعروف و المنكر كالآيات المتقدمة. أو في مقام بيان المرتبة الكاملة من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كالإمام المعصوم عليه السّلام و من تابعه متابعة عملية من كل جهات لا قولية فقط، فلا ربط لها بالمقام.

(19) لأصالة البراءة بعد عدم صحة التمسك بالإطلاقات، لأجل الشك في الموضوع، بل هناك قاعدة لا بد من التنبيه عليها و هي:

قاعدة حرمة إيذاء المؤمن و إضراره نفسا و مالا إلا ما خرج بالدليل القطعي، و مدرك هذه الأدلة الأربعة:

فمن العقل حكمه الجزمي البتي بقبح الظلم و الإيذاء، و الإيذاء ظلم.

و من الإجماع إجماع المسلمين، بل العقلاء.

و من الكتاب آيات كثيرة:

منها: قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (2).

و من السنة ما تكون فوق التواتر بين الفريقين بالسنة شتى ففي الكافي عن الصادق عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من المؤذون لأوليائي فيقوم قوم

ص: 222


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3.
2- سورة الأحزاب: 58.

مسألة 6: لإنكار المنكر مراتب

(مسألة 6): لإنكار المنكر مراتب:

الأولى: إظهار الانزجار القلبي و الكراهة القلبية.

الثانية: الإظهار بالقول و اللسان.

الثالثة: باليد و الفعل (20).

______________________________

ليس على وجوههم لحم فيقال هؤلاء الذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم» و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر محمد بن أبي عمير: «إنّما يأمر بالمعروف و عاندوهم و عنفوهم في دينهم ثمَّ يؤمر بهم إلى جهنم» (1).

و عن الباقر عليه السّلام: «لا تؤذي المؤمن و لا تجهل على الجاهل» (2).

و في النبوي المعروف: «إنّ اللّه يعذّب الذين يعذبون الناس في الدنيا» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، و قد أرسل صاحب الجواهر هذه القاعدة إرسال المسلّمات.

و على هذا تكون موارد الشك في جواز الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حراما إن ترتب عليهما الأذية و الإضرار فلا بد من ملاحظة هذه الجهة و للإيذاء و الإضرار مراتب متفاوتة جدّا، و مقتضى الأدلة حرمة جميع مراتبهما.

نعم، مع اجتماع شرائط جواز الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ينتفي موضوع الحرمة كما في جميع موارد إقامة الحدود و التعزيرات.

(20) إجماعا، و نصوصا، بل وجدانا بالنسبة إلى المراتب الثلاثة قال الباقر عليه السّلام في خبر جابر: «فأنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم و صكوا بها جباههم و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فإن اتعظوا و إلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ

ص: 223


1- راجع تفسير الصافي ج: 2 صفحة: 366 و في الوسائل باب: 145 من أبواب العشرة.
2- راجع تفسير الصافي ج: 2 صفحة: 366 و في الوسائل باب: 145 من أبواب العشرة.
3- سنن أبي داود باب: 31 من أبواب الخراج و الأمارة حديث: 3045.

و لكل من هذه المراتب الثلاثة مراتب متفاوتة أيضا الأيسر فالأيسر، و لا تصل النوبة إلى كل لاحق من حصول المقصود بالسابق (21)، فيجب دفع المنكر بالقلب أولا بإظهار الكراهة، و إن لم ينفع ذلك انتقل إلى الإعراض و اقتصر على الأيسر فالأيسر و إن لم ينفع ذلك انتقل إلى اللسان مع مراعاة الأيسر من القول فالأيسر و لو لم ينفع ذلك انتقل إلى الضرب (22).

______________________________

أولئك لهم عذاب أليم هناك فجاهدوهم بأبدانكم و أبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا و لا مرتدين بالظلم ظفرا حتى يفيؤا إلى أمر اللّه و يمضوا على طاعته» (1)، و عن عليّ عليه السّلام: «من ترك إنكار المنكر بقلبه و لسانه فهو ميت بين الأحياء» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار مما يستفاد منها المراتب الثلاثة.

ثمَّ إنّ الإنكار القلبيّ يتصوّر على وجوه:

الأوّل: مجرد الاعتقاد بحرمة المحرّمات، كالاعتقاد بوجوب الواجبات إجمالا.

الثاني: الاعتقاد بأصل وجوب النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف و ليس كل منهما من النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف في شي ء.

الثالث: إظهار الكراهة القلبية عن العصاة بكل طريق يكون مظهرا لها، و مراد الفقهاء بالإنكار القلبي ذلك دون الوجهين الأولين.

(21) لظهور مجموع الأدلة في ذلك، مضافا إلى الاتفاق عليه، و لقاعدة حرمة إيذاء المؤمن و إضراره- التي تطابقت الأدلة الأربعة عليها- المقتصر في الخروج عنها على خصوص الأيسر فالأيسر.

(22) للإجماع على ذلك كله، و هذا هو المأنوس بمذاق الشرع و كمال

ص: 224


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الأمر و النهي حديث: 4.

.....

______________________________

رفقة في الأمور و هو المنساق من الأدلة، إذ المراد من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر البعث و الحمل على ذلك بإيجاد المعروف خارجا و التجنب عن المنكر كذلك، و حمل تارك المعروف على الفعل و فاعل المنكر على الترك لا يحصل إلا بما قلناه.

و أما ما ورد في تفسير قوله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً (1) مما ظاهره كفاية القول فقط من قول الصادق عليه السّلام في خبر عبد الأعلى مولى آل سام:

«جلس رجل من المسلمين يبكي و قال: أنا عجزت عن نفسي و كلفت أهلي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك و تنهاهم عما تنهى عنه نفسك» (2).

و في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «كيف نقي أهلنا؟

قال عليه السّلام تأمرونهم و تنهونهم» (3).

و في خبره الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «قلت: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر اللّه و تنهاهم عما نهاهم اللّه فإن أطاعوك فقد وقيتهم و إن عصوك كنت قد قضيت ما عليك» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار فلا بد من تقييدها بغيرها كقوله عليه السّلام: «ما جعل اللّه بسط اللسان و كف اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفان معا» (5).

ثمَّ إنّه يعتبر في الضرب أن لا يكون موجبا للجرح و القتل و إلا فيتوقف على إذن الحاكم الشرعي الجامع للشرائط المبسوط اليد إجماعا.

و أما ما يظهر منه جواز القتل و الضرب مطلقا فلا بد من حمله على تصدّي نفس الإمام عليه السّلام أو على ثبوت إذن خاص منه كخبر عبد الرحمن قال: «إني سمعت عليّا عليه السّلام يقول يوم لقينا أهل الشام: أيّها المؤمنون إنّه من رأي عدوانا

ص: 225


1- سورة التحريم: 6.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 2 و 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 2 و 3.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 2 و 3.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.

مسألة 7: أعظم مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

(مسألة 7): أعظم مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أشدّها تأثيرا خصوصا بالنسبة إلى العلماء هو أن يلبس رداء المعروف- واجبه و مندوبه- و ينزع رداء المنكر محرّمه و مكروهة و يحلي نفسه بالأخلاق الكريمة الفاضلة و يتخلّى عن الأخلاق الذميمة و هذا هو أشدّ تأثيرا من سائر المراتب خصوصا إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة و الترغيب و الترهيب وفق اللّه جميع الناس- خصوصا العلماء- لذلك (23).

مسألة 8: لا يجوز إقامة الحدود إلا للإمام مع بسط يده

(مسألة 8): لا يجوز إقامة الحدود إلا للإمام مع بسط يده أو من نصبه الإمام عليه السّلام لذلك خاصة (24)، و يجوز للفقهاء الجامعين للشرائط في عصر

______________________________

يعمل به و منكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ، و من أنكره بلسانه فقد أجر و هو أفضل من صاحبه، و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين» (1).

و قول الباقر عليه السّلام في خبر جابر: «أنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكوا بها جباههم و لا تخافوا في اللّه لومة لائم» (2)، يمكن حملهما على تحقق بسط اليد، و عدم الأثر للمراتب السابقة.

(23) إجماعا من الفقهاء بل العقلاء وجدانا، و نصوصا كثيرة قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، و إذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول اللّه و من هما؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: الفقهاء و الأمراء» (3).

و قال عليّ عليه السّلام: «زلة العالم كانكسار السفينة تغرق و تغرق» (4)، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

(24) إجماعا من الإمامية بل المسلمين، و لظواهر النصوص التي يأتي

ص: 226


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأمر و النهي حديث: 8 و 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الأمر و النهي حديث: 8 و 1.
3- البحار ج: 2 باب: 11 من أبواب كتاب العلم حديث: 10 و 39 ط: طهران.
4- البحار ج: 2 باب: 11 من أبواب كتاب العلم حديث: 10 و 39 ط: طهران.

الغيبة أيضا مع الأمن من الضرر (25)، و يجب على الناس مساعدتهم على ذلك (26).

______________________________

التعرض لها في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى، مع أنّه يلزم الفساد بإيكال ذلك إلى عامة الناس و سوادهم.

(25) على المشهور بل المجمع عليه لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في المقبولة: «انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فلترضوا به حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم اللّه استخف و علينا رد و الراد علينا راد على اللّه تعالى و هو على حدّ الشرك باللّه عزّ و جل» (1).

و كذا قوله عليه السّلام في مقبول أبي خديجة: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا عليه» (2).

و قول الحجة «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف»: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه» (3)، إذ المنساق من الجميع أنّ الشؤون الدينية التي تكون للإمام و يجوز له عليه السّلام إيكالها إلى نوابه الخاصة يتصدّى لها نائب الغيبة مع تحقق الشرائط.

(26) إجماعا من المسلمين، و لأنّه من أهمّ موارد المساعدة لإقامة شعائر الدّين، و يصح التمسك بإطلاقات أدلة إقامة الحدود و عموماتها خرج منها العاميّ و بقي الفقيه الجامع للشرائط فلا مخصّص و مقيّد في البين، و يشهد له ما

ص: 227


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 5.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

مسألة 9: للفقيه الجامع للشرائط الإذن في مجرد إقامة الحدود لغيره

(مسألة 9): للفقيه الجامع للشرائط الإذن في مجرد إقامة الحدود لغيره من أفراد المؤمنين مع وجود المقتضي و فقد الموانع (27) و لو أقام أحد من المؤمنين حدّا على شخص بدون الإذن من الحاكم الشرعي مع ثبوت

______________________________

دل على أنّهم ورثة الأنبياء (1)، و أنّه لو لا العلماء لما عرف الحق من الباطل (2).

و قال في الجواهر في ذيل كلامه في إثبات ولاية الفقيه: «بأنّ الضرورة قاضية بذلك في قبض الحقوق العامة و الولايات و نحوها بعد تشديدهم في النهي عن الرجوع إلى قضاة الجور و علمائهم و حكامهم، بعد علمهم بكثرة شيعتهم في جميع الأطراف طول الزمان و بغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل في النصوص- إلى أن قال رحمه اللّه-: فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى أدلة».

أقول: مقتضى العرف و العادة في جميع المذاهب و الأديان و الملل و النحل أن يكون لعالمهم القائم مقام إمامهم أو نبيّهم جميع ما كان للإمام و النبيّ من الشؤون الدينية و المناصب مطلقا إلا ما خرج بالدليل و بحسب هذا الارتكاز يترغب الناس من العلماء صدور الكرامة و المعجزة أيضا.

إن قيل: فما الوجه في النصوص المشتملة على أنّ الحدود للإمام عليه السّلام فإنّها ظاهرة الاختصاص به عليه السّلام؟

يقال: إنّ المراد به إنّما هو الجعل الأولىّ، فإنّه عليه السّلام هو الذي جعله له هذا المنصب أولا ثمَّ هو يجعله لمن يقوم مقامه في العلم و العمل كالفتوى و القضاوة مثلا.

(27) لأنّ الظاهر أنّ نظره شرط لا أن يكون لمباشرته موضوعية خاصة.

ص: 228


1- الوسائل باب: 8 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 30.

الموضوع شرعا لديه ثمَّ استجاز من الحاكم الشرعيّ صح (28).

مسألة 10: لو ثبت موضوع الحدّ عند حاكم شرعيّ

(مسألة 10): لو ثبت موضوع الحدّ عند حاكم شرعيّ و ثبت عدمه عند حاكم شرعيّ آخر يشكل الحكم بثبوت الحدّ (29).

مسألة 11: لو اضطره السلطان إلى إقامة حدّ جاز له إجابته ما لم يكن قتل نفس ظلما

(مسألة 11): لو اضطره السلطان إلى إقامة حدّ جاز له إجابته (30) ما لم يكن قتل نفس ظلما (31).

مسألة 12: يجوز لكل أحد إقامة الحدّ الثابت شرعا

(مسألة 12): يجوز لكل أحد إقامة الحدّ الثابت شرعا و لو كان قتلا- لو

______________________________

(28) لأنّ المسألة من صغريات جريان الفضولية في مثل هذه الأمور و قد مر أنّها مطابقة للقاعدة إلا ما خرج بالدليل.

(29) لاحتمال أن يكون مثل هذه الموارد داخلا في عموم قوله عليه السّلام:

«ادرؤا الحدود بالشبهات» (1)، مع أنّه بعد تعارض مدرك الحكمين لا يبقى مدرك معتبر للحكم فيرجع إلى أصالة احترام النفوس و عدم التعرض لها و يأتي في الحدود بعض ما يرتبط في المقام إن شاء اللّه تعالى.

(30) لأنّه: «ما من شي ء حرّمه اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (2)، و تدل عليه مضافا إلى الإجماع عمومات أدلّة التقية التي تكرّر ذكرها في هذا الكتاب.

(31) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية» (3).

و الظاهر أنّ المراد به قتل النفس فلا يشمل مطلق الجرح، و في بعض العبارات «لا تقية في مثل النفوس».

ص: 229


1- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 6 (كتاب الصلاة).
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر و النهي الحديث: 2.

كان مجبورا على ذلك (32).

مسألة 13: لو تولى أحد من الإمامية من طرف الجائر و كان قادرا بذلك

(مسألة 13): لو تولى أحد من الإمامية من طرف الجائر و كان قادرا بذلك على إقامة الحدود يجوز له إقامتها بعد الاستيذان من الحاكم الشرعي (33).

مسألة 14: للمالك إقامة الحدّ على مملوكه بعد ثبوته و علمه بخصوصياته

(مسألة 14): للمالك إقامة الحدّ على مملوكه بعد ثبوته و علمه بخصوصياته (34)،

______________________________

(32) للإجماع، و إطلاق أدلة الاضطرار و التقية بلا مخصص و لا مقيد في البين، و المفروض أنّ القتل ثابت شرعا فلا يشمله قوله عليه السّلام: «فإذا بلغ الدم فلا تقية» (1) لاختصاصه بما إذا كان ظلما و عدوانا.

(33) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع، و يجوز للحاكم الشرعي أن يوكله في إقامتها عنه.

(34) على المشهور، لأنّه من شؤون ولايته، و للنبوي: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم» (2)، و خبر ابن مصعب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جارية لي زنت أحدّها؟ قال عليه السّلام: نعم، و لكن في سرّ، فإنّي أخاف عليك السلطان» (3).

و خبر ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام: «سأله عن رجل هل يصلح له أن يضرب مملوكه في الذنب يذنبه قال عليه السّلام: يضربه على قدر ذنبه إن زنى جلده، و إن كان غير ذلك فعلى قدر ذنبه السوط أو السوطين و شبهه و لا يفرّط في العقوبة» (4).

و الكل قابل للخدشة لأنّ شمول ولايته لمثل ذلك ممنوع، و النبويّ قاصر سندا و الأخيرين يمكن حملهما على تحقق الإذن من الإمام عليه السّلام.

ص: 230


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب مقدمات الحدود حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب مقدمات الحدود حديث: 6.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب مقدمات الحدود حديث: 8.

و الأحوط الاستيذان من الحاكم الشرعي (35)، كما أنّ الأحوط في الوالد و الزوج عدم إقامتهما الحدّ على الولد الزوجة إلا بعد الاستيذان منه (36).

______________________________

(35) ظهر وجه الاحتياط مما سبق.

(36) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق و إن ذهب جمع منهم الشهيد رحمه اللّه إلى أنّ لهما ذلك مطلقا و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه إلا دعوى أنّ ذلك من فروع حقهما، و لجواز ضربهما للتأديب فيجوز ذلك أيضا.

و الأول عين الدعوى، و الأخير قياس و يأتي في الحدود ما ينفع المقام إن شاء اللّه تعالى.

ص: 231

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: لو ادعى تارك المعروف و فاعل المنكر عذرا يسقط وجوبهما حينئذ

(مسألة 1): لو ادعى تارك المعروف و فاعل المنكر عذرا يسقط وجوبهما حينئذ (1).

مسألة 2: يجب أمر الأهل و الأولاد بالمعروف و نهيهم عن المنكر

(مسألة 2): يجب أمر الأهل و الأولاد بالمعروف و نهيهم عن المنكر (2).

______________________________

فصل

(1) لأصالة البراءة بعد عدم صحة التمسك بأدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك بالنسبة إلى الأدلة اللفظية و المتيقن من الدليل اللبّي غير ذلك، مضافا الى ظهور حال المسلم، و قاعدة الصحة و سيأتي في مسائل التتميم ما يتعلق بالمقام.

(2) للأدلة الثلاثة- بل الأربعة-:

أما الكتاب فقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً (1).

و من السنة أخبار كثيرة تقدم بعضها ففي خبر أبي بصير: «قلت له كيف أقيهم؟ قال عليه السّلام: تأمرهم بما أمر اللّه، و تنهاهم عما نهاهم اللّه، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، و إن عصوك كنت قد قضيت ما عليك» (2).

ص: 232


1- سورة التحريم: 6.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.

مسألة 3: لا يجوز إسخاط الخالق لأجل رضاء المخلوق

(مسألة 3): لا يجوز إسخاط الخالق لأجل رضاء المخلوق (3).

______________________________

و في خبر مولى آل سام قال: «لما نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً جلس رجل من المسلمين يبكي، و قال: أنا عجزت عن نفسي، كلفت أهلي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، و تنهاهم عما تنهى عنه نفسك» (1).

و من الإجماع من المسلمين على اختلاف آرائهم و عقائدهم.

و أما العقل فحكمه البتيّ بأولوية وجوب نجاة النفس و الأهل من المهالك من غيرهم.

(3) لنصوص مستفيضة بين الفريقين:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر صفوان: «لا تسخطوا اللّه برضى أحد من خلقه، و لا تتقرّبوا إلى الناس بتباعد من اللّه» (2).

و عنه عليه السّلام في تفسير قوله عزّ و جلّ وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا قال عليه السّلام: ليس العبادة هي السجود و الركوع إنّما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده» (3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المستفيض عنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (4).

و عن الباقر عليه السّلام: «من طلب مرضاة الناس بما يسخط اللّه عزّ و جلّ كان حامده من الناس ذاما، و من آثر طاعة اللّه عزّ و جلّ بما يغضب الناس كفاه اللّه عزّ و جلّ عداوة كل عدوّ و حسد كل حاسد، و بغي كل باغ و كان اللّه له ناصرا

ص: 233


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 12 و 7.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 12 و 7.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 12 و 7.

مسألة 4: يجب إظهار الكراهة عن المنكر و الإعراض عن فاعله مع الإمكان

(مسألة 4): يجب إظهار الكراهة عن المنكر و الإعراض عن فاعله مع الإمكان (4).

مسألة 5: لا بد من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالقلب ثمَّ باللسان ثمَّ باليد

(مسألة 5): لا بد من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالقلب ثمَّ باللسان ثمَّ باليد (5) بل لا بد من إنكار المنكر بالقلب و عدم الرضاء به على كل

______________________________

و ظهيرا» (1).

و في حديث نافع عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «السمع و الطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ ذكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة» (2).

و عن علي عليه السّلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «لا طاعة في معصية اللّه إنّما الطّاعة في المعروف» (3).

(4) لجملة من الأخبار:

منها: قول الصادق عليه السّلام في خبر السكوني قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نلقي أهل المعاصي بوجوه مكفرة» (4).

و عنه عليه السّلام أيضا قال: «إنّ اللّه بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلما انتهيا إلى المدينة فوجدا فيها رجلا يدعو و يتضرّع- إلى أن قال- فعاد أحدهما إلى اللّه، فقال: يا ربّ إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك و يتضرّع إليك فقال تعالى: امض لما أمرتك به فإنّ ذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(5) لجملة من النصوص:

ص: 234


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.
2- سنن أبي داود باب: 87 من أبواب الجهاد حديث: 2626 و 2125.
3- سنن أبي داود باب: 87 من أبواب الجهاد حديث: 2626 و 2125.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.

حال (6).

مسألة 6: يجب الغضب للّه بما غضب به لنفسه

(مسألة 6): يجب الغضب للّه بما غضب به لنفسه (7).

______________________________

منها: قول عليّ عليه السّلام: «أيها المؤمنون إنّه من رأي عدوانا يعمل به و منكرا يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ، و من أنكره بلسانه فقد أجر، و هو أفضل من صاحبه، و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين» (1).

و تقدم ما يدل على هذا الترتيب.

(6) لجملة من الأخبار:

منها: ما عن الصادق، عن أبيه، عن عليّ عليهم السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه، و من غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده» (2).

و عن عليّ عليه السّلام: «العامل بالظلم و الراضي به و المعين عليه شركاء ثلاثة» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: إنّما يجمع الناس الرضا و السخط، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه، و من سخط فقد خرج منه» (4).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لو أنّ أهل السموات و الأرض لم يحبوا أن يكونوا شهدوا مع رسول اللّه لكانوا من أهل النار» «5»، إلى غير ذلك من الأخبار.

(7) لجملة من النصوص- مضافا إلى الإجماع-:

منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في خبر جابر: «أوحى اللّه إلى شعيب النبيّ عليه السّلام:

اني معذب من قومك مائة ألف: أربعين ألفا من شرارهم، و ستين ألفا من

ص: 235


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الأمر و النهي حديث: 8.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 9 و 10.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 9 و 10.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 9 و 10.

مسألة 7: من أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه، و الإعطاء في اللّه

(مسألة 7): من أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه، و الإعطاء في اللّه، و المنع في اللّه (8) و من ذلك لزوم حبّ المؤمن و بغض الكافر و عدم جواز العكس (9).

______________________________

خيارهم فقال عليه السّلام: يا ربّ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟! فأوحى اللّه عزّ و جل إليه: داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي» (1).

(8) لنصوص متواترة بين الفريقين:

منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في خبر ابن المستنير: «ود المؤمن للمؤمن في اللّه من أعظم شعب الإيمان ألا و من أحبّ في اللّه و أبغض في اللّه و أعطى في اللّه و منع في اللّه فهو من أصفياء اللّه» (2).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر الحذاء: «من أحبّ للّه و أبغض للّه و أعطى للّه فهو ممن كمل إيمانه» (3).

و قال عليه السّلام أيضا في خبر سعيد الأعرج: «من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في اللّه و تبغض في اللّه و تعطي في اللّه و تمنع في اللّه» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

(9) يدل عليه نصوص متواترة:

منها: قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه و البغض في اللّه، و توالي أولياء اللّه و التبري من أعداء اللّه» (5).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «أحبوا في اللّه من وصف صفتكم، و أبغضوا في اللّه من خالفكم، و ابذلوا مودتكم و نصيحتكم لمن وصف صفتكم، و لا تبذلوه لمن

ص: 236


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3 و 1 و 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3 و 1 و 2.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3 و 1 و 2.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب الأمر و النهي حديث: 4.

مسألة 8: لا بد من العمل بالمعروف ثمَّ الأمر به و ترك المنكر

(مسألة 8): لا بد من العمل بالمعروف ثمَّ الأمر به و ترك المنكر ثمَّ النهي عنه (10).

مسألة 9: ينبغي إقامة السنن الحسنة و إجراء العادة الخيرية

(مسألة 9): ينبغي إقامة السنن الحسنة و إجراء العادة الخيرية و الأمر بها و تعلّمها و لا يجوز إجراء العادة السيئة (11)، خصوصا بالنسبة إلى الأهل

______________________________

يرغب عن صفتكم» (1)، إلى غير ذلك من النصوص.

(10) لما يظهر من جملة من الأخبار:

منها: قول عليّ عليه السّلام: «لعن اللّه الآمرين بالمعروف و التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به» (2).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: «يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار و إنّما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم و تأديبكم؟! فيقولون: إنّا كنّا نأمركم بالخير و لا نفعله» (3)، و تقدمت روايات اخرى فراجع.

(11) للأدلة العقلية و النقلية:

أما الأولى: فلأنّه من إقامة الخير و إشاعته في القسم الأول و إشاعة الشرّ في الثاني و فطرة العقول تحكم بحسن الأول و قبح الثاني.

و أما الثانية فلنصوص مستفيضة:

منها: خبر أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من علم خيرا فله مثل أجر من علم به قلت: فان علمه غيره يجري ذلك له؟ قال عليه السّلام: إنّ علمه الناس كلهم جرى له. قلت: فإن مات؟ قال عليه السّلام: و إن مات» (4).

ص: 237


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9 و 12.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9 و 12.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.

و الأولاد (12)، و من ذلك دعوة الناس إلى الإيمان باللّه تعالى مع رجاء القبول و عدم المحذور (13).

مسألة 10: يجب التقية مع احتمال الضرر في تركها

(مسألة 10): يجب التقية مع احتمال الضرر في تركها (14) بل و لو لم

______________________________

و عن أبي جعفر عليه السّلام: «من استنّ بسنة عدل فاتبع كان له آجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شي ء، و من استن سنة جور فاتبع كان عليه مثل وزر من عمل به من غير أن ينتقص من أوزارهم شي ء» (1) إلى غير ذلك من الأخبار.

(12) لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ (2)، و تقدم في الأخبار ما يدل عليه أيضا.

(13) لجملة من الأخبار:

منها: ما عن الصادق عليه السّلام في خبر سماعة: «قلت له: قول اللّه عزّ و جل:

مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً فقال عليه السّلام: من أخرجها من ضلال إلى هدى فإنّما أحياها، و من أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(14) للأدلة الأربعة أما الكتاب فآيات كثيرة:

منها: قوله تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ (4).

ص: 238


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6.
2- سورة التحريم: 6.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3.
4- سورة آل عمران: 28.

.....

______________________________

و منها: قوله تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (1).

و أما العقل: فلأنّه من صغريات تقديم الأهم على المهم، إذ الأمر يدور بين الضرر على النفس المحترمة أو العرض أو المال المحترم و بين إتيان تكليف فرعيّ مطابقا لمذهب الطرف و كل ذي شعور يحكم بتقديم الأول على الأخير، مع أن حفظ الوحدة الصورية الإسلامية أهمّ من كلّ شي ء، كما تدل عليه سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و خلفائه الراشدين المعصومين عليهم السّلام.

و أما الإجماع فإجماع الأئمة عليهم السّلام و تابعيهم قولا و عملا على ذلك.

و أما السنة فهي فوق التواتر حتى قالوا عليهم السّلام: «لا إيمان لمن لا تقية له» (2).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «تسعة أعشار الدين في التقية، لا دين لمن لا تقية له» (3).

و عن الصادق عليه السّلام: في تفسير قول اللّه عزّ و جلّ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا قال عليه السّلام: بما صبروا على التقية وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال عليه السّلام: الحسنة التقية، و السيئة الإذاعة» (4).

و في خبر ابن سالم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ما عبد اللّه بشي ء أحبّ إليه من الخباء قلت؟ و ما الخباء؟ قال عليه السّلام: التقية (5)، و قال عليه السّلام أيضا في رسالته الى أصحابه: «و عليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم و إياكم و مماظتهم دينوا فيما بينكم و بينهم إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم بالتقية التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم- الحديث» (6).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي جمعها أرباب الحديث و الفقهاء في

ص: 239


1- سورة فصلت: 34.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 2.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر و النهي حديث: 6 و 2.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 14 و 13.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 14 و 13.
6- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 14 و 13.

يكن ضرر في البين و لكن تحفظ بها الوحدة الإسلامية (15).

مسألة 11: لا تختص التقية بمورد دون مورد، بل تعم جميع الموارد

(مسألة 11): لا تختص التقية بمورد دون مورد، بل تعم جميع الموارد مع خوف الضرر في تركها (16) حتى إنّه يجوز إظهار ما ظاهره الكفر إن

______________________________

كتبهم بل قد جرت عادة اللّه عزّ و جلّ على حفظ الحق و أهله في كنف الظالمين و الفاسقين، كما تدل عليه قصة موسى بن عمران في القرآن الكريم فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً (1)، و خليل الرحمن (2)، و جملة من قضايا نبينا الأعظم مع أعدائه و تسامحه معهم بأيّ نحو أمكن ذلك، و قد ورد: «إنّ اللّه ينصر هذا الدّين بأقوام لا خلاق لهم» (3).

و في النبوي المشهور: «إنّ اللّه ليؤيد هذا الدّين بالرجل الفاجر» (4)، إلى غير ذلك من الروايات.

(15) لأهمية حفظ الوحدة الإسلامية من إتيان بعض الفروع الخلافية و المسائل الاختلافية التي لا قيمة لها في مقابل ملاحظة الوحدة الصورية و عدم تحقق الشقاق و النفاق بين المسلمين.

فالتقية من أوسع أبواب الرحمة الإلهية التي فتحها لعباده إلى أن يتجلّى شمس الحقيقة و يملأ هذه الأرض قسطا و عدلا، و قد أشرنا إلى بعض القول في التقية في أحكام الوضوء و الصلاة و الحج فليراجع.

(16) للإطلاقات، و العمومات خصوصا مثل قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه له» (5)، إلى

ص: 240


1- سورة قصص: 8.
2- راجع البحار ج: 12 صفحة: 55 طبعة طهران.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب جهاد العدوّ، حديث: 1.
4- البخاري ج: 4 صفحة: 88 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2.

اقتضت الضرورة ذلك (17)، هذا بحسب الظاهر و اللسان و أما قلبا فلا يجوز ذلك (18).

مسألة 12: تتحقق التقية في الحكم، و الفتوى مع خوف الضرر

(مسألة 12): تتحقق التقية في الحكم، و الفتوى مع خوف الضرر في

______________________________

غير ذلك من الأخبار.

(17) للأدلة الأربعة:

أما الكتاب فقوله تعالى إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ(1).

و أما السنة ففيها نصوص مستفيضة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سالم: «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين» (2).

و قال عليّ عليه السّلام: «انّه سيظهر عليكم بعدي رجل- إلى أن قال- سيأمركم بسبّي و البراءة منّي فأما السبب فسبوني فإنّه لي زكاة و لكم نجاة، و أما البراءة فلا تتبرأوا مني فإنّي ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة» (3).

و خبر ابن عطا قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما: ابرأا عن أمير المؤمنين عليه السّلام فبرئ واحد منهما، و أبي الآخر فخلّي سبيل الذي برئ و قتل الآخر فقال عليه السّلام: أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه، و أما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة» (4)، و كذا قصة ابن ياسر المشهورة (5).

و أما الإجماع، فإجماع، الفقهاء قولا و عملا.

و أما العقل فلما تقدم أنّه من موارد الأهمّ و المهمّ.

(18) لأنّه لا موضوع للتقية في الأمور القلبية التي لا يطلع عليها غير علام الغيوب.

ص: 241


1- سورة النحل 106.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الأمر و النهي حديث: 10.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب الأمر و النهي حديث: 4.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2 و 13.

تركها (19).

مسألة 13: لا تقية في الدم

(مسألة 13): لا تقية في الدم (20) و يجوز كتمان الدّين عن غير أهله مع اقتضاء التقية لذلك (21)،

______________________________

(19) لشمول جميع الأدلة المسوّغة لها لهما أيضا، مضافا إلى موثق أبان بن تغلب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّي أقعد في المسجد فيجي ء الناس فيسألوني فإن لم أجبهم لم يقبلوا منّي، و أكره أن أجيبهم بقولكم و ما جاء عنكم فقال لي: انظر ما علمت أنّه من قولهم فأخبرهم بذلك» (1).

و في خبر ابن مسلم النحوي عنه عليه السّلام أيضا قال: «بلغني أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت: نعم، و أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج: إنّي أقعد في المسجد فيجي ء الرجل فيسألني عن الشي ء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلونه، و يجي ء الرجل أعرفه بمودتكم فأخبره بما جاء عنكم، و يجي ء الرجل لا أعرفه و لا أرى من هو فأقول جاء عن فلان كذا جاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك. قال عليه السّلام: اصنع كذا، فإنّي أصنع كذا» (2).

و كثرة الأحكام التي صدرت تقية عنهم عليه السّلام و وصلت إلينا أقوى دليل على المسألة كما هو واضح، و يأتي بعض ما يتعلق بالمقام في كتاب القضاء.

(20) لقول أبي جعفر عليه السّلام في خبر ابن مسلم: «إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية» (3)، مضافا إلى الإجماع و في ذلك تفاصيل و فروع يأتي بعضها في كتاب الحدود.

(21) لعمومات أدلة التقية، و نصوص خاصة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إنّكم على دين من كتمه أعزّه

ص: 242


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.

بل تحرم إذاعة الحق مع الخوف (22).

مسألة 14: يجب بذل المال دون النفس و العرض، و بذل النفس دون الدّين

(مسألة 14): يجب بذل المال دون النفس و العرض، و بذل النفس دون الدّين (23).

______________________________

اللّه، و من أذاعه أذلّه اللّه»(1).

و عنه عليه السّلام أيضا: أمر الناس بخصلتين فضيّعوهما فصاروا على غير شي ء:

الصبر و الكتمان» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(22) لإطلاق أدلة التقية الشامل للمقام أيضا، مضافا إلى نصوص كثيرة:

منها: قول الصادق عليه السّلام: «نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، و همّه لأمرنا عبادة، و كتمانه لسرّنا جهاد في سبيل اللّه» (3).

و في خبر إسحاق بن عمار الوارد في تفسير هذه الآية ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ (4).

قال الصادق عليه السّلام: «و اللّه ما قتلوهم بأيديهم و لا ضربوهم بأسيافهم و لكنّهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا و اعتداء و معصية» (5).

(23) نصّا، و إجماعا من الفقهاء بل العقلاء في الجملة قال عليّ عليه السّلام في وصيته لأصحابه:

«إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم و إذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، و اعلموا أنّ الهالك من هلك دينه و الحريب من حرب دينه

ص: 243


1- الوسائل باب: 32 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب الأمر و النهي حديث: 3.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9.
4- سورة البقرة: 61.
5- الوسائل باب: 34 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9 و 15.

مسألة 15: يحرم التظاهر بالمنكرات

(مسألة 15): يحرم التظاهر بالمنكرات (24)، و لا بد من إشاعة المعروف و العادات الحسنة، و إماتة المنكر و العادات السيئة (25).

مسألة 16: ينبغي فعل المعروف مع كل أحد

(مسألة 16): ينبغي فعل المعروف مع كل أحد و إن لم يكن من أهله (26)

______________________________

ألا و إنّه لا فقر بعد الجنة ألا و إنّه لا غنى بعد النار، لا يفك أسيرها، و لا يبرأ ضريرها» (1).

و عن الصادق عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا عليّ: «أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها- اللهم أعنه- إلى أن قال: و الخامسة بذلك مالك و دمك دون دينك» (2) إلى غير ذلك من الروايات.

(24) لأنّه نحو تجرّ على اللّه تعالى بالنسبة إلى محرّماته، فيكون أشدّ حرمة نصّا (3)، و إجماعا، و قد ملأ كتب الفريقين الآثار الوضيعة للتظاهر بالمنكرات من النصوص و الآثار المعتبرة و من شاء فليرجع إليها في مظانها بل جميع الكتب السماوية تشهد بذلك.

(25) للإجماع، و جملة من النصوص:

منها: قول أبي جعفر عليه السّلام: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء» و «كل معروف صدقة» و «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، و أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة»، و «أوّل أهل الجنة دخولا إلى الجنة أهل المعروف، و إنّ أوّل أهل النار دخولا إلى النار أهل المنكر» (4)، و تقدم ما يدل على ذلك.

(26) لجملة من النصوص:

ص: 244


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2 و 5.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الأمر و النهي حديث: 2 و 5.
3- راجع الوسائل باب: 41 من أبواب الأمر و النهي.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف حديث: 10.

نعم، يتأكد ذلك بالنسبة إلى أهله (27)، و قد يكره بالنسبة إلى غير الأهل بل قد يحرم (28).

مسألة 17: ينبغي تعظيم فاعل المعروف، و تحقير فاعل المنكر

(مسألة 17): ينبغي تعظيم فاعل المعروف، و تحقير فاعل المنكر مع

______________________________

منها: قول أبي عبد اللّه في صحيح ابن دراج: «اصنع المعروف إلى من هو أهله، و إلى من ليس من أهله فإن لم يكن هو أهله فكن أنت أهله» (1).

و في رواية ابن جعفر عن أخيه موسى: «أخذ أبي بيدي ثمَّ قال: يا بنيّ إنّ أبي محمد بن عليّ عليهما السّلام أخذ بيدي كما أخذ بيدك و قال: إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام أخذ بيدي و قال: يا بني افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، و إن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله و إن شتمك رجل عن يمينك ثمَّ تحوّل إلى يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(27) لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفا فقد أوصل ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3)، و قوله عليه السّلام في الصحيح: «ثلاثة إن تعلمهنّ المؤمن كانت زيادة في عمره و بقاء النعمة عليه، فقلت: و ما هنّ؟ قال:

تطويله لركوعه و سجوده في صلاته، و تطويله لجلوسه على طعامه إذا طعم على مائدته، و اصطناعه المعروف إلى أهله» (4).

(28) لما يظهر ذلك من جملة من الأخبار قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر المفضل: «إذا أردت أن تعرف إلى خير يصير الرجل أم إلى شر فانظر أين يضع معروفه، فإن كان يصنع معروفه عند أهله فاعلم أنّه يصير إلى خير، و إن كان

ص: 245


1- الوسائل باب: 3 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.

عدم محذور في البين (29).

مسألة 18: يستحب مكافاة المعروف بمثله أو ضعفه

(مسألة 18): يستحب مكافاة المعروف بمثله أو ضعفه (30) و يحرم

______________________________

يصنع معروفه مع غير أهله فاعلم أنّه ليس له في الآخرة من خلاق» (1).

(29) لجملة من النصوص:

منها: ما تقدم من قول أبي جعفر: «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، و أهل المنكر هم أهل المنكر في الآخرة» (2).

و عنه عليه السّلام أيضا في خبر ابن عميرة: «أقيلوا لأهل المعروف عثراتهم و اغفروها لهم، فإنّ كفّ اللّه عزّ و جلّ عليهم- هكذا و أومأ بيده- كأنّه بها يظلّ شيئا» (3).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة يقال لهم: إنّ ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم» (4).

و عن أبي جعفر عليه السّلام عن أم سلمة قالت: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: صنائع المعروف تقي مصارع السوء، و الصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، و صلة الرحم زيادة في العمر، و كل معروف صدقة- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله: «أول من يدخل الجنة أهل المعروف» (5).

(30) بالأدلة الأربعة: فمن الكتاب قوله تعالى هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (6).

و من العقل حكمه القطعي بحسن الإحسان مطلقا.

ص: 246


1- الوسائل باب: 5 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3 و 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3 و 6.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3 و 6.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف حديث: 7.
6- سورة الرحمن: 60.

كفران المعروف، خصوصا إذا كان للّه جلّ جلاله (31)، بل قد يجب المكافاة

______________________________

و أما السنة فنصوص متواترة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سالم: «من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، و ليست المكافأة أن يصنع كما صنع به بل يرى مع فعله لذلك أنّ له الفضل المبتدأ» (1).

و في خبره الآخر: «ليس المكافأة أن يصنع كما صنع حتى يربى عليه فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء» (2).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يد اللّه عزّ و جل فوق رؤوس المكافئين ترفرف بالرحمة» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «من سألكم باللّه فأعطوه، و من آتاكم معروفا فكافوه، و إن لم تجدوا ما تكافونه فادعوا اللّه له حتى تظنوا أنّكم قد كافيتموه» (4).

و أما الإجماع فمن جميع العلماء بل العقلاء كما تقدم.

(31) للأدلة الأربعة:

فمن الكتاب قوله تعالى وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ (5)، و قوله تعالى:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (6).

و من الإجماع. إجماع العقلاء بل فطرة ذوي الشعور.

و من النصوص نصوص متواترة:

منها: ما عن الرضا عليه السّلام في خبر الهروي قال: «قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أسرع

ص: 247


1- الوسائل باب: 7 من أبواب فعل المعروف حديث: 3 و 4 و 10 و 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب فعل المعروف حديث: 3 و 4 و 10 و 5.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب فعل المعروف حديث: 3 و 4 و 10 و 5.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب فعل المعروف حديث: 3 و 4 و 10 و 5.
5- سورة البقرة: 152.
6- سورة إبراهيم: 7.

بالمثل (32).

______________________________

الذنوب عقوبة كفران النعمة» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: «يؤتى العبد يوم القيامة فيوقف بين يدي اللّه عزّ و جلّ فيأمر به إلى النار فيقول: أي ربّ أمرت بي إلى النار و قد قرأت القرآن، فيقول اللّه:

أي عبد إنّي قد أنعمت عليك و لم تشكر نعمتي، فيقول: أي ربّ أنعمت عليّ بكذا و شكرتك بكذا و أنعمت عليّ بكذا و شكرتك بكذا فلا يزال يحصي النعمة و يعدّ الشكر فيقول اللّه تعالى: صدقت عبدي إنّك لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه، و إنّي قد آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه» (2).

و من العقل حكمه القطعي بقبحه.

(32) إن علم من القرائن أنّ أصل فعل المعروف إنّما كان لأجل الاستيعاض و أخذ العوض، بل يشكل عدم الوجوب في صورة الشك لأصالة احترام المال و الضمان بالمثل و القيمة إلا إذا علم المجانية و التبرع.

ثمَّ إن الهدايا التي يهدي بها حين الزواج إن دلت قرينة معتبرة على أنّها للزوج أو الزوجة يتبع و إلا فهذا من المال المردد بين شخصين لا يجوز لهما التصرف فيه إلا برضاء الآخر، كما هو حكم كلّ مال مردد بين أشخاص أو شخصين، و كذا المهدى به عند الولادة، و الختان و نحو ذلك من الأفراح و غيرها، فإن دلت قرينة على أنّه لمعيّن يؤخذ بها و إلا فيكون من موارد العلم الإجمالي.

إنّما الكلام في دفع العوض إذا علم أنّ المعطى لم يقصد المجانية فمقتضى الأصل عدم جواز دفعه من مال المولّى عليه.

ص: 248


1- الوسائل باب: 8 من أبواب فعل المعروف حديث: 11.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب فعل المعروف حديث: 12.

مسألة 19: لا يجوز التفكر في ذات اللّه تعالى

(مسألة 19): لا يجوز التفكر في ذات اللّه تعالى و الكلام فيه بغير ما نزل في الشريعة المقدّسة و ما صرّح به الأئمة المعصومون عليهم السّلام (33).

مسألة 20: يجب إظهار الحق مع الإمكان عند ظهور البدعة

(مسألة 20): يجب إظهار الحق مع الإمكان عند ظهور البدعة (34)،

______________________________

(33) لأنّه تعالى غير متناه من كل جهة و العقول و الأفكار متناهية من كل جهة، و لا يمكن إحاطة المتناهي بغير المتناهي، هذا مضافا إلى نصوص متواترة، و إجماع الأنبياء و المعصومين عليهم السّلام.

ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «إيّاكم و التفكر في اللّه، و لكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظم خلقه» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: «تكلموا في خلق اللّه و لا تكلموا في اللّه فإنّ الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلا تحيّرا» (2).

و في خبر الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام: «اذكروا من عظمة اللّه ما شئتم و لا تذكروا ذاته فإنكم لا تذكروا منه شيئا إلا و هو أعظم منه» (3).

و قال عليه السّلام: أيضا في خبر أبي عبيد: «تكلموا في كل شي ء و لا تكلموا في اللّه» (4) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

(34) لوجوب إقامة الحق، و إمامته الباطل، و في الحديث المعروف بين الفريقين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه» (5).

و إطلاقه يشمل الإظهار لفظا، و كتابة إذا اقتضى الحال ذلك، و لكن كل ذلك مقيد بعدم وجود محذور في البين من تقية و نحوها.

ص: 249


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الأمر و النهي حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الأمر و النهي حديث: 7 و 14 و 13.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الأمر و النهي حديث: 7 و 14 و 13.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الأمر و النهي حديث: 7 و 14 و 13.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.

و تجب البراءة من أهل البدع و سبّهم و تحذير الناس منهم مع عدم المحذور (35).

مسألة 21: لا يجوز مجالسة أهل المعاصي

(مسألة 21): لا يجوز مجالسة أهل المعاصي، و مخالطتهم و محبة بقائهم مع عدم محذور في البين (36).

______________________________

(35) للإجماع، و نصوص متواترة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سرحان: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و لا يتعلموا من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» (1)، و غيره من الأخبار.

(36) بالأدلة الأربع:

أما الكتاب فلجملة من الآيات المباركة منها: قوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ (2).

و أما العقل فلأنّه من شعب الظلم و هو يستقبل بقبحه بجميع أنحائه و أقسامه.

و أما السنّة فهي متواترة.

و منها: قول أبي الحسن موسى عليه السّلام لصفوان: «كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا قلت: أيّ شي ء؟! قال عليه السّلام: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون- إلى أن قال:- يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام:

أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال: قال عليه السّلام: فمن أحبّ إبقاءهم

ص: 250


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الأمر و النهي حديث: 1.
2- سورة هود: 113.

مسألة 22: لا ينبغي للإنسان أن يدخل في أمر تكون مضرّته على نفسه أكثر من نفعه لغيره

(مسألة 22): لا ينبغي للإنسان أن يدخل في أمر تكون مضرّته على نفسه أكثر من نفعه لغيره (37)، بل قد يحرم ذلك (38).

مسألة 23: ينبغي حسن جوار النّعم بالشكر و أداء الحقوق

(مسألة 23): ينبغي حسن جوار النّعم بالشكر و أداء الحقوق (39).

______________________________

فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار. قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها» (1).

و منها: قول عليّ عليه السّلام في خبر ابن القداح: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة» (2).

و عن الصادق عليه السّلام في خبر ابن يزيد: لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المرء على دين خليله و قرينه» (3)، و تقدم مما يدل على ذلك أيضا.

(37) لجملة من النصوص:

منها: قول الرضا عليه السّلام: «لا تبذل لإخوانك من نفسك ما ضرّه عليك أكثر من نفعه لهم» (4).

و عن الصادق عليه السّلام في خبر ابن منصور: «لا تدخل لأخيك في أمر مضرّته عليك أكثر من منفعته له» (5).

و قد فسّر ذلك ابن سنان: «يكون عن الرجل دين كثير و لك مال فتؤدي عنه فيذهب مالك و لا تكون قضيت عنه» و لعلّ ذلك من أحد المصاديق.

(38) كما إذا وصل إلى حدّ المشقة و الحرج الذي لا يقدر على تحمله.

(39) لنصوص مستفيضة من الفريقين:

ص: 251


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الأمر و النهي حديث: 7.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9 و 1.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الأمر و النهي حديث: 9 و 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب فعل المعروف حديث: 4 و 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب فعل المعروف حديث: 4 و 1.

مسألة 24: يستحب القيام بقضاء حوائج الناس

(مسألة 24): يستحب القيام بقضاء حوائج الناس خصوصا لمن تظاهرت نعم اللّه عزّ و جلّ عليه، و يتأكد ذلك بالنسبة إلى الذرية النبوية، بل ينبغي لكل مسلم الاهتمام بأمور المسلمين مهما أمكنه ذلك، بل قد يجب ذلك (40).

______________________________

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر الشحام: «أحسنوا جوار نعم اللّه، و احذروا أن تنتقل عنكم إلى غيركم، أما إنّها لم تنتقل عن أحد قط فكادت ترجع إليه، و كان عليّ عليه السّلام يقول: قلّما أدبر شي ء فأقبل» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا في خبر ابن عجلان: «أحسنوا جوار النعم قلت: و ما حسن جوار النّعم؟ قال عليه السّلام: الشكر لمن أنعم بها و أداء حقوقها» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(40) أما أصل استحباب السعي في قضاء حوائج الناس، فيدل على رجحانه الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب قوله تعالى وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (3)، و قوله تعالى:

وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ (4)، و كذا قوله تعالى:

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (5).

و من السنة نصوص متواترة بين الفريقين.

منها: قوله: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (6).

ص: 252


1- الوسائل باب: 15 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.
3- سورة آل عمران: 133.
4- سورة آل عمران: 114.
5- سورة المائدة: 48.
6- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2 و 4.

.....

______________________________

و قال الصادق عليه السّلام: في خبر مسمع: «من نفّس عن مؤمن كربة نفّس اللّه عنه كرب الآخرة و خرج من قبره و هو ثلج الفؤاد، و من أطعمه من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنة- الحديث-» (1).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (2).

و قال أبو الحسن موسى عليه السّلام «إنّ للّه عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة، و من أدخل على مؤمن سرورا فرّح اللّه قلبه يوم القيامة» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء.

من العقل حكمه القطعيّ بحسنه و رجحانه.

و أما تأكد ذلك لمن تظاهرت عليه نعم اللّه تعالى، فلنصوص متواترة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من عظمت نعمة اللّه عليه اشتدت مئونة الناس إليه فاستديموا النعمة باحتمال المؤنة و لا تعرضوها للزوال فقلّ من زالت عنه النعمة فكادت أن تعود إليه»(4).

هذا إذا لم يكن محذور في البين و إلا فقد يكون حراما.

و أما الثالث فلنصوص كثيرة:

منها: قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من صنع إلى احد من أهل بيتي يدا كافيته به يوم القيامة» (5).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي من بعدي، و القاضي لهم حوائجهم، و الساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه

ص: 253


1- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 4.
2- مسند أحمد بن حنبل ج: 2 صفحة: الوسائل باب: 74.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب فعل المعروف حديث: 1.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب فعل المعروف حديث: 1.

.....

______________________________

و المحبّ لهم بقلبه و لسانه»(1).

و أما الأخير: فلما رواه الفريقان عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»(2).

و في خبر آخر: «و من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» (3).

ص: 254


1- الوسائل باب: 17 من أبواب فعل المعروف حديث: 6.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب فعل المعروف حديث: 1 و 3.

تتميم

اشارة

تتميم

مسألة 1: لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على غير البالغ

(مسألة 1): لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على غير البالغ و لا المجنون، كما لا يجب على البالغين بالنسبة إليهما إلا إذا كان المورد من المهمّات الشرعية (1).

مسألة 2: لو احتاج القيام- بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

(مسألة 2): لو احتاج القيام- بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى اجتماع عدة أشخاص يكون مورد التكليف الكفائي حينئذ الجماعة دون الفرد فيجب على الناس الاجتماع بقدر الكفاية و لا يسقط الوجوب عنهم بقيام الفرد (2).

نعم، لو قام و حصول المقصود بقيامه اتفاقا لا يبقي موضوع للوجوب بالنسبة إلى غيره (3).

مسألة 3: لو احتاج المورد إلى جماعة وجب تحصيل الجماعة على كل فرد

(مسألة 3): لو احتاج المورد إلى جماعة وجب تحصيل الجماعة على كل فرد (4)، فلو حصل جمع و لم يكف ذلك في حصول المقصود و لم يمكن

______________________________

(1) أما الأول فلانتفاء التكليف بالنسبة إليهما، و كذا الثاني أيضا لأنّه مع عدم تكليفهما بالمعروف و المنكر لا وجه لوجوب الأمر و النهي بالنسبة إليهما.

(2) كما هو شأن كل واجب كفائي.

(3) لما تقدم مرارا من أنّ هذا هو معنى الوجوب الكفائي.

(4) لوجوب تحصيل مقدمة الواجب المطلق كما ثبت في محله بلا فرق فيه بين الواجب العيني أو الكفائي.

ص: 255

تحصيل غيرهم يسقط الوجوب عمن اجتمع و تألف (5) و بقي الإثم على من خالف و تخلف كما أنّه لو ترك كل فرد تحصيل الاجتماع يأثم من هذه الجهة (6).

مسألة 4: لا يسقط الوجوب- أو الاستحباب- عن الباقي بمجرد قيام البعض

(مسألة 4): لا يسقط الوجوب- أو الاستحباب- عن الباقي بمجرد قيام البعض فردا كان أو جماعة- ما لم يثبت التأثير الخارجيّ (7). نعم، لو لم يحتمل الباقي التأثير أصلا يسقط عنه التكليف رأسا، كما يسقط بتحقق المقصود أو بفقد الموضوع (8).

مسألة 5: لو اطمأنّ بقيام الغير به، أو كفاية من قام لا يجب عليه القيام

(مسألة 5): لو اطمأنّ بقيام الغير به، أو كفاية من قام لا يجب عليه القيام (9) و لو تبيّن الخلاف وجب في الموردين (10) و لا يكفي مجرّد الاحتمال، بل لا يكفي الظنّ بقيام الغير في سقوط الوجوب (11) بل لا بد من ثبوت الحجة الشرعية عليه أو حصول الاطمئنان العقلائيّ به (12).

مسألة 6: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أخصّ من الإرشاد

(مسألة 6): الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أخصّ من الإرشاد

______________________________

(5) لفرض عدم التمكن حينئذ من إتيان الواجب.

(6) الوجه فيهما واضح معلوم لا يحتاج إلى البيان.

(7) للعموم، و الإطلاق، و أصالة بقاء الوجوب.

(8) أما الأول فلفقد شرط الوجوب. و أما الأخيران فلانتفاء موضوع الوجوب.

(9) لحجية الاطمئنان عرفا و شرعا.

(10) لعموم أدلة وجوبهما.

(11) للأصل، و الإطلاق و العموم.

(12) لأصالة عدم السقوط بعد الثبوت.

ص: 256

و بيان الأحكام و إتمام الحجة، و التخويف، و الإنذار و الموعظة (13)، فلا يسقط وجوبهما بذلك كله إلا إذا ترتب المقصود منهما على ما ذكره (14).

مسألة 7: لا يعتبر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قصد القربة

(مسألة 7): لا يعتبر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قصد القربة (15)، و لا يبعد عدم اعتباره في ترتب الثواب أيضا، فيثاب الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر مطلقا ما لم يقصد الرياء (16).

مسألة 8: لو كان تاركي المعروف و فاعلي المنكر جمع و قدر الشخص على الأمر و النهي بالنسبة إلى البعض دون الجميع

(مسألة 8): لو كان تاركي المعروف و فاعلي المنكر جمع و قدر الشخص على الأمر و النهي بالنسبة إلى البعض دون الجميع وجب ما قدر، و سقط ما لم يقدر (17)، و لو لم يقدر الا على الأمر بالمعروف و إما على النهي

______________________________

(13) لغة، و عرفا، و شرعا و اعتبارا.

(14) لفرض تحقق الموضوع، و أنّه لا موضوعيّة خاصة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بل هما طريقان لحصول المقصود.

ثمَّ إنّه لا يعتبر في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن يكونا من العالي إلى الداني بل يصح الأمر بالمعروف من الداني إلى العالي التارك له، و كذا النهي من الداني إلى العالي الفاعل، كما يصح من الأقل سنا إلى الأكبر منه و من الجاهل إلى العالم و من المرأة إلى الرجل.

كما لا فرق في وجوبهما بين الرجال و النساء و الشبان و الشيب و العالم و الجاهل مع الشرائط، لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، و كذا لا فرق في وجوبهما بين الوالد و الولد، و المعلم و المتعلم و الملك و الرعية فيجب على الجميع، للإطلاق و الاتفاق.

(15) للأصل، و الإطلاق و العموم.

(16) لأنّ نفس هذه الأمور كالجهاد من الأمور القربية ما لم يقصد الخلاف كما تقدم في أول الكتاب.

(17) لقاعدة الميسور المعلوم جريانها في المقام.

ص: 257

عن المنكر فمع عدم الأهمية يتخيّر (18).

مسألة 9: ليس للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر طريق شرعيّ مخصوص

(مسألة 9): ليس للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر طريق شرعيّ مخصوص و المناط كله البعث إلى الأول و الردع عن الثاني بما يتحققان به عرفا من قول صريح أو ظاهر و لو بالقرينة العرفية بل يكفي الفعل المفهم لذلك أيضا (19).

مسألة 10: لا يختص النهي عن المنكر بالمعصية الحقيقية

(مسألة 10): لا يختص النهي عن المنكر بالمعصية الحقيقية بل يلزم في موارد التجرّي و التهتك و عدم المبالاة و الاهتمام بالدّين أيضا (20).

مسألة 11: تجوز الاستنابة فيهما إجارة و تبرعا

(مسألة 11): تجوز الاستنابة فيهما إجارة و تبرعا، كما يجوز التصدّي لهما قربة إلى اللّه و إهداء ثوابهما إلى الغير (21).

مسألة 12: يجوز أخذ الجعل عليهما

(مسألة 12): يجوز أخذ الجعل عليهما كما يجوز للحاكم الشرعي تخصيص قسم من الزكاة من سهم سبيل اللّه لمن يتصدى لهما بل يجوز تخصيص قسم من سهم الإمام عليه السّلام لذلك أيضا (22).

مسألة 13: لو توقف التصدّي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على مئونة

(مسألة 13): لو توقف التصدّي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على مئونة ففي وجوبها مع التمكن و تحقق شرط الوجوب وجه (23).

______________________________

(18) لحكم العقل بالتخيير حينئذ.

(19) كل ذلك لإطلاق الأدلة و عموماتها، و أصالة عدم اعتبار قيد أو شرط بعد تحقق الصدق العرفي.

(20) لأنّ المناط كله التهتك و إظهار مخالفة اللّه تعالى و هما متحققان في موارد التجري أيضا.

(21) كل ذلك لإطلاق الدليل من غير ما يصلح للتقييد.

(22) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(23) لشمول دليل المقدمية له أيضا، و منشأ العدم احتمال كونهما من

ص: 258

مسألة 14: لو لم يتمكن منهما بنفسه و تمكن من إعلام من يقدر عليه

(مسألة 14): لو لم يتمكن منهما بنفسه و تمكن من إعلام من يقدر عليه وجب الإعلام (24).

مسألة 15: وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فوري

(مسألة 15): وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فوري و لا يسقط مع التأخير، بل يجب فورا ففورا (25).

مسألة 16: لو حضر للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

(مسألة 16): لو حضر للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ارتدع الطرف حياء و فعل المعروف أو ترك المنكر يسقط الوجوب (26).

مسألة 17: يشتد الوجوب عند ارتكاب المنكرات في الأزمنة الشريفة

(مسألة 17): يشتد الوجوب عند ارتكاب المنكرات في الأزمنة الشريفة و الأمكنة المقدّسة (27).

مسألة 18: لا يجوز التطلع في الدور، و المخفيات و خلف الستور

(مسألة 18): لا يجوز التطلع في الدور، و المخفيات و خلف الستور للاطلاع على أنّه هل يرتكب شخص منكرا فينهاه عنه (28).

مسألة 19: لو أمر بالمنكر أو نهى عن المعروف اشتباها

(مسألة 19): لو أمر بالمنكر أو نهى عن المعروف اشتباها وجب عليه التدارك مع الالتفات، كما يجب على غيره الملتفت إلى ذلك الإعلام لو لم يلتفت أو التفت و لم يتدارك (29).

______________________________

المجانيات المحضة.

(24) لأنّ ذلك من بعض مراتبهما، فيجب عند عدم التمكن من المراتب السابقة.

(25) لظهور الإجماع و عدم الخلاف في البين.

(26) لأنّ المناط في كله فعل المعروف و ترك المنكر و قد حصل.

(27) لما يأتي في الحدود من اشتداد حكم المنكرات فيهما.

(28) للأصل، و السيرة، و بناء اللّه تعالى على الستر بالنسبة إلى عباده، بل قد يحرم ذلك كما سيأتي في الحدود.

(29) كل ذلك لوجوب إرشاد الجاهل بالأحكام إلى الأحكام الواقعية

ص: 259

مسألة 20: لو تصدّى للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع الجهل بالموازين

(مسألة 20): لو تصدّى للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع الجهل بالموازين فإن أصاب الواقع لا شي ء عليه (30) و الا فعل حراما بل قد يعزر (31).

مسألة 21: المناط في العلم بتحقق الشرائط هو العلم بموازينهما

(مسألة 21): المناط في العلم بتحقق الشرائط هو العلم بموازينهما حين التصدّي لهما علم بها قبله أو لا بقي العلم بعد ذلك أولا (32).

مسألة 22: يعتبر في المسائل الخلافية إحراز اتحاد تكليف الآمر

(مسألة 22): يعتبر في المسائل الخلافية إحراز اتحاد تكليف الآمر و الناهي مع التارك للمعروف الفاعل للمنكر، فلو كان تكليف الفاعل- اجتهادا أو تقليدا- جواز شي ء و تكليف المتصدّي لهما- اجتهادا أو تقليدا- حرمته لا يجوز له النهي عن المنكر و كذا لو كان تكليف الفاعل عدم الوجوب و كان تكليفه الوجوب لا يجوز له الأمر بالمعروف (33).

مسألة 23: لو شك المتصدّي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

(مسألة 23): لو شك المتصدّي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في

______________________________

و عدم صحة التسبيب للإيقاع في خلاف الواقع و قد مرّ في مسائل الاجتهاد و التقليد ما يناسب المقام.

(30) لأنّ العلم بالشرائط طريق إلى الواقع لا أن يكون له موضوعية و المفروض إصابة الواقع. نعم، يتحقق التجري في الجملة.

(31) أما الحرمة فلظهور تسالم الفقهاء على حرمة تصدّي الأمور الحسبية للجاهل مع عدم إصابة الواقع. و أما التعزير، فهو منوط بنظر الفقيه الجامع للشرائط.

(32) للإطلاقات، و أصالة عدم الاعتبار.

(33) لعدم تحقق ترك المعروف و فعل المنكر بالنسبة إلى الطرف، و أصالة عدم الوجوب بعد الشك في شمول الأدلة.

ص: 260

اتحاد تكليفه مع المرتكب لا يتحقق موضوعهما (34).

مسألة 24: في المسائل الضرورية أو المسلّمة لو شك المتصدّي للأمر بالمعروف

(مسألة 24): في المسائل الضرورية أو المسلّمة لو شك المتصدّي للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في علم المرتكب حتى يتحقق موضوعهما أو شكه حتى ينتفي موضوعهما يلزم الإعلام بعنوان الإرشاد حتى يظهر الحال (35).

مسألة 25: يتحقق موضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في موارد الاحتياطات الوجوبية- فعلا أو تركا- على الأحوط

(مسألة 25): يتحقق موضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في موارد الاحتياطات الوجوبية- فعلا أو تركا- على الأحوط (36)، فمن ترك ما وجب فعله احتياطا، أو فعل ما يجب تركه وجب أمره بالأوّل و نهيه عن الثاني على الأحوط، و يشتد الاحتياط و يضعف في أطراف العلم الإجمالي حسب أطرافه قلة و كثرة.

مسألة 26: يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في موارد التجريّ

(مسألة 26): يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في موارد التجريّ فعلا و تركا- لو اتحد تكليف المرتكب و المتصدّي في حرمته الشرعية (37) و الا فالأحوط تحقق موضوعهما (38) كما تقدم.

مسألة 27: لا موضوع لوجوبهما في ارتكاب الشبهات البدوية

(مسألة 27): لا موضوع لوجوبهما في ارتكاب الشبهات البدوية،

______________________________

(34) للأصل بعد عدم صحة التمسك، بالأدلة من جهة الشك في الموضوع.

(35) لأجل محبوبية الإرشاد و إتمام الحجة و تأكيدها على كل حال.

(36) تمسكا بإطلاقات الأدلة و عموماتها و لا منشأ للتشكيك إلا احتمال الانصراف عنها و هو بدويّ غير معتنى به.

(37) قد ظهر وجه ذلك كله مما مرّ في المسائل السابقة.

(38) لقبح التجرّي بلا خلاف فيه بين أحد.

ص: 261

و طرف العلم الإجمالي الغير المنجز لخروج بعض أطرافه عن الابتلاء أو لجهة أخرى (39).

مسألة 28: لو كان المرتكب عالما بالحكم و متوجها إلى تكليفه

(مسألة 28): لو كان المرتكب عالما بالحكم و متوجها إلى تكليفه لكنه ترك الواجب أو فعل الحرام جهلا بالموضوع لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (40).

مسألة 29: لو أكل أو شرب شيئا متنجسا جهلا بالنجاسة لا يجب على غيره العالم بها إعلامه

(مسألة 29): لو أكل أو شرب شيئا متنجسا جهلا بالنجاسة لا يجب على غيره العالم بها إعلامه، و كذا لو توضأ بماء مغصوب أو في مكان مغصوب جهلا بالغصبية لا يجب على غيره العالم بها إعلامه و نهيه عنه، و كذا لو اغتسل عن الجنابة- مثلا- و لم يصل الماء إلى بعض جسده و هو لا يعلم لا يجب على غيره العالم به إعلامه (41).

مسألة 30: لو أفطر في صوم شهر رمضان- أو غيره من أنواع الصيام نسيانا عن الصوم لا يجب على غيره الملتفت إرشاده

(مسألة 30): لو أفطر في صوم شهر رمضان- أو غيره من أنواع الصيام نسيانا عن الصوم لا يجب على غيره الملتفت إرشاده (42). نعم، في الأمور المهمّة التي لا يرضى الشارع بتحققها في الخارج مطلقا لو ارتكبها أحد جهلا

______________________________

(39) للأصل بعد عدم ثبوت تكليف فعليّ في البين و مع ذلك لا إشكال في حسنهما مع تحقق سائر الشرائط.

(40) لما مرّ من اعتبار تنجيز التكليف بالنسبة إلى المرتكب و لا تنجز له مع الجهل بالموضوع.

(41) للأصل بعد عدم دليل على الوجوب و تقدم في مسائل أحكام النجاسات ما يناسب المقام.

(42) للأصل بعد عدم دليل على وجوب الإرشاد في الموضوعات المحرمة ما لم يكن تسبيب في البين.

ص: 262

أو نسيانا و يعلم الغير بذلك وجب الإعلام كالنفوس و الأعراض المحترمة (43).

مسألة 31: لو احتمل التأثير لكن مع التوسل بمقدمات جائزة وجب إن تمكن منها

(مسألة 31): لو احتمل التأثير لكن مع التوسل بمقدمات جائزة وجب إن تمكن منها (44)، و من ذلك ما إذا كان التأثير بالتكرار أو الموعظة و نحوها، و لو توقف التأثير على الضيافة و المساعدات المالية فلوجوبها مع التمكن وجه (45)، و يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه فيها (46).

مسألة 32: لو يأس من التأثير بالنسبة إلى بعض المراتب

(مسألة 32): لو يأس من التأثير بالنسبة إلى بعض المراتب و احتمل بالنسبة إلى بعضها وجب بما احتمل و سقط عما يأس و كذا لو كان المرتكب تاركا لمعروفين أو فاعلا لمنكرين و يأس من التأثير في أحدهما دون الآخر يسقط بالنسبة إلى ما يأس و ثبت بالنسبة إلى غيره (47).

مسألة 33: لو احتمل التأثير مع الإعلان بذلك دون الإخفاء يجوز مع تجاهر المرتكب دون عدمه

(مسألة 33): لو احتمل التأثير مع الإعلان بذلك دون الإخفاء يجوز مع تجاهر المرتكب (48) دون عدمه (49).

______________________________

(43) للإجماع، و لفرض كثرة الأهمية عند الشارع.

(44) لوجوب مقدّمة الواجب المطلق.

(45) تقدم وجهه في بعض المسائل السابقة.

(46) لأنّه لجميع سبل الخير و المقام منها بل من أهمّها.

(47) أما الثبوت بالنسبة إلى ما احتمل، فلقاعدة الميسور، بل نفس الإطلاقات و العمومات. و أما السقوط بالنسبة إلى غيره فلقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(48) لفرض أنّه ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا حرمة له.

(49) لأنّه حينئذ من إشاعة الفاحشة في المؤمن و هي لا تجوز.

ص: 263

مسألة 34: لو توقف التأثير على ترك واجب أو فعل حرام يراجع فيه إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط

(مسألة 34): لو توقف التأثير على ترك واجب أو فعل حرام يراجع فيه إلى الحاكم الشرعي الجامع للشرائط (50).

مسألة 35: تقدم أنّه لو علم بعدم التأثير في الحال و احتمله في المآل وجب

(مسألة 35): تقدم أنّه لو علم بعدم التأثير في الحال و احتمله في المآل وجب (51) و كذا لو علم عدم التأثير بالمخاطبة و احتمله بالمكاتبة وجب بالنسبة إلى المحتمل (52).

مسألة 36: لو احتمل تأثير النهي في تبديل المعصية الأهمّ بالمهم

(مسألة 36): لو احتمل تأثير النهي في تبديل المعصية الأهمّ بالمهم و الكبيرة بالصغيرة و ترك المخالفة القطعية في أطراف العلم الإجمالي و إن لم يحصل الموافقة القطعية يلزم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في جميع ذلك، و كذا لو علم ان نهيه يؤثر في ترك المحرم المعلوم تفصيلا و لكنه يرتكب بدله بعض أطراف المحرم المعلوم بالإجمال (53).

مسألة 37: لو احتمل تأثير الخلاف أيضا و لم يكن أرجح من خلافه لا يجب

(مسألة 37): لو احتمل تأثير الخلاف أيضا و لم يكن أرجح من خلافه لا يجب، و لو لم يحتمل التأثير في أصل الترك و احتمله في تأخير المنكر يلزم

______________________________

(50) حتى يتأمل في تعيين الأهم و المهم و يحكم بتقديم ذي الأهمية أو محتملها، أو يحكم بالتخيير مع عدمها نعم، في مثل إنجاء النفس المحترمة من القتل يجوز الدخول في الدار المغصوبة لو توقف عليه.

(51) لوجود المقتضي للوجوب و فقد المانع عنه حينئذ، لإطلاق الأدلة، و أصالة عدم اشتراط فعلية ترتيب الأثر بعد العلم بثبوت أصله كما تقدم.

(52) لما مرّ في سابقة من غير الجزمي.

(53) كل ذلك لإطلاق الأدلة و عموماتها الشامل لجميع ذلك و لا منشأ للتشكيك إلا احتمال الانصراف عن بعضها و هو بدوي لا يعتني به.

ص: 264

النهي خصوصا إن احتمل أنّه لا يقدر عليه بعد ذلك (54).

مسألة 38: لو احتمل أنّ نهيه يؤثر في أحد الشخصين أو الأشخاص من غير تعيين و علم بعدم التأثير في البقية وجب

(مسألة 38): لو احتمل أنّ نهيه يؤثر في أحد الشخصين أو الأشخاص من غير تعيين و علم بعدم التأثير في البقية وجب و كذا في العكس بأن علم شخصان أنّ نهي أحدهما- لا على التعيين- يؤثر في المرتكب وجب على كل منهما و لو نهي أحدهما فإن أثر سقط عن الآخر و الا فلا (55).

مسألة 39: دفع المنكر- كرفعه- واجب لو كانت مقدمات إتيانه حاصلة من كل جهة

(مسألة 39): دفع المنكر- كرفعه- واجب لو كانت مقدمات إتيانه حاصلة من كل جهة- بحيث لو لا النهي لوقع الحرام في الخارج- و مع تحقق سائر الشروط (56) و إن لم يكن كذلك فلا يجب (57) و لكن الأحوط الدفع مع الإمكان (58).

مسألة 40: تقدم في الشرائط أنّه يعتبر في وجوب الأمر بالمعروف

(مسألة 40): تقدم في الشرائط أنّه يعتبر في وجوب الأمر بالمعروف

______________________________

(54) أما الأول: فللأصل بعد الشك في شمول الدليل له.

و أما الثاني: فللإطلاق و العموم.

(55) كل ذلك لشمول الأدلة لأطراف المعلوم بالإجمال كشموله للعموم بالتفصيل.

(56) لظهور الأدلة في أنّ المناط في الوجوب إزالة المنكر عن الخارج و المعارضة مع تحققه هو ثابت في المقام أيضا عند المتشرعة، لأنّ ما هو في معرض الوجود له معرضية عرفية قريبة بعد تحقق تمام علله كالموجود لديهم.

(57) للأصل بعد الشك في شمول الأدلة له.

(58) لأنّه نحو معارضة مع الباطل و هو مطلوب على كل حال مع تحقق الشرائط و فقد الموانع.

ص: 265

و النهي عن المنكر الإصرار على الاستمرار فلا وجوب مع عدم الإصرار (59) سواء كان ذلك بإظهار التوبة و الندامة، أو بقيام حجة معتبرة على عدمه بل يكفي الاطمئنان العقلائي بعدمه في سقوط الوجوب (60)، بل و في سقوطه بالأمارة الظنية على العدم وجه، و كذا مع الشك في بنائه على الاستمرار، و كذا لو علم أنّه كان على الاستمرار ثمَّ شك في زوال بنائه (61) و إن كان الأحوط الأمر و النهي بالعنوان الأعمّ من الموعظة و الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر.

مسألة 41: يتحقق الاستمرار بعدم التوبة و العزم و البناء على الارتكاب

(مسألة 41): يتحقق الاستمرار بعدم التوبة و العزم و البناء على الارتكاب سواء ارتكب أو لا (62)، بل و يجب الأمر بالمعروف بالنسبة إلى ترك التوبة أيضا إن علم بعدم صدورها منه أو شك فيه (63)، فقد يجب الأمر بالمعروف لجهتين كما إذا ترك الصلاة و بنى على الترك و لم يتب من ذلك فيجب بالنسبة إلى ترك التوبة فقط أيضا.

مسألة 42: لو علم أنّ المرتكب لا يرتكب المحرم ثانيا لعجزه عن الإتيان لا للتوبة

(مسألة 42): لو علم أنّ المرتكب لا يرتكب المحرم ثانيا لعجزه عن الإتيان لا للتوبة و العزم على العدم لا يجب بالنسبة إلى نفس المعصية و إن

______________________________

(59) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه كما تقدم.

(60) لأنّه حجة معتبرة عقلائية ما لم يردع عنه الشارع.

(61) كل ذلك لجريان قاعدة الصحة بالنسبة إلى المسلمين ما لم يحرز الخلاف.

(62) لأنّ ظاهر الفقهاء أنّ المراد بالاستمرار في المقام هو التكرار في العزم و القصد لا خصوص العمل الخارجي.

(63) لأنّها أيضا معروف علم بتركه منه.

ص: 266

وجب بالنسبة إلى ترك التوبة (64).

مسألة 43: لو علم أنّ أحد الشخصين من مرتكبي الحرام يصرّ و الآخر تاب

(مسألة 43): لو علم أنّ أحد الشخصين من مرتكبي الحرام يصرّ و الآخر تاب و عزم على الترك و لكن لا يعرف المصرّ بعينه وجب توجيه الخطاب بنحو يشمل المصرّ لو لم يكن محذور في البين، و كذا لو علم بأنّه إما ارتكب حراما أو ترك واجبا و لم يعلم ذلك بعينه (65).

مسألة 44: تقدم أنّه يعتبر في وجوبهما عدم المفسدة

(مسألة 44): تقدم أنّه يعتبر في وجوبهما عدم المفسدة فلو ترتب على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ضرر لا يجب، و كذا الحرج و الشدّة التي لا يتحمل عادة مثل الضرر فيما مرّ في المسألة السابقة فيسقط الوجوب مع العلم بهما أو الظن أو الخوف العقلائي سواء كان بالنسبة إلى نفسه أو من يتعلق به من أقربائه أو أصحابه أو أحد من المسلمين (66) بل لو خاف على نفسه أو عرضه أو من يتعلق به أو أحد من المؤمنين أو على أموال محترمة أو مال نفسه بحيث يكون تلفه ضررا عليه يحرم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (67).

______________________________

(64) أما الأول: فلان بانتفاء الشرط ينتفي المشروط لا محالة.

و أما الثاني: فلوجود المقتضي و فقد المانع عنه.

(65) لما مرّ من شمول الأدلة للعموم بالإجماع كشمولها للمعلوم بالتفصيل.

(66) أما الأول: فلما تقدم في شرائط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (1).

و أما الثاني: فلعموم أدلة نفي الحرج التي هي من الأدلة الامتنانية الشاملة لجميع الموارد، و لو كان بنحو الظن المعتنى به عرفا و شرعا.

(67) للنهي المستفاد من أدلة نفي الحرج و الضرر التي تكون مقدمة على

ص: 267


1- تقدم في صفحة 148.

مسألة 45: تقدم أنّه يعتبر في وجوبهما عدم العذر

(مسألة 45): تقدم أنّه يعتبر في وجوبهما عدم العذر فلو كان التارك للمعروف و الآتي للمنكر معذورا لا يجبان، و كذا لو احتمل العذر فيهما احتمالا عقلائيا لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالنسبة إليهما (68) بل قد لا يجوز.

مسألة 46: لو اعتقد تارك المعروف أو فاعل المنكر جوازهما

(مسألة 46): لو اعتقد تارك المعروف أو فاعل المنكر جوازهما لشبهة موضوعية كما إذا اعتقد أنّ الصوم يضرّه، أو أنّ علاجه منحصر بشرب الخمر لا يجب الأمر و النهي، و كذا لو كان مجتهدا مخطئا في اجتهاده بزعم الغير. نعم، لو لم يعلم بأصل الحكم الشرعي وجب إرشاده حينئذ (69).

______________________________

جميع أدلة الأحكام الأولية مطلقا.

(68) لقاعدة الصحة في ما لو احتمل العذر. و أما عدم الجواز فهو فيما إذا استلزم الهتك و الإيذاء.

(69) لأنّ جميع ذلك من موارد العذر، و تقدم اعتبار عدم العذر في وجوبهما.

ص: 268

فصل في جهاد النفس

اشارة

فصل في جهاد النفس الذي هو الغرض الأقصى من إنزال الكتب السماوية سيّما القرآن العظيم. الذي هو الجهاد الأكبر و أهمّ أقسام الجهاد (1) كما تقدّم.

______________________________

فصل في جهاد النفس جميع ما يذكره الفقهاء في الجهاد مع الكفار و المشركين مقدمة من مقدمات تحقق الجهاد الأكبر، بل ما يذكر في أحكام العبادات و المعاملات من مقدماته أيضا و العمل بها يكون من بعض مراتبه قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث سرية فلما رجعوا قال صلّى اللّه عليه و آله: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر فقيل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما الجهاد الأكبر؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: جهاد النفس» (1).

و قد ورد في الجهاد الأكبر في جميع الكتب السماوية خصوصا القرآن الكريم (2)، و من الأنبياء و الأوصياء خصوصا من خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله و أوصيائه المعصومين عليهم السّلام ما لا يحصى و لا يستقصي.

(1) بل هو أهمّ شي ء اعتنت به جميع الكتب السماوية خصوصا القرآن المهيمن عليها و هو نتيجة دعوة كل الأنبياء و المرسلين سيّما خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله

ص: 269


1- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- سورة العنكبوت: 29.

.....

______________________________

و خلفائه المعصومين، و هو غاية رياضات العرفاء الشامخين و الحكماء المتألهين من هبوط آدم عليه السّلام إلى انقضاء العالم.

و لو قلنا إنّه لم يخلق العالم و ما فيه و من عليه إلا لذلك لكان حقا، و قد أشار إلى ذلك قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ (1). فإنّ المراد إما معرفة الواقعيات على ما هي عليه أو العبادة الحقة المطابقة للواقع و كل منهما متقوّمة بمجاهدة النفس و كيف لا يكون كذلك و فيها منطوية جميع الكمالات الإنسانية المعدّة له به يصير الإنسان عالما عقليا مضاهيا للعالم الحسيّ بل أرفع منه من كلّ جهة بل يصير الإنسان أجلي مظهر للقدرة الغير المتناهية الإلهية فيوجد ما يشاء و يخلق ما يريد و به يصير مسلّطا على ملكوت الغيب فضلا على عالم الشهادة، و به تنقاد له الموجودات فيغيّرها من صورة إلى أخرى و يتصرّف فيها بما يشاء و يصير عالم الشهادة بين يديه كفلقه الجوزة بين يدي أحدنا، و به يقدر على إخماد نار الجحيم ففي الآثار المعصومية عليهم السّلام إذا عبر المؤمن على الصراط تناديه نار جهنم: «جز يا مؤمن فان نورك قد أطفأ لهبي» (2).

إلى غير ذلك مما ورد في شأن هذا المقام العظيم الذي لا يدرك العقول منه إلا شيئا يسيرا فالعلم به حاليّ لا أن يكون مقاليا لنهاية جلاله و عظمته، و قد أشار إلى بعضها نبيّنا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله بقوله: «لي مع اللّه حالات لا يسعني فيها ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل» أو قوله «صلّى اللّه عليه و آله»: «أبيت عند ربّي فيطعمني و يسقيني» (3).

و من أهمّ مقدّمات هذا الجهاد معرفة النفس الإنسانية أولا و لو في الجملة، لأنّ معرفتها بالكنه و الحقيقة غير ميسور لأحد إلا لمن خلقها، و قد كتبوا في ذلك

ص: 270


1- سورة الذاريات: 51.
2- مستدرك الوسائل باب: 45 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 20.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه.

مسألة 1: مورد جهاد النفس تارة بالنسبة إلى أصل العقيدة الحقة

(مسألة 1): مورد جهاد النفس تارة بالنسبة إلى أصل العقيدة الحقة و الاعتقاد بها و اخرى: بالنسبة إلى إعمال الجوانح و ثالثة: بالنسبة إلى إعمال الجوارح، و هي إما شخصية فردية أو نوعية اجتماعية (2).

______________________________

كتبا كثيرة من المسلمين و غيرهم، و جاهدوا في معرفتها حق الجهاد و لكن لم يصلوا إلى حق المعرفة و كل من أتى بشي ء في بيانه إنّما أتى به بمقدار فهمه لا بقدر الواقع. و لعلّ أقربها إلى الثواب ما عن بعض العارفين من أنّه لو فرض تجلي الذات الأقدس الربوبيّ في صورة الممكنات لا يتجلى إلا في حقيقة النفس الإنسانية، و لو فرض وصول ممكن إلى حضرة المرتبة الأحدية لا يصل إليها إلا النفس الإنسانية و لعله إلى هذا أشار الحكيم السبزواري حيث يقول:

و إنّها بحت وجود ظلّ حق عندي و ذا فوق التجرد انطلق

و لكن كل ذلك إشارة إلى بيان الآثار و من شرح الاسم لا أن يكون بيانا للحقيقة، فسبحان من تحيّر ذوو العقول في فهم خلق من خلائقه فكيف بذاته!! و على أيّ حال هذه المرتبة- التي تحيرت عقول الحكماء و العرفاء في دركها- لا تحصل إلا بالمجاهدات النفسانية و بالجهاد الأكبر الذي هو أشرف مقامات النفس و به فيفضل على الملائكة الكروبيين. و لا ريب في أنّ هذا ليس نصيب كلّ عاميّ و بدويّ، و كل من يدعي الإنسانية بل هو مقام يتفضل به اللّه تعالى على من يشاء من عباده بعد طول المجاهدة و السعي بقدر الطاقة البشرية و لهذه المجاهدة مراتب كثيرة:

منها: ما قاله أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من ملك نفسه إذا رغب و إذا رهب و إذا اشتهى و إذا غضب و إذا رضي فقد حرّم اللّه جسده على النار» (1).

(2) هذا التقسم وجدانيّ يدل عليه الكتاب، و السنة، و إجماع الأمة قال اللّه

ص: 271


1- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.

مسألة 2: أول مرتبة جهاد النفس

(مسألة 2): أول مرتبة جهاد النفس الذي يكتفي به اللّه عزّ و جل عن عامة عباده إنّما هو: إتيان الواجبات و ترك المحرّمات (3).

مسألة 3: العقيدة القلبية الحقة لها مراتب كمالا و ضعفا

(مسألة 3): العقيدة القلبية الحقة لها مراتب كمالا و ضعفا تدور مدار مراتب كمال الإيمان يكفي فيها ما قرّره الإمام عليه السّلام لعبد العظيم الحسني (4).

______________________________

تعالى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (1).

و قد قالوا إنّ هذه الآية الشريفة جمعت فيها من المعارف الحقة و الكمالات الإنسانية ما لم تجتمع في غيرها. و من السنة كما سيأتي.

(3) و قد عبّر عن هذه المرتبة بالورع في جملة من الروايات قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من أتى اللّه عزّ و جلّ بما افترض عليه فهو من أعبد الناس و من ورع عن محارم اللّه فهو من أورع الناس» (2).

(4) لأنّ اعتبار الزائد عليه منفيّ بالأصل العقليّ و الشرعيّ، و الإطلاق، و الاتفاق ففي خبر عبد العظيم قال:

«دخلت على سيدي عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام فلما بصر بي قال لي:

مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيّا أثبت عليه حتى ألقى اللّه عزّ و جلّ فقال:

ص: 272


1- سورة البقرة: 177.
2- راجع الوسائل باب: 21 من أبواب جهاد النفس حديث: 15.

مسألة 4: قد تكفّلت كتب الفقه لما يتعلق بأعمال الجوارح مطلقا

اشارة

(مسألة 4): قد تكفّلت كتب الفقه لما يتعلق بأعمال الجوارح مطلقا من عباداتها و معاملاتها و سائر ما يتعلق بها من واجباتها و مندوباتها و محرّماتها و مكروهاتها و مباحاتها، و قد تكفّلت كتب الأخلاق بجملة ما يتعلق بأعمال الجوانح نشير إجمالا إلى جملة منها، و جملة مما يتعلق بأحكام العشرة بالمناسبة تعميما للفائدة.

أما الأولى: فهي أمور نذكر الأهم منها
اشارة

أما الأولى: فهي أمور نذكر الأهم منها:

______________________________

هاتها أبا القاسم فقلت: إنّي أقول: إنّ اللّه تبارك و تعالى ليس كمثله شي ء، خارج من الحدّين حدّ الإبطال، و حدّ التشبيه، و أنّه ليس بجسم و لا صورة و لا عرض و لا جوهر بل هو مجسّم الأجسام، و مصوّر الصور، و خالق الأعراض و الجواهر، و ربّ كلّ شي ء و مالكه و جاعله و محدثه، و إنّ محمدا عبده و رسوله خاتم النبيين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيامة.

و أقول: إنّ الإمام و الخليفة و وليّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ثمَّ الحسن، ثمَّ الحسين، ثمَّ محمد بن عليّ، ثمَّ جعفر بن محمد، ثمَّ موسى بن جعفر، ثمَّ عليّ بن موسى، ثمَّ محمد بن عليّ، ثمَّ أنت يا مولاي فقال عليه السّلام و من بعدي الحسن ابني، فكيف الناس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت و كيف ذلك يا مولاي؟ قال عليه السّلام: لأنّه لا يرى شخصه و لا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. فقلت: أقررت.

و أقول: إنّ وليّهم وليّ اللّه و عدوّهم عدوّ اللّه و طاعتهم طاعة اللّه، و معصيتهم معصية اللّه، و أقول: إنّ المعراج حق و المسألة في القبر حق و إنّ الجنة حق، و النار حق، و الصراط حق، و الميزان حق، و إنّ الساعة آتية لا ريب فيها و إنّ اللّه يبعث من في القبور.

و أقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة و الزكاة و الصوم، و الحج،

ص: 273

الأول: المجاهدة النفسانية (5).

الثاني: الخوف من اللّه تعالى (6).

الثالث: الورع عن محارم اللّه تعالى (7).

______________________________

و الجهاد، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر» (1).

و هناك روايات أخرى في أبواب متفرّقة تدل على مفاد خبر عبد العظيم.

(5) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الشديد من غلب على نفسه» (2).

و قال عليّ عليه السّلام: «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه» (3).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من ملك نفسه إذا رغب و إذا رهب و إذا اشتهى و إذا غضب و إذا رضي حرّم اللّه جسده على النار» (4). إلى غير ذلك من الأخبار.

(6) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر إسحاق ابن عمار: «خفّ اللّه كأنّك تراه و إن كنت لا تراه فإنّه يراك و إن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، و إن كنت تعلم أنّه يراك ثمَّ برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك» (5).

و من ألفاظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «رأس الحكمة مخافة اللّه» (6).

(7) لقول أبي جعفر عليه السّلام فيما ناجى اللّه تبارك و تعالى به موسى بن عمران:

«يا موسى ما تقرب إليّ المتقربون بمثل الورع عن محارمي» (7).

و قال الصادق عليه السّلام: «عليكم بالورع فإنّه لا ينال ما عند اللّه إلّا بالورع» (8).

إلى غير ذلك من الأخبار و يستفاد منها أنّ ترك المعصية و لو كانت صغيرة

ص: 274


1- البحار ج: 3 باب: 10 من أبواب التوحيد حديث: 3 الطبعة الحديثة.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد النفس حديث: 5 و 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد النفس حديث: 5 و 6.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب جهاد النفس حديث: 7.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب جهاد النفس حديث: 6 و 9.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب جهاد النفس حديث: 6 و 9.
7- مستدرك الوسائل باب: 21 من أبواب جهاد النفس حديث: 5.
8- الوسائل باب: 21 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.

الرابع: حسن الظنّ باللّه العظيم (8).

الخامس: كثرة الاهتمام بطاعة اللّه تعالى (9).

السادس: تولّي تأديب النفس (10).

السابع: الاهتمام بترك الحرام (11).

______________________________

أولى من إتيان العبادات المندوبة و لو كانت مثل الحج المندوب.

(8) لقول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «أحسن الظنّ باللّه فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا» (1)، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «و الذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة إلا بحسن ظنّه باللّه و رجائه له، و حسن خلقه و الكفّ عن المؤمنين» (2).

(9) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «لا تذهب بكم المذاهب فو اللّه ما شيعتنا إلا من أطاع اللّه عزّ و جلّ» (3)، و قال: «من كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ و ما تنال ولايتنا إلا بالعمل و الورع»(4). إلى غير ذلك من الأخبار.

(10) لقول عليّ عليه السّلام: «أيّها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها و اعدلوا بها عن ضراوة عاداتها» (5). أي: العادات السيئة الراسخة في النفس، و قال: قال تعالى فيما أوحي إلى رجل من بني إسرائيل: «ذمك لنفسك أفضل من عبادتك أربعين سنة» (6).

(11) لقول أبي الحسن الثاني عليه السّلام: «و إيّاك أن يراك اللّه في معصية نهاك

ص: 275


1- الوسائل باب: 16 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 1.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 1.

الثامن: الاهتمام بالتقوى (12).

التاسع: الاعتصام باللّه تعالى (13).

______________________________

عنها، و إيّاك أن يفقدك اللّه عند طاعة أمرك بها» (1).

و قال الصادق عليه السّلام في الصحيح: «إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس، فيأتون باب الجنة فيقال: من أنتم؟! فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم: على ما صبرتم؟ فيقولون كنا نصبر على طاعة اللّه، و نصبر عن معاصي اللّه فيقول اللّه عزّ و جلّ صدقوا أدخلوهم الجنة، و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (2).

(12) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: لا يقل عمل مع تقوى، و كيف يقل ما يتقبل» (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى قلت: كيف يكون كثير بلا تقوى؟ قال عليه السّلام: نعم، مثل الرجل يطعم طعامه و يرفق جيرانه و يوطئ رحله فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه فهذا العمل بلا تقوى، و يكون الآخر ليس عنده فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه» (4).

(13) فعن الصادق عليه السّلام: «أيّما عبد أقبل قبل ما يحب اللّه عزّ و جلّ أقبل اللّه قبله ما يحب، و من اعتصم باللّه عصمه اللّه و من أقبل اللّه قبله و عصمه لم يبال لو سقطت السماء على الأرض، أو كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بلية كان في حزب اللّه بالتقوى من كل بلية أ ليس اللّه يقول: إنّ المتقين في مقام

ص: 276


1- الوسائل باب: 19 من أبواب جهاد النفس حديث: 7 و 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2.

العاشر: التوكل على اللّه تعالى (14).

______________________________

آمين» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: «أوحى اللّه عزّ و جل إلى داود ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ثمَّ يكيده السماوات و الأرض و من فيهنّ إلا جعلت له المخرج من بينهنّ، و ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السّماوات من يديه، و أسخت الأرض من تحته و لم أبال بأيّ واد يهلك» (2)، و قد ورد في قطع الرجاء و الأمل عن غير اللّه تعالى ما يبهر منه العقول.

(14) فعن أبي الحسن الأول عليه السّلام: «التوكل على اللّه درجات منها: أن تتوكل على اللّه في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضيا تعلم أنّه لا يألوك خيرا و فضلا، و تعلم أنّ الحكم في ذلك له فتوكل على اللّه بتفويض ذلك إليه وثق به فيها و في غيرها» (3).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من اعطي ثلاثا لم يمنع ثلاثا: من اعطي الدعاء أعطي الإجابة، و من اعطي الشكر أعطي الزيادة، و من اعطي التوكل أعطي الكفاية ثمَّ قال أ تلوت كتاب اللّه عزّ و جل وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ و قال:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و قال ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (4).

ثمَّ إنّ الفرق بين التوكل و الاعتصام هو أنّ الأول هو إيكال الأمر إلى اللّه تعالى من كل جهة كما تقدم، و في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «ليس شي ء

ص: 277


1- الوسائل باب: 10 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 4.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 4.

الحادي عشر: الاهتمام بولاية النبيّ و الإمام عليه السّلام و محبتهما (15).

______________________________

إلا و له حدّ قلت: جعلت فداك فما حدّ التوكل؟ قال عليه السّلام: اليقين، قلت: فما حدّ اليقين؟ قال عليه السّلام: أن لا تخاف مع اللّه شيئا»(1).

و ما قاله عليه السّلام أحسن حدّ للتوكل و كل ما قاله علماء الأخلاق يرجع إليه. و لا ريب في أنّ للتوكل بل و لجميع مكارم الأخلاق مراتب متفاوتة و كثيره لما مر.

و أما الاعتصام هو الالتفات إلى أنّ غير اللّه تعالى لا ينفع- بل يضرّ- و يلتجئ إلى ركن وثيق، فالاعتصام به تعالى فوق التوكل و هو من مبادي الاعتصام و مقدماته.

(15) قال عليّ عليه السّلام: «إنّ وليّ محمد من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته، و إنّ عدوّ محمد من عصى اللّه و إن قربت قرابته» (2).

أقول: أمثال هذه الأخبار كثيرة و لكن لا يخفى كما تقدم أنّ للإيمان و التشييع و ولاية محمد صلّى اللّه عليه و آله و آله مراتب متفاوتة جدّا و يمكن أن يكون نفي الشيعة و الولاية بالنسبة إلى بعض المراتب لإتمامها. ثمَّ إنّه يظهر من الأخبار أنّ بعض المعاصي و جملة من الصفات الذميمة توجب اضمحلال الحسنات، كقولهم عليه السّلام: «إنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»، و لا بأس بالإشارة الإجمالية إلى لباب المقام حسب ما يقتضيه الحال.

اعلم أنّ في جزاء الأعمال مباحث علمية كلامية منها الإحباط. و منها الموازنة، و منها التكفير:

و الأول: بمعنى: أنّ بعض المعاصي تذهب بثواب الحسنات. و استدلوا عليه بجملة من الآيات و الروايات كقوله تعالى:

ص: 278


1- الوسائل باب: 7 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب جهاد النفس حديث: 9.

الثاني عشر: التواضع (16).

______________________________

وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (1)، و قد ورد صحيح ابن خالد في تفسير الآية المباركة:

«أما و اللّه إن كانت أعمالهم أشدّ من القباطي و لكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه» (2).

و لكن أثبتوا بطلان الإحباط بقول مطلق مفصّلا في محله، تمسكا بإطلاق قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (3). و غيرها من الآيات و الأخبار المطلقة.

نعم، الإحباط في الجملة و بنحو الإجمال لا بأس به كما تدل عليه جملة من الأخبار التي ليس هنا محلّ ذكرها، و يحمل ما تقدم من صحيح ابن خالد على الحبط في الجملة أو يطرح لمخالفة للقواعد العدلية.

و الثاني: عبارة عن التوازن أي: يوازن بين الحسنات و السيئات فكل واحدة منها غلبت على الأخرى يعمل بمقتضاه و الأخير ضدّ الإحباط و هو عبارة عن أنّ الحسنات تذهب بأثر السيئات كما في قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (4)، و تدل عليه نصوص متواترة في أبواب متفرقة و كل هذه المباحث ليس هنا محلّ ذكرها.

(16) فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للّه رفعاه، و من تكبّر وضعاه» (5).

و عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام: «إنّ من التواضع أن يرضى بالمجلس

ص: 279


1- سورة الفرقان: 23.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.
3- سورة الزلزلة 7.
4- سورة هود: 114.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

و الثالث عشر: إنصاف الناس (17).

و الرابع عشر: كتمان عيب الناس (18).

مسألة 5: يجب اجتناب المعاصي و الذنوب و اجتناب الشهوات

(مسألة 5): يجب اجتناب المعاصي و الذنوب و اجتناب الشهوات و اللذات المحرمة (19).

______________________________

دون المجلس و أن يسلّم على من يلقى و أن يترك المراء و إن كان محقّا و لا تجب أن تحمد على التقوى» (1).

(17) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، و مواساة الأخ في اللّه و ذكر اللّه على كلّ حال» (2).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إلا أنّه من ينصف الناس من نفسه لم يزده اللّه إلا عزّا» (3).

(18) لما عن أبي جعفر عليه السّلام: «كفى بالمرء عيبا أن يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب على الناس أمرا هو فيه لا يستطيع التحوّل عنه إلى غيره، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه» (4).

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: طوبى لمن شغله خوف اللّه عزّ و جلّ عن خوف الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه» (5).

(19) للأدلة الأربعة فمن الكتاب الآيات الآمرة بالتقوى و اجتناب المناهي و هي كثيرة:

منها: قوله تعالى:

ص: 280


1- الوسائل باب: 28 من أبواب جهاد النفس حديث: 9.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 3.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 2.
5- الوسائل باب: 36 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 2.

.....

______________________________

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ (1).

و من العقل فإنّ في ارتكابها هتك و مخالفة للّه تعالى و لا ريب في حرمته عقلا.

و من السنة نصوص متواترة:

منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في خبر زرارة: «الذنوب كلها شديدة و أشدّها ما نبت عليه اللحم و الدم لأنّه إما مرحوم و إما معذّب، و الجنة لا يدخلها إلا طيّب» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر هشام بن سالم: «أما إنّه ليس من عرق يضرب و لا نكبة و لا صداع و لا مرض إلا بذنب، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ثمَّ قال: و ما يعفو اللّه أكثر مما يؤاخذه به» (3).

و عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أذنب ذنبا و هو ضاحك دخل النار و هو باك» (4).

و عن أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «ما من عبد إلا و في قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب تلك السواد، و إن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا، و هو قول اللّه عزّ و جلّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (5).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الجنة محفوفة بالمكاره و الصبر فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة و جهنّم محفوفة، باللذات و الشّهوات، فمن أعطى

ص: 281


1- سورة النحل: 90.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 1 و 20 و 14.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 1 و 20 و 14.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 1 و 20 و 14.
5- الوسائل باب: 40 من أبواب جهاد النفس حديث: 3 و 1 و 20 و 14.

و ترك الصّفات السيّئة و أهمها الحسد (20)

______________________________

نفسه لذاتها و شهواتها دخل النار» (1).

و عن الرضا عليه السّلام قال: «أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى نبيّ من الأنبياء إذا أطعت رضيت باركت، و ليس لبركتي نهاية، و إذا عصيت غضبت، و إذا غضبت لعنت، و لعنتي تبلغ السابع من الورى» (2).

و عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إنّ اللّه عزّ و جلّ في كل يوم و ليلة مناد ينادي مهلا مهلا عباد اللّه عن معاصي اللّه فلو لا بهائم رتع، و صبية رضع، و شيوخ ركع لصب عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا» (3).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «قال اللّه عزّ و جلّ، إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلّطت عليه من خلقي من لا يعرفني» (4).

و من الإجماع مما لا خلاف فيه بين العقلاء فكيف بالمسلمين على اختلاف مذاهبهم.

(20) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب» (5).

و قال عليه السّلام: «آفة الدّين الحسد و العجب و الفخر» (6)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و المراد من التحرز عنه عدم استعماله قال الصادق عليه السّلام: «ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق، و الطيرة، و الحسد إلا أنّ

ص: 282


1- الوسائل باب: 42 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب جهاد النفس حديث: 6 و 8.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب جهاد النفس حديث: 6 و 8.
4- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 5.
5- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 5.
6- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 5.

و التكبر (21) و التعصب على غير الحق (22).

______________________________

المؤمن لا يستعمل حسده»(1).

و قد مدح الغبطة بقوله عليه السّلام: «المؤمن يغبط و لا يحسد و المنافق يحسد و لا يغبط»(2)، و المراد من الغبطة: أن يتمنّى على اللّه نعمة أعجبته من غير أنّ يريد زوالها عمن أنعم اللّه عليه بها.

(21) نعوذ باللّه تعالى من الكبر و عدّ في بعض الأخبار من أصول الكفر قال الصادق عليه السّلام: «أصول الكفر ثلاثة: الحرص، و الاستكبار، و الحسد» (3).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر» (4).

و قد فسّر عليه السّلام الكبر بقوله عليه السّلام: «أن تغمض الناس و تسفه الحق» (5).

و هناك روايات اخرى فسّر الكبر فيها بمعان أخر، و من شاء فليرجع إلى محالّها.

و عن الصادق عليه السّلام: «إنّ المتكبرين يجعلون في صور الذر تتوطاهم الناس حتى يفرغ اللّه من الحساب» (6).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أكثر أهل جهنّم متكبّرون» (7). إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على حرمة أعمال هذه الصفة.

(22) لما عن الصادق عليه السّلام: «من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه» (8).

ص: 283


1- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 8.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 7.
3- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 10.
4- الوسائل باب: 60 من أبواب جهاد النفس حديث: 6 و 2.
5- الوسائل باب: 60 من أبواب جهاد النفس حديث: 6 و 2.
6- الوسائل باب: 58 من أبواب جهاد النفس حديث: 7 و 16.
7- الوسائل باب: 58 من أبواب جهاد النفس حديث: 7 و 16.
8- الوسائل باب: 57 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

و إساءة الخلق (23) و البذاء (24).

______________________________

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام: «لم يدخل الجنة حمية غير حمية حمزة بن عبد المطلب و ذلك حين أسلم غضبا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث السلا الذي ألقي على النبي صلّى اللّه عليه و آله (1).

و عنه عليه السّلام أيضا قال: «العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين و ليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه، و لكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم» (2).

(23) لما فيها من العواقب السيئة و الآثار المذمومة، فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أبى اللّه لصاحب الخلق السيّئ بالتوبة، قيل: و كيف ذاك يا رسول اللّه؟ قال صلّى اللّه عليه و آله لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه» (3).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل» (4).

و في بعض الأخبار عنه عليه السّلام: «إنّ سوء الخلق ليفسد الإيمان» (5).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «عليكم بحسن الخلق فإنّ حسن الخلق في الجنة لا محالة، و إيّاكم و سوء الخلق فإنّ سوء الخلق في النار لا محالة» (6).

(24) أي من لم يبال بما قال أو قيل له ففي الخبر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ اللّه حرّم الجنة على كل فحّاش بذي ء قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل له فإنّك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان، قيل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «و في الناس شرك شيطان؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أما تقرأ قول اللّه عزّ و جلّ و شاركهم

ص: 284


1- الوسائل باب: 57 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب جهاد النفس حديث: 7.
3- الوسائل باب: 69 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2 و 3 و 7.
4- الوسائل باب: 69 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2 و 3 و 7.
5- الوسائل باب: 69 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2 و 3 و 7.
6- الوسائل باب: 69 من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 2 و 3 و 7.

و السّفه (25) و الظلم (26) و مخالفة القول مع العمل (27)

______________________________

في الأموال و الأولاد- الحديث-» (1).

(25) أي كون الإنسان مما يتقى شرّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «شرّ الناس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرّهم» (2).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من خاف الناس لسانه فهو في النار» (3).

و قد فسّر السفه بمعان أخر سيأتي في محلّه بيانها.

(26) أعاذنا اللّه منه، لما له من العواقب الوخيمة و صاحبه في النار قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة»(4).

و قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما من أحد يظلم مظلمة إلا أخذه اللّه بها في نفسه أو ماله أو في ولده فأما الظلم الذي بينه و بين اللّه فإذا تاب غفر له» (5).

و قال أبو جعفر عليه السّلام: «إنّ أسرع الخير ثوابا البرّ، و إنّ أسرع الشرّ عقوبة البغي» (6).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه، و صارت نصرة اللّه لمن بغي عليه» (7).

(27) قال الصادق عليه السّلام: «من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا و عمل بغيره» (8).

و عنه عليه السّلام أيضا في تفسير قول اللّه عزّ و جلّ فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ فقال عليه السّلام: يا أبا بصير هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمَّ خالفوه

ص: 285


1- الوسائل باب: 72 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 70 من أبواب جهاد النفس حديث: 8 و 9.
3- الوسائل باب: 70 من أبواب جهاد النفس حديث: 8 و 9.
4- الوسائل باب: 77 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 3 و 4.
5- الوسائل باب: 77 من أبواب جهاد النفس حديث: 2 و 3 و 4.
6- الوسائل باب: 74 من أبواب جهاد النفس حديث: 5 و 6.
7- الوسائل باب: 74 من أبواب جهاد النفس حديث: 5 و 6.
8- الوسائل باب: 38 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.

و المفاخرة (28) و الطمع (29) و متابعة الهوى (30).

______________________________

إلى غيره» (1).

و في خبر خيثمة: «قال لي جعفر بن محمد عليه السّلام: أبلغ شيعتنا أنّه لن ينال ما عند اللّه إلا بعمل و أبلغ شيعتنا، أنّ أعظم الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا ثمَّ يخالفه إلى غيره» (2).

(28) أي ترك الافتخار و المفاخرة في كل شي ء قال أبو جعفر: «ثلاثة من عمل الجاهلية: الفخر بالأنساب، و الطعن بالأحساب، و الاستسقاء بالأنواء» (3).

و قال عليّ عليه السّلام: «من وضع شيئا للمفاخرة حشره اللّه يوم القيامة أسود» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(29) لصفة ذمها الشارع كثيرا فعن الصادق عليه السّلام: «الورع يثبت الإيمان في العبد، و الطمع يخرجه منه» (5).

و قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام: «رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس» (6).

و عن عليّ عليه السّلام: «أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع»(7)، و المراد من الطمع الطمع في الدنيا و زخرفها من المال و الجاه.

(30) لا شك أن اتباع الهوى الذي يخالف الشرع حرام قال عليّ عليه السّلام:

«إنّما أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى، و طول الأمل، أما اتباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحق، و أما طول الأمل فينسي الآخرة» (8).

ص: 286


1- الوسائل باب: 38 من أبواب جهاد النفس حديث: 4 و 5.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب جهاد النفس حديث: 4 و 5.
3- الوسائل باب: 75 من أبواب جهاد النفس حديث: 7.
4- الوسائل باب: 75 من أبواب جهاد النفس حديث: 9.
5- الوسائل باب: 67 من أبواب جهاد النفس حديث: 4 و 3 و 8.
6- الوسائل باب: 67 من أبواب جهاد النفس حديث: 4 و 3 و 8.
7- الوسائل باب: 67 من أبواب جهاد النفس حديث: 4 و 3 و 8.
8- الوسائل باب: 81 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.
أما الثانية فهي مما يتعلق بالعشرة

أما الثانية فهي مما يتعلق بالعشرة و هو أيضا كثير نذكر الأهم منه و هي أمور:

الأول: ينبغي الألفة مع الناس و أن يكون الإنسان هيّنا و ليّنا، و أن يصل من قطعه و يحسن إلى من أساء إليه (31).

و الثاني: يتأكد حسن المعاشرة مع العامة خصوصا في أداء الأمانة، و حسن الخلق، و الصدق، و عيادة مرضاهم و حسن الجوار معهم، و شهود

______________________________

و عن الصادق عليه السّلام: «ليس بشي ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و هناك صفات اخرى مذمومة عند الشرع و العقل ذكرها علماء الأخلاق و من شاء فليراجع كتبهم.

(31) لما عن الصادق عليه السّلام في رواية الخثعمي قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أفضلكم أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يؤلفون و يؤلفون و توطأ رحالهم» (2).

و قال عليه السّلام: في رواية القداح: «المؤمن مألوف، و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: الهيّن القريب الليّن السهل» (4).

و عن أبي الحسن الرّضا عن آبائه عليهم السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المؤمن هيّن

ص: 287


1- الوسائل باب: 81 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 105 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 105 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 106 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

جنائزهم، و الصلاة في مساجدهم (32).

______________________________

ليّن سمح، له خلق حسن، و الكافر فظّ غليظ له خلق سيّئ و فيه جبرية» (1).

و عن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في خطبة: ألا أخبركم بخير الدنيا و الآخرة؟ العفو عن ظلمك، و تصل من قطعك، و الإحسان إلى من أساء إليك، و إعطاء من حرمك» (2).

و عن السجاد عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة جمع اللّه تبارك و تعالى الأولين و الآخرين في صعيد واحد، ثمَّ ينادي مناد أين أهل الفضل؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون: و ما فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا، و نعطي من حرمنا، و نعفو عمّن ظلمنا، فيقال: صدقتم ادخلوا الجنة» (3).

(32) كل كذلك لما تقدم، و لصحيح الشحام قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام اقرأ على من ترى أنّه يطيعني منهم و يأخذ بقولي السلام، أوصيكم بتقوى اللّه عزّ و جلّ و الورع في دينكم، و الاجتهاد للّه، و صدق الحديث، و أداء الأمانة، و طول السجود، و حسن الجوار فبهذا جاء محمد صلّى اللّه عليه و آله و أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليه برّا أو فاجرا فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر بأداء الخيط و المخيط صلوا في عشائرهم و اشهدوا جنائزهم، و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه و صدق الحديث و أدى الأمانة و حسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفريّ، فيسرّني ذلك و يدخل عليّ منه السرور و قيل هذا أدب جعفر و إذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه و عاره و قيل هذا أدب جعفر، و اللّه لحدّثني أبي عليه السّلام أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ عليه السّلام فيكون زينها أداهم للأمانة، و أقضاهم للحقوق، و أصدقهم للحديث إليه وصاياهم و ودائعهم،

ص: 288


1- الوسائل باب: 106 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 113 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 113 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.

الثالث: حسن الصحبة و مراعاة الآداب (33).

الرابع: أن يكون فيه حلم، و ورع، و مداراة الناس (34).

مسألة 6: أحسن ما ورد في كيفية المعاشرة: ما عن عليّ عليه السّلام

(مسألة 6): أحسن ما ورد في كيفية المعاشرة: ما عن عليّ عليه السّلام (35)

______________________________

تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنّه آدانا للأمانة و أصدقنا للحديث» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: عليكم بالورع و الاجتهاد، و اشهدوا الجنائز و عودوا المرضى، و احضروا مع قومكم مساجدكم و أحبوا للناس ما تحبون لأنفسكم، أما يستحي الرجل منكم أن يعرف جاره حقّه و لا يعرف حقّ جاره»(2).

(33) كما في رواية أبي الربيع قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و البيت غاص بأهله فقال عليه السّلام: يا شيعة آل محمد أعلموا أنّه ليس منا من لم يملك نفسه عند غضبه، و من لم يحسن صحبة من صحبه و مخالقة من خالقه و مرافقة من رافقه و مجاورة من جاوره و ممالحة من مالحه» (3).

(34) لما عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ثلاث من لم يكن فيه لم يتم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي اللّه، و خلق يداري به الناس، و حلم يرد به جهل الجاهل» (4).

(35) حيث قال: «الإخوان صنفان إخوان الثقة و إخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال، فاذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سرّه و أعنه و أظهر منه الحسن و اعلم أنّهم أعزّ من الكبريت الأحمر، و أما إخوان المكاشرة فإنّك تصيب منهم لذّتك فلا تقطعنّ ذلك منهم، و لا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم،

ص: 289


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 4.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 9.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 9.

و قد حث الشارع إلى اتخاذ الصديق (36) و ينبغي أن يجتمع في الصديق صفات حميدة:

منها: أن يكون عاقلا و كريما (37) و أن يكون من خيار الناس (38).

______________________________

و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان) (1).

فهذه الرواية أجمع قول في كيفية المعاشرة و جميع ما ذكره علماء الأخلاق في كيفية المعاشرة يرجع إليه.

(36) فعن عليّ عليه السّلام: «أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، و أعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم» (2).

و عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام: «من استفاد أخا في اللّه استفاد بيتا في الجنة» (3).

و عن الصادق عليه السّلام: «أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا و الآخرة اما في الدنيا فحوائج يقومون بها، و اما في الآخرة فإن أهل جهنم قالوا فما لنا شافعين و لا صديق حميم» (4)، و في حكمة لقمان: يا بني اتخذ ألف صديق و ألف قليل و لا تتخذ عدوا واحدا و الواحد كثير» (5).

(37) كما عن عليه السّلام: «لا عليك أن تصحب ذا العقل و إن لم تحمد كرمه، و لكن انتفع بعقله و احترس من سي ء أخلاقه و لا تدعنّ صحبة الكريم و إن لم تنتفع بعقله و لكن انتفع بكرمه بعقلك» (6).

(38) كما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «المرء على دين خليله» (7)، أي: صديقه.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله انظروا من تحادثون فإنّه ليس من أحد ينزل به الموت إلا مثّل

ص: 290


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 1 و 5 و 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 1 و 5 و 2.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 1 و 5 و 2.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 1 و 5 و 2.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 27 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

و منها: أن ينتفع بعلمه (39) و أن يكون أليفا (40).

و منها: أن يكون أمينا في جميع جهاته (41) و صادقا في أقواله (42).

______________________________

له أصحابه إلى اللّه فان كانوا خيرا فخيار- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد يموت إلا تمثلت له عند موته» (1).

(39) لما ورد عن ابن عباس قال: «قيل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أي الجلساء خير؟ قال: من تذكركم اللّه برؤيته، و يزيدكم في علمكم منطقه، و يرغبكم في الآخرة عمله» (2).

و هناك روايات أخرى كثيرة تدل على ذلك أوردها الكليني في الكافي و المحدث الكاشاني في الوافي و جعلوا لها بابا خاصّا.

(40) كما عن عليّ عليه السّلام في الصحيح قال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:

المؤمن عزيز كريم، و المنافق خبّ لئيم، و خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف- الحديث-» (3).

(41) لما تقدم عن عليّ عليه السّلام في تفسير إخوان الثقة، و عن الصادق عليه السّلام:

«إيّاك كل محدث لا عهد له و لا أمانة و لا ذمة و لا ميثاق، و كن على حذر من أوثق الناس عندك» (4).

(42) كما ورد عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام: «إيّاك و مصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد، و يبعد لك القريب» (5).

و عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا تقارن، و لا تواخي أربعة- و قد عدّ منها-

ص: 291


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

و منها: أن يكون حافظا بصديقه و يناصحه و لا يسلمه في النكبات (43).

و منها: حسن الصحبة (44).

______________________________

الكذّاب فإنّه يصدق و لا يصدق» (1).

(43) كل ذلك لما عن الصادق عليه السّلام: «لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شي ء منها فانسبه إلى الصداقة، و من لم يكن فيه شي ء منها فلا تنسبه إلى شي ء من الصداقة، فأولها: أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة، و الثانية: أن يرى زينك زينه و شينك شينه، و الثالثة: أن لا يغيّره عليك ولاية و لا مال، و الرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته. و الخامسة: و هي تجمع هذه الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات» (2).

و عن عليّ عليه السّلام قال: «لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث:

في نكبته، و غيبته، و وفاته» (3).

(44) لما تقدم عن الصادق عليه السّلام: «أوصيك بتقوى اللّه و أداء الأمانة و صدق الحديث، و حسن الصحبة لمن صحبت و لا قوة إلا باللّه» (4).

و في رواية مفضّل قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي من صحبك؟ فقلت له: رجل من إخواني قال: فما فعل؟ قلت: منذ دخلت لم أعرف مكانه. فقال لي أما علمت أنّ من صحب مؤمنا أربعين خطوة سأله اللّه عنه يوم القيامة» (5).

ص: 292


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

أن يكون مؤتمنا في مجالسه (45).

و منها أن يكون في مقام رفع العيب عن صاحبه و لا يستره عنه (46).

مسألة 7: وردت روايات كثيرة تدل على التحرز عن مؤاخاة جماعة

(مسألة 7): وردت روايات كثيرة تدل على التحرز عن مؤاخاة جماعة:

______________________________

(45) كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المجالس بالأمانة» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «المجالس بالأمانة، و ليس لأحد أن يحدّث بحديث يكتمه صاحبه إلا بإذنه إلا أن يكون ثقة أو ذكرا له بخير» (2).

و في حديث جابر: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: مجلس سفك فيه دم حرام، أو مجلس يستحل فيه مال حرام بغير حقه» (3).

(46) كما ورد عن الصادق عليه السّلام: «أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي» (4).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يستغني المؤمن عن خصلة و به الحاجة إلى ثلاث خصال:

توفيق من اللّه عزّ و جلّ، و واعظ من نفسه و قبول من ينصحه» (5).

ثمَّ إنّه من النادر جدّا- بل غير واقع في مثل عصرنا- أن يجتمع في شخص جميع هذه الصّفات بل أكثرها فحينئذ يواخي من له بعض هذه الصفات أو يصاحب من يكون في مقام التزكية و التهذيب و الاتصاف ببعضها مهما أمكن.

و هناك صفات اخرى ذكرها علماء الأخلاق في كتبهم و من شاء فليرجع إلى محالها.

ص: 293


1- الوسائل باب: 71 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 4.
2- الوسائل باب: 71 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 4.
3- الوسائل باب: 71 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 4.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 3.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 3.

منهم: الجاهل الفاجر (47) و البخيل (48) و الجبان (49) و الأحمق (50).

______________________________

(47) إن لم يترتب على مواخاته إرشاده و تعليمه للأحكام و إلا فقد يجب فعن الصادق عليه السّلام: قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة الماجن الفاجر، و الأحمق، و الكذاب. فأما الماجن الفاجر فيزين لك فعله و يحب أن تكون مثله» (1)، و في رواية أخرى:

«و لا يعينه على أمر دنياه و لا أمر معاده، و مدخله إليه و مخرجه من عنده شين عليه» (2).

(48) لما عن السجاد عليه السّلام: «إيّاك و مصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه» (3)، و في رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا تقارن و لا تؤاخي البخيل فإنّه يأخذ منك و لا يعطيك» (4).

(49) كما في رواية سدير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا تقارن و لا تواخي أربعة- و قد عدّ منهم-: الجبان، فإنّه يهرب عنك و عن والديه» (5).

(50) و قد وردت روايات متعددة كثيرة في النهي عن مجالسة الأحمق و قد علل في بعضها بقوله عليه السّلام: «يريد أن ينفعك فيضرّك» (6)، و في رواية ميسر عن الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي للمسلم أن يؤاخي الفاجر و لا الأحمق» (7).

و في رواية عبيد بن زيارة: «إيّاك و مصادقة الأحمق فإنّك أسرّ ما تكون من ناحيته أقرب ما يكون إلى مسائتك» (8).

ص: 294


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4 و 1.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.
7- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
8- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 4.

و الأنذال (51) و الكذاب (52) و من لا نفع له لا بدينه و لا بدنياه (53) و أهل البدع (54).

______________________________

(51) فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «الجلوس مع الأنذال تميت القلب» (1).

(52) فقد وردت أخبار كثيرة في اجتناب مؤاخاة الكذاب فعن عليّ عليه السّلام:

«ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب فإنّه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك، و ينقل الأحاديث إليك كلما قنيت أحدوثة مطّها بأخرى حتى إنّه ليحدث بالصدق فما يصدق، فينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض يكسب بينهم العداوة، و يثبت الشحناء في الصدور» (2). و قد تقدم ما يدل على ذلك.

(53) ففي وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعلىّ عليه السّلام قال: «من لم تنتفع بدينه و لا دنياه فلا خير في مجالسته» (3).

(54) قال الصادق عليه السّلام: «لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فتكونوا عند الناس كواحد منهم» (4).

و ينبغي ترك مصاحبة كل من له من الصفات المذمومة، لما ورد: «أنّ صاحب الشرّ يعدي، و قرين السوء يردي» (5)، و تدل على ذلك الشواهد العقلية و التجربيات القطعية. هذا كله فيما إذا لم يكن في مقام إرشاد صاحبه بالمواخاة و إلا فقد يجب و إن كان فيه الصفات المذمومة.

ص: 295


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

مسألة 8: وردت عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام روايات في كيفية المعاشرة

(مسألة 8): وردت عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام روايات في كيفية المعاشرة و التودد معهم و إنّ لها آداب خاصّة.

منها: المجاملة مع الناس و لقاؤهم بالبشر و احترامهم (55) و حسن الخلق (56).

______________________________

(55) فعن الصادق عليه السّلام في الصحيح مجاملة الناس ثلث العقل» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ثلاث يصفين ودّ المرء لأخيه المسلم يلقاه بالبشر إذا لقيه، و يوسع له في المجلس إذا جلس اليه و يدعوه بأحب الأسماء إليه» (2).

(56) فقد وردت روايات متواترة صحيحة في ذلك و قد عد من مراتب كمال الإيمان، فعن أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (3)، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله «إنّ صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم» (4)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى اللّه و حسن الخلق» (5)، و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق في الجنة لا محالة و إياكم و سوء الخلق فان سوء الخلق في النار لا محالة» (6)، و عن الصادق عليه السّلام في رواية أبي ولاد الحناط: «اربع من كن فيه كمل إيمانه و ان كان من قرنه إلى قدمه ذنوبا لم ينقصه ذلك قال: و هو الصدق: و أداء الأمانة، و الحياء، و حسن الخلق» (7)، و عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يوضع في ميزان امرء يوم

ص: 296


1- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 8 و 17 و 2.
4- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 8 و 17 و 2.
5- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 8 و 17 و 2.
6- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 8 و 17 و 2.
7- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3 و 8 و 17 و 2.

و العفو (57).

______________________________

القيامة أفضل من حسن الخلق» (1)، إلى غير ذلك من الروايات.

ثمَّ إنّ ما ورد في بعض هذه الصفة مع الناس لا فرق فيه بين أن يكون اختياريا أو طبيعيا لما تقدم من الإطلاقات، و لكن في صحيح إسحاق ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الخلق منحة يمنحها اللّه خلقه، فمنه سجية، و منه نية.

قلت: فأيهما أفضل؟ قال عليه السّلام: صاحب السجية هو مجبول لا يستطيع غيره، و صاحب النية يصبر على الطاعة تصبرا فهو أفضلهما»(2).

(57) إن صدر ما يوجب العتاب من الناس، فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «عليكم بالعفو فإنّ العفو لا يزيد العبد إلا عزّا» (3)، و في رواية أبي حمزة عن الباقر عن آبائه عليهم السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كان يوم القيامة ينادي مناد يسمع آخرهم كما يسمع أولهم فيقول أين أهل الفضل؟ فيقوم عنق من الناس فيستقبلهم الملائكة فيقولون: ما فضلكم هذا الذي نوديتم به؟ فيقولون كنا يجهل علينا في الدنيا فنحمل و يساء إلينا فنعفوا، فينادي مناد من اللّه تعالى صدق عبادي خلوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و منها: صلة القاطع و الإحسان إلى المسي ء، فعن الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا و الآخرة؟ العفو عمّن ظلمك، و تصل من قطعك، و الإحسان إلى من أساء إليك و إعطاء من حرمك» (5).

و عن أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم السّلام قال: «قال رسول اللّه عليكم

ص: 297


1- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13.
2- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام العشرة حديث: 14.
3- الوسائل باب: 112 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 10.
4- الوسائل باب: 112 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 10.
5- الوسائل باب: 113 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

و كظم الغيظ حتى عن الأعداء (58) و الصدق في الوعد مطلقا، (59) و الصبر

______________________________

بمكارم الأخلاق فإنّ ربّي بعثني بها، و إنّ من مكارم الأخلاق أن يعفو الرجل عمّن ظلمه و يعطي من حرمه، و يصل من قطعه، و أن يعود من لا يعوده» (1)، و في وصية عليّ عليه السّلام لمحمد بن الحنفية: «لا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته و لا على الإساءة إليك أقدر منك على الإحسان إليه» (2).

(58) فعن الصادق عليه السّلام: «ما من عبد كظم غيظا إلا زاده اللّه عزّ و جلّ عزّا في الدنيا و الآخرة و قد قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها فإنّ عظم الأجر لمن عظيم البلاء و ما أحبّ اللّه قوما إلا ابتلاهم» (4).

و عن أبي جعفر عليه السّلام: «من كظم غيظا و هو يقدر على إمضائه حشا اللّه قلبه أمنا و إيمانا يوم القيامة» (5).

الى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

(59) كما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد» (6).

و في صحيح هشام بن سالم قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له فمن أخلف فبخلف اللّه بدأ و لمقته تعرّض و ذلك قوله تعالى:

ص: 298


1- الوسائل باب: 113 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 113 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 114 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5 و 1 و 9.
4- الوسائل باب: 114 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5 و 1 و 9.
5- الوسائل باب: 114 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5 و 1 و 9.
6- الوسائل باب: 109 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

على الحساد (60) و مداراة الناس (61)، و أداء حق المؤمن (62).

______________________________

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (1).

(60) ففي صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: اصبر على أعداء النعم فإنك لم تكافئ من عصا اللّه فيك بأفضل من تطيع اللّه فيه (2).

(61) ففي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض» (3).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: و مداراة الناس نصف الإيمان، و الرفق بهم نصف العيش ثمَّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: خالطوا الأبرار سرّا، و خالطوا الفجار جهرا و لا تميلوا عليهم فيظلموكم، فإنّه سيأتي عليكم زمان لا ينجو فيه من ذوي الدين إلا من ظنوا أنّه أبله، و صبر نفسه على أن يقال إنّه أبله لا عقل له» (4).

(62) و قد وردت روايات كثيرة في الترغيب و الحث على أداء حق المؤمن و أنّ أداءه من أفضل العبادة و أسماها كما في صحيح مرازم عن الصادق عليه السّلام: «ما عبد اللّه بشي ء أفضل من أداء حق المؤمن» (5)، بل في بعض الموارد يجب كما فصل في محله و قد فصل الأئمة و بينوا عليهم السّلام الحقوق المجاملية و غيرها في روايات شتّى ففي خبر معلى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟ قال عليه السّلام: له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حق إلا و هو عليه واجب إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه نصيب، قلت له: جعلت فداك و ما هي؟ قال: يا معلّى إنّي عليك

ص: 299


1- الوسائل باب: 109 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 116 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 121 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 121 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

.....

______________________________

شفيق أخاف أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل قلت: لا قوّة إلا باللّه قال عليه السّلام:

أيسر حق منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك.

و الحق الثاني: ان تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع أمره.

و الحق الثالث: أن تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك.

و الحق الرابع: أن تكون عينه و دليله و مرآته.

و الحق الخامس: أن لا تشبع و يجوع و لا تروى و يظمأ، و لا تلبس و يعرى.

و الحق السادس: أن يكون لك خادم و ليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه و تصنع طعامه، و تمهد فراشه.

و الحق السابع: أن تبرّ قسمه، و تجيب دعوته و تعود مريضه و تشهد جنازته، إذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها و لا تلجئه إلى أن يسألكها و لكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك» (1).

و في رواية ابن عقبة عن الصادق عليه السّلام: «للمسلم على المسلم من الحق أن يسلّم عليه إذا لقيه، و يعوده إذا مرض، و ينصح له إذا غاب، و يسمته إذا عطس، و يجيبه إذا دعاه، و يشيعه إذا مات» (2).

و هناك آداب لا بد من مراعاتها خصوصا في المجالس و قد ورد فيها روايات كرواية ابن العباس قال: «ما رأيت الرضا عليه السّلام جفا أحدا بكلمة قطّ، و لا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه و ما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها، و لا مد رجليه بين يدي جليس له قط، و لا اتكأ بين يدي جليس له قط و لا رأيته شتم أحدا من مواليه و مماليكه قط، و لا رأيته تفل قط، و لا رأيته تقهقه في

ص: 300


1- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 9.
2- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 9.

.....

______________________________

ضحكه قطّ بل كان ضحكه التبسم» (1).

و منها: قبول العذر فعن عليّ عليه السّلام في وصيته لمحمد بن الحنفية: «لا تصرم أخاك على ارتياب، و لا تقطعه دون استعتاب لعلّ له عذر و أنت تلوم به أقبل من متنصّل عذرا صادقا كان أو كاذبا فتنالك الشفاعة» (2).

و في رواية عليّ بن جعفر عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السّلام: «إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال لولده: إن شتمك رجل عن يمينك ثمَّ تحوّل إليك عن يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره» (3).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في وصيته لعليّ عليه السّلام: «يا علي من لم يقبل من متنصل عذرا صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي» (4).

و منها: الصمت و السكوت إلا عن خير، فإنّ كثرة الكلام في حدّ نفسه مذموم فكيف إذا استلزم إزعاج الغير و إيذاؤه، فإنّ ذلك قد يحرم لإيذاء المؤمن المحرّم عقلا و شرعا، فالمراد من الصمت و السكوت هنا ما لم يستلزم الإيذاء.

فعن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «من علامات الفقيه: العلم و الحلم و الصمت إنّ الصمت باب: من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبة، إنّه دليل على كل خير» (5).

و عن الصادق عليه السّلام: «ما عبد اللّه بشي ء مثل الصمت، و المشي إلى بيت اللّه» (6).

و في حديث آخر: «يأتي على الناس زمان تكون العافية عشرة أجزاء

ص: 301


1- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 14.
2- الوسائل باب: 125 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 125 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 1.
4- الوسائل باب: 125 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 1.
5- الوسائل باب: 117 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 12.
6- الوسائل باب: 117 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 12.

.....

______________________________

تسعة منها في اعتزال الناس، و واحدة في الصمت» (1).

و في رواية هشام ابن سالم قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل أتاه: ألا ادلك على أمر يدخلك اللّه به الجنة؟ قال: بلى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: أنل مما أنالك اللّه، قال: فإن كنت أحوج ممن أنيله؟ قال صلّى اللّه عليه و آله فانصر المظلوم. قال: فإن كنت أضعف ممن أنصره؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: فاصنع للأخرق- يعني أشر عليه- قال: فإن كنت أخرق ممن أصنع له؟ قال: فأصمت لسانك إلا من خير، أما يسرك أن يكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرك إلى الجنة» (2).

و في حديث: آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله: أمسك لسانك فإنّها صدقة تتصدق بها على نفسك، و لا يعرف حقيقة الإيمان حتى يخزن لسانه» (3). و هناك روايات اخرى تحث على ذلك.

و منها: الكلام في الخير مع الاختصار: ففي وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر:

«اترك فضول الكلام و حسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك يا أبا ذر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع- إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله- يا أبا ذر إنّ اللّه عند لسان كل قائل فليتق اللّه امرؤ و ليعلم ما يقول» (4).

و عن أبي جعفر عليه السّلام يقول: «كان أبو ذر رحمه اللّه يقول: يا مبتغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير، و مفتاح شرّ فاختم على لسانك كما تختم على ذهبك و ورقك» (5).

و في وصية النبيّ لأبي ذر المتقدمة: يا أبا ذر الذاكرين في الغافلين كالمقاتل في الفارين في سبيل اللّه، يا أبا ذر الجليس الصالح خير من الوحدة و الوحدة خير من جليس السوء، و إملاء الخير خير من السكوت، و السكوت

ص: 302


1- الوسائل باب: 117 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13 و 4 و 8.
2- الوسائل باب: 117 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13 و 4 و 8.
3- الوسائل باب: 117 من أبواب أحكام العشرة حديث: 13 و 4 و 8.
4- الوسائل باب: 118 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 119 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.

.....

______________________________

خير من إملاء الشرّ» (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «نجاة المؤمن حفظ لسانه» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و منها: الجلوس دون مجلسه تواضعا قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل» (3).

و قال عليه السّلام: «من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل اللّه و ملائكته يصلون عليه حتى يقوم» (4).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل أخاه و أوسع له في مجلسه فليأته فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه، و إن لم يوسع له أخوه فلينظر أوسع مكان يجده فليجلس فيه» (5).

و منها: اعتراض المسلم في حديثه كما تقدم قال الصادق عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من عرض لأخيه المسلم المتكلم في حديثه فكأنّما خدش وجهه» (6). و لا تشمل الرواية فيما إذا كان حديثه اعتراض فصبر حتى فرغ من حديثه ثمَّ ذكر اعتراضه مع مراعاة الآداب.

و منها: التناجي قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إذا كان القوم ثلاثة فلا يتناجى منهم اثنان دون صاحبهما، فإنّ في ذلك ما يحزنه و يؤذيه» (7).

و منها: إكرام الشريف و الكريم و إجلال ذي الشيبة المؤمن: قال عبد اللّه بن سنان: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ من إجلال اللّه عزّ و جلّ إجلال الشيخ

ص: 303


1- الوسائل باب: 118 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 119 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 75 من أبواب أحكام العقود حديث: 2 و 6.
4- الوسائل باب: 75 من أبواب أحكام العقود حديث: 2 و 6.
5- الوسائل باب: 75 من أبواب أحكام العشرة حديث: 6.
6- الوسائل باب: 73 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 72 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

.....

______________________________

الكبير»(1).

و في رواية أخرى عنه عليه السّلام: «من إجلال اللّه عزّ و جلّ إجلال ذي الشيبة المسلم» (2).

و قال عليه السّلام: «من وقر ذا شيبة في الإسلام آمنه اللّه من فزع يوم القيامة» (3).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «بجلوا المشايخ فإنّ من إجلال اللّه تبجيل المشايخ» (4).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» (5).

و في رواية الحجال قال: قلت لجميل بن دراج قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا أتاكم شريف قوم فأكرموه؟ قال: نعم. قلت: و ما الشريف؟ قال: قد سألت أبا عبد اللّه عن ذلك فقال: الشريف من كان له مال. قلت: فما الحسب؟ قال عليه السّلام:

الذي يفعل الأفعال الحسنة بماله و غير ماله. قلت: فما الكرم؟ قال عليه السّلام:

التقوى» (6).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لما قدم عدي بن حاتم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أدخله النبيّ بيته و لم يكن في البيت غير خصفة و وسادة أدم فطرحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعدي بن حاتم» (7).

و منها: التبسم في وجه المؤمن فعن الرضا عليه السّلام قال: «من تبسم في وجه أخيه المؤمن كتب اللّه له حسنة و من كتب اللّه له حسنة لم يعذّبه اللّه» (8).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «تبسم المؤمن في وجه أخيه حسنة، و صرفه

ص: 304


1- الوسائل باب: 67 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4 و 10 و 13.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4 و 10 و 13.
3- الوسائل باب: 67 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4 و 10 و 13.
4- الوسائل باب: 67 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4 و 10 و 13.
5- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4.
7- الوسائل باب: 68 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 4.
8- الوسائل باب: 84 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

.....

______________________________

القذى عنه حسنة، و ما عبد اللّه بمثل إدخال السرور على المؤمن» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «ضحك المؤمن تبسم» (2)، كما يكره القهقهة فعنه عليه السّلام: «القهقهة من الشيطان» (3).

و منها: إظهار المحبة: فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «تحبّب إلى الناس يحبّوك» (4).

و يستحب أن يخبره بحبّه له، فإنّ ذلك قد يوجب كثرة المودة و ازالة بعض ما يوجب البغضاء. في الخبر: «إنّ رجلا قال لأبي جعفر عليه السّلام: إنّي أحبّ هذا الرجل، فقال له أبو جعفر عليه السّلام فأعلمه فإنّه أبقى للمودة و خير في الألفة» (5).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أحبّ أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه» (6).

و منها: ذكر الرجل بكنيته: فعن أبي الحسن عليه السّلام: «إذا كان الرجل حاضرا فكنه و إن كان غائبا فسمّه» (7)، و لا ريب أنّ ذلك نحو توقير و احترام للشخص.

و منها: إطابة الكلام: فإنّها منحة حميدة يمنّ اللّه على من يشاء من عباده قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها لا يسكنها من أمتي إلا من أطاب الكلام، و أطعم الطعام، و أ فشي ء السلام و أدام الصيام، و صلى بالليل و الناس نيام» (8).

و كان عليّ عليه السّلام يقول: «لا تغضبوا و لا تغضبوا أفشوا السلام و أطيبوا الكلام» (9).

و من أجلى مصاديق الكلام الطّيب ذكر اللّه تبارك و تعالى كما في

ص: 305


1- الوسائل باب: 84 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 81 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 1.
3- الوسائل باب: 81 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 1.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 5.
6- الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3 و 5.
7- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
8- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.
9- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7.

.....

______________________________

الرواية (1)، و كذا حسن الكلام مع مراعاة الآداب.

و منها: ترك المراء، فعن الصادق عليه السّلام: «من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة، أنفق و لا تخف فقرا، و أنصف الناس من نفسك، و أفش السلام في العالم، و اترك المراء و إن كنت محقّا» (2)، و المراد بالمراء اللجاجة.

و منها: ترك ما لا يعنيه: فعن أبي جعفر عليه السّلام: «من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه» (3).

و عن عليّ عليه السّلام: «مر برجل يتكلم بفضول الكلام فوقف عليه ثمَّ قال: إنّك تملي على حافظيك كتابا إلى ربك فتكلم بما يعنيك و دع ما لا يعنيك» (4).

و عن الصادق عليه السّلام: «من ماز موضع كلامه من عقله قلّ كلامه فيما لا يعنيه» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و ينبغي التفكر فيما يريد أن يتكلم به و يحفظ لسانه عمّا لا يجوز من الكلام، فعن عليّ عليه السّلام: «اللسان سبع عقور إن خلي عنه عقر» (6).

و عنه عليه السّلام أيضا: «لسان المؤمن وراء قلبه و قلب المنافق وراء لسانه» (7).

و يستحب الصّبر على الحسّاد و غيرهم من أعداء النّعم فعن الصادق عليه السّلام:

«اصبر على أعداء النّعم فإنّك لن تكافئ و من عصى اللّه فيك بأفضل من أن تطيع اللّه فيه» (8).

و عنه عليه السّلام أيضا: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أشدّها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده، أو منافق يقفو أثره، أو شيطان يغويه، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا» (9).

ص: 306


1- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 11.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام العشرة حديث: 7 و 11.
3- الوسائل باب: 120 من أبواب أحكام العشرة حديث: 11 و 5 و 7.
4- الوسائل باب: 120 من أبواب أحكام العشرة حديث: 11 و 5 و 7.
5- الوسائل باب: 120 من أبواب أحكام العشرة حديث: 11 و 5 و 7.
6- الوسائل باب: 119 من أبواب أحكام العشرة حديث: 11.
7- نهج البلاغة.
8- الوسائل باب: 116 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
9- الوسائل باب: 116 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.

مسألة 9: يكره الدخول في مواضع التهمة

(مسألة 9): يكره الدخول في مواضع التهمة (63)، كما يكره الانقباض من الناس (64).

مسألة 10: ينبغي التحرز من ذي لسانين و وجهين

(مسألة 10): ينبغي التحرز من ذي لسانين و وجهين (65) و من إذلال

______________________________

ثمَّ إنّه ينبغي إفشاء السلام لما تقدم من الأخبار، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ إفشاء السلام» (1).

و عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: «يا عليّ ثلاث كفارات: إفشاء السلام، و إطعام الطعام، و الصلاة بالليل و الناس نيام» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و قد وردت آداب أخرى في كيفية المجالسة و دخول المجالس ذكرها علماء الأخلاق و من شاء فليرجع إليها في محالّها.

(63) لقول عليّ عليه السّلام: «من عرض نفسه للتهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به» (3).

و عن الصادق عليه السّلام: «اتقوا مواقف الريب و لا يقض [لا يقفنّ] أحدكم مع أمه في الطريق فإنّه ليس كل أحد يعرفها» (4).

هذا إذا لم يطرأ عنوان آخر و إلا فقد يحرم.

(64) لما تقدم من الأخبار، و قولهم عليهم السّلام: «الانقباض من الناس مكسبة للعداوة» (5).

هذا إذا لم يترتب عليه عناوين اخرى و الا يتغير الحكم حسب العنوان.

(65) لورود أخبار كثيرة من الفريقين في التحرز عن أن يكون الإنسان ذا

ص: 307


1- الوسائل باب: 116 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 5.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 5.
5- الوسائل باب: 60 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

المؤمن أو تحقيره (66).

مسألة 11: ينبغي للإنسان مشورة العاقل ذي الرأي

(مسألة 11): ينبغي للإنسان مشورة العاقل ذي الرأي (67) و أن يشاور من له الصفات المحمودة التي وردت في الروايات.

______________________________

وجهين و لسانين قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «من لقي المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار» (1).

و عنه عليه السّلام أيضا: «من لقي الناس بوجه و عابهم بوجه جاء يوم القيامة و له لسانان من نار» (2).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ شرّ الناس يوم القيامة عند اللّه ذو الوجهين» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار، بل العقل يحكم بقبح ذلك لأنّه من الخيانة و المكر و الخديعة، و قد يحرم ذلك بطروّ عناوين اخرى كما سيأتي.

(66) لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أهان فقيرا مسلما من أجل فقره و استخف به فقد استخف باللّه و لم يزل في غضب اللّه عزّ و جلّ و سخطه حتى يرضيه» (4).

و عن الصادق عليه السّلام: «لا تحقّروا مؤمنا فقيرا فإنّ من حقّر مؤمنا أو استخف به حقّره اللّه و لم يزل ماقتا له حتى يرجع عن محقرته أو يتوب».

و قال عليه السّلام: «من استذل مؤمنا أو احتقره لقلّة ذات يده شهره اللّه يوم القيامة على رؤوس الخلائق» (5). هذا بعض الكلام في أحكام المعاشرة و من أراد التفصيل فليطلبه من محالّه.

(67) كما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا مظاهرة أوثق من المشاورة و لا

ص: 308


1- الوسائل باب: 143 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 9 و 6.
2- الوسائل باب: 143 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 9 و 6.
3- الوسائل باب: 143 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 9 و 6.
4- الوسائل باب: 146 من أبواب أحكام العشرة حديث: 10.
5- الوسائل باب: 146 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

منهم: أن يكون عاقلا و ورعا و تقيا (68) كما وردت أخبار في ترك

______________________________

عقل كالتدبير» (1).

و عن الصادق عليه السّلام: «لن يهلك امرؤ عن مشورة» (2).

و عن عليّ عليه السّلام: «من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها» (3).

و عنه عليه السّلام أيضا: «الاستشارة عين الهداية»(4).

(68) لقول الصادق عليه السّلام: «استشر العاقل من الرجال الورع فإنّه لا يأمر إلا بخير و إياك و الخلاف فإنّ مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدّين و الدنيا» (5).

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «مشاورة العاقل الناصح رشد و يمن و توفيق من اللّه فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإيّاك و الخلاف فإنّ في ذلك العطب» (6).

و عن الصادق في خبر الحلبي: «إنّ المشورة لا تكون إلّا بحدودها فمن عرفها بحدودها و إلا كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها له.

فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلا.

و الثانية: أن يكون حرّا متدينا.

و الثالثة: أن يكون صديقا مؤاخيا.

و الرابعة: أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثمَّ يسرّ ذلك و يكتمه فإنّه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته، و إذا كان حرّا متدينا أجهد نفسه في النصيحة لك، و إذا كان صديقا مؤاميا كتم سرّك إذا أطلعته على سرّك فكان علمه به كعلمك به تمت المشورة و كملت النصيحة» (7).

ص: 309


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 4 و 6 و 7.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 4 و 6 و 7.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 4 و 6 و 7.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2 و 4 و 6 و 7.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5 و 9.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام العشرة حديث: 5 و 9.
7- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام العشرة حديث: 8.

المشاورة مع جماعة منهم: العبيد و السفلة (69) و الجبان و البخيل (70) و الفاجر (71)

______________________________

و قد وردت أخبار في مشورة الإنسان حتى ممن دونه فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستشير أصحابه ثمَّ يعزم على ما يريد (1).

و في خبر الحسن بن الجهم قال: «كنا عند أبي الحسن الرضا عليه السّلام فذكر أباه عليه السّلام فقال: كان عقله لا توازن به العقول، و ربما شاور الأسود من سودانه فقيل له: تشاور مثل هذا؟ فقال عليه السّلام: إنّ اللّه تبارك و تعالى ربما فتح على لسانه قال:

فكانوا ربما أشاروا عليه بالشي ء فيعمل به من الضيعة و البستان» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(69) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام لعمار: «إن كنت تحبّ أن تستتب لك النعمة و تكمل لك المروّة و تصلح لك المعيشة فلا تستشر العبيد و السفلة في أمرك فإنّك إن ائتمنتهم خانوك و إن حدّثوك كذبوك و إن نكبت خذلوك و إن وعدوك بوعد لم يصدقوك» (3).

(70) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا عليّ لا تشاورنّ جبانا فإنّه يضيق عليك المخرج و لا تشاورنّ بخيلا فإنّه يقصّر بك عن غايتك، و لا تشاورن حريصا فإنّه يزين لك شرّها و اعلم أنّ الجبن و البخل و الحرص غريزة يجمعها سوء الظن» (4).

(71) لقول أبي جعفر عليه السّلام: «و لا تصحب الفاجر و لا تطلعه على سرّك و لا تأتمنه على أمانتك، و استشر في أمورك الذين يخشون ربّهم» (5).

ص: 310


1- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1 و 3.

و النساء إلا في الأمور اليسيرة (72) و الكذاب (73).

______________________________

(72) يستفاد ذلك من العطف على القضاء الذي هو أجلّ شأنا في قوله عليه السّلام: «و لا تولي القضاء و لا تستشار» (1).

(73) لقول عليّ عليه السّلام: ينبغي للمسلم أن يتجنب مؤاخاة ثلاثة: الماجن و الفاجر، و الأحمق و الكذاب. و أما الكذاب فإنّه لا يهنك معه عيش ينقل حديثك و ينقل إليك الحديث» (2).

و يشمل أيضا ما تقدم من قول أبي جعفر عليه السّلام في الفاجر و قد ذكر علماء الأخلاق في كتبهم صفات أخرى لا ينبغي المشاورة مع أصحابها.

ص: 311


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

.....

______________________________

فصل قد ذكر العلماء في السيطرة على الرذائل النفسية، و إصلاح النفس طرق كثيرة و ليس الكتاب موضوعا لبيانها و لكن نشير إلى بعض ما ورد عن أئمتنا الأطهار عليهم السّلام في ذلك.

و ليعلم أولا: أنّه وقع الخلاف بين علماء الأخلاق و الفلاسفة في أنّه هل يمكن تغيير ذمائم الأخلاق و تبديلها إلى أضدادها أو لا يمكن؟ ذهب إلى كل فريق.

و الحق أنّ هذا النزاع على نحو الكلية لا وجه له أصلا، إذ نرى بالوجدان تبديل الجبن إلى الشجاعة بالممارسة أو البخل بالجود كذلك- و كذا العكس- فإنّ الاهتمام على حفظ النفس، و عدم المعرضية لها لموجبات الشجاعة، و كثرة المخالطة مع الجبناء يوجب الجبن، و كذا في انقلاب الجود إلى البخل و كل صفة إلى ما يقابلها و ليس عمل الشياطين الإنسية أو الجنية إلا تبديل المحاسن بالمساوي و المكارم بالرذائل، و ليس شأن اللّه عزّ و جلّ و الأنبياء و المرسلين و أطبّاء النفوس إلا العكس، و لو لم يكن ذلك ممكنا لما اهتم اللّه تعالى و أنبياؤه و رسله و الأولياء و الأصفياء هذا الاهتمام البليغ نعم لو فرض- و العياذ باللّه- وصول الأخلاق السيئة و الصفات الرذيلة إلى مرتبة انقلاب جوهر روحانية الإنسان إلى المرتبة الخسيسة التي لا يمكن تغيرها حتى صار كقوله تعالى كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (1)، بحيث صارت الطبيعة طبيعة ثانية

ص: 312


1- سورة المطففين: 14.

.....

______________________________

غالبة على الطبيعة الأولى فلا يمكن التغيير حينئذ و قد أثبتوا ذلك في المعاد، و عن صدر المتألهين جعل ذلك من إحدى مقدّمات المعاد الجسماني (1)، و أشار إليه الحكيم السبزواري بقوله:

قد خمرت طينتنا بالملكة و تلك فينا حصلت بالحركة

و يمكن الجمع بين كلماتهم بذلك: فمن يقول بعدم الإمكان أي: فيما إذا صارت طبيعة ثانية، و من قال بالإمكان أي: في غيره.

و عن الصادق عليه السّلام: «إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فإن تاب انمحت، و إن زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا» (2).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ما من عبد إلا و في قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد، و إن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا، و هو قول اللّه عزّ و جلّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» (3).

و من ذلك يفتح باب المسخ الواقع في الأمم السابقة فإنّهم باختيارهم أوقعوا أنفسهم في مظاهر الحيوانات التي مسخوا إليها على ما فصّل في الأحاديث المعصومية (4)، و من شاء فليرجع إليها.

ثمَّ إنّ أكثر الرذائل النفسانية بل جميعها و كذا الشهوات الفاسدة و الأمراض الروحانية إنّما هي في الدنيا و من الدنيا و لأجلها و أجمع كلمة قالها نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «حبّ الدنيا رأس كل خطيئة» (5).

ص: 313


1- الأسفار الأربعة: ج: 8.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب جهاد النفس حديث: 10.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب أحكام العشرة حديث: 14.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.
5- الوسائل باب: 61 من أبواب جهاد النفس.

.....

______________________________

و قد ورد في فضل التفكر ما تبهر منه العقول و أنّه أفضل من عبادة سبعين سنة (1). و لا ريب أنّ به تسيطر النفس على رذائلها و تعالج أمراضها، فمن تفكر في حقيقة الدنيا و انّها ليست إلا حقيقة البلاء و الابتلاء في جميع شؤونها و أطوارها في جميع لحاظاتها تنحط نفسه عن لذاتها و شهواتها و تنتقل عن الماديات إلى ما يمكنه من درجات المعنويات، فهذا مسلك عام في هدم الرذائل النفسانية و السيطرة عليها.

و مما يوجب ذلك التفكر في عظمة اللّه تعالى، ثمَّ التفكر في ضعف النفس من كل حيثية و جهة، و التفكر في قبح التجرّي و مخالفة هذا الموجود العظيم مع حضوره تعالى و إحاطته بكل شخص من كل جهة و في كل آن و لحظة، و لو لم يكن في أتباع الأهوية المردية إلا نزول أشرف الممكنات و هو النفس الإنسانية عن مقامها العلوي الذي أعدّه اللّه تعالى للإنسان إلى حضيض النفس البهيمة الحيوانية لكفى بذلك عيبا و عارا.

و هناك مسالك أخرى ذكرها علماء الأخلاق.

و قد ذكروا مسالك و سبل خاصة لاكتساب الفضائل و إزالة الأخلاق الرذيلة نذكر بعضها:

منها: أن يلاحظ الإنسان الغايات الشريفة و الصفات المحمودة و يهذب النفس بها فبالطبيعة تزول الأخلاق الرذيلة فإنّ الشجاعة مثلا ثبات يمنع النفس عن التلوّن، و إنّ القناعة توجب العزّة و العظمة في أعين الناس و تزيل الشرّ و الخصاصة، و إنّ العدالة توجب راحة النفس عن الهموم المؤذية إلى غير ذلك.

فمن تكرار الأعمال الصالحة و المداومة عليها يوجب زوال الأخلاق الرذيلة أيضا.

و منها: الغايات الأخروية و سيأتي بيان ذلك في التفسير مفصّلا.

ص: 314


1- الوسائل باب: 5 من جهاد النفس.

.....

______________________________

و منها: التأمل في آثار الأخلاق الرذيلة و بأنّها توجب المنقصة لدى الخالق و المخلوق فقد يحصل له الارتداع عنها. أعاذنا اللّه منها و وفقنا للسيطرة عليها.

و منها: ما يوجب السيطرة على بعضها- أو أهمها- ترويض النفس بما هو مطلوب الشارع كما ورد في الصوم و الصلاة و سائر العبادات و تقدم في أوائل كتاب الصوم.

و منها: المواظبة على ترك المشتهيات و قطع المخالطة مع المترفين و أهل الشهوات و عدم الاهتمام باللذات فإنّ في الاعتناء بها أثر كبير في طغيان النفس، و قد ورد في الدعاء: «اللهم إنّي أعوذ بك من رفيع المطعم و المشرب». و في دعوات الأئمة و دعاء الرسول صلّى اللّه عليه و آله: «اللهم اجعل رزق آل محمد العفاف و الكفاف».

و بالجملة الطرق إلى تصفية النفس لمن كان من أهلها و متوجها إليها أحسنها و أكملها ما وصل إلينا عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام في معارفهم و خطبهم و كلماتهم.

و في رسالة مولانا الإمام الصادق عليه السّلام التي وردت في مكارم الأخلاق و محامد الصّفات- اجتماعية و شخصية- غنى و كفاية و لقد اهتم بها ثقاة و حفّاظ المحدّثين و الرواة و كانوا يهتمون بحفظها و دراستهم لها نحو اهتمامهم بأنفسهم رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين و هي- كما ورد في موثق إسماعيل بن جابر:

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه و أمرهم بمدارستها و النظر فيها و تعاهدها و العمل بها، و كانوا في مساجد بيوتهم إذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها و هي:

بسم اللّه الرّحمن الرحيم أما بعد: فاسألوا اللّه ربّكم العافية و عليكم بالدعة و الوقار و السكينة، و عليكم بالحياء و التنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، و عليكم بمجاملة أهل

ص: 315

.....

______________________________

الباطل تحمّلوا الضيم منهم و إيّاكم و مماظتهم دينوا فيما بينكم و بينهم إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام فإنّه لا بد لكم من مجالستهم و مخالطتهم و منازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم، فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنّهم سيؤذونكم و تعرفون في وجوههم المنكر و لو لا أنّ اللّه تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم و ما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم و مجالسهم واحدة و أرواحهم مختلفة لا تأتلف لا تحبونهم أبدا و لا يحبونكم غير أنّ اللّه تعالى أكرمكم بالحق و بصركموه و لم يجعلهم من أهله فتجاملونهم و تصبرون عليهم و هم لا مجاملة لهم و لا صبر لهم على شي ء من أموركم، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم تلتمسون بذلك وجه ربّكم بطاعته و هم لا خير عندهم. لا يحل لكم أن تظهروهم على أصول دين اللّه فإنّه إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه و رفعوه عليكم و جاهدوا على هلاكهم و استقبلوكم بما تكرهون و لم يكن لكم النصف منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم و بين أهل الباطل فإنّه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل، لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم تعرفوا وجه قول اللّه تعالى في كتابه إذ يقول:

أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل فلا تجعلوا اللّه تعالى و له المثل الأعلى و إمامكم و دينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا اللّه عليكم فتهلكوا.

فمهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر اللّه و أمر من أمركم بطاعته فيغيّر اللّه ما بكم من نعمة.

أحبّوا في اللّه من وصف صفتكم و أبغضوا في اللّه من خالفكم، و أبذلوا مودتكم و نصيحتكم لمن وصف صفتكم، و لا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم

ص: 316

.....

______________________________

و عاداكم عليها و بغاكم الغوائل.

هذا أدبنا أدب اللّه فخذوا به و تفهموه و اعقلوه و لا تنبذوه وراء ظهوركم ما وافق هداكم أخذتم به و ما وافق هواكم أطرحتموه و لم تأخذوا به، و إياكم و التجبر على اللّه.

و اعلموا أنّ عبدا لم يبتل بالتجبر على اللّه إلا تجبر على دين اللّه، و استقيموا للّه و لا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين. أجارنا و إيّاكم من التجبر على اللّه و لا قوّة لنا و لا لكم إلا باللّه.

و قال: إنّ العبد إذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلقة مؤمنا لم يمت حتى يكرّه اللّه إليه الشرّ و يباعده منه، و من كرّه اللّه إليه الشرّ و باعده منه عافاه اللّه من الكبر أن يدخله و الجبرية فلانت عريكته و حسن خلقه و طلق وجهه و صار عليه وقار الإسلام و سكينته و تخشعه، و ورع عن محارم اللّه و اجتنب مساخطه و رزقه اللّه مودة الناس و مجاملتهم و ترك مقاطعة الناس و الخصومات و لم يكن منها و لا من أهلها في شي ء.

و إنّ العبد إذا كان اللّه خلقه في الأصل (أصل الخلق) كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشرّ و يقرّبه منه فإذا حبب إليه الشرّ و قرّبه منه ابتلى بالكبر و الجبرية فقسا قلبه و ساء خلقه و غلظ وجهه و ظهر فحشه و قلّ حياؤه و كشف اللّه ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها، و ركب معاصي اللّه و أبغض طاعته و أهلها، فبعد ما بين حال المؤمن و حال الكافر سلوا اللّه العافية و اطلبوها إليه و لا حول و لا قوة إلا باللّه.

صبّر النفس على البلاء في الدنيا، فإن تتابع البلاء فيها و الشدة في طاعة اللّه و ولايته و ولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند اللّه في الآخرة من ملك الدنيا و إن طال تتابع نعيمها و زهرتها و غضارة عيشها في معصية اللّه و ولاية من نهى اللّه عن ولايته و طاعته، فانّ اللّه أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه في قوله

ص: 317

.....

______________________________

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا و هم الذين أمر اللّه بولايتهم و طاعتهم و الذين نهى اللّه عن ولايتهم و طاعتهم و هم أئمة الضلال الذين قضى اللّه أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء اللّه الأئمة من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله يعملون في دولتهم بمعصية اللّه و معصية رسوله صلّى اللّه عليه و آله ليحق عليهم كلمة العذاب و ليتم أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل (أصل الخلق) من الكفر الذي سبق في علم اللّه ان يخلقهم له في الأصل، و من الذين سماهم اللّه في كتابه في قوله وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ.

فتدبروا هذا و اعقلوه و لا تجهلوه فإنّ من جهل هذا و أشباهه مما افترض اللّه عليه في كتابه مما أمر به و نهى عنه ترك دين اللّه و ركب معاصيه فاستوجب سخط اللّه فأكبه اللّه على وجهه في النار.

و قال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة إنّ اللّه تعالى أتم لكم ما أتاكم من الخير.

و اعلموا أنّه ليس من علم اللّه و لا من أمره أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوى و لا رأي و لا مقاييس قد أنزل و جعل فيه تبيان كل شي ء و جعل للقرآن و تعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين أتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوىّ و لا رأي و لا مقاييس أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه و خصّهم به و وضعه عندهم كرامة من اللّه تعالى أكرمهم بها و هم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الأمة بسؤالهم و هم الذين من سألهم و قد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم و يتبع أثرهم أرشدوه و أعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه و إلى جميع سبل الحق و هم الذين لا يرغب عنهم و عن مسألتهم و عن علمهم الذي أكرمهم اللّه به و جعله عندهم إلا من سبق عليه في علم اللّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر و الذين آتاهم اللّه تعالى علم القرآن و وضعه عندهم و أمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون

ص: 318

.....

______________________________

بأهوائهم و آرائهم و مقاييسهم حتى دخلهم الشيطان لأنّهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّه كافرين، و جعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين، و حتى جعلوا ما أحلّ اللّه في كثير من الأمر حراما و جعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالا، فذلك أصل ثمرة أهوائهم و قد عهد إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل موته فقالوا: نحن- بعد ما قبض اللّه رسوله- يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأى الناس بعد قبض اللّه تعالى رسوله و بعد عهده الذي عهده إلينا و أمرنا به مخالفة للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله.

فما أحد أجرى على اللّه و لا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك و زعم أنّ ذلك يسعه، و اللّه إنّ للّه على خلقه أن يطيعوه و يتبعوا أمره في حياة محمد صلّى اللّه عليه و آله و بعد موته، هل يستطيع أولئك أعداء اللّه أن يزعموا أنّ أحدا ممن أسلم مع محمد صلّى اللّه عليه و آله أخذ بقوله و رأيه و مقاييسه فإن قال نعم فقد كذب على اللّه و ضلّ ضلالا بعيدا، و إن قال لا لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه و هواه و مقاييسه فقد أقر بالحجة على نفسه و هو ممن يزعم أنّ اللّه يطاع و يتبع أمره بعد قبض اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله قد قال تعالى و قوله الحق وَ ما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ. و ذلك ليعلموا أنّ اللّه تعالى يطاع و يتبع في حياة محمد صلّى اللّه عليه و آله و كما لم يكن لأحد من الناس مع محمد صلّى اللّه عليه و آله أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه خلافا لأمر محمد صلّى اللّه عليه و آله فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله أن يأخذ بهواه و لا رأيه و لا مقاييسه.

و قال: دعوا رفع أيديكم في الصّلاة إلا مرّة واحدة حين تفتح الصلاة فإنّ الناس قد شهروكم بذلك و اللّه المستعان و لا حول و لا قوّة إلا باللّه.

و قال أكثروا من أن تدعوا اللّه فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه و قد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة و اللّه مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم

ص: 319

.....

______________________________

عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل و النّهار فإنّ اللّه تعالى أمر بكثرة الذكر له و اللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين.

و اعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكر بخير فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإنّ اللّه لا يدرك شي ء من الخير عنده إلا بطاعته و اجتناب محارمه التي حرّم اللّه تعالى في ظاهر القرآن و باطنه فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه و قوله الحق وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ و اعلموا أنّ ما أمر اللّه فقد حرّمه و اتبعوا آثار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سنته فخذوا بها و لا تتبعوا أهواءكم فتضلّوا فإنّ أضلّ الناس عند اللّه من اتبع هواه و رأيه بغير هدى و أحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم ف إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها و جاملوا الناس و لا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم.

و إيّاكم سبب أعداء اللّه حيث يسمعونكم فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم و قد ينبغي لكم أن تعلموا أحدا سبّهم للّه كيف هو إنّه من سبّ أولياء اللّه فقد انتهك سبّ اللّه و من أظلم عند اللّه استسب للّه و لأوليائه فمهلا فأتبعوا أمر اللّه و لا قوة إلا باللّه.

و قال: أيتها العصابة الحافظ اللّه لهم أمرهم، عليكم بآثار رسول اللّه و سنته و آثار أئمة الهداة من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بعده و سنتهم فإنّه من أخذ بذلك فقد اهتدى و من ترك ذلك و رغب عنه ضلّ لأنّهم هم الذين أمر اللّه بطاعتهم و ولايتهم، و قد قال أبونا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المداومة على العمل في اتباع الآثار و السنن و إنّ قلّ أرضى للّه و أنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع و اتباع الأهواء، ألا إنّ اتباع الأهواء و اتباع البدع بغير هدى من اللّه ضلال و كل ضلال بدعة، و كل بدعة في النار، و لن ينال شي ء من الخير عند اللّه إلا بطاعته و الصبر و الرضا لأنّ الصبر و الرضا من طاعة اللّه.

و اعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضي عن اللّه فيما صنع اللّه إليه

ص: 320

.....

______________________________

و صنع به على ما أحبّ و كره، و لن يصنع اللّه عن صبر و رضى عن اللّه إلا ما هو أهله و هو خير له مما أحبّ و كره.

و عليكم بالمحافظة عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ كما أمر اللّه به المؤمنين في كتابه من قبلكم و إياكم، و عليكم بحبّ المساكين المسلمين فإنّه من حقّرهم و تكبّر عليهم فقد زل عن دين اللّه و اللّه له حاقر و ماقت، و قد قال أبونا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم.

و اعلموا إنّه من حقّر أحدا من المسلمين ألقى اللّه عليه المقت منه و المحقرة حتى يمقته الناس و اللّه له أشدّ مقتا فاتقوا اللّه في إخوانكم المسلمين المساكين منهم فإنّ لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بحبّهم فمن لم يحبّ من أمر اللّه بحبّه فقد عصى اللّه و رسوله و من عصى اللّه و رسوله و مات على ذلك مات و هو من الغاوين.

و إياكم و العظمة و الكبر فإنّ الكبر رداء اللّه تعالى فمن نازع اللّه رداءه قصمه اللّه و أذن له يوم القيامة.

و إياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنّها ليست من خصال الصالحين فإنّه من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه و صارت نصرة اللّه لمن بغى عليه و من نصره اللّه غلب و أصاب الظفر من اللّه.

و إيّاكم أن يحسد بعضكم بعضا فإنّ الكفر أصله الحسد و إيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو اللّه عليكم فيستجاب له فيكم فإنّ أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: «إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة».

و ليعن بعضكم بعضا فإنّ أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: «إنّ معونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام».

و إيّاكم و إعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تعسروه بالشي ء يكون

ص: 321

.....

______________________________

لكم قبله و هو معسر فإنّ أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: «ليس لمسلم أن يعسر مسلما و من أنظر معسرا أظلّه اللّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه».

و إيّاكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها و حبس حقوق اللّه قبلكم يوما بعد يوم و ساعة و بعد ساعة، فإنّه من عجل حقوق اللّه قبله كان اللّه أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل و الآجل، و إنّه من أخر حقوق اللّه قبله كان اللّه أقدر على تأخير رزقه و من حبس رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى اللّه حق ما رزقكم يطيّب لكم بقيته و ينجز لكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعدده و لا بكنه فضلها إلّا اللّه ربّ العالمين.

و قال: اتقوا اللّه أيتها العصابة و إن استطعتم أن لا يكون منكم محرج للإمام و إن يحرج الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته و اعلموا أنّ من نزل بذلك المنزل عند الإمام فهو محرج للإمام، فإذا فعل ذلك عند الإمام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه المسلمين لفضله للصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّه الإمام صارت لعنته رحمة من اللّه عليهم و صارت اللعنة من اللّه و من الملائكة و رسوله على أولئك.

و اعلموا أيّتها العصابة أنّ السنة من اللّه قد جرت في الصالحين قبل، و قال:

من سرّه أن يلقى اللّه و هو مؤمن حقا فيتولّ اللّه و رسوله و الذين آمنوا و الإبراء إلى اللّه من عدوّهم و ليسلم لما انتهى إليه من فضلهم لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر اللّه من فضل أتباع الأئمة الهداة و هم المؤمنون قال فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فهذا وجه من وجوه من فضل أتباع الأئمة فكيف بهم و فضلهم و من سرّه أن يتمّ اللّه له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف للّه بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنّه قد

ص: 322

.....

______________________________

اشترط مع ولايته و ولاية رسوله و ولاية أئمة المؤمنين عليهم السّلام إقام الصلاة و إيتاء الزكاة، و إقراض اللّه قرضا حسنا، و اجتناب الفواحش ما ظهر منه و ما بطن، فلم يبق شي ء مما خسر مما حرم اللّه إلا و قد دخل في جملة قوله فمن دان اللّه فيما بينه و بين اللّه مخلصا للّه و لم يرخص لنفسه في ترك شي ء من هذا فهو عند اللّه في حزبه الغالبين و هو من المؤمنين حقا.

إياكم و الإصرار على شي ء مما حرّم اللّه في ظهر القرآن و بطنه و قد قال اللّه و لم يصرّوا على ما فعلوا و هم يعلمون يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط اللّه في كتابه عرفوا أنّهم قد عصوا اللّه في تركهم ذلك الشي ء فاستغفروا و لم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول اللّه تعالى وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

و اعلموا إنّما أمر و نهى ليطاع فيما أمر به و لينتهي عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه و قد أدرك كل شي ء من الخير عنده، و من لم ينته عما نهى اللّه عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبّه اللّه على وجهه في النار.

و اعلموا إنّه ليس بين اللّه و بين أحد من خلقه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له فجدّوا في طاعة اللّه إن سرّكم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا و لا قوّة إلّا باللّه.

و قال: عليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم فإنّ اللّه ربّكم.

و اعلموا أنّ الإسلام هو التسليم و التسليم هو الإسلام فمن سلم فقد أسلم و من لم يسلم فلا إسلام له و من سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع اللّه فإنّه من أطاع اللّه فلقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان.

و إيّاكم و معاصي اللّه أن تركبوها فإنّه من انتهك معاصي اللّه فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه و ليس بين الإحسان و الإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربّهم الجنة، و لأهل الإساءة عند ربّهم النار. فاعلموا بطاعة اللّه و اجتنبوا

ص: 323

.....

______________________________

معاصيه.

و اعلموا إنّه ليس يغني عنكم من اللّه أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا من دون ذلك، فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه فليطلب إلى اللّه أن يرضى عنه،) و أعلموا أنّ أحدا من خلق اللّه لم يصب رضاء اللّه إلا بطاعته و طاعة رسوله و طاعة ولاة أمره من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و معصيتهم من معصية اللّه و لم ينكر لهم فضلا عظم و لا صغر، و اعلموا أنّ المنكرين هم المكذبون و أنّ المكذبين هم المنافقون و أنّ اللّه تعالى قال للمنافقين و قوله الحق إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً و لا يفرقنّ أحد منكم الزم اللّه قبله طاعته و خشيته من أحد من الناس أخرجه اللّه من صفة الحق و لم يجعله من أهلها، فإنّ من لم يجعله اللّه من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الإنس و الجنّ فإنّ لشياطين الإنس حيلا و مكرا و خدائع و وسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه الذي لم يجعل اللّه شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء اللّه و أهل الحق في الشك و الإنكار و التكذيب فيكونون سواء كما وصف اللّه في كتابه من قوله سبحانه وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً ثمَّ نهى اللّه أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء اللّه وليا و لا نصيرا فلا يهولنّكم و لا يردّنكم عن النصر بالحق الذي خصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس و مكرهم و حيلهم و وساوس بعضهم إلى بعض فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحق فيعصمكم اللّه من ذلك فاتقوا اللّه و كفّوا ألسنتكم إلا من خير.

و إياكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور و البهتان و الإثم و العدوان، فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عما يكره اللّه مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم فإنّ ذلق اللسان فيما يكره اللّه و فيما ينهى عنه لدناءة للعبد

ص: 324

.....

______________________________

عند اللّه و مقت من اللّه و صمم و عمى و بكم يورثه اللّه إياه يوم القيامة فيصيروا كما قال اللّه صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ يعني لا ينطقون وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ و إيّاكم و ما نهيكم اللّه عنه أن تركبوه، و عليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم اللّه به في أمر آخرتكم و يؤجركم عليه و أكثروا من التهليل و التقديس و التسبيح و الثناء على اللّه و التضرع إليه و الرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره و لا يبلغ كنهه أحد فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى اللّه عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلود في النار لمن مات عليها و لم يتب إلى اللّه منها و لم ينزع عليها.

و عليكم بالدعاء فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل من الدعاء و الرغبة إليه و التضرّع إلى اللّه و المسألة له فارغبوا فيما رغبكم اللّه فيه و أجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا و تنجوا من عذاب اللّه.

و إيّاكم أن تشره أنفسكم إلى شي ء حرّم اللّه عليكم فإنّه من انتهك ما حرّم اللّه عليه هاهنا في الدنيا حال اللّه بينه و بين الجنة و نعيمها و لذتها و كرامتها القائمة الدّائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.

و اعلموا أنّه بئس الحظّ لمن خاطر بترك طاعة اللّه و ركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة و لذاتها و كرامة أهلها، ويل لأولئك ما أخيب حظّهم و أخسر كرّتهم و أسوأ حالهم عند ربّهم يوم القيامة استجيروا اللّه أن يجريكم من مثالهم أبدا و أن يبتليكم بما ابتلاهم به، و لا قوّة لنا و لكم إلا به.

فاتقوا اللّه أيتها العصابة الناجية إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم فإنّه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم و حتى تبتلوا في أنفسكم و أموالكم و حتى تسمعوا من أعداء اللّه أذى كثيرا فتصبروا و تعركوا بجنوبكم و حتى يستهذلوكم و يبغضوكم و حتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه

ص: 325

.....

______________________________

منهم تلتمسون بذلك وجه اللّه و الدار الآخرة و حتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في اللّه يحترمونه إليكم و حتى يكذبوكم بالحق و يعادوكم فيه و يبغضوكم الأذى في اللّه يحترمونه إليكم و حتى يكذبوكم بالحق و يعادوكم فيه و يبغضونكم عليه فتصبروا على ذلك منهم و مصداق ذلك في كتاب اللّه الذي أنزله جبرائيل على نبيكم صلّى اللّه عليه و آله سمعتم قول اللّه تعالى لنبيكم صلّى اللّه عليه و آله فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ثمَّ قال وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا فقد كذب نبيّ اللّه و الرسل من قبله و أوذوا مع التكذيب بالحقّ فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمد صلّى اللّه عليه و آله و الرسل من قبله فتدبروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه و أتباعهم المؤمنين ثمَّ سلوا اللّه أن يعطيكم الصبر على البلاء في السّراء و الضرّاء و الشدّة و الرّخاء مثل الذي أعطاهم.

و إيّاكم و مماظة أهل الباطل و عليكم بهدي الصالحين و وقارهم و سكينتهم و حلمهم و تخشعهم و ورعهم عن محارم اللّه و صدقهم و وفائهم و اجتهادهم للّه في العمل بطاعته فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم.

و اعلموا أنّ اللّه تعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق و عقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع اللّه له ذلك تمَّ إسلامه و كان عند اللّه إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقّا، و إذا لم يرد اللّه بعبد خيرا و كله إلى نفسه و كان صدره ضيّقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه و إذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط اللّه العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت و هو على تلك الحال كان عند اللّه من المنافقين و صار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه اللّه إن يعقد قلبه و عليه و لم يعطه العمل به حجة عليه فاتقوا اللّه و سلوه أن يشرح صدوركم للإسلام و أن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفّاكم و أنتم على ذلك، و أن يجعل منقلبكم منقلب الصّالحين قبلكم و لا

ص: 326

_________________________

قوّة إلا باللّه هو الحمد للّه ربّ العالمين و من سرّه أن يعلم أنّ اللّه يحبه فليعمل بطاعة اللّه و ليتبعنا ألم يسمع قول اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ و اللّه لا يطيع اللّه عبد أبدا إلا أدخل اللّه عليه في طاعته اتباعنا، و لا و اللّه لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبّه اللّه، و لا و اللّه لا يدع اتباعنا أحد أبدا إلا أبغضنا، و لا و اللّه لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى اللّه، و من مات عاصيا للّه أخزاه اللّه و أكبه على وجهه في النار و الحمد للّه رب العالمين» (1).

و لا يخفى على المتتبع أن أصحابنا المحدّثين قد قطعوا هذه الرسالة إلى أحاديث كثيرة في موارد متفرّقة، و جميع ما تقدم من مصاديق جهاد النفس المتقوّم بالعمل و مخالفة الهوى فنسأل اللّه تعالى أن يوفقنا للعمل بها دون مجرّد العلم و جمع الأخيار.

انتهى الجزء الخامس عشر و يبدأ المجلد السادس عشر بأول المعاملات و الحمد للّه ربّ العالمين.

محمد الموسوي السبزواري

_______________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 327


1- الوافي ج: 14 باب: 14 من أبواب الخطب و الرسائل صفحة: 30.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.